قبل بضعة أسابيع، أدان "المنسق الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط" التابع للأمم المتحدة، النرويجي توم وينسلاند، المقاومة الفلسطينية للاحتلال العسكري الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي المستمر ووصفه بأنه "إرهاب". ووينسلاند هو آخِر، ولكن للأسف ليس الأخير، ضمن قائمة طويلة من المسؤولين النرويجيين، الذين وجهت آراؤهم السياسية بشأن المقاومة الفلسطينية السياسة النرويجية تجاه الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية منذ الحرب العالمية الثانية، ويشمل هذا السجل المسؤولين النرويجيين الذين شغلوا مناصب في الأمم المتحدة، بمن فيهم الأمين العام الأول للأمم المتحدة، تريغفي لي.



وفي رده على سؤال حول ما إذا كان للشعب الفلسطيني الحق في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي العنيف، لم يكرر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش كلمات وينسلاند حرفياً، لكنه أعلن أنه يجب على الفلسطينيين أن يحذوا حذو غاندي في المقاومة لا أكثر: "دعونا لا ننسى مثال غاندي. أعتقد أنه من المهم الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني والاعتراف بها بشكل كامل. أعتقد أنه من المهم إدانة أي محاولة تقويض حل الدولتين، وبناء المستوطنات، وإخلاء العائلات الفلسطينية والعديد من الجوانب الأخرى. لكنني لا أعتقد أن الفلسطينيين سيتمكنون من خلال العنف من الدفاع عن مصالحهم بشكل أفضل. هذا هو رأيي المتواضع".

لكن في واقع الأمر رأي غوتيريش ليس متواضعاً أبداً، لا سيما أنه يترأس نفس المنظمة التي جرّدت الشعب الفلسطيني من وطنه وأضفت الشرعية (ولا تزال تضفيها) على السرقة الاستعمارية لبلده، والتي لم تتحقق من خلال مكائد الولايات المتحدة والقوى الأوروبية فحسب، بل أيضاً من خلال جهود موظفي الأمم المتحدة الذين يتم الاحتفاء بإنجازاتهم في مهمتهم هذه حتى اليوم. أما غوتيريش، فشأنه شأن وينيسلاند، فهو آخِر حلقة في سلسلة طويلة من مسؤولي الأمم المتحدة الذين أضرّت، بل تسببت وجهات نظرهم تجاه الفلسطينيين المستعمَرين باضطهاد هذا الشعب.

المنظمة التي جرّدت الشعب الفلسطيني من وطنه وأضفت الشرعية (ولا تزال تضفيها) على السرقة الاستعمارية لبلده، والتي لم تتحقق من خلال مكائد الولايات المتحدة والقوى الأوروبية فحسب، بل أيضاً من خلال جهود موظفي الأمم المتحدة الذين يتم الاحتفاء بإنجازاتهم في مهمتهم هذه حتى اليوم. أما غوتيريش، فشأنه شأن وينيسلاند، فهو آخِر حلقة في سلسلة طويلة من مسؤولي الأمم المتحدة الذين أضرّت، بل تسببت وجهات نظرهم تجاه الفلسطينيين المستعمَرين باضطهاد هذا الشعب
وقد بعثت الأمم المتحدة تحت قيادة تريغفي لي المذكور أعلاه والمؤيد بشدة للصهيونية في آب/ أغسطس 1948 الكونت السويدي فولك برنادوت للتوسط لوقف إطلاق النار بين الإسرائيليين والدول العربية المجاورة في خضم الغزو الصهيوني لفلسطين. لكن مجموعة "ليهي"، العصابة اليهودية الإرهابية المؤيدة للأنظمة الأوروبية الفاشية المعروفة أيضاً باسم عصابة شتيرن، قامت باغتيال برنادوت في أيلول/ سبتمبر، ما اضطر نائبه، المثقف الأمريكي الأسود والعميل السابق للحكومة الأمريكية رالف بنش، للحلول محله. وكان بنش، بعد اغتيال برنادوت، هو من تفاوض على اتفاقيات الهدنة بين إسرائيل وجيرانها العرب.

