جهالات دينية ودنيوية وشطحات سياسية على هامش زلزال 8 شتنبر المدمر
تاريخ النشر: 2nd, October 2023 GMT
بقلم : محمد انفي
لم أتصور إطلاقا، وأنا أتابع كغيري من المواطنين أخبار الزلزال المدمر الذي ضرب إقليم الحوز والأقاليم المجاورة في الأطلس الكبير، مساء يوم الجمعة 8 شتنبر 2023، أن أجد نفسي أمام نماذج من الجهالات والشطحات، والمغرب كله من أقصاه إلى أقصاه ومن أعلى سلطة فيه إلى أبسط مواطن، جعله هول الصدمة يهب، في مشاهد ومبادرات أبهرت العالم، لنجدة ومساعدة المناطق المنكوبة.
وشاءت الصدف أن يكون أول فيديو أشاهده عن الزلزال، يعود للشيخ عبد الله النهاري؛ وذلك يوم السبت 9 شتنبر 2023، أي في اليوم الموالي لحدوث الفاجعة؛ ويكون الرجل بهذا ربما قد حقق سبقا إعلاميا على مستوى اليوتيوب. ورغم افتقار الشيخ لأبسط المعلومات العلمية المتعلقة بالزلازل ومناطقها؛ ورغم الربط غير العلمي وغير المنطقي بين زلزال الحوز والعقاب الإلاهي بسبب المعاصي والذنوب، حيث وصل به حماسه وصراخه إلى الاستنجاد بآيات قرآنية تتحدث عن يوم القيامة (سورة الزلزلة على سبيل المثال) وإقحامها في حديثه عن زلزال 8 شتنبر، ناهيك عن إفاضته في الحديث عن علامات الساعة وعن غضب الله من العصاة، الخ؛ رغم كل هذا، فقد عدلت عن التفاعل معه وانهمكت في كتابة مقال متواضع بعنوان “زلزال المغرب: حزن عميق بحجم هول الفاجعة ووطن في القمة“.
ولما توالت التسجيلات والتصريحات التي تتقاطع بهذا القدر أو ذاك مع أفكار عبد الله النهاري، عمدت إلى تدوين بعض الملاحظات، دون التفكير في نشرها، تعكس انفعالي وتفاعلي مع اللحظة ومع الجهالات التي عبرت عن نفسها، فكانت هذه الملاحظات على الشكل التالي:
– كم هو محزن ومؤلم وفي نفس الوقت مخزٍ هذا الربط بين المآسي والمعاصي في الفواجع الطبيعية! وكم هو مقرف ومقزز الحديث عن العقاب الإلاهي بسبب الذنوب والبعد عن الله في بلد جوامعه تكتظ بالمصلين ويُقرأ فيها الحزب (حلقة جماعية لتلاوة القرآن) يوميا بعد صلاةالصبح وصلاة المغرب؛ مما يعني أن القرآن يُختم شهريا في مساجدنا! وكم هو مسيء مثل هذا التفكير ومجحف في حق بلد أبناؤه ينالون المراتب الأولى في المباريات الدولية لحفظ القرآن الكريم!
