في العام 2006 نشر باراك أوباما كتابه الشهير (جرأة الأمل) الذي يحدثنا فيه عن المعترك السياسي الذي مرَّ به خلال رحلته للانضمام إلى مجلس الشيوخ. وفي هذا الكتاب يقدِّم أوباما رسالة مفادها قدرة الأمل، وقوته التي توصل الإنسان إلى مبتغاه؛ حيث تبنى فكرة المصلحة المشتركة التي تربطه بمجتمعه. فقد صاغ رسالته بما مفاده: (أن لدينا مصلحة مع بعضنا البعض، وأن ما يربطنا معا أكبر مما يفرقنا، وعلى الرغم من أننا قد لا نستطيع حل كل المشكلات، لكن يمكننا إنجاز شيء ذي مغزى).
تمثل هذه الرسالة جوهر الأمل وإمكاناته التي يمكن من خلالها الوصول إلى حلول منقذة للكثير من التحديات التي تمر بنا أفرادا أو مجتمعات، ولهذا فإن فكر التحدي وبناء المستقبل يقوم على مدى إيماننا بأنفسنا وبمن حولنا، وبقوة الأمل الذي نتحلى به؛ فالأمل هو الطريق إلى تغيير الحاضر، والإيمان به يفضي إلى العمل من أجل الوصول إلى الأهداف والغايات التي نصبو إليها.
إن فكرة الأمل نفسها تقوم على محاولة تغيير الواقع، والتطلُّع نحو الأفضل، وبالتالي العمل بجدية لتحقيق الأهداف؛ لذا فإن أولئك الذين يتحلون بالأمل وحدهم من يستطيع التحدي والمقاومة والمثابرة من أجل غد أفضل له ولمجتمعه. فصاحب الأمل يعرف قيمة المستقبل، وما يجب عليه عمله في سبيل المضي قدما دون الاكتراث للمحبطين وللظروف المحيطة، وما يمكن أن يصنعه للتغلُّب على تحديات الحاضر ومعوقاته لبناء جسور جديدة يعبر من خلالها إلى الطرق المفتوحة.
ولعل أهمية الأمل في حياة المجتمعات ومكاناته هي التي دفعت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) لتبني الاحتفاء به من خلال تخصيص الثاني عشر (12) من يوليو يوما دوليا للأمل، باعتباره (حاجة عالمية في زمن مضطرب)؛ ففي ظل التحديات المصيرية التي يواجهها العالم في زمن عدم اليقين السياسي والاقتصادي والبيئي وبالتالي الاجتماعي، دعت الحاجة إلى التذكير والتوعية بأهمية الأمل، بوصفه قيمة أخلاقية نفسية وصحية وتنموية داعمة ومحفزة للمضي قدما.
إن العالم في (اليوم الدولي للأمل) يحتفي بالقيمة الإنسانية لفكرة الأمل وجوهرها، وأهميتها في (تعزيز الصحة النفسية، والاحترام المتبادل، والاستقرار الاجتماعي، والتنمية المستدامة)؛ فالاحتفاء به لا يمثِّل قيمة رمزية وحسب، بل أيضا (نداء عالميا يدعو إلى العمل) - حسب اليونسكو -؛ إذ يسعى إلى حث الدول إلى التوعية بأهميته، وتهيئة البيئات الاجتماعية التي يزدهر فيها الأمل، وحث الجهود إلى إقامة حملات ثقافية وإعلامية موسَّعة؛ لتعزيز مفاهيم التسامح، والتصالح، والتفاؤل، وتبني قيم المشاركة والبناء والتفهُّم والتعاطف، إضافة إلى دعم مفاهيم القدرة على التكيُّف مع الآخر، وفهم الظروف المحيطة، وإمكانات التغلُّب على التحديات.