قبل انضمامه إلى الأمم المتحدة، كان بنش في عام 1941 قد أصبح المسؤول الأمريكي الأسود الذي تبوّأ أعلى رتبة رسمية في "مكتب الخدمات الاستراتيجية"، الذي تحول فيما بعد إلى وكالة المخابرات المركزية أو السي آي إيه. وخلال فترة عمله في مكتب الخدمات الإستراتيجية كتب بنش سلسلة من الكتيبات والكراسات الدعائية للحملات العسكرية الأمريكية في شمال وغرب أفريقيا أثناء الحرب العالمية الثانية. ومن أجل السيطرة على الأهالي من الأفارقة المحليين، أوصى بنش الولايات المتحدة بتوظيف "زنوج أمريكيين يتم اختيارهم بعناية" والذين "يمكن أن يثبتوا أنهم أكثر فعالية من البيض، وذلك بسبب قدرتهم الفريدة على اكتساب ثقة السكان الأصليين بسهولة أكبر". وكان بنش أيضاً مسؤولاً عن إعداد الجنود الأمريكيين للخدمة في الدول الأفريقية حيث كان من المقرر أن يتمركزوا، ونصح البيض من ضمنهم بعدم التعبير عن آرائهم العنصرية. وبعد أن أصبح بنش عميلاً في الحكومة الأمريكية، وصفه المثقف الأمريكي الأسود الأبرز من بين مناوئي العنصرية البيضاء، وليم دو بويز، بأنه أصبح "زنجياً منحطاً يخدم الرجل الأبيض".

وبعد انتهاء الحرب تم تعيين بنش مساعداً خاصاً لممثل الأمين العام لدى لجنة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بفلسطين، وبما أن زعماء الفلسطينيين الممثلين باللجنة العربية العليا رفضوا الاجتماع بلجنة الأمم المتحدة أو منحها الشرعية عند وصولها إلى فلسطين في صيف عام 1947، فقد قام الصهاينة بدعوة وتكريم بنش، الذي اجتمع معهم، لا سيما مع الزعيم الصهيوني حاييم وايزمن. كما التقى بنش سراً مع الإرهابي الهارب من العدالة والمطلوب من السلطات البريطانية آنذاك مناحيم بيغن الذي أجرى معه اتصالات سرية و"حميمة" فيما بعد، والذي قال له، بحسب رواية بيغن: "أستطيع أن أتفهمك. أنا أيضاً أنتمي إلى أقلية مضطهَدة". وكان بنش صريحاً أكثر عندما أعلن فيما يتعلق بالصهاينة أنه "كان لدي تعاطف شخصي محض مع قضيتهم".

وكان بنش هو أيضاً مَن صاغ تقرير لجنة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بفلسطين الذي اعتمدت الجمعية العامة على أساسه قرار تقسيم فلسطين في تشرين الثاني/ نوفمبر 1947. وكان تريغفي لي، مدير بنش، يجتمع في تلك الأثناء سراً مع ممثلي الوكالة اليهودية بشكل شبه يومي في منزله بعد شهر نيسان/ أبريل 1947، حتى أن لي كان قد تمادى في غيّه إلى حد تمرير "تقارير استخبارات بريطانية سرية للغاية إلى الوكالة اليهودية" من خلال مسؤول الأمم المتحدة النرويجي في القدس، الذي كان قد عيّنه مسبقاً.

وبينما تم اختيار برنادوت من قبل الجمعية العامة في 14 أيار/ مايو 1948 ليكون "وسيط الأمم المتحدة في فلسطين"، فقد تم تعيين بنش من قبل لي بوصفه "الممثل الرئيس للأمين العام في فلسطين". وقد كان تعاطف بنش مع الصهاينة لا يتناقض مع الانحياز المؤيد للصهيونية بين القائمين على الأمم المتحدة والحكومة الأمريكية اللتين عمل بنش موظفاً لديهما، بل كان تحيزه أيضاً يتماشى مع رأي برنادوت، الذي كان "الحياد" عنده يعني معاملة المستعمرين الصهاينة والسكان الأصليين المستعمَرين على قدم المساواة، بمعنى أن لدى الطرفين حقوقاً متساوية في فلسطين.

