بعدَ طولِ إنتظارٍ وعقب حلقاتِ إشتباكات مُتعدّدة بدأت أواخر تمُّوز الماضي وتكرَّرت في أيلولَ الحالي، بدأت القوّة الأمنيّة الفلسطينية المُشتركة، أمس الإثنين، إنتشاراً في مخيم عين الحلوة في أكثر من نقطة "عاديّة" أبرزها سنترال البراق الفاصل بين منطقتي الصَّفصاف والبركسات، عكبرة، الطيرة، الرأس الأحمر.  
صحيحٌ أنَّ هذا الإنتشار أعادَ ولو بجزء قليل صورة "الإستقرار" إلى المُخيّم، لكنّهُ لم يُنه المشكلة الأساسية المرتبطة بالجماعات المُسلحة المُتحصِّنة هناك وبترسانتها العسكريّة التي يُرجّح أن تكون تعزّزت أكثر خلال فترة الهدنة التي تلت الإشتباك الأخير والذي انتهى قبل أكثر من أسبوعين بوساطة من رئيس مجلس النواب نبيه بري مع حركتي "فتح" و "حماس".

  
بشكلٍ فعلي، فإن ما فعلته القوّة الأمنية المُشتركة هو خطوة أولى مطلوبة، لكنَّ تأثيرها لن يظهر الآن، فالإختبارُ الأكبر سيكون في نقطتين: الأولى على صعيد جلب المطلوبين المتهمين باغتيال القياديّ في حركة "فتح" اللواء أبو أشرف العرموشي، فيما الثانية تتصلُ بقدرة تلك القوّة على إبعاد مسلحي جماعتي "جند الشام" و"الشباب المُسلم" عن مدارس "الأونروا" في المخيم وتولي السيطرة عليها. 
في كلتي الحالتين، ما يظهر في المُخيم حالياً هو أنَّ الوضع سيبقى على حاله رغم إنتشار القوة، فـ"أساس" المُشكلة لم يُحل. التنظيمات المسلحة ما زالت موجودة بعتادها وعديدها، فيما المخيم ما زال خاضعاً لـ"مربعات أمنية" قسّمتهُ لأحياءٍ متصارعة في ما بينها، في حين أنَّ المسؤولين الأوائل عن إحداث توتر المخيم وتنفيذ جرائم اغتيال داخله مثل الأخوين هيثم ومحمد الشعبي وبلال بدر، ما زالوا "يسرحون ويمرحون" في المناطق التي يسيطرون عليها. 
مخاوف من إختراقٍ وإشتباك 
اللافتُ خلال خطوة إنتشار القوة الأمنية في المخيم هو وجود مُسلحين "مقنعين" في أوساط عناصرها، وهو أمرٌ طرح علامات إستفهام بشأنه. مصادر فلسطينية كشفت لـ"لبنان24" إنَّ هذا الأمر أثيرَ يوم أمس عقب الإنتشار بين عدد من المتابعين لملف التوتر، كما أن تساؤلات عديدة طُرحت حول هوية ودور هؤلاء المُسلحين الملثمين".  
في غضون ذلك، تخوفت المصادر عينها من أن تستغل المجموعات المسلحة وجود المقنعين لتسريبِ عناصر إلى عديد القوة المُشتركة بالزي واللباس نفسه، وتضيف: "ما الذي يمنع ذلك وتحديداً خلال الليل؟ من سيتعرَّف على هوية الشخص المُقنع الذي بإمكانه الإندماج ضمن القوة الأمنية أو الإنتقال عبر نقاطها من خلال حملِ شارتها. هناك أمرٌ مماثل حصل خلال الإشتباكات الأخيرة، إذ تبين أن مجموعة تابعة للقيادي في "كتائب عبدالله عزّام" محمد جمعة (أبو جنى) نفذت هجوماً ضدّ فتح انطلاقاً من حي المنشية باتجاه الطيري، والمفارقة هنا أن تلك المجموعة اعتمدت أسلوب تمويهٍ قائم على حمل شارات الحركة خلال تنفيذ عمليتها كي لا يتمّ التشكيك بها".  
وتوازياً مع ذلك، لم تُخفِ المصادر الفلسطينية قلقها من وقوع إشتباكٍ عنيف بين عناصر القوّة الأمنية من جهة ومُسلّحي "جند الشام" و "الشباب المسلم" من جهةٍ أخرى، وذلك في حال تقرّر تنفيذ عملية جلب المطلوبين باغتيال العرموشي من داخل أحياء حساسة جداً. بحسب المصادر، فإنَّ هذه القوة ستكون "عنصراً مكشوفاً" للمسلحين، فهي لا تتحصّن خلف "دُشمَ" كما أنّها ليست محمية أمنياً بما فيه الكفاية ضمن الجبهة، وتقول: "بكل بساطة، لا أمان مع المسلحين، والخوف هو أن يتمّ الغدرُ بالقوة أثناء تقدُّمها بإتجاه مناطق محورية كحي الطوارئ والتعمير التحتاني... من الممكن أن تبادر عناصر غير منضبطة إلى افتعال إشتباك وبالتالي استهداف عناصر القوة الأمنية.. عندها، يمكن القول إنّ أمر العملية العسكرية بات مطلوباً لإنهاء وجود المسلحين". 
إزاء ما يُقال هنا، تقول معلومات "لبنان24" إنَّ حركة "فتح" ورغم إنتشار القوة الأمنية، لم تنفِ بتاتاً خيار اللجوء إلى القوة العسكرية لتطهير المُخيم من المسلحين في حال تعذرت عملية تسليم المطلوبين، كاشفةً أنَّ الحركة كثفت إتصالاتها مؤخراً مع مختلف القوة الفلسطينية لمتابعة كافة التفاصيل الميدانية، كما عزّزت إنتشار عناصرها على مختلف المحاور وذلك بالتزامن مع الخطوة الأمنية الأخيرة داخل المخيم". 
تصفية مُفاجئة 
اللافت وسط كل هذه "المعمعة" أنّ مسؤولي حركة "حماس" يمتنعون تماماً عن الغوص في أي تفاصيل تتعلق بعملية التواصل مع المطلوبين داخل المخيم عبر وسطاء، وتشيرُ مصادرها إلى أنّ هذا الأمر ما زال "طي الكتمان" وسريّا للغاية. في الوقت نفسه، تكشف المصادر لـ"لبنان24" أنَّه حتى الآن "لا ضمانات" لتأمين تساهلٍ في الملفات العالقة مثل تسليم المطلوبين، كما أنهُ لا "بوادر إيجابية" بشأن الإنكفاء عسكرياً في أكثر النقاط حساسية داخل المخيم لاسيما في تجمع المدارس وغيره.  
الأمرُ الأخطر الذي تحدّثت عنه مصادر ميدانية فلسطينية هو أنّ يفتعل المسلحون معركة يزجّون خلالها العناصر المطلوبة بقتل العرموشي كـ"دروع بشرية"، وتضيف: "من الممكن أن يكون الإشتباك المُتوقع بمثابة خطوة عملية للمسلحين لإنهاء حياة المطلوبين غدراً  والقول إنَّ القوة الأمنية المشتركة هي التي أقدمت على ذلك.. الأمرُ هذا غير مُستبعد ويمكن أن يحصل ولهذا الأمر يجب الحذر تماماً من أي سيناريو قد يفرض نفسه ميدانياً وعسكرياً".  
   المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: القوة الأمنیة ة الأمنیة فی الم القو ة

