الروائي العربي واسيني الأعرج يكتب عبر “أثير” عن “الاجتياح الرقمي” وسؤال التسويق
تاريخ النشر: 28th, September 2023 GMT
أثير – الروائي العربي واسيني الأعرج
يعاني الكتاب العربي من عجز حاد في التسويق. والأزمة الكبيرة ليست في النتاج الأدبي بقدر ما هي في الآليات المؤهلة له لكي يصبح مشاعا بأكثر السبل حداثة. الخلل إذن لا يكمن في النص بقدر ما يكمن في عمليات التسويق العربي الذي يظل معدوما ولا يشكل انشغالا كبيرا بالنسبة للناشر وكأن وظيفة الناشر تقتصر على ذلك فقط.
العلاقة اليوم اختلت كثيراً؛ الدجاجة كفت عن البيض، بينما حركية المعارض تزداد انتشاراً وقوة بجيل آخر من الكتاب، جيل تحكمه شروط أخرى، منغمس في الوسائط بعمق. اقتربت من ذلك في معارض الرياض والدوحة والجزائر والمغرب، والشارقة، وغيرها من المعارض المهمة، هذه تتحدث عن المثلية، الآخر عن الجريمة، ثالث عن الجنس والجريمة، رابع عن زنا المحارم، خامس عن المافيا، وسادسة تقدم وصفة لقتل الزوج، كلها ثيمات تبدو غريبة وغير مستساغة للجيل التقليدي؟ لكنها لا تكفي، إذ تحتاج إلى وسيط يحملها ويقدمها للقارئ المنتظر من وراء المنصات. المئات من الشباب يصطفون في المعارض ليلتقوا بكاتبهم، وتوقيع روايتهم المفضلة التي تابعوها عن طريق الفيسبوك، أو التيك توك، أو الإنستغرام، وسنابشات وغير ذلك، وكانوا أبطالاً افتراضيين فيها. عرف الكاتب كيف يشركهم في نصه، فهو يشبههم ويعرف حاجاتهم فيحاول إشباعها. تابعوه عبر الوسائط المختلفة ودخلوا معه في حوارات وسجالات حول ما يكتبه، بل أصبح نموذجهم. هذا كله ليس حكم قيمة، بل ممارسة يجب التنبه لها ومحاولة فهمها. وما ينتظرنا أكبر مع الذكاء الاصطناعي وChatGPT.
لم تعد القيمة الثقافية والإبداعية هي المحدد الأساسي لجودة النص وشيوعه، بل في الحضور الكبير والواسع من النصوص التي نشرت على التويتر، والتيك توك، والفيسبوك، وتم تجميعها بذكاء وحنكة عند بعض الكتاب غير المعروفين، ولكن حنكتهم التقنية وضعتهم على الواجهة، فركض نحوهم الجمهور الذي يعد بآلاف وربما بالملايين، لدرجة أن الكثير من دور النشر تفكر أو حتى أنها فكرت في أن يكون لها كاتبها «التيكتوكي» الذي يبيض ذهباً حتى لو وصل بها الأمر إلى التخلص من كاتبها الذي لم يعد «مقروءاً». الربح السريع والمال يعوضان القيم الحضارية والفكرية والتاريخية المستمرة في الزمن. لهذا أصبح البسست سيلر يستهلك كما السندويش ثم يرمى جانبا ليحل محله غيره. من هنا نفهم ظاهرة الميل نحو الكاتب الذي يلد ذهبا بسرعة. بدأت بعض دور النشر عالمياً وليس عربياً فقط، تبحث عن نموذجها في المواقع وتحسب عدد المشتركين لديه ومدة تفاعله معهم. قيمة الكاتب تحددها «اللايكات» والتعليقات. القراء صناعة تلك اللحظة الطبيعية التي غيرت أو هي بصدد تغيير العلاقة الثلاثية الكاتب/الناشر/ القارئ. الكاتب مثل قارئه، صناعة من عدد الأصدقاء الذين يملكهم والمتابعين الذين يشكلون حجر الزاوية. دار فرنسية عريقة هي في الأصل موزع، «هاشيت» وجدت في الكاتبة الجزائرية الشابة سارة ريفنس (إبراهيمي سارة)، مواليد 19-01-1999) التي تكتب باللغة الفرنسية، دجاجتها التي تبيض ذهباً. تابعتها في المواقع فوجدت أن لديها قرابة العشرة ملايين متابع. كل ما فعلته الدار هي أنها تبنتها وأخرجتها من الوسائط وظلمة عالم