دور المجتمع في مكافحة المخدرات
تاريخ النشر: 2nd, October 2023 GMT
د. محمود البلوشي
حللت مؤسسة "جلوبال ويب إندكس" البحثية في لندن بيانات 45 دولة من أكبر دول العالم في أسواق الإنترنت، ورأت أن الوقت الذي يكرِّسه كل شخص لمواقع التواصل الاجتماعي أو تطبيقاتها يقدر بـ143 دقيقة يوميًا، أما عن الجمهور المتتبع لتلك الوسائل فانقسم إلى قسمين: الجمهور الوهمي والجمهور العقلاني.
وحقيقة برز لدينا في السلطنة حاليًا العديد من المشاهير من الجنسين في وسائل التواصل الاجتماعي ولهم جمهورهم وعشاقهم، فتارة تجدهم في محلات الحلاقة يصورون، وفي الحدائق يصورون وفي المحلات التجارية يصورون، ويروجون لتلك المحلات التجارية، مقابل مبلغ مُعين من المال. وهذا من حقهم. وعلى حد علمي فإنَّ الحكومة شرّعت ذلك ووضعت لهم لائحة تنظيمية يسيرون عليها وإجراءات معينة يتبعونها. وكون هذه الفئة "المشاهير" لهم قاعدة جماهيرية كبيرة، فلماذا لا نجد أحدًا من هؤلاء المشاهير يتناول قضايا مجتمعية تؤرق المجتمع وتنخر عظامه مثل المخدرات؟!
المخدرات في سلطنة عمان آفة؛ بل هي حرب تُشن على شبابنا، وعلى ذلك فإنَّ القيادة الرشيدة السامية وضعت تلك المشكلة في عين الاعتبار، من خلال إصدار المرسوم السلطاني السامي رقم 24/ 2023، والذي جاء في مادته رقم 5 على أن اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية تتبع مجلس الأمن الوطني، وهنا يؤكد جلالته- حفظه الله- أنها مشكلة أمن وطني، إلى جانب تأسيس إدارة متخصصة في شرطة عمان السلطانية معنية بمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية.
مؤشرات وإجراءات تؤكد أن سلطنة عمان بيئة مستهدفة لترويج المخدرات، خاصة وأن المهربين والعصابات الدولية تستغل طول الشواطئ العمانية التي تقدر بنحو 3165 كيلومترًا من مضيق هرمز في الشمال إلى الحدود مع اليمن في الجنوب، والإطلالة المباشرة على بحار ثلاثة وهي بحر العرب وبحر عمان والخليج العربي، والبحار المفتوحة مع إيران وباكستان واليمن، وبالتالي فإنَّ موقع السلطنة يستغله المجرمون كنقطة عبور لتجارة المخدرات المجرمة دوليًا. وهنا نُشيد بالجهود الجبارة التي تنفذها الإدارة العامة لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية.
لكن ليعلم الجميع أن أي دولة لا يمكنها بمفردها أن تتصدي لتلك الآفة؛ الأمر الذي يفرض ضرورة تعاون جميع فئات المجتمع، فضلاً عن التعاون على الأصعدة الإقليمية والدولية.
وتشير التقديرات الدولية للمنظمات الدولية للشرطة الجنائية "الإنتربول" الى أن نسبة ما يُضبط الى نسبة ما يُهرَّب من المخدرات في أفضل الظروف يتراوح بين 10 إلى 20%، وهذا مؤشر خطير. أما على مستوى السلطنة فنجد أن نسبة الشباب المتعاطين للمخدرات في السلطنة في ارتفاع مستمر، ويجب أن يكون هناك تكاتف مجتمعي للحد من هذا التفشي. والمقصود هنا بالتكاتف المجتمعي هو أن تقوم كافة مؤسسات الدولة بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم والمؤسسات التعليمية والتربوية وبالشراكة مع الآباء وأولياء الأمور، بمحاربة هذه الآفة، من خلال وضع منهج متخصص يحذر من تلك الآفة. ولا ننسى في هذا السياق دور وزارة الصحة في علاج المدمنين، وما يتم تنفيذه من حملات توعوية وإرشادية في المدارس والجامعات، إلى جانب دور وسائل الاعلام.