وكان بنش قد وصف الزعماء العرب بأنهم "أطفال" ووصف القادة اليهود بأنهم "أكثر ذكاءً وعقلانية"، ومع ذلك هاجمه الإسرائيليون هو وبرنادوت لعدم السماح لهم باحتلال المزيد من الأراضي أثناء غزوهم المستمر آنذاك لفلسطين، واتُهم بنش بأنه "معاد للسامية". وانضم دو بويز، وكان صهيونياً متطرفاً، إلى الجوقة المؤيدة لإسرائيل في الصحافة الأمريكية والإسرائيلية عندما اعتذر في خطاب سيئ السمعة ألقاه أمام مؤسسة الكونجرس اليهودي الأمريكي باسم الزنوج الأمريكيين "عن رِدة رالف بنش الواضحة.. حيث كان ينبغي على مبادئ الحرية والتعامل بالعدل أن توجه سليل العبيد الأمريكيين هذا" كي يدافع عن إسرائيل بحماسة أكبر. وأضاف دو بويز أن بنش كان مرتبطا بـ"الخيانة المشينة" بحق اليهود التي قامت بها زعماً وزارة الخارجية الأمريكية. لم يغفر بنش لدو بويز ما اتهمه به قط، وخاصة عندما تم استهداف دو بويز نفسه في عام 1951 من قِبَل وزارة العدل الأمريكية بسبب معارضته للحرب الباردة.

كان الأمين العام للأمم المتحدة تريغفي لي منحازاً لإسرائيل لدرجة أنه نصح الإسرائيليين بكيفية التعامل مع برنادوت خلال المفاوضات، وكان بنش يعلم جيداً أن لي "لم يكن موضوعياً على الإطلاق فيما يتعلق بالقضايا الكبرى مثل فلسطين". وقد تفاوض بنش على اتفاقيات الهدنة بين الإسرائيليين والدول العربية المجاورة في الأشهر السبعة الأولى من عام 1949، حيث جرت معظم الاجتماعات في جزيرة رودس، وكما هو متوقع، كانت نتيجة المفاوضات لصالح الإسرائيليين في جميع الحالات، على الرغم من أن بنش قد أقرّ، كما يفعل الليبراليون عادة لنزع المسؤولية عن أنفسهم، بأن الاتفاقيات مثلت "صفقة جديدة. وكالعادة كان عرب فلسطين الخاسرين فيها".

وقد حاز بنش تقديراً لجهوده في تعزيز النظام الإسرائيلي الاستعماري الاستيطاني وتوسيع أراضيه على جائزة نوبل للسلام في عام 1950 (وكان أول رجل أسود يحوز عليها على الإطلاق). وظل دفاع بنش عن الولايات المتحدة، على الرغم من نظام الحكم العنصري الأبيض القائم فيها، راسخاً دون تردد، لدرجة أن الحركة الطلابية الراديكالية للسود الأمريكيين في الستينيات أطلقت عليه لقب "العم توم" (وهي شتيمة للسود الذين يخدمون البيض ويساعدونهم في اضطهاد بني عرقهم)، كما أطلق عليه آدم كلايتون باول (السياسي الأمريكي الأسود الذي كان قساً بروتستانتياً وقد زار فلسطين في عام 1938 أثناء الثورة الفلسطينية الكبرى وكتب كتاباً استشراقياً مؤيداً للصهيونية عن رحلته) ومالكوم إكس لقب "العم توم الدولي".

ونظراً لاحتفاء بنش بـ"الديمقراطية الأمريكية" الاستعمارية الاستيطانية العنصرية باعتبارها "أعظم تجربة في تاريخ المجتمع البشري"، فإن موقفه من الفلسطينيين لم يكن غريباً على الإطلاق. وقد كان بنش على بيّنة من أن دعم الأوروبيين والأمريكيين للاستعمار الاستيطاني اليهودي كان متجذراً في مواقفهم المعادية للسامية، حيث إنهم "سيدعمون مطالبات الوكالة اليهودية بإقامة دولة يهودية كوسيلة للإلقاء بيهود العالم على عاتق العرب". وكان قد كتب نقلاً عن المندوب الكندي إلى لجنة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بفلسطين، إيفان راند من المحكمة العليا الكندية، الذي أيّد إقامة دولة يهودية في فلسطين: "حتى نتمكن من التخلص منهم [أي اليهود] مرة واحدة وإلى الأبد، ولن يزعجونا طوال الوقت". ومع ذلك، لم يتعاطف بنش مع الفلسطينيين باعتبارهم أيضاً ضحايا العنصرية والاستعمار اليهودي الأوروبي. بدلاً من ذلك، تعاطف مع اليهود، قَتَلة الفلسطينيين وسارقي وطنهم، لأن اليهود كانوا ضحايا معاداة السامية المسيحية الأوروبية، وكأن التماهي مع اليهود الأوروبيين كضحايا لم يكن ممكناً إلا من خلال دعم الاستعمار الاستيطاني اليهودي في فلسطين.