إقرأ أيضاً:

قتل العلماء أو قتل القوة؟

إن ظاهرة قتل العلماء ليست جديدة، والبلدان العربية التي راهنت مبكراً على العلم، خصوصاً تلك التي تعلّقت همتها بالتعمق في مجال الفيزياء النووية، مثل مصر والعراق -ومن غير العربية نذكر إيران- فقد كان مصير غالبية العلماء الكبار الاغتيال والتصفية في ظروف غامضة، مع إغلاق ملفات موتهم الغامض بالعبارة الشهيرة: ضد مجهول.

في العقود الماضية كان خبر اغتيال العالم يدور في نطاق ضيق؛ لذلك يظل الحدث ضيقاً، وفي دوائر قريبة، كما يظل فاعل الجريمة غير معروف حتى لو بدا في منطق تحليل الجرائم معروفاً، وهو ما يجعل من الاتهامات مجرد فرضيات.

أما اليوم فالملاحظ أن الأمور تغيّرت: إسرائيل تُعلن تأكيد اغتيالها عدداً من العلماء النوويين في إيران، وتكشف طوع إرادتها حتى عن بعض ملابسات الاغتيال كالتوقيت، بل أيضاً تتباهى بأنها قتلتهم وهم نيام في أسرّتهم. وطبعاً في الحروب لا يعترف طرف الحرب إلا بما يخدم صورته، ويمثل استعراضاً لقوته وانتصاراته. المشكل الآخر أن الأخبار تناقلتها وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي كأي خبر عادي. لا شيء يوحي بخصوصية في المعالجة الإعلامية لأخبار القتلى الذين يوصفون بأنهم: علماء.

ماذا يعني هذا: هل أن قتل العلماء أمر مباح؟ أم أن أي حرب تهدف إلى إيقاف مشروع امتلاك النووي تشترط اغتيال علماء النووي بوصفه جزءاً أساسياً ومركزياً من الحرب؟

منهجياً، الأمر مفهوم جداً باعتبار أن هدف الحرب وسببها ورهاناتها وتحدياتها تحدد الفئة المستهدفة بالتّصفية. ولنتذكر جيداً أن حرب إسرائيل ضد أهالي غزة حددت الفئة المستهدفة بالقتل بدقة: قتل الأطفال والنساء، وعدم الاكتراث بأصوات المدافعين عن حقوق الإنسان والمدافعين عن الطفولة؛ لأن الحرب ضد شعب يتميز بمعدل خصوبة يبلغ قرابة 3.7 في المائة (هذا الرقم قاله لي وزير الشؤون الاجتماعية في فلسطين منذ ثلاث سنوات تقريباً أثناء زيارته تونس)، ناهيك بأنها حرب ضد مستقبل الفلسطينيين والأجيال القادمة والوجود الفلسطيني ذاته، الأمر الذي استوجب تكتيكاً يقوم على التصفية الديموغرافية، بالتركيز على الطفل لأنه المستقبل، والمرأة لأنها الكائن الذي يضطلع بمهمة الإنجاب.