الافتراض، في منصة واتباد Wattpad، إلى المجتمع المادي والورقي، فطبعت روايتها: «رهينة» وروجت لها بشكل مدهش، وفي ظرف وجيز انتزعت المرتبة الأولى في المبيعات في فرنسا قبل كبار الكتاب الفرنسيين في البيع: موسو، ومارك ليفي، وحتى سيرة الأمير البريطاني هاري التي كانت تحتل المرتبة الأولى. في شهور قليلة تجاوزت مبيعات الأجزاء الثلاثة من روايتها المليون نسخة، وهو أمر نادر بل مستحيل التحقق بالنسبة لكاتبة غير معروفة في وسائط التوزيع التقليدية. الرواية تباع اليوم بمعدل 5000 نسخة أسبوعياً. سارة كمثال فقط، لم تمر عبر القنوات التقليدية لإشهار كتابها، إذ اكتفت دار هاشيت Hachette LAB بنشر وتوزيع الكتاب وطباعته بنفسها، وعملت على تحريك جمهور قرائها على الشبكات الافتراضية وعلى منصة واتباد وتيك توك. حتى الحصص التلفزيونية التي استضافتها قليلة بالنظر للجمهور المتابع. هاشيت فضلت إبعادها عن الأضواء بعد أن لاحظت العدد الكثيف من الجمهور الذي ركض لأول مرة نحو «لافناك La FNAC « للقاء بالكاتبة وشراء ثلاثيتها، حيث اتضحت أن حسابات الدار نفسها كانت دون التوقع، فأمرت بسحب أكبر من الرواية للاستجابة للطلب المهول من جمهور القراء. لهذا نفهم جيداً نشر بعض دور النشر العربية لهذا النوع من الأدب الافتراضي، فهي في مرحلة اختبارية في عمومها، ولكنها تحتاج حتماً إلى استعارة تجربة «هاشيت»، أي اعتماد مختصين في المجال الافتراضي وتوظيفهم وتكليفهم بمهام البحث عن الكاتب «التيكتوكي» الذي يلد ذهباً. أما الكاتب «التقليدي»، فأجره على الله إذا لم يذب في الصيرورة المهيمنة، ويكون على قدر من الذكاء يضمن له البقاء مع استمراره في الدفاع عن القيم التي نذر لها نفسه. ولكن هل يكفي ذلك؟ هل عليه أن يعترف بنهاية زمنه ويترك الطريق للسيل الجارف الذي فرمضته الرقمية التي قوانينها وسلطتها. نحن على حافة عصر جديد تغير فيه كل شيء وعلينا استدراك النقائص إذا أردنا للـ “الكاتب” أن يستمر في وجداننا. فالقادم الرقمي يسحق كل شيء في طريق بلا رحمة.
المصدر: صحيفة أثير
إقرأ أيضاً:
“لن نترك غزة تموت جوعاً”… مسيرات ووقفات جامعية حاشدة تجدد التفويض للمرحلة الرابعة وتفضح الصمت العربي
يمانيون | تقرير
شهدت عدد من الجامعات اليمنية، اليوم الأربعاء، 30 يوليو 2025، خروج مسيرات ووقفات احتجاجية حاشدة، عبّرت عن غضب واسع وتضامن عميق مع الشعب الفلسطيني في غزة، في ظل في مشهد يختزل مواقف الشعوب الأصيلة في مواجهة قوى الظلم العالمي.
المسيرات التي خرجت من جامعات صنعاء، صعدة، عمران،تحت عناوين وشعارات موحّدة، تعبّر عن الوعي الجمعي اليمني بخطورة ما يجري في فلسطين، وتؤكد الدعم الكامل للمرحلة الرابعة من التصعيد الذي أعلنته القيادة الثورية والعسكرية اليمنية في مواجهة العدو الصهيوني.
جامعة صنعاء: حشود تتكلم لغة الجهاد والكرامة
في قلب العاصمة صنعاء، تحوّلت باحات جامعة صنعاء إلى ساحة غضب ووفاء، حيث خرج الآلاف من الطلاب والكوادر الأكاديمية والإدارية، يتقدمهم رئيس الجامعة الدكتور محمد البخيتي، وعدد من عمداء الكليات، رافعين أعلام اليمن وفلسطين، هاتفين بشعارات منددة بالإبادة الجماعية في غزة، ومعلنين تفويضهم الكامل للقائد السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي للمضي في خيارات التصعيد العسكري.