– وتساءلت بعد هذا: أليس في الحديث عن العقاب الإلاهي بسبب الذنوب والمعاصي في موضوع الزلزال الذي ضرب مناطق من المغرب مساء يوم الجمعة 8 شتنبر، إنكار لفضل الله تعالى الذي يُكرم من قضوا تحت الأنقاض بأجر الشهداء؟ أليس في إرجاع أسباب الزلزال إلى الذنوب والمعاصي جهل وجهالة؟ أو لنقل جهل مركب: جهل بالمعطيات العلمية الجيولوجية المتعلقة بالزلازل كظاهرة طبيعية، وادعاء المعرفة، زورا وبهتانا، بالأسباب الغيبية للزلزال الذي ضرب الحوز. وبعيدا عن كل هذا، تساءلت: أين الإيمان بالابتلاء؟ وأين الإيمان بالقضاء والقدر عند هؤلاء البشر؟
– وتساءلت أيضا: ما هي المعاصي والذنوب التي ارْتُكِبت في مسجد “تينمل” الذي صمد أكثر من تسعة قرون، وكان أول مسجد تنطلق منه سنة الحزب الراتب المشار إليها أعلاه؟ وما هي المعاصي والذنوب التي ارتكبتها تلك الأسر التي قضى كل أفرادها أو جلهم تحت الأنقاض؟وما هي المعاصي والذنوب التي ارتكبتها قرى ودواوير تعج بحفظة كتاب الله وبالأطفال الذين يرتادون “المسيد” من أجل قراءته والعمل على حفظه؟ وقد رأينا مقاطع فيديو لأطفال تجمعوا خارج بيوتهم المهدَّمة، وهم يقرؤون القرآن جماعيا على الطريقة المغربية. فكيف سيعاقب الله هؤلاء؟
واستحضارا لكل ما سبق، فإنه لا يمكن للمرء إلا أن يحمد الله على لطفه بهذه البلاد. فالزلزال المدمر الذي وقع في مناطق جبلية، فلو ضرب، لا قدر الله، مدينة من مدننا الكبيرة بتلك القوة التي كانت لزلزال الحوز، لكانت الخسائر البشرية والمادية أضعافا مضاعفة، ولسمعنا الكثير من الكلام عن الفجور والخمور وغير ذلك من الموبقات.
وأياما بعد تلك الفاجعة، صادفت مقالا بعنوان “لماذا أرى أن زلزال 8 سبتمبر 2023 يحمل للمغرب رسائل مشفرة ينبغي تحليلها وقراءتها بتمعن وتمحيص؟” (ٍموقع “رأي اليوم“، صحيفة عربة مستقلة، بتاريخ 20 شتنبر 2023)لصاحبه طارق ليساوي (كاتب وأكاديمي مغربي، حسب ما ذيل به مقاله). وسوف أكتشف بعد ذلك بأنه دكتور وأستاذ للعلوم السياسية والسياسات العامة. وقد استهوتني في العنوان عبارة “رسائل مشفرة ينبغي تحليلها وقراءتها بتمعن وتمحيص”. وبعد قراءة المقال، تبين لي أنه، من جهة، بعيد كل البعد، شكلا ومضمونا، عن القواعد الأكاديمية؛ ومن جهة أخرى، ليس فيه لا تمعن ولا تمحيص؛ بل فيه أفكار مسبقة وقراءة سياسية لكارثة طبيعية لا تحتمل مثل هذه القراءات (وقد أعود إلى هذا المقال لاحقا). لذلك، فهي لا تقل في جهالاتها عن سطحية قراءة الشيخ النهاري وأمثاله. ومع ذلك، لم أفكر في التفاعل معه، وفضلت أن أنهمك في كتابة مقال آخر حول النازلة؛ وهو بعنوان “ بفعل أو بفضل زلزال 8 شتنبر 2023، عرف العالم أجمع مع من حشرنا الله في الجوار“.
لكن لما صدر يوم الأحد 24 شتنبر 2023، بيان للأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية حول النازلة، تيقنت من أن الرسائل المشفرة التي تحدث عنها الدكتور طارق ليساوي، الباحث في العلوم السياسية والسياسات العامة، ما هي إلا هواجس حزبية أراد صاحبها أن يُغلفها في ثوب قراءة تحليلية، فكان لزاما على أن أتفاعل معها ومع بيان العدلة والتنمية؛ وذلك، بنشر ما دونته سابقا بخصوص الجهالات التي لاحظتها على هامش زلزال الحوز؛ مع الإشارة إلى أنني تيقنت من أن “الأكاديمي” المذكور قد تشرَّب من جهالات وشطحات المهرج الكبير، الكذَّاب الأشر، “العالم” النحرير في الدجل والنفاق، المتسول للسحت الراقي، الأستاذ المُبهدَل، عفوا المبجل عبد الإله ابن كيران.