إدانة مندوب الأمم المتحدة توم وينسلاند للمقاومة الفلسطينية باعتبارها "إرهاباً"، ونصيحة غوتيريش بأن يتخلى الفلسطينيون عن المقاومة المسلحة في مواجهة العنف الاستعماري الإسرائيلي الذي لا هوادة فيه، ليستا إلا أحدث التجليات لسجل الأمم المتحدة الطويل في تجريد الشعب الفلسطيني من أراضيه، ومطالبته بالقيام بإضرابات عن الطعام وكتابة رسائل احتجاج ردا على ما حلّ ويحل به، لا أكثر
بخلاف بنش أو دو بويس، كان مالكوم إكس، الذي تأثر بشكل كبير بمؤتمر باندونغ لعام 1955 ونضالات العالم الثالث ضد الاستعمار، واضحا عندما كتب في مقالته الشهيرة "المنطق الصهيوني" أن ليس لما فعله الصهاينة بالفلسطينيين سند قانوني وأخلاقي أكثر مما كان سيكون لو قرر السود من الأمريكتين العودة إلى أفريقيا، وطرد السكان المحليين الذين يعيشون هناك، وإقامة وطن لسود الأمريكتين هناك:

"هنالك أكثر من 100 مليون من شعبنا يعيشون في نصف الكرة الأرضية الغربي يتحدرون من أصول أفريقية. لكن لمجرد أن أجدادنا عاشوا هنا في أفريقيا، فهل ذلك سيمنح الأمريكيين من أصل أفريقي الحق في العودة إلى القارة الأم لطرد المواطنين الشرعيين في نيجيريا، أو غانا، أو كينيا، أو تنجانيقا، أو أوغندا من مدنهم، ومصادرة جميع ممتلكاتهم من أجل أنفسنا كي نقيم دولاً أفريقية- أمريكية جديدة.. كما فعل الصهاينة الأوروبيون بإخواننا وأخواتنا العرب في فلسطين؟ ووفقاً لهذا المنطق الصهيوني المشوه، فسيكون على جميع البيض مغادرة نصف الكرة الغربي بأكمله، وستعود هاتان القارتان الشاسعتان إلى أصحابهما الأصليين.. الهنود الأمريكيين".

بخلاف الشتات الأفريقي الذي يتحدر بالفعل من القارة الأفريقية، فإن اليهود الأوروبيين بالطبع لم يأتوا إلى أوروبا من فلسطين، بل كانوا أوروبيين اعتنقوا الديانة اليهودية. وقد سخر مالكوم إكس من ادعاءات الصهاينة ذات الأساس الديني بفلسطين وتساءل عما إذا كان رالف بنش هو "مسيح الصهيونية". رغم ذلك كله، فإن بنش لا يزال يحظى بالتقدير في الأمم المتحدة حتى اليوم، وكانت قد صدرت سيرة جديدة عن حياته هذا العام حاشدة بالإشادة والمديح له.

إن إدانة مندوب الأمم المتحدة توم وينسلاند للمقاومة الفلسطينية باعتبارها "إرهاباً"، ونصيحة غوتيريش بأن يتخلى الفلسطينيون عن المقاومة المسلحة في مواجهة العنف الاستعماري الإسرائيلي الذي لا هوادة فيه، ليستا إلا أحدث التجليات لسجل الأمم المتحدة الطويل في تجريد الشعب الفلسطيني من أراضيه، ومطالبته بالقيام بإضرابات عن الطعام وكتابة رسائل احتجاج ردا على ما حلّ ويحل به، لا أكثر.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المقاومة الفلسطينية الإسرائيلي الأمم المتحدة الاحتلال إسرائيل الأمم المتحدة فلسطين الاحتلال المقاومة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأمم المتحدة الذین الشعب الفلسطینی من الولایات المتحدة فی الأمم المتحدة الأمریکی الأسود للأمم المتحدة الأمین العام فی فلسطین من خلال فی عام

إقرأ أيضاً:

ما هو “مشروع إستير” الخطير الذي تبناه ترامب؟ وما علاقته بحماس؟

#سواليف

في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، بعد مرور عام كامل على #الإبادة_الجماعية التي تنفذها #إسرائيل في قطاع #غزة بدعم من الولايات المتحدة، والتي أودت بحياة أكثر من 53.000 فلسطيني، أصدرت مؤسسة “هيريتيج فاونديشن” (Heritage Foundation) ومقرها #واشنطن، ورقة سياسية بعنوان ” #مشروع_إستير: إستراتيجية وطنية لمكافحة معاداة السامية”.