أما حرب إسرائيل على إيران فإن همها ليس الشعب الإيراني، ولا الطفل الإيراني، ولا النساء الإيرانيات، ولا حتى النظام الإيراني كما رأينا، بل هي حرب قياس القوة، وكسر الحاجز النفسي، وبعثرة المشروع النووي الإيراني بإرباكه، واغتيال أكثر ما يمكن من علمائه، وضرب منشآته.

لنأتِ الآن إلى الرسائل المفضوحة من استعراض قتل العلماء: أولاً، من المهم التذكير -حتى لو كان لا وزن أخلاقياً أو قانونياً دولياً لذلك- بأن قتل العلماء يُعد جريمة مضاعفة؛ لأنها تستهدف العالم المغدور به أولاً، وتستهدف العقل البشري والعلم ثانياً.

كما أن ما نعلمه أن العلم غير محدود، ولا يعرف حدوداً، ومنطقياً لا يمكن أن يكون اختيار العَالِم البحث أو الطموح في مجال ما سبباً في قتله، فالمشكلة في الجانب الرمزي الذي يجب ألا يستبيح قتل العلماء، وأن يجعل من العلم سبباً للقتل والتصفية.

كذلك هناك تفصيل آخر يتعلق بأن المشكلة ليست في الفيزياء النووية بوصفها طريقاً لامتلاك القوة، بدليل أن علماء الدول القوية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، ليسوا مهددين بالقتل بقدر ما يُمثلون طموح أميركا وقوتها.

إذن الإشكال في الانتماء الحضاري، وفي جنسية العالم الذي نبغ في الفيزياء النووية أو في أي مجال له صلة بالقوة. فالرسالة التي نسوقها بعيداً عن ذهنية المؤامرة أو حتى التخمين لأننا نكتفي بمجرد التوصيف والتأويل الأولي: ممنوع على الدول غير المنتمية لنادي الكبار امتلاك القوة والطموح علمياً.

الأجدر بالإنسانية اليوم محاربة المشروع النووي من جذوره؛ ممنوع على الجميع امتلاكه، بل إن استئثار عدد من الدول به من دون غيرها هو ما يحرض البقية على القيام بمحاولات لامتلاكه، بصفته أكبر دليل على اختلال الفرص والحقوق في موازين القوى.

فالمشكلة ليست في معارضة المشروع النووي الإيراني، بل في عدم معارضة المشروع الإسرائيلي، وفي دعم إسرائيل. ولا شك في أن هذه الوضعية الملتبسة من المنع لطرف والسماح لعدوه هي التي جعلت منطقة الشرق الأوسط بؤرة توتر دائمة من منطلق أن وجود مشروع نووي لا يمكن أن يبعث على الشعور بالراحة والأمن والاستقرار؛ لأن في لحظة امتلاكه يصبح القوة الوحيدة، ومن حوله في حالة تهديد على الدوام.

بيت القصيد: منع امتلاك النووي في منطقة الشرق الأوسط لن يكون إلا إذا شمل الجميع، وعلى رأسهم إسرائيل. ومن دون ذلك ستظل المنطقة في اشتعال، ودوران في حلقة مفرغة من تراكم المشروع ثم افتعال حرب لإرباكه وقتل العلماء، مع ما يعنيه ذلك من معانٍ أخلاقية وقانونية وعلمية محبطة.

وعلى الدول المالكة للسلاح النووي أن تبدأ بنفسها كي تشق طريق السلام على أسس سليمة.

الشرق الأوسط

مقالات مشابهة

  • في ختام أسبوعه الأول.. المخيم الطبي الثاني لجراحة حَوَل العين ينجز 150 عملية جراحية مجانية في المخاء
  • الخارجية الإيرانية: نرغب بالدبلوماسية وعلى واشنطن عدم استخدام القوة خلال التفاوض
  • قتل العلماء أو قتل القوة؟
  • الأخبار الحلوة ما بتستنى! امتلك سيارتك من المركزية تويوتا بأسعار مطابقة لتعرفة الجمرك الجديدة
  • عاجل- مصر تُحذر من "هيمنة مائية" إثيوبية وتُجدد رفضها القاطع لفرض الأمر الواقع في أزمة سد النهضة
  • مفاجأة.. كريم الدبيس يقترب من الرحيل عن الأهلي
  • هندسة التجويع في غزة
  • ستاد المحور: كريم الدبيس يقترب من الرحيل عن الأهلي
  • القبض على نجم الترجي التونسي في فرنسا.. تفاصيل
  • أحالها للجهات الأمنية والخدمية المعنية.. “911” يتعامل مع 2,888,032 اتصالاً خلال يونيو 2025