لن أخصص حيزا كبيرا في هذا المقال لبيان العدالة والتنمية؛ فهو في شكله ومضمونه يستحق مقالا منفردا، وربما مقالات؛ وسوف أقتصر على ما ورد فيه من كلام يتناغم مع عقلية وتفكير الشيخ عبد الله النهاري (بالمناسبة، فهو عضو في حركة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوي للحزب)، وما يرضي كذلك غرور الباحث في العلوم السياسية والسياسات العامة، الدكتور ليساوي الذي رأى في تزامن زلزال 8 شتنبر مع الذكرى الثانية، بالتمام والكمال كما قال، “لانتخابات 8 شتنبر 2021، وتحديدا في ليلة الإعلان عن نتائجها ومخرجاتها؟!“، رسالة سياسية واضحة (وعند عودتي إلى مقاله، سأناقشه في الموضوع بحول الله).
لقد أشار البيان المذكور إلى ابتعادنا عن الله سبحانه وتعالى، والزلزال جاء ليذكرنا بذلك؛ فهو، إذن، إنذار لنا جميعا ليس كأفراد فقط، بل وأيضا كأمة. لذلك، فالصواب بالنسبة للعدالة والتنمية “هو أن نراجع كأمة ونتبين هل الذي وقع قد يكون كذلك بسبب ذنوبنا ومعاصينا ومخالفاتنا ليس فقط بمعناها الفردي ولكن بمعناها العام والسياسي، لأن السؤال المطروح ليس فقط عن المخالفات الفردية وإنما عن الذنوب والمعاصي والمخالفات بالمعنى السياسي وتلك الموجودة في الحياة السياسية عامة والانتخابات والمسؤوليات والتدبير العمومي وغيرها…“.
بقي لابن كيران أن يقول لنا صراحة بأن الشعب المغربي ارتكب معصية وأتى كبيرة عندما اختار أن يعاقب حزبه على فشله في التدبير والتسيير على كل المستويات: البرلمان، القطاعات الحكومية، الجماعات. والتجربة الحالية، رغم انطلاقها من منظور سياسي غير سليم لكونها اعتمدت على منطق “التغول”، فإننا لا نستطيع، موضوعيا، تقييم حصيلتها الآن.
خلاصة القول، فبقدر ما خلف زلزال 8 شتنبر حزنا عميقا في نفوس أبناء وبنات هذه الدولة الأمة، وبقدر ما أبهر هؤلاء العالم بأخلاقهم وكرمهم وتضامنهم وتآزرهم، بقدر ما ظهرت بعض الجهالات الدينية والدنيوية والشطحات السياسية التي تؤدي خدمة كبيرة، بوعي منها أو بدونه، لتجار الأزمات والقيم، ما لم يكونوا هم منهم ويتسترون وراء الشعارات.
مكناس في فاتح أكتوبر 2023
المصدر: زنقة 20
كلمات دلالية: زلزال 8 شتنبر شتنبر 2023
إقرأ أيضاً:
إسرائيل تتجه إلى انتخابات دينية الهوية عام 2026
حذر الكاتب موران شرير -في مقال ساخر بصحيفة هآرتس- من أن إسرائيل تتجه نحو تحوّل خطير في هويتها السياسية والدينية، قائلا إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو "لم يعد قائدا أو شجاعا بل هو المسيح رسول الله على الأرض".
ويرى شرير -الذي يُعرف بنزعته النقدية تجاه الحكومة وتوجهاتها الدينية والقومية- أن الحملة الانتخابية المقبلة لعام 2026 لن تدور حول قضايا الأمن أو الاقتصاد أو حتى الانقسام السياسي المعتاد بين اليمين واليسار الإسرائيلي، بل ستدور حول الإيمان العقائدي بزعيم بات يُصوّر نفسه، ويُصوّره أنصاره، كمبعوث إلهي.
وكتب ساخرا "لا يُنظر إلى نتنياهو على أنه رئيس وزراء جيد أو قائد شجاع، بل كمسيح، حرفيا. ويتزايد عدد مؤيديه الذين يرددون صراحة ما كانوا قد ألمحوا إليه سابقًا أو كتبوه مازحين: نتنياهو هو ممثل الله على الأرض".