هذه المؤسّسة الفكرية المحافظة هي الجهة ذاتها التي تقف خلف “مشروع 2025″، وهو خُطة لإحكام السلطة التنفيذية في الولايات المتحدة، ولبناء ما قد يكون أكثر نماذج الديستوبيا اليمينية تطرفًا على الإطلاق.

أما “الإستراتيجية الوطنية” التي يقترحها “مشروع إستير” المسمى نسبةً إلى الملكة التوراتية التي يُنسب إليها إنقاذ اليهود من الإبادة في فارس القديمة، فهي في جوهرها تتلخص في تجريم المعارضة للإبادة الجماعية الحالية التي تنفذها إسرائيل، والقضاء على حرية التعبير والتفكير، إلى جانب العديد من الحقوق الأخرى.

مقالات ذات صلة انفجار الأزمة بين الجيش وحكومة نتنياهو 2025/05/20

أوّل “خلاصة رئيسية” وردت في التقرير تنصّ على أن “الحركة المؤيدة لفلسطين في #أميركا، والتي تتسم بالعداء الشديد لإسرائيل والصهيونية والولايات المتحدة، هي جزء من شبكة دعم عالمية لحماس (HSN)”.

ولا يهم أن هذه “الشبكة العالمية لدعم حماس” لا وجود لها فعليًا – تمامًا كما لا وجود لما يُسمى بـ”المنظمات الداعمة لحماس” (HSOs) التي زعمت المؤسسة وجودها. ومن بين تلك “المنظّمات” المزعومة منظمات يهودية أميركية بارزة مثل “صوت اليهود من أجل السلام” (Jewish Voice for Peace).

أما “الخلاصة الرئيسية” الثانية في التقرير فتدّعي أن هذه الشبكة “تتلقى الدعم من نشطاء وممولين ملتزمين بتدمير الرأسمالية والديمقراطية”- وهي مفارقة لغوية لافتة، بالنظر إلى أن هذه المؤسسة نفسها تسعى في الواقع إلى تقويض ما تبقى من ديمقراطية في الولايات المتحدة.

عبارة “الرأسمالية والديمقراطية”، تتكرر ما لا يقل عن خمس مرات في التقرير، رغم أنه ليس واضحًا تمامًا ما علاقة حركة حماس بالرأسمالية، باستثناء أنها تحكم منطقة فلسطينية خضعت لما يزيد عن 19 شهرًا للتدمير العسكري الممول أميركيًا. ومن منظور صناعة الأسلحة، فإن الإبادة الجماعية تمثل أبهى تجليات الرأسماليّة.

وبحسب منطق “مشروع إستير” القائم على الإبادة، فإنّ الاحتجاج على المذبحة الجماعية للفلسطينيين، يُعد معاداة للسامية، ومن هنا جاءت الدعوة إلى تنفيذ الإستراتيجية الوطنية المقترحة التي تهدف إلى “اقتلاع تأثير شبكة دعم حماس من مجتمعنا”.

نُشر تقرير مؤسسة “هيريتيج” في أكتوبر/ تشرين الأول، في عهد إدارة الرئيس جو بايدن، والتي وصفتها المؤسسة بأنها “معادية لإسرائيل بشكل واضح”، رغم تورّطها الكامل والفاضح في الإبادة الجارية في غزة. وقد تضمّن التقرير عددًا كبيرًا من المقترحات لـ”مكافحة آفة معاداة السامية في الولايات المتحدة، عندما تكون الإدارة المتعاونة في البيت الأبيض”.

وبعد سبعة أشهر، تُظهر تحليلات نشرتها صحيفة “نيويورك تايمز” أن إدارة الرئيس دونالد ترامب -منذ تنصيبه في يناير/ كانون الثاني- تبنّت سياسات تعكس أكثر من نصف مقترحات “مشروع إستير”. من بينها التهديد بحرمان الجامعات الأميركية من تمويل فدرالي ضخم في حال رفضت قمع المقاومة لعمليات الإبادة، بالإضافة إلى مساعٍ لترحيل المقيمين الشرعيين في الولايات المتحدة فقط لأنهم عبّروا عن تضامنهم مع الفلسطينيين.

