هل البرهان رئيس غير شرعي؟
تاريخ النشر: 27th, September 2023 GMT
نحن دخلنا في فترة إنتقالية منذ بيان إبنعوف في 11 أبريل 2019. لم تعد هناك أي جهة شرعية منتخبة من الشعب، ووثيقة كورنثيا التي وُقعت بين العسكر والقحاتة كانت وثيقة توافقية قائمة على شرعية الشراكة التوافقية.
وحينما فشل هذا التوافق (الجزئي والمنقوص) جاءت اجراءات 25 أكتوبر 2021 التي قضت بفض الشراكة مع ما تبقى من الحرية والتغير التي كانت قد تفككت بخروج الحزب الشيوعي وحزب الأمة والجبهة الثورية وكيانات كرتونية أخرى.
وكل طرف يتبنى موقف إقصائي غير توافقي مع الآخر؛ فكانت قحت المجلس المركزي تصر على فرز وتصنيف القوى السياسية بمعاييرها هي، وتقرر من يحق لهم المشاركة في الفترة الإنتقالية وبأي صفة ومن لا يحق لهم، ساعدها في ذلك المطرود سيء الذكر فولكر وبعثته والآلية الثلاثية وكذلك أيضاً الآلية الرباعية التي تعاملت بانحياز تجاه أحزاب قحت المركزي. وفي الجهة الأخرى هناك الحزب الشيوعي وما يسمى بالجذريين،
وهؤلاء يزايدون على قحت نفسها قبل أن يزايدوا على الآخرين، ويدعون بأنهم الأحق بالسلطة باسم الشعب والثورة. في مقابل قوى الثورة بشقيها الإقصائي ممثلاً في قحت والأكثر إقصائية ممثلاً في ما يسمى بالجذريين من لجان مقاومة وشيوعيين وواجهاتهم، كانت هناك قوى سياسية واجتماعية تنادي بالحوار وبالتوافق الشامل، وهنا لابد من الإشادة بموقف حركات جوبا (رغم أنف البعض الذي لا يريد أن يحفظ لهم هذا الحق) التي ظلت مع شعار التوافق وضد الإقصاء ورفضت الانضمام للاتفاق الإطاري رغم كل الضغوط والتي وصلت حد التهديد.
هكذا هي الفترة الإنتقالية؛ حالة من الفشل وانعدام المسئولية وضيق الأفق وغياب الرؤية. وكانت نتيجة ذلك الحتمية هي الحرب الحالية، مع عوامل أخرى بالطبع.
الفترة الانتقالية بطبيعتها هي فترة تستدعي التوافق؛ أوسع توافق ممكن. ولكن هذا لم يحدث. لأن هناك قوى اعتقدت أنها قد ملكت السودان بوهم اسمه الثورة. ولكنها هي نفسها قد فشلت سياسيا وأخلاقياً وأيضاً فشلت تنظميماً حيث تفكك تحالف الحرية والتغيير. وفي النهاية حتى الحكومة الانتقالية التوافقية هي -بالتعريف- حكومة توافقية ليس لها شرعية بنفس معنى شرعية الحكومة المنتخبة مة الشعب.
وسط كل هذه الفوضى، تظل مؤسسة الجيش هي المؤسسة الوحيدة التي يلتف حولها الشعب. ولقد لجأت إليها منذ البداية جموع المتظاهرين في أبريل 2019، وما يزال الشعب يضع ثقته فيها، ويقف معها باعتبارها صمام الأمان الأخير لوحدة واستقرار البلد. .
ومع ذلك، فالبرهان قائد هذه المؤسسة ورأس الدولة الحالي ليس شرعياً؛ لا لأن قحت هي الممثل الشرعي للشعب أو حمدوك هو رئيس الوزراء الشرعي، ولكن لأنه رئيس انتقالي في مرحلة إنتقالية مضطربة لا تقبل مفهوم الشرعية أساساً؛ فالكلام عن الشرعية في مرحلة إنتقالية لا معنى له. ولكن البرهان هو الرئيس المناط به، بحكم موقعه كقائد للجيش وأيضاً كقائد للتغيير منذ 13 أبريل 2019 أي قبل خطأ وثيقة كورنثيا، يقع على عاتقه إخراج هذه البلد إلى بر الأمان، هذه مسئوليته. يجب عليه أن يعيد السلطة إلى الشعب نعم، ولكن ليس إلى شتات ثورة ديسمبر،
ويجب عليه قبل ذلك المحافظة على كيان الدولة ووحدتها وتماسكها واستقرارها. وهو يقوم الآن بهذا الواجب. بقي عليه أن ينتصر على المليشيا المتمردة ومخططاتها هي ومن يقف معها وخلفها، ويسانده الشعب في ذلك، ثم عبر الحوار والتوافق تشكيل حكومة لقيادة البلد في فترة إنتقالية تنتهي بانتخابات يقول فيها الشعب كلمته.
ولذلك، فإن الكلام عن شرعية البرهان هو كلام خارج السياق وبدون أي معنى. أما ادعاء شرعية حكومة حمدوك ومحاولة توظيف ذلك لتحقيق أي مكاسب سياسية لمجموعات حزبية فهذا هو الجنون بعينه. فحكومة حمدوك من البداية كان يجب أن تكون حكومة كفاءت وطنية مستقلة، ومشاركة حزب سياسي في الفترة الانتقالية هي بحد ذاتها خطأ وجريمة سياسية، ناهيك عن احتكار الفترة الإنتقالية وادعاء الشرعية دون الآخرين بدون أي تفويض من الشعب، فهذا عبارة جنون.
