سلوك النظام الإيراني: واقعية أم تغيير؟
تاريخ النشر: 6th, October 2023 GMT
التغيير ليس مستبعدا بشكل مطلق في الفكر الإيراني ولكنه يواجه عقبات صعبة للغاية
في ذكرى وفاة مهسا أميني، تابعت بعض التقارير الإعلامية الغربية التي تتحدث عن تحول نسبي في سياسات النظام الإيراني تجاه تطبيق قواعد ارتداء الحجاب، ونقلت هذه التقارير بعض المشاهد التي وصفتها بأنها نوع من التمرد المعلن على شرطة الأخلاق، التي باتت تتعرض لتحديات كثيرة في أداء مهامها من جانب كثير من النساء اللاتي يتجولن في شوارع طهران من دون حجاب ويرتدين الجينز الممزق بحسب ما نقلت التقارير.
انتهت الاحتجاجات الشعبية في إيران ولكن حالة الغضب لم تتراجع بشكل تام وبقيت تحت الرماد، وما ترصده التقارير الإعلامية من سلوكيات تتحدى القوانين هو حد أدنى يسمح به النظام للتنفيس عن حالة الغضب وترويضها والرهان على عنصر الوقت في تحقيق ذلك، ولكن من الصعب فعليا القول بأن وجود نسبة ما من النساء في شتى أنحاء إيران لا يلتزمن بارتداء الحجاب، يعكس تراجع قبضة النظام أو تخليه عن قناعاته الأيديولوجية بشأن قضية الحجاب أو غيره.
لا شك أن الاحتجاجات الشعبية واسعة النطاق التي شهدتها إيران عقب مقتل مهسا أميني قد وضعت النظام الإيراني في موقف حرج دوليا، وأضعفت قدرته على تحدي الضغوط الغربية، بل أفرزت مدخلا جديدا للضغط على النظام، ولكن هذا كله لم يدفع النظام إلى تغيير السياسات بل اقتصر الأمر على نوع من المهادنة تفاديا لإثارة احتجاجات جديدة، ولكن القوانين لا تزال قائمة، حيث تؤكد الشرطة الإيرانية أنها صادرت أكثر من 400 سيارة في محافظة واحدة هي أذربيجان الشرقية بسبب مخالفات تتعلق بعدم ارتداء الحجاب، كما يدرس مجلس الشورى الإيراني مشروع قانون يخص “الحجاب والعفة”، يفرض غرامات مالية كبيرة على النساء غير المحجبات، فضلا عن عقوبات تصل إلى السجن نحو عشر سنوات خصوصا على من يخالفن قوانين ارتداء الحجاب بشكل مستمر أو يحرضن أخريات على فعل ذلك.
معارضة ارتداء الحجاب لها رمزية تتعلق برفض القوانين التي وضعها النظام الإيراني منذ أكثر من أربعة عقود، ولكن الحاصل أن كل هذه الضغوط الشعبية لم تنتج تغيرا موازيا في قناعات النظام، لأنها بالأساس قناعات أيديولوجية، تمثل فلسفة النظام وجوهر فكره، وهي أمور لا يمكن أن تتغير بمرور الوقت لاسيما مع نفس الجيل الحاكم، وإن كان من الوارد أن تشهد إعادة نظر بتغير أو تطور الأجيال الحاكمة وهي مسألة لم يقم عليها أي دليل في الحالة الإيرانية، التي لا يزال يتنافس شخوصها على تبني “المزاج الثوري” والترويج له، واعتبار أي معارض أو منتقد له معاديا لمصلحة النظام بما يقود إلى تحييده أو إقصائه وتهميشه، في أفضل الأحوال، عن مركز السلطة، بينما يتم التعامل بطرق أخرى أكثر عدائية مع من يعتبرهم قادة النظام أكثر معارضة للقيم الثورية، مثلما حدث مع الكثير من القيادات والكوادر التي توصف بالإصلاحية.