علاوة على اتهام الجامعات الأميركية بأنها مخترقة من قبل “شبكة دعم حماس”، وبترويج “خطابات مناهضة للصهيونية في الجامعات والمدارس الثانوية والابتدائية، غالبًا تحت مظلة أو من خلال مفاهيم مثل التنوع والعدالة والشمول (DEI) وأيديولوجيات ماركسية مشابهة”، يدّعي مؤلفو “مشروع إستير” أن هذه الشبكة والمنظمات التابعة لها “أتقنت استخدام البيئة الإعلامية الليبرالية في أميركا، وهي بارعة في لفت الانتباه إلى أي تظاهرة، مهما كانت صغيرة، على مستوى جميع الشبكات الإعلامية في البلاد”.

ليس هذا كل شيء: “فشبكة دعم حماس والمنظمات التابعة لها قامت باستخدام واسع وغير خاضع للرقابة لمنصات التواصل الاجتماعي مثل تيك توك، ضمن البيئة الرقمية الكاملة، لبث دعاية معادية للسامية”، وفقاً لما ورد في التقرير.

وفي هذا السياق، تقدم الورقة السياسية مجموعة كبيرة من التوصيات لكيفية القضاء على الحركة المؤيدة لفلسطين داخل الولايات المتحدة، وكذلك على المواقف الإنسانية والأخلاقية عمومًا: من تطهير المؤسسات التعليمية من الموظفين الداعمين لما يسمى بمنظمات دعم حماس، إلى تخويف المحتجين المحتملين من الانتماء إليها، وصولًا إلى حظر “المحتوى المعادي للسامية” على وسائل التواصل، والذي يعني في قاموس مؤسسة “هيريتيج” ببساطة المحتوى المناهض للإبادة الجماعية.

ومع كل هذه الضجة التي أثارها “مشروع إستير” حول التهديد الوجودي المزعوم الذي تمثله شبكة دعم حماس، تبين – وفقًا لمقال نُشر في ديسمبر/ كانون الأول في صحيفة The Forward- أنَّ “أيَّ منظمات يهودية كبرى لم تُشارك في صياغة المشروع، أو أن أيًّا منها أيدته علنًا منذ صدوره”.

وقد ذكرت الصحيفة، التي تستهدف اليهود الأميركيين، أن مؤسسة “هيريتيج” “كافحت للحصول على دعم اليهود لخطة مكافحة معاداة السامية، والتي يبدو أنها صيغت من قبل عدة مجموعات إنجيلية مسيحية”، وأن “مشروع إستير” يركز حصريًا على منتقدي إسرائيل من اليسار، متجاهلًا تمامًا مشكلة معاداة السامية الحقيقية القادمة من جماعات تفوّق البيض والتيارات اليمينية المتطرفة.

وفي الوقت نفسه، حذر قادة يهود أميركيون بارزون -في رسالة مفتوحة نُشرت هذا الشهر- من أن “عددًا من الجهات” في الولايات المتحدة “يستخدمون الادعاء بحماية اليهود ذريعةً لتقويض التعليم العالي، والإجراءات القضائية، والفصل بين السلطات، وحرية التعبير والصحافة”.

وإذا كانت إدارة ترامب تبدو اليوم وكأنها تتبنى “مشروع إستير” وتدفعه قدمًا، فإن ذلك ليس بدافع القلق الحقيقي من معاداة السامية، بل في إطار خطة قومية مسيحية بيضاء تستخدم الصهيونية واتهامات معاداة السامية لتحقيق أهداف متطرفة خاصة بها. ولسوء الحظ، فإن هذا المشروع ليس إلا بداية لمخطط أكثر تعقيدًا.

مقالات مشابهة

  • جولة ترامب في الخليج.. شراكات أكثر قوة تعزز الأمن الإقليمي
  • ما هو "مشروع إيستر" الخطير الذي تبناه ترامب؟ وما علاقته بحماس؟
  • ما هو “مشروع إستير” الخطير الذي تبناه ترامب؟ وما علاقته بحماس؟
  • ما هو مشروع إيستر الخطير الذي تبناه ترامب؟ وما علاقته بحماس؟
  • الأمم المتحدة: المساعدات التي دخلت إلى غزة قطرة في محيط
  • غوتيريش يوجه الوكالات الأممية لدعم الحكومة العراقية
  • تسوية سياسية بقيادة يمنية.. الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش يتحدث عن مسار العنف والسلام في اليمن
  • غوتيريش:إنتهاء بعثة الأمم المتحدة في العراق نهاية العام الحالي
  • إعلان بغداد.. القمة العربية تؤكد الرفض القاطع لتهجير الفلسطينيين وضرورة إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة
  • غوتيريش يدعو لوقف النار.. مشروع إسباني لإنهاء الحصار الإنساني على غزة