إن الاحتفال باليوم الدولي للأمل يعبِّر عن قيمة التحوُّل والتغيُّر التي يمكن أن تُحدث فارقا كبيرا في الدول؛ فالمجتمعات المحبطة والمتشائمة لا يمكن أن تصنع حضارة، ولا يمكن أن تتقدَّم على المستوى التنموي، فبالأمل نحرِّك عجلة التقدم ومسيرته، وبه ننهض إلى العمل، ونقدِّم أقصى ما نستطيعه؛ من أجل إحداث التغيير في حياتنا وحياة مجتمعنا، ونسهم في تحقيق أهدافنا المشتركة. فالمجتمعات لا يمكن أن تحقِّق أهدافها سوى بسواعد أفرادها، وقدرتهم على الإبداع والابتكار في ظل ما يمر به العالم من تحديات ومصاعب.
فالإرادة والعمل يؤسسان على الأمل الذي يعزِّز الصحة النفسية للأفراد، ويوازن بين الدافعية والتفكير المتطلِّع نحو المستقبل، الأمر الذي يوفِّر بيئة خصبة للإبداع والابتكار والعمل؛ ذلك أن الصحة النفسية تنعكس على الصحة البدنية، وهي لا تقوم سوى بالأمل الذي يمنح السلام الداخلي، ويوفِّر بيئة نفسية متوازنة ودافعة إلى الإبداع والتقدُّم.
ولأن الأمل ركيزة للتنمية المجتمعية المستدامة؛ فإنه يعزِّز الدافعية والطموح، والعمل، والالتزام، بل إنه يُنعش ويُقوي الشعور بالسعادة والتفاؤل، ويُحفِّز الثقة والحوار والتماسك الاجتماعي. وكلما توفَّرت البيئة الداعمة لذلك كان الأمل راسخا وقادرا على التجلي في تلك الأشكال وغيرها. ولعل الاحتفال بهذا اليوم خلال الإجازات الصيفية دافع لنا جميعا؛ لإيجاد سبل الترفيه، ودعم التواصل الأسري، وتحفيز الدافعية من خلال الزيارات والرحلات والسفر، وحضور المناشط المختلفة.
ولذلك فإن ما تقدمه المحافظات المختلفة بشكل عام ومحافظة ظفار بشكل خاص من مناشط صيفية سواء أكانت فعاليات خاصة (رياضية وثقافية وغيرها)، أم مهرجانات ترفيهية عامة، إضافة إلى ما تزخر به المحافظات جميعا من معطيات وممكِّنات طبيعية ومعمارية تُعزِّز مفاهيم السياحة المحلية العائلية- سيوفِّر بيئة مناسبة؛ لتعزيز الشعور بالأمل والرضا والسعادة، الأمر الذي سينعكس على القدرة على البناء والعطاء والعمل.
ومن ذلك فإن توسعة آفاق البيئات الترفيهية في المحافظات خلال فترة الإجازات الصيفية، حتى وإن كانت أجواء بعض المحافظات حارة نسبيا، إلا أن هناك سبلا تقنية كثيرة يمكن الاستعانة بها، إضافة إلى أهمية استغلال الأماكن المغلقة لتكون حاضنة للفعاليات، كما هو الحال في المراكز الصيفية التي تلقى رواجا واسعا في الكثير من الولايات، بما توفِّره من مناشط ترفيهية وتعليمية تحفِّز الصحة النفسية، وترسِّخ العلاقات والروابط الاجتماعية بين أبناء الولاية.
إننا إذ نحتفل بالأمل باعتباره جوهر التنمية فإن علينا أن نجعل منه أساسا في حياتنا وحياة مجتمعنا، وعلينا أن نسهم في التوعية بأهميته، وقدرته على بناء جسور الحوار والمشاركة والتعاون بين أبناء المجتمع. والحال أننا نحتاج إلى تمكين البيئة المناسبة التي تعزِّزه وتدفعه، من حيث تلك الفعاليات والمناشط التي تدعم الإدماج والتواصل والمرونة النفسية والدافعية وغير ذلك مما يُسهم في شحذ الهمم والتفاؤل؛ بُغية المشاركة الفاعلة في تحقيق أهداف الوطن.
