في الكتاب الذي صدر مؤخراً عن مركز أبوظبي للغة العربية، التابع لدائرة الثقافة والسياحة بعنوان "بصيرة حاضرة: طه حسين من ست زوايا" لمؤلفه الباحث عمار علي حسن، انطلق من سؤال محفّز لتأليف كتابه هذا، هو: بعد كل هذه السنين التي تتابعت منذ رحيل طه حسين "هل أثر العميد ما يزال قابلاً للتداول والتفاعل، أو أنه صار جزءاً من تاريخ المعرفة؟".

طه حسين ابن الحضارة الشرقية المتحاور بوعي واستقلال مع الحضارة الغربية

طه حسين فتح قوس النهضة ولم يُغلق بعد ولن يُغلق

فالقضايا التي عالجها تقادمت، والمسائل التي تصدى لها بَعُدَت عنا، والشكل الذي أخذته نصوصه الأدبية، وكذلك الأسلوب، قد تجاوزه الكتّاب العرب فيما استحدثوه من أشكال وصيغ وأساليب وطرائق فنية.. إلا أن المؤلف رأى أن القراءات حول "بيان النهضة" الذي مثّله طه حسين، ثمة من يراه أنه قد أدى دوراً مؤثراً، ثم صار تاريخاً.. ومنهم من رأى العكس، فوجده بياناً باقياً، وصوتاً من أصوات حاضر النهضة، وطرفاً من أطراف تناقضات هذا الحاضر وصراعاته.. وفي نظر حسن أن الخلاف على الرجل وأثره سيبقى ما بقي الخلاف على وجهة النهوض العربي الحديث وآفاقه، التي لا تبدو ماثلة حتى هذه اللحظة. 

مأثرتان وصرامة علمية يضم كتاب الباحث عمار علي حسن مأثرتين، الأولى وهي دراسة فكر طه حسين من ست زوايا، هي: المنهج والنص والذات والصورة والموقف والأفق.. والمأثرة الثانية تتجسد في قوله: "بوسع هذا المنظور أن يمتد أيضاً إلى دراسة الأدباء البارزين، مع استبدال بسيط، يتمثل في إحلال المعيار أو البنية بديلاً للمنهج، إذ أن الأخير لا غنى عنه لأي مفكر أو فيلسوف، بل هو الذي يميزه من غيره، ويبرهن عما إذا كان قد قدّم رؤية متسقة ومتناغمة أم العكس هو الصحيح".
ثم مضى الباحث حسن يعرض المشروع التنويري لطه حسين، ففي حديثه عن الزاوية الأولى التي درسها، وهي المنهج، رأى أن طه حسين اتبع اقتراباً ومنهجاً يقوم على "الصرامة العلمية"، وتقليب كل ظاهرة أو حدث على شتى وجوهه، وبناء إستراتيجيات ناجعة في الحجاج، ورفع الالتباس عن قضايا شائكة، وعرض مختلف الآراء حوله، وإعلاء قيمة الشك في سبيل الوصول إلى الحقيقة، معتمداً على "التلاقح" و"التراكم".. أي أن منهج طه حسين قام على عدة خصائص هي الحوارية والتعدد، والشك والتثبّت، والإفاضة والإحاطة، وتعدد زوايا الرؤية والاهتمام، والتمييز في الدرس بين العلم والدين.. هذه السمات هي التي جعلت لمنهجه أثراً يختلف عليه الناس، لكن لا يمكن لمنصف أن ينكر ما جاد به من إيجابيات على التفكير والتدريس والبحث في العالم العربي.
وجوه متعددة للعميد

وفي زاوية النص: درس أسلوب طه حسين ولغته الشفاهية التي اعتمدت على آليات التخيل والاسترجاع والتكرار وحضور الموسيقى.. وفي الذات: رأى الباحث عمار علي حسن، طه حسين صاحب الوجوه المتعددة، إذ أنه الأزهري والمدني، والريفي والمديني، وابن الحضارة الشرقية المتحاور بوعي واستقلال مع الحضارة الغربية، يبحث عن الحكمة أنى وجدها فهو أولى بها، وهذه الثنائيات ما تزال محل أخذ ورد في الثقافة العربية المعاصرة، يُضاف إليها بالطبع تلك المقابلة بين البادية والحضر.

وعن الصورة مضى يقول حسن: طه حسين يظل، بعد مرور ما يقرب من نصف قرن على وفاته، صاحب مكانة رفيعة وهيبة لا يبليها الزمن، بل يبدو أسطورة ذاتية، في نظر محبين ومنصفين له، على الرغم من الانتقادات التي وجهت إليه، سواء من شباب تسرعوا في تقييم مشروعه، أم قرأوه مبتسراً، أم من خصوم سياسيين.. ولطه حسين عدة صور هي: قاهر الظلام، والتلميذ النجيب، والأستاذ البارع، وصاحب المكانة الرفيعة، والمجدد، والمتحايل، والذي صار أسطورة، والمواطن العالمي.

أما في الموقف فقد: جمع طه حسين بين التفكير والتعبير والتنظير والتدبير، فصار مفكراً عملياً، ومثقفاً منتمياً، إثر خوضه تجربة حزبية، وأخرى تنفيذية حين تولى وزارة المعارف، وثالثة إدارية حين صار عميداً لكلية الآداب - جامعة القاهرة، وحين أنشأ وأدار جامعة الإسكندرية، وكانت له تجربة مهمة في المعهد العالي للدراسات العربية، لجامعة الدول العربية.. وجمع طه كذلك بين موقفين في طرح أفكاره، الأول كان سافراً متسماً بالعناد، ورأيناه في معاركه ضد المنفلوطي حول اللغة، أما الثاني فكان متحايلاً، حين غير بعض الآراء التي وردت في كتابه "في الشعر الجاهلي" وأعاد طباعته تحت عنوان "في الأدب الجاهلي"، لكن موقف طه حسين يمتد إلى قضايا أعمق مثل موقفه من العدالة الاجتماعية، والحرية والديمقراطية، ومناصرة حقوق المرأة، والسلطة والأحزاب السياسية، والعلاقة بين الشرق والغرب، وبين القديم والجديد من الفكر والأدب.