حليم عباس
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
صدام علني بين الحلفاء.. الإخوان يكشفون دورهم في حرب السودان
شهدت الساعات الأخيرة داخل معسكر بورتسودان تصاعدًا لافتًا في التوتر بين قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وقيادات الحركة الإسلامية المسلحة التي تقاتل إلى جانب القوات الحكومية، بعد تفجر خلاف علني على خلفية تصريحات البرهان التي نفى فيها وجود عناصر من الإخوان المسلمين أو كوادر الحركة ضمن قواته المنخرطة في الحرب منذ أبريل 2023.
غير أن النفي لم يمرّ مرور الكرام؛ إذ ردّت قيادات الحركة الإسلامية بسلسلة تسجيلات ومقاطع فيديو تثبت—وفق روايتهم—مشاركتهم المباشرة في العمليات الجارية، بل وتظهر أنهم "العصب الرئيسي" للقتال، بينما اعتبر بعضهم أن الجيش السوداني لا يمكنه الاستمرار دون دعمهم.
وفي أحدث ردٍّ على تصريحات البرهان، قال أحمد عباس، والي سنار الأسبق في عهد نظام البشير، إن "من يديرون الحرب الآن هم الحركة الإسلامية، وإن 75% من المقاتلين الذين يقاتلون مع البرهان هم من أفراد الحركة". وأضاف بتحدٍّ: "هل ما زال هناك من ينكر أن الحرب في السودان هي حرب الحركة الإسلامية؟"
وأكد عباس أن الحركة الإسلامية لا تعمل في الظل، بل تمارس دورها بشكل مباشر، قائلاً: "نحن من نسند الحكومة، ونحن من يجلب لها الدعم… وحتى علاقاتها الخارجية تُحلّ عبرنا". كما شدد على أن التنظيم لا يزال يسيطر على جزء كبير من اقتصاد البلاد، رغم حلّ لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو.
من جانبه، يواجه البرهان انتقادات متزايدة بعد إنكاره أي وجود للإخوان داخل السلطة التي يديرها حاليًا، رغم أن الواقع الميداني—وفق مراقبين—يشير إلى هيمنة واسعة لعناصر التنظيم على مفاصل الدولة العسكرية والمدنية. وهو ما أكده القيادي الإسلامي عبدالحي يوسف خلال ندوة في إسطنبول حين قال: "البرهان أعجز من أن يقضي على الإسلاميين لأنهم موجودون حتى في مكتبه".
تصريحات يوسف وعباس فتحت الباب واسعًا أمام تساؤلات حول حجم الشرخ بين المؤسسة العسكرية وقيادات الحركة الإسلامية التي تُعد الشريك الأبرز للجيش في الحرب الدائرة مع قوات الدعم السريع.
وفي تصريحات لموقع سكاي نيوز عربية، قال الطيب عثمان يوسف، الأمين العام للجنة تفكيك التمكين، إن حديث البرهان عن عدم سيطرة الإخوان على السلطة "يكذبه الواقع"، مقدّرًا نفوذهم بما يفوق 95% من أجهزة الدولة ومؤسساتها. وأضاف أن اللجنة تمتلك من الأدلة ما يكشف حجم الجرائم والفساد الذي مارسه التنظيم وكيفية تمكين كوادره داخل قطاعات الأمن والقضاء والاقتصاد.
ويرى محللون أن هذا الجدل العلني غير المسبوق بين طرفي التحالف الحكومي–الإسلامي لا يُعد مجرد سجال إعلامي، بل يعكس أزمة بنيوية عميقة داخل المعسكر الذي يقود الحرب. فبينما يسعى البرهان لإظهار الجيش كقوة وطنية مستقلة بلا هوية أيديولوجية، يتمسك الإسلاميون بإبراز دورهم المركزي كقوة قتالية وتنظيم سياسي يريد فرض نفسه لاعبًا رئيسيًا في مرحلة ما بعد الحرب.
ويحذر خبراء من أن هذا التوتر المتصاعد قد يكون مقدمة لتحولات أكبر في بنية التحالف القائم، خصوصًا في ظل الضغوط الدولية والإقليمية المتزايدة، وتراجع الوضع الميداني في عدة جبهات.
ومع استمرار الحرب وتعقّد المشهد، تبدو العلاقة بين الجيش السوداني وحلفائه الإسلاميين مرشحة لمزيد من الانفجار، وسط مؤشرات على صراع نفوذ داخل السلطة المؤقتة. ففي وقت يسعى البرهان إلى تقديم نفسه للمجتمع الدولي كلاعب مستقل، يصر الإخوان على تذكيره بأنهم جزء أساسي من قوته على الأرض.
وبين الاتهامات المتبادلة والظهور العلني للتنظيم، يبدو أن الحرب في السودان لم تعد فقط مواجهة عسكرية، بل صراعًا داخليًا على السلطة والشرعية ومسار الدولة خلال المرحلة المقبلة.