وليس أنسب من فترة الإجازات الصيفية التي يمكن خلالها تقديم الكثير من تلك المناشط والفعاليات، والتجمعات الأسرية والاجتماعية؛ فواجبنا جميعا تعزيز الثقة بالمجتمع، وترسيخ مفاهيمه القيمية، وتشجيع المشاركة المجتمعية التطوعية في تلك المناشط، بما يدعم المواطنة الإيجابية، ويقوِّي ثوابت المجتمع. إن الأمل ليس شعور بقدر ما هو سمة تعضِّد المشاركة والتقدُّم المستدام.
عائشة الدرمكية باحثة متخصصة فـي مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الصحة النفسیة من خلال یمکن أن
إقرأ أيضاً:
مصر والصين تؤكدان ضرورة الحشد الدولي لدعم خطة إعمار غزة
القاهرة – أكدت مصر والصين، امس الخميس، الحاجة الملحة لاستمرار حشد الدعم الدولي لتنفيذ ما تضمنته الخطة العربية الإسلامية لإعادة إعمار قطاع غزة.
جاء ذلك خلال لقاء جمع رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، مع نظيره الصيني لي تشيانغ، بمقر الحكومة بالعاصمة الإدارية الجديدة شرقي القاهرة، وفق بيان لمجلس وزراء مصر.
وعقد الجانبان “جلسة مباحثات موسّعة تم خلالها التباحث حول عددٍ من القضايا والموضوعات ذات الاهتمام المشترك، وسُبل تعزيز التعاون بين البلدين في مختلف المجالات”.
وشهد اللقاء “تبادل الرؤى حول التحديات الجيوسياسية العالمية والإقليمية الحالية”.
وتمت الإشارة خلال اللقاء إلى أن “العالم يمر بحالة من عدم اليقين، وأنه على المجتمع الدولي الاضطلاع بدوره في إلزام جميع الأطراف المتصارعة بالتحلي بالمسؤولية والحكمة السياسية بما يُسهم في حل جميع الصراعات على مختلف الجبهات عبر الحوار والوسائل الدبلوماسية”.
كما تم التأكيد على “الحاجة الملحة لاستمرار حشد الدعم الدولي لتنفيذ ما تضمنته الخطة العربية الإسلامية لإعادة إعمار قطاع غزة التي اعتمدتها الدورة غير العادية للقمة العربية التي عقدت بالقاهرة في 4 مارس (آذار) الماضي”.
وترتكب إسرائيل بدعم أمريكي إبادة جماعية بغزة، منذ 7 أكتوبر 2023، خلفت أكثر من 195 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم عشرات الأطفال.
وتتضمن الخطة، تشكيل لجنة “إدارة غزة” لتتولى تسيير شؤون القطاع في مرحلة انتقالية لمدة 6 أشهر، على أن تكون اللجنة مستقلة ومكونة من شخصيات غير فصائلية (تكنوقراط) تعمل تحت مظلة الحكومة الفلسطينية، بحسب ما نقلته قناة القاهرة الإخبارية.
وشددت الخطة على أن لجنة إدارة غزة يجري تشكيلها خلال المرحلة الحالية تمهيدا لتمكينها من العودة بشكل كامل للقطاع وإدارة المرحلة المقبلة بقرار فلسطيني، مشيرة إلى أن “مصر والأردن يعملان على تدريب عناصر الشرطة الفلسطينية تمهيدا لنشرها في القطاع”.
ومنذ 25 يناير/ كانون الثاني الماضي، يروج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمخطط تهجير فلسطينيي غزة إلى دول مجاورة مثل مصر والأردن، وهو ما رفضه البلدان، وانضمت إليهما دول عربية أخرى، ومنظمات إقليمية ودولية.
وبلورت مصر خطة عربية شاملة لإعادة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين منها، خشية تصفية القضية الفلسطينية.
وفي وقت سابق الخميس، أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ، عقب لقاء بالقاهرة، على ضرورة وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وإدخال المساعدات للفلسطينيين بشكل عاجل.
ووصل رئيس مجلس الدولة الصيني إلى مصر، الأربعاء، في زيارة تستمر يومين، بحسب إعلام صيني.
الأناضول