لجريدة عمان:
2025-12-13@20:50:50 GMT

فيسبوك.. وإغراء التكاذب!

تاريخ النشر: 27th, September 2023 GMT

لطالما كان الروائي والفيلسوف الإيطالي الراحل أمبرتو إيكو صاحب رواية «اسم الوردة» من أوائل الذين انتبهوا إلى خطورة ما يضخه فيسبوك من إغراء بامتلاء كاذب في نفوس مستخدميه متى ما نفخ أولئك المستخدمون ريشهم من أثر الأوهام التي تضخها اللايكات والتعليقات؛ حين قال ذات مرة: «أدوات مثل تويتر وفيسبوك تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فورا.

أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل. إنه غزو البلهاء».

ربما يحسب البعض هذا الكلام تعاليا من الفيلسوف على حق مطلق للبشر في أن تكون لهم منابر مجانية خاصة للتعبير، لكن متى ما تأملنا فيه سنجد أن إيكو يشير إلى أمر آخر، وهو: خطورة أثر الوهم الخادع الذي تضخه تحديثات مستخدمي فيسبوك على البسطاء بطريقة تتغير معها نفوسهم حتى عما جبلت عليه من قبل ذلك!

ربما كان فيسبوك لهذه الناحية متاهة كبيرة لا يمكن لمن يتأمل فيها أن يعرف حقا ولا باطلا حيال الهوية الحقيقية لهذه المنصة! ففي فيسبوك الذي يحاول محاكاة نثر الحياة وهوائها بكل ما فيه إلى درجة قد تشبهه بالسوق أو المقهى، لكن حالة فيسبوك حيال هذه المقارنة، إذا ما طبقنا عليها قياس إمبرتو إيكو، سنجد حتى المقهى أو السوق يعكسان هوية مادية مشخصة تمنع الحرية المطلقة لأي فرد يريد أن يمارس شتما ضد مرتادي المقهى جميعا مثلا، فهو في هذه الحالة ثمة أشياء كثيرة تمنعه من ذلك، كهويته الشخصية وخوفه من الفضيحة، وغير ذلك من الموانع التي تمنع الحرية المطلقة.

هذه الحرية المطلقة يتيحها فيسبوك كما يتيح معها خاصية إخفاء الهوية الأمر الذي يستفز في البعض أشواقا لممارسة بعض الجنون العاري، لاسيما مع الإغراء المحفز لمتابعة أصداء ذلك الجنون حين يطلقه شخص من حسابه تجاه الآخرين، فيتتبع قياس الأثر بنشوة عارمة ومتجددة عبر زيادة اللايكات والتعليقات التي تجعله متشوقا باستمرار لرصد ردود فعل الجنون الذي كتبه ضد آخرين لا يعرفونه لكنهم قد يشبهونه في فعل الجنون والتفاعل معه!

ونظرا للفضاء الأسفيري المهول في أعداد مستخدمي فيسبوك الذين يقترب عددهم حول العالم اليوم من ملياري مستخدم، سيكون ذلك الفضاء العددي العمومي العريض لمستخدمي فيسبوك هو محيط التأثير الذي يفرض مزاجه ذاك على كل من يقبل بقواعد اللعبة في فيسبوك -على ما في تلك القواعد من هوية هلامية لمعنى الحرية- في استخدامات المنصة.

وهكذا ما إن يتوهم أحد أن ثمة إمكانية لقياس ما يكتبه في فيسبوك وفق معايير الشهرة التي يمكن أن يرصد أرقامها المهولة في اللايكات والتعليقات على حسابات من يسمون بطبقة «المؤثرين» في السوشيال ميديا، إلا أصابه أمراض السوشيال ميديا بسبب ما قد توهمه ذات يوم من إمكانية للشهرة عبر أثر لايكات وتعليقات دونها أصدقاء على حسابه مرة أو مرتين ومضوا!

هكذا سيجد المتأمل في الممارسة والملاحظة لتحديثات مستخدمي فيسبوك أن ثمة مستويات دنيا بل رديئة للكتابة والمحتوى لكنها قد تغري البعض بحثا عن اللايكات والتعليقات، فلا يمنعون أنفسهم من تجريبها، ومتى ما فعلوا ذلك بدا لهم الأمر ممتعا ومحفزا للمزيد!

لذلك من المهم جدا في فيسبوك ألا يعول كاتب على قياس أثر محتوى ما يكتب بمعايير ظاهرية خارجة عن هوية المحتوى وجودته، مثل اللايكات والتعليقات التي قد لا تكون خادعة في كل الأحيان، بالضرورة.

وكما قال أمبرتو إيكو في نهاية روايته الجميلة «باودلينو» عن إغراء الأكاذيب للبشر، على لسان شخصية بافنوزيو الحكيم، ناصحا أحد مدوني الأكاذيب في الرواية: «لا تحسبن أنك مـدون الأخبار الوحيد في الكون، فعاجلا أو آجلا سيأتي من هو أكذب من باودلينو ويرويها» وعليه فإن من الخدع المتبادلة في تغذية أوهام بعض مستخدمي فيسبوك؛ رهانهم على ألا يجد خصومهم أتباعا محازبين يصدقونهم باللايكات والتعليقات، متى ما لعبوا معهم تلك اللعبة كمقاييس قيمة وهمية، فحتما إذا كنت من صانعي أكاذيب الفيسبوك ستجد من يسخو عليك باللايكات والتعليقات، فدائما ثمة في البشر معجبون ومعلقون!