لقد كانت هناك مظاهر سابقة لحملات مكافحة المخدرات، مثل الحملات التي شارك فيها النجم العماني علي الحبسي حارس منتخبنا سابقًا، والنجم عماد الحوسني، ونتمنى أن نرى المزيد من الأدوار التوعوية ينفذها الجميع، من مثقفين وشباب ومؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي، ولنرفع جميعًا شعار "لا للمخدرات" كي نحمي وطننا وشبابنا من الهلاك.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
قراءة في العقلية الإلغائية والسلوك العدواني الإسرائيلي
ظاهرة صهيونية لافتة:يَنظر كثيرون باستغراب إلى طريقة تفاعل الجمهور الإسرائيلي الصهيوني مع قيام جيشهم بقتل نحو 18 ألف طفل و12,400 امرأة في قطاع غزة، مع التدمير الهائل لمئات المدارس والمساجد والمستشفيات، والحملة الممنهجة للتجويع والإذلال، حيث لا يكاد يجدون لذلك صدى حقيقيا في الوسط الإسرائيلي. وفي الوقت نفسه، فإن أكثر جهة يُجمع الإسرائيليون على الثقة بها هي الجيش الإسرائيلي، وبنسبة تصل إلى 82 في المئة حسب آخر استطلاعات الرأي. وبالرغم من وجود أغلبية إسرائيلية كبيرة (نحو 67 في المئة) تؤيد وقف الحرب وعقد صفقة لتبادل الأسرى، وبالرغم من وجود تنازع كبير وقوى بين التحالف الحكومي وبين المعارضة حول ذلك؛ إلا أن جوهر النقاش مُنصَبٌّ على تحرير الأسرى الإسرائيليين وعلى "معاناتهم" الإنسانية كرهائن؛ وليس ثمة نقاش مؤثر وفعال بالطريقة نفسها عن وقف استهداف المدنيين وحرب الإبادة أو وقف التجويع.
السلوك الإسرائيلي يجد لنفسه أيضا مبررات كافية للهجوم العسكري على دول مستقلة مثل سوريا وإيران (هذا إلى جانب لبنان واليمن) لمجرد الشعور بإمكانية تشكيل خطر محتمل أو بقصد التطويع وفرض الهيمنة، بغض النظر إن كان ذلك ضدّ القانون الدولي وأنظمة الأمم المتحدة.
العقلية الإلغائية:
هذه العقلية لا تنطبق على مستوى الحكومة الإسرائيلية فقط، وإنما على مستوى الأغلبية الساحقة للإسرائيليين، وهي عقلية "تحتكر الضحية" وتلغي الآخر، وتَعدُّ نفسها حالة "فريدة" في التاريخ والحاضر الإنساني؛ وتُعطي لنفسها حقَّ الظُّلم والقهر والعدوان والاحتلال والتهجير والإبادة، وفرض الهيمنة، تحت اعتذارية حماية الذات باعتبارها "ضحية محتملة"!!
كان الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله من أبرز من تحدث عن العقلية الصهيونية، وأكد أن الفكر الصهيوني قائم على إلغاء الآخر في مقابل إثبات الذات. وهي عقلية إلغائية من ثلاث جهات:
1- الإلغاء التاريخي: فهي تتعامل وكأن شعب فلسطين حدثٌ عابر في التاريخ، أو مجرد خطأ تاريخي، وتتجاهل وجوده الراسخ لآلاف السنين، بينما تتجاهل الانقطاع اليهودي السياسي والحضاري عن فلسطين لأكثر من 1800 عام، وتتحدث وكأن اليهود غابوا بضعة أيام ثم رجعوا!!
2- الإلغاء السكاني: فهي تنزع حق أبناء فلسطين في أرضهم، وترى فلسطين "أرضا بلا شعب"؛ وترى في تهجير الفلسطينيين وطردهم، أو حتى شنّ حرب إبادة ضدهم أمرا عاديا!!
3- الإلغاء الديني: فهي تعطي حقا وحيدا وحصريا لليهود في الأقصى والقدس وباقي فلسطين (وما هو أوسع من ذلك لدى كثير من الصهاينة). وهي عقلية "مانعة" تفشل في التعايش الديني مع الآخر عندما تتصدر الحكم والسلطة، بعكس العقلية الإسلامية "الجامعة" القائمة على التسامح الديني واستيعاب الآخر. وهذا يُفسر السلوك الديني العدواني تجاه المقدسات الإسلامية والمسيحية، ومحاولات إيجاد هوية دينية مصطنعة حتى ولو بتزوير التاريخ والآثار.