مَلكة الحوار وطريق التعدد

 وفي زاوية الأفق: تحدث فيها الباحث حسن عما تحقق من مشروع طه حسين، وما لا يزال ينتظر، ومصيره هو، نصاً ومنهجاً وموقفاً، وهو الرجل الذي كان يخشى "موت الكاتب" بعد رحيله عن الدنيا، أي ضياع منجزه بعد تحلّل جسده، ليَصير مجرد ذكرى، تُستعاد بين حين وآخر، أو لا يلتفت إليها أحد.

بناء على ما سبق، والكلام للمؤلف الباحث عمار علي حسن، تقوم خطة هذه الدراسة البينية، التي تنهل، وإن جزئياً، من مسار علم اجتماع المعرفة ومسالك النقد الأبي والتأريخ له.. ثم نبه الباحث حسن إلى أن طه حسين قد تعلم ملَكَة الحوار وطريق التعدد من ثلاثة روافد أساسية هي: الفقه الإسلامي، والفلسفة والمسرح اليوناني، ثم المسرح الفرنسي.. فالأول يعتمد على تعدد الآراء، والثانية كان الحوار والجدل يشكل جانباً رئيسياً منها، أما الثالث فهو حواري بطبعه.. ثم مضى الباحث عمار علي حسن يحلل لنا تلك الزاويا الست ومميزاتها وكيف امتلكها عميد الأدب الذي في نظره قد فتح قوس النهضة بانورامياً، ولم يُغلق بعد، ولن يُغلق، ولا يجب أن يحدث له هذا، إذ أن النهوض صيرورة لا تتوقف، وبعض دور المثقف فيها هو ألا يكف عن المشاكلة والمشاغبة والإضافة والإفاضة بما يواكب حياة تتدفق بلا هوادة، وقضايا تتجدد بلا توقف، واحتياجات لا تكف عن الظهور والإلحاح، وتحديات تتوالى وتنادي دوماً مَن عليهم أن يستجيبوا لها.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: زلزال المغرب التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني طه حسين طه حسین

إقرأ أيضاً:

القومي للمرأة يهنئ ماري زكي بالشارة الدولية في تحكيم الجودو

يتقدم المجلس القومي للمرأة برئاسة المستشارة أمل عمار وجميع عضواته وأعضائه، بخالص التهاني إلي الكابتن ماري زكي لحصولها علي الشارة الدولية في تحكيم الجودو، لتصبح أول محكمة مصرية تنال هذا الاعتماد الرسمي من الاتحاد الدولي للجودو (IJF)، وذلك بعد اجتيازها بنجاح لاختبارات التحكيم التي أقيمت ضمن فعاليات بطولة آسيا للناشئين والشباب التي استضافتها كازاخستان.

وعبرت المستشارة أمل عمار رئيسة المجلس، عن اعتزازها بهذا الإنجاز الجديد، الذي يُضاف إلى سجل المرأة المصرية الحافل بالنجاحات في الساحات الرياضية العالمية.

وأشارت رئيسة المجلس القومي للمرأة، إلى أن الحكمة ماري زكي تمثل قدوة ملهمة للفتيات والأجيال الصاعدة، وتجسد الصورة الحقيقية لما تتمتع به المرأة المصرية من إمكانات وطموحات لا نهائية، متمنية لها استمرار التألق وتحقيق المزيد من الإنجازات في المستقبل.

جدير بالذكر أن الكابتن ماري زكي لاعبة نادي الزهور السابقة تعد من الأسماء المتميزة في ساحة الجودو المصري، وقد مثلت بلدها سابقًا في بطولات متعددة، قبل أن تتجه للتحكيم وتواصل مشوارها بخطى ثابتة نحو العالمية.

طباعة شارك الكابتن ماري زكي القومى للمرأة المجلس القومي للمرأة أمل عمار المستشارة أمل عمار

مقالات مشابهة

  • باحث: ترقب من المستثمرين لإعلان الفيدرالي الأمريكي بشأن الفائدة
  • تقدم الى مكتب الصحة والبيئة بأمانة العاصمة الصيدلاني د عمار الذانبي بطلب تغيير اسم صيدليته
  • القومي للمرأة يهنئ ماري زكي بالشارة الدولية في تحكيم الجودو
  • أستاذ إدارة أعمال: جذب الشركات الأجنبية ينقل المعرفة للمملكة ويتيح للشباب توسيع أفكارهم
  • برلماني يحذر من دعوات الكيانات الإرهابية للتظاهر: مصر لا تتاجر بالقضية الفلسطينية
  • باحث يكشف عن رحلة تنقل تمثال أثري يمني في المزادات العالمية
  • رحيل فيلسوف أسلمة المعرفة والعلوم (بورتريه)
  • الشباب يرغب في استعادة عمار الخيبري
  • جامعة الملك خالد.. اختتام برنامج "الباحث الموهوب" بمشاركة 25 طالبًا
  • اختتام «أجيال المعرفة الوطني الصيفي 2025» في العين