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی فیسبوک

إقرأ أيضاً:

فلنغير العيون التي ترى الواقع

كل مرة تخرج أحاديثنا مأزومة وقلقة وموتورة، مشحونة عن سبق إصرار وترصد بالسخط والتذمر، نرفض أن نخلع عنا عباءة التشاؤم، أينما نُولي نتقصّى أثر الحكايات شديدة السُمية، تلك الغارقة في البؤس والسوداوية. 

في الأماكن التي ننشُد لقاءت متخففة من صداع الحياة، نُصر على تصفح سجل النكبات من «الجِلدة للجِلدة»، فلا نترك هنّة ولا زلة ولا انتهاكًا لمسؤول إلا استعرضناه، ولا معاناة لمريض نعرفه أو سمعنا عنه إلا تذكرنا تفاصيلها، ولا هالِكِ تحت الأرض اندرس أثره ونُسي اسمه إلا بعثناه من مرقده، ولا مصيبة لم تحلُ بأحد بعد إلا وتنبأنا بكارثيتها. 

ولأننا اعتدنا افتتاح صباحاتنا باجترار المآسي، بات حتى من لا يعرف معنىً للمعاناة، يستمتع بالخوض في هذا الاتجاه فيتحدث عما يسميه بـ«الوضع العام» -ماذا يقصد مثله بالوضع العام؟- يتباكى على حال أبناء الفقراء الباحثين عن عمل، وتأثير أوضاعهم المادية على سلوكهم الاجتماعي، وصعوبة امتلاك فئة الشباب للسكن، وأثره على استقرارهم الأُسري، وما يكابده قاطني الجبال والصحراء وأعالي البحار! 

نتعمد أن نُسقط عن حواراتنا، ونحن نلوك هذه القصص الرتيبة، جزئية أنه كما يعيش وسط أي مجتمع فقراء ومعوزون، هناك أيضًا أثرياء وميسورون، وكما توجد قضايا حقيقية تستعصي على الحلول الجذرية، نُصِبت جهات وأشخاص، مهمتهم البحث عن مخارج مستدامة لهذه القضايا، والمساعدة على طي سجلاتها للأبد. 

يغيب عن أذهاننا أنه لا مُتسع من الوقت للمُضي أكثر في هذا المسار الزلِق، وأن سُنة الحياة هي «التفاوت» ومفهوم السعادة لا يشير قطعًا إلى الغِنى أو السُلطة أو الوجاهة، إنما يمكن أن يُفهم منه أيضًا «العيش بقناعة» و«الرضى بما نملك». 

السعادة مساحة نحن من يصنعها «كيفما تأتى ذلك»، عندما نستوعب أننا نعيش لمرة واحدة فقط، والحياة بكل مُنغصاتها جميلة، تستحق أن نحيا تفاصيلها بمحبة وهي لن تتوقف عند تذمر أحد. 

أليس من باب الشفقة بأنفسنا وعجزنا عن تغيير الواقع، أن نرى بقلوبنا وبصائرنا وليس بعيوننا فقط؟ أن خارج الصندوق توجد عوالم جميلة ومضيئة؟ ، أنه وبرغم التجارب الفاشلة والأزمات ما زلنا نحتكم على أحبة جميلين يحبوننا ولم يغيرهم الزمن؟ يعيش بين ظهرانينا شرفاء، يعملون بإخلاص ليل نهار، أقوياء إذا ضعُف غيرهم أمام بريق السلطة وقوة النفوذ؟ 

النقطة الأخيرة 

يقول الروائي والفيلسوف اليوناني نيكوس كازنتزاكس: «طالما أننا لا نستطيع أن نغير الواقع، فلنغير العيون التي ترى الواقع». 

عُمر العبري كاتب عُماني 

مقالات مشابهة

  • فلنغير العيون التي ترى الواقع
  • لإعادة جذب المستخدمين.. ميتا تطلق تحديثات كبيرة لمنصة «فيسبوك»
  • الأشغال: مشاريع عاجلة وطويلة الأجل لضمان سلامة مستخدمي طريق ضهر البيدر
  • «ميتا» تمنح مستخدمي «إنستجرام» أدوات تحكم جديدة في الخوارزمية
  • "الناجي الوحيد".. لقب "بتول" الذي جردها الفقد معانيه
  • وزارة الصناعة تنفي وجود أي حساب رسمي للفريق كامل الوزير نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية وزير الصناعة والنقل على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة موقع "فيسبوك"
  • بعد انتشار الفيديو على فيسبوك ضبط شخص يمارس البلطجة بالغربية
  • بالوثيقة..نواب يوقعون مذكرة تطالب بمناقشة ملف مستخدمي «الخدمة المدنية» في الأمن العام
  • الشاعر جمال بخيت يُعلق على أزمة محمد صلاح عبر فيسبوك
  • من الذي فتح باب حمام الطائرة الرئاسية رغمًا عن ترامب «فيديو»