احتكار الضحية:
وهي قاعدة أساسية في الفكر الصهيوني، تسعى إلى تصوير اليهود كضحايا وحيدين ومتفردين عبر التاريخ وفي شتاتهم، مع التركيز على "المحرقة النازية" أو "الهولوكوست"؛ ومنح أنفسهم "حقا حصريا" في تمثيل دور الضحية!!
هذا الاحتكار يُستخدم لتبرير سياسة الاحتلال والعدوان الإسرائيلي، في الاستيطان والتهجير القسري والإبادة للفلسطينيين، حيث لا يُنظر للفلسطينيين كضحايا، وإنما كأعداء أو "عماليق" أو "غوييم"، وبالتالي يستخدم الصهاينة ذلك، كأداة دينية وسياسية لتثبيت مشروعهم الاستيطاني التوسعي العدواني، ولو على حساب الآخرين.
وتُوضح النظرية البنائية (Constructivism) هذا السلوك بافتراض أن هوية الدول وقيمها وتصوراتها تشكل سلوكها؛ وأن الكيان الإسرائيلي يرى نفسه "دولة صغيرة" مهددة في محيط مُعادٍ وضَحية محتملة، مما يجعل الهيمنة الأمنية على المنطقة مكونا أساسيا في بُنيتها، وضرورة حصولها على تفوقٍ نوعي وإجبار الآخرين على البقاء في وضع أدنى تكنولوجيا وعسكريا، حتى تبقى "الضحية" في "أمان"!!
وكذلك نظرية الاستثناء الأمني (Security Exception Theory)، حيث تُقدم "إسرائيل" نفسها استثناء عن النظام الدولي وقوانينه، لأنها ترى في نفسها مجتمعا فريدا مُهدّدا بالزوال (تاريخيا ودينيا وسكانيا)، وبالتالي ترى لنفسها حقا في امتلاك التفوق الأمني والسلوك العسكري العدواني، حتى لو تعارض ذلك مع النظام الدولي وأي منظومات أخلاقية أو إنسانية.
وبالتأكيد، فهاتان النظريتان تحاولان فهم الظاهرة وتوصيفها، لكنهما لا يقدمان تبريرا أخلاقيا أو قانونيا أو سلوكيا لها.
الهيمنة الوقائية:
ويندرج تحت ما سبق فكرة "الهيمنة الوقائية"؛ حيث لا يكتفي الاحتلال الإسرائيلي بردع التهديدات، بل يسعى لإضعاف القوى الإقليمية واستمرار تشرذمها وتخلُّفها، ليضمن الاحتلال لنفسه التفوق والهيمنة، ويمنع أي حالة توازن محتملة، باعتبار ذلك خطرا وجوديا عليه. وتقدم المدرسة الواقعية التقليدية (Classical Realism) والمدرسة الواقعية الهجومية (Offensive Realism) تفسيرا لهذا السلوك، حيث يرى الكيان الإسرائيلي أن تحقيق أمنه لا يتم بالتوازن، بل بالهيمنة الإقليمية الكاملة؛ وهو ما يبرر لها احتكار السلاح النووي والأسلحة النوعية.
التفوق الحضاري المصطنع:
وهي عقلية تقدم نفسها كجزء من الغرب "المتقدم" في قلب المشرق "المتخلف"، مصحوبا بادعاء التفوق الحضاري "تكنولوجيا وأخلاقيا وديمقراطيا"، لتبرر لنفسها الهيمنة على شعوب "متخلفة" أو تمثل تهديدا ثقافيا أو سكانيا لها. وتصنع هذه العقلية عن أهل المنطقة صورة العدو "البدائي" العنيف وغير العقلاني، الذي لا تُفرض عليه الأمور إلّا بالقوة، ولا يمكن التعايش معه على أسس التكافؤ والمساواة!! وهو ما يعزّز سرديات الهيمنة والسيطرة. وهذا "الحقُّ" المدَّعى، هو حقّ متهافت لا يستند إلى أسس موضوعية ولا يملك سندا أخلاقيا ولا سلوكيا.