المشهد الاحتجاجي في إيران بشكل عام ليس طارئا ولا عابرا في علاقة النظام بالشعب، وهي علاقة تتسم بالاحتقان والتأزم في معظم فتراتها، وهذا ما يفسر تكرار الاحتجاجات الشعبية التي يحيلها النظام عادة إلى “مخطط خارجي”، وجهات إقليمية وأطراف ممولة وغير ذلك، وهذه العلاقة تعكسها مؤشرات هجرة الإيرانيين التي ترتفع من عام إلى آخر حيث كانت 1.45 في المئة منذ ثلاثة عقود، أي في ذروة الصخب الثوري والتشدد في تطبيق الأحكام والعقوبات، وارتفعت إلى 2.229 في المئة في عام 2019، حتى أصبحت إيران واحدة من الدول الطاردة لسكانها، ولاسيما النخب في مختلف المجالات.
غالبية الشعب الإيراني في حالة احتجاجية مستمرة معلنة أو مستترة ضد سياسات النظام، وهناك أجيال جديدة غاضبة تبدو أشد حدة وعنفا في مواجهة قبضة السلطة، وتستطيع التحايل على إجراءات القمع والعزلة الافتراضية، ولكن النظام يدرك جيدا أنه من دون دعم خارجي لا تستطيع أي احتجاجات داخلية الإطاحة به، ولهذا يبدو الرهان على حدوث تغير في القناعات والأفكار مسألة مشكوكا في صحتها.
لا شك أيضا أن التغيير ليس مستبعدا بشكل مطلق في الفكر الإيراني، ولكنه يواجه عقبات صعبة للغاية، وهنا نتذكر التغيير الملموس في السياسات الإيرانية حيال دول الجوار، وهو تغيير سياسي براغماتي لعبت فيه السيناريوهات التي روجت لتحالفات إقليمية تستهدف إيران دورا ما، ولكنه يبقى تغييرا لا يمكن إنكاره حتى لو كان مدفوعا ببراغماتية التماهي مع مصالح النظام ورغبته في حصد العوائد الإستراتيجية المتوقعة للتعاون مع جواره الإقليمي.
والمؤكد أن مقتضيات الأمن الإقليمي تتطلب وجود علاقات طبيعية بين إيران وجوارها، ولا أعتقد أن هناك طرفا ما يعادي تقدم إيران وتطورها، بل العكس صحيح تماما، فإيران مستقرة متقدمة اقتصاديا وتنمويا هي إضافة نوعية مفيدة إقليميا، وذخيرة وعنصر استقرار جوهري لمنطقة الشرق الأوسط، شريطة وجود علاقات طبيعية أو حتى غير عدائية بينها وبين الجميع من دون استثناء.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: زلزال المغرب انتخابات المجلس الوطني الاتحادي التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة النظام الإیرانی ارتداء الحجاب
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي يكشف أنماطا خفية في سلوك الخلايا
كشفت أداة جديدة للتعلم العميق للذكاء الاصطناعي، تعرف باسم CellLENS، عن أنماط خفية في سلوك الخلايا داخل الأنسجة، مما يوفر رؤى أعمق حول تباين الخلايا، وهو أمر حيوي لتطوير العلاج المناعي للسرطان.
من أجل إنتاج علاجات فعّالة ومُستهدفة للسرطان، يحتاج العلماء إلى عزل الخصائص الجينية والظاهرية للخلايا السرطانية، داخل الأورام المختلفة لأن هذه الاختلافات تؤثر على كيفية استجابة الأورام للعلاج.
يتطلب جزء من هذا العمل فهمًا عميقًا للحمض النووي الريبوزي (RNA) أو جزيئات البروتين التي تُعبّر عنها كل خلية سرطانية، وموقعها في الورم، وكيف تبدو تحت المجهر.