دولة يهودية لا إسرائيليةيشير شرير في مستهل مقاله إلى لحظة فارقة بالتاريخ الانتخابي الإسرائيلي عام 1996، حين تنبأ المستشار آرثر فينكلشتاين بفوز نتنياهو عبر سؤال بسيط وذكي للناخبين: هل تعتبر نفسك إسرائيليا أم يهوديا؟. وقد أجاب معظمهم بـ"يهودي" وهو ما مهد الطريق لانتصار اليمين. ويعلق الكاتب "لقد مرت سنوات عديدة، لكن الحقيقة البسيطة لم تتغير. ما وحّد فصائل ائتلاف نتنياهو لدورة انتخابات الكنيست عام 2023 هو الاعتقاد بأن العيش في دولة يهودية أفضل من العيش في دولة إسرائيلية".
ويتابع أن الشعار القديم "نتنياهو. إنه جيد لليهود" لم يعد مجرد خلفية ضمنية، بل يتحول الآن إلى جوهر الحملة القادمة، مهيمنا بصراحة وبلا خجل.
ويرى شرير أن الهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران أدى إلى تعظيم مكانة نتنياهو في نظر أنصاره، حتى باتوا يحيطونه بهالة من القداسة. وكتب "نتنياهو لا يتخلى عن عبادته لنفسه، بل على العكس، يُغذّيها. لقد أصبح عالمه المفاهيمي في الأسابيع الأخيرة أقرب إلى التوراة" مشيرا إلى كثافة الاقتباسات الدينية في خطاباته وظهوره المتكرر في مواقع ذات رمزية دينية كحائط المبكى (حائط البراق) مصحوبا بالـ"طاليت" (شال الصلاة اليهودي) والـ"كيباه" (القلنسوة الصغيرة التي يرتديها المتدينون على رؤوسهم).
إعلانويضيف أن نتنياهو لم يعد يضع نفسه في مقام تشرشل أو بن غوريون، بل بمرتبة أنبياء بني إسرائيل في التوراة "يهوشع بن نون والملك داود". ويذهب شرير إلى القول إن حملة نتنياهو المقبلة ستكون بصيغة "الله وضع بنيامين نتنياهو في هذا الوقت لسبب ما. لا تشكك في دوافعه، فقط نفذ ما يشاء".
إما الطيارون أو الهواةفي تحليله الاجتماعي، يرى شرير أن التغيّر الديموغرافي والقيمي في المجتمع الإسرائيلي يمهد لنجاح هذا التوجه الجديد. وكتب "منذ عام 1996، أصبحت إسرائيل أكثر تدينا، وأكثر يهودية، وأقل إسرائيلية. لا يوجد بين الشباب اتجاه أكثر شعبية من الالتزام بالكوشير (الطعام اليهودي الحلال) والتواضع (اللباس المحتشم) والشرّابة (الخيوط المتدلية من قميص خاص يرتديه المتدينون تحت ثيابهم)".
ويضيف أن هذا الجمهور "غير مهتم بالاحتلال، ولا بحوار السلام، ولا بأفق سياسي. إنه يريد التصويت لمن يعتقد أنه المسيح. هذا ما سيمنحه إياه الليكود".
ويختم المقال بتحذير صريح من أن الانتخابات المقبلة ستضع إسرائيل أمام خيار وجودي، بين عقلانية الدولة المدنية وعقيدة الدولة الدينية. وكتب "لن يُقدّم اليمين أفكارا بل يقدم إيمانا. إذا فاز مجددا، ستفقد إسرائيل قبضتها على ما تبقى من عقلانيتها، وستُصبح بديلا يهوديا".
ويصف المواجهة بأنها ستكون بين "الطيارين وضباط المخابرات وخبراء التكنولوجيا الفائقة الذين قادونا إلى العملية المذهلة في إيران، والوزراء الهواة غير المؤهلين الذين منحوهم الضوء الأخضر".
ويخلص إلى أن إسرائيل ستُضطر إلى اختيار مصيرها، بين مواصلة الابتعاد عن إيران أم التحول إلى ما يشبه إيران.