ومن اللافت للنظر أن يتبجح الصهاينة بهكذا ادعاءات، بينما هم الداعم الأساس والأول (إلى جانب حلفائهم الغربيين) لأنظمة الاستبداد والفساد في المنطقة، والمانع الأساس لأي تحولات حقيقية في المنطقة تعبر عن إرادة شعوبها وتطلعاتها النهضوية والوحدوية، بينما تتمتع شعوب المنطقة بعمق حضاري ثقافي راسخ، وحضارات عريقة لها دور مركزي في حركة التاريخ عبر آلاف السنين.
هذه العقلية، تستند إلى الإرث الاستعماري "للرجل الأبيض"، الذي يرى نفسه متفوقا، وأن له حقا في استعمار الآخرين واستغلالهم، وهي عقلية استعمارية لم يبقَ في شكلها التقليدي سوى الاستعمار الصهيوني.
الشرعية الدولية الانتقائية:
حيث يحظى الكيان الإسرائيلي بدعم القوى الكبرى، وخصوصا الولايات المتحدة، باعتباره "القلعة المتقدمة" للإمبريالية الغربية، و"العصا الغليظة" التي تضمن مصالحها، والتي تقوم بدور "الدولة الوظيفية" التي تواجه "المد الإسلامي" وتواجه مشاريع الوحدة العربية، وتضمن ضعف المنطقة لإبقائها في دائرة التبعية الغربية، ولتظل سوقا للمنتجات الغربية.
هذه الازدواجية الغربية الانتقائية تعطي "الشرعية" للكيان الإسرائيلي لاحتكار القوة والهيمنة والسيطرة، بينما تمنع حق دول المنطقة في امتلاك الأسلحة النوعية والنووية حتى لو دخلت في "حظيرة التطبيع".
ويخدم في تفسير هذا السلوك سياسيا، نظرية النظام الأمني الإقليمي (Regional Security Complex Theory)، التي تنظر للمنطقة كبيئة أمنية مترابطة، وأن على الاحتلال الإسرائيلي فرض هيمنته لمنع ظهور أي قوى أو تحالفات أو مشاريع وحدة تهدّد الأمن الإسرائيلي. وكذلك نظرية الردع غير المتكافئ (Asymmetric Deterrence Theory) من حيث ضرورة احتكار طرف هو الطرف الإسرائيلي لأدوات القوة الاستراتيجية. ونظرية إدارة الهيمنة الإقليمية (Managed Regional Dominance)، حيث توفر القوى العالمية (تحديدا الولايات المتحدة) الغطاء للتفوق الإسرائيلي لكبح القوى الإقليمية و"إدارتها" وإبقائها تحت السيطرة.
* * *
وهكذا تتكامل جدلية "العقلية الإلغائية" الصهيونية، فتُسوِّغ لنفسها ما لا تجيزه لغيرها؛ وتتحلل من القيود والالتزامات القانونية والأخلاقية والإنسانية، لتختلق ذرائع واعتذاريات لاحتلال أراضي الآخرين بالقوة، وللتهجير القسري والإبادة الجماعية، والعدوان، وتدمير المقدرات البشرية والمادية لدول المنطقة، وتعطيل نهوضها الحضاري ووحدتها. وتتحول هذه العقلية إلى ثقافة شعبية صهيونية يشترك فيها علماء وخبراء وأساتذة جامعات ومفكرون وقادة مراكز دراسات ورموز سياسية وإعلامية وثقافية.. لا تتردد في شرعنة حالة "الاستثناء" الصهيوني.
على أنه يجب أن ننبه إلى أن ما ذكرناه يحاول تقديم صورة أوضح للعقلية الإلغائية الصهيونية، ويكشف جدليتها المتهافتة، لكنه بالتأكيد يرفض تبريراتها في شرعنة الظلم والاحتلال والهيمنة؛ ويؤكد أن هذه العقلية لا تستطيع الاستمرار طويلا في فرض هيمنتها وإرادتها، لأنها ليست قوية في ذاتها، بل هي حالة مصطنعة مدعومة من قوى عالمية. وإن أي حالة نهوض حقيقي ووحدوي في المنطقة ستؤدي عاجلا أم آجلا إلى زوال هذه الظاهرة، التي لا تملك مقومات حقيقية راسخة لبقائها.
x.com/mohsenmsaleh1