كان العلماء يدرسون تقليديًا جانبًا واحدًا أو أكثر من هذه الجوانب بشكل منفصل. ولكن الآن، تدمج أداة جديدة للتعلم العميق للذكاء الاصطناعي، CellLENS (مسح البيئة المحلية للخلية والجوار)، المجالات الثلاثة معًا، لبناء ملف تعريف رقمي شامل لكل خلية على حدة. يسمح هذا للنظام بتجميع الخلايا ذات التركيب البيولوجي المتشابه، ويفصل بفعالية حتى تلك التي تبدو متشابهة جدًا عند عزلها، ولكنها تتصرف بشكل مختلف حسب محيطها.
وقال موقع news.mit.edu إن الدراسة، التي نُشرت مؤخرًا في مجلة Nature Immunology، تُفصّل نتائج تعاون بين باحثين من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، وكلية الطب بجامعة هارفارد، وجامعة ييل، وجامعة ستانفورد، وجامعة بنسلفانيا.
اقرأ أيضا... الذكاء الاصطناعي من "جوجل" يمكن أن يحدث تحولا في الرعاية الصحية
يشرح بوكاي تشو، الذي قاد هذا العمل، تأثير هذه الأداة الجديدة قائلاً: "في البداية، كنا نقول: لقد وجدتُ خلية. تُسمى هذه الخلية خلية تائية. باستخدام نفس مجموعة البيانات، وتطبيق CellLENS، يُمكنني الآن القول إن هذه خلية تائية، وهي تُهاجم حاليًا حدودًا محددة للورم لدى مريض".
وأضاف "يمكنني استخدام المعلومات المُتاحة لتحديد ماهية الخلية بشكل أفضل، وما هي المجموعة الفرعية لتلك الخلية، وما هي وظيفتها، وما هي القراءة الوظيفية المُحتملة لها. يُمكن استخدام هذه الطريقة لتحديد مؤشر حيوي جديد، يُوفر معلومات مُحددة ومُفصلة عن الخلايا المريضة، مما يسمح بتطوير علاجات أكثر استهدافًا".
يُعد هذا تقدمًا بالغ الأهمية، لأن المنهجيات الحالية غالبًا ما تغفل معلومات جزيئية أو سياقية بالغة الأهمية. على سبيل المثال، قد تستهدف العلاجات المناعية خلايا موجودة فقط على حدود الورم، مما يحد من فعاليتها. باستخدام التعلم العميق، يمكن للباحثين اكتشاف طبقات مختلفة من المعلومات باستخدام CellLENS، بما في ذلك شكل الخلية وموقعها المكاني في النسيج.
عند تطبيقها على عينات من أنسجة سليمة وأنواع عديدة من السرطان، بما في ذلك سرطان الغدد الليمفاوية وسرطان الكبد، كشفت أداة CellLENS عن أنواع فرعية نادرة من الخلايا المناعية، وكيفية ارتباط نشاطها وموقعها بعمليات المرض، مثل تسلل الورم أو تثبيط المناعة.
يمكن أن تساعد هذه الاكتشافات العلماء على فهم أفضل لكيفية تفاعل الجهاز المناعي مع الأورام، وتمهد الطريق لتشخيصات أكثر دقة للسرطان وعلاجات مناعية.
يقول المؤلف المشارك للدراسة أليكس ك. شاليك، مدير معهد الهندسة والعلوم الطبية "أنا متحمس للغاية لإمكانيات أدوات الذكاء الاصطناعي الجديدة، مثل CellLENS، لمساعدتنا على فهم السلوكيات الخلوية الشاذة داخل الأنسجة بشكل أكثر شمولية".
ويضيف "يمكننا الآن قياس كمٍّ هائل من المعلومات حول الخلايا الفردية ومحيط أنسجتها باستخدام فحوصات متطورة. وتُعدُّ الاستفادة الفعّالة من هذه البيانات لترشيح علاجات جديدة خطوةً حاسمةً في تطوير تدخلات مُحسّنة. وعند اقترانها ببيانات الإدخال الصحيحة وعمليات التحقق الدقيقة من النتائج النهائية، فإن هذه الأدوات تُبشّر بتسريع قدرتنا على التأثير إيجابًا على صحة الإنسان وعافيته".