الدكتور البخيتي، وفي كلمته أمام الجموع، شدد على أن “خروج أبناء الجامعة اليوم ليس فعلاً طارئًا، بل امتداد طبيعي لإيمان راسخ بقضية عادلة وتاريخية، تتصدر ضمير الأمة”، مشيرًا إلى أن غزة لا تدافع عن نفسها فقط، بل عن شرف الأمة الإسلامية ومقدساتها.
وفي كلمة باللغة الإنجليزية، دعا الدكتور عبد الودود النزيلي، المجتمع الأكاديمي الدولي إلى كسر حاجز الصمت، مؤكداً أن القيم الغربية تتساقط أمام بشاعة الجرائم التي يرتكبها الاحتلال، متسائلًا: “أين هي شرعة حقوق الإنسان؟ أين هي العدالة الدولية؟”.
بيان المسيرة أدان تواطؤ الأنظمة العربية، واعتبر أن خذلان غزة هو سقوط أخلاقي وسياسي لن يغفره التاريخ، مشيرًا إلى أن المرحلة الرابعة من التصعيد تمثل اختبارًا حاسمًا للمواقف، وموقفًا وطنيًا تفرضه كل القيم الإنسانية والإيمانية.
جامعة صعدة: الحاضنة الثورية تعيد التأكيد على النهج الجهادي
ومن معقل الثورة والصلابة، خرجت جامعة صعدة بفعالية طلابية واسعة، تأييدًا لخيار التصعيد ودعمًا للمقاومة الفلسطينية. الوقفة التي أقيمت بالتنسيق مع “ملتقى الطالب الجامعي” عبّرت عن عمق الارتباط بين الوعي الأكاديمي والروح الجهادية التي تشكل نسيج الحياة العامة في المحافظة.
نائب رئيس الجامعة الدكتور حسن معوض، تحدث بلهجة حاسمة، مؤكدًا أن “الدم اليمني لم يتأخر يومًا عن نصرة قضايا الأمة، ولن يتردد اليوم في الوقوف مع غزة مهما غلت التضحيات”.
البيان الصادر عن الفعالية دعا الأكاديميين والعلماء وطلاب الجامعات إلى ممارسة دورهم التنويري في قيادة الوعي الشعبي نحو مواجهة مشروع الهيمنة الصهيوني والأمريكي، مؤكداً أن اليمن اليوم يسجل حضورًا متقدمًا في المعركة المصيرية مع الكيان
جامعة عمران: طلابها يواجهون بالصوت والصورة جرائم العدو
ومن على منبر جامعة عمران، جاء الصوت الطلابي حادًا وواضحًا: “لن نتهاون أمام إبادة غزة واستباحة الأمة ومقدساتها”، حيث شارك في المسيرة آلاف الطلاب يتقدمهم قيادات الجامعة والمحافظة، أبرزهم المحافظ الدكتور فيصل جعمان ورئيس الجامعة الدكتور محمد الضلعي.
البيان الختامي للمسيرة لم يكتف بالإدانة، بل حمّل بالاسم الولايات المتحدة ورئيسها السابق ترامب، وقادة العدو الصهيوني، المسؤولية عن المجازر التي ترتكب بأسلحة الدمار الجماعي، مطالبًا بمحاكمات دولية ومواقف حاسمة لكسر الحصار ووقف الإبادة.
كما أعرب البيان عن الأسى لمشهد التخاذل العربي، ووجّه رسائل واضحة للأنظمة التي تمنع اليمن من الوصول إلى فلسطين، قائلاً: “افتحوا الطريق أو اصمتوا… فدماؤنا لا تُسجن خلف الحدود”.
من الجامعات إلى الجبهات… اليمن يعلن تموضعه في قلب المعركة
ما جرى اليوم في جامعات اليمن لم يكن مجرد احتجاج عاطفي أو فعالية موسمية، بل كان إعلانًا شعبيًا مؤسسيًا عريضًا، عن موقف لا يقبل المساومة، تتلاقى فيه قاعة الدرس مع معسكر الجبهة، ويتعانق فيه صوت الطالب مع بندقية المجاهد، في ملحمة دفاع عن شعب تُباد نساؤه وأطفاله في غزة.
إن هذه المسيرات، والوقفات، والهتافات، ليست بديلة عن الصواريخ ولا بديلاً عن العمليات النوعية، لكنها المدد الروحي والشرعي والسياسي لقرار الردع، وهي الرسالة الواضحة لكل العالم: شعب اليمن لا ينسى، ولا يساوم، ولا يخذل.
“لن نترك غزة تموت جوعاً”… لم تكن شعاراً فقط، بل عهدًا يتجدد في كل جامعة، وكل شارع، وكل جبهة.