حسين حمودة: نصر أكتوبر لقن العدو هزيمة مدوية
تاريخ النشر: 6th, October 2023 GMT
خمسون عاما مرت على الانتصار الحربي العربي الوحيد في التاريخ الحديث، وهو نصر أكتوبر 1973 الذي حققه الجيش المصري بقيادة الرئيس الراحل محمد أنور السادات على اسرائيل، وبهذه المناسبة يشارك الأدباء والشعراء والكتاب والمفكرين آثر ذلك الانتصار على المشهد الثقافي.
قال حسين حمودة، الناقد الأدبي، إن تأثير حرب أكتوبر في الأدب والفنون والثقافة تأثير كبير، وإن لم يكن مكافئا للإنجاز العظيم الذي حققته هذه الحرب، ولما أحدثته من تحولات ولما ترتب عليها من نتائج، مضيفا: هناك طبعا بعض النتاج الأدبي والفني المهم، المرتبط بهذه الحرب، وضمن هذا النتاج أعمال روائية وقصصية لجمال الغيطاني، وإحسان عبد القدوس، ويوسف القعيد، وفؤاد قنديل، والسيد نجم وعمار علي حسن، ويوسف السباعي وإبراهيم الخطيب، وعلاء مصطفى، وانتصار عبدالمنعم، بالإضافة إلى قصائد عدد كبير من الشعراء، وعدد كبير من الأغنيات الوطنية.
وأضاف «حمودة»، خلال تصريحات خاصة لـ«البوابة نيوز»: «وهناك بعض الأعمال السينمائية التي تم إنجازها عن هذه الحرب، ومنها أفلام روائية وأخرى وثائقية، وكل هذا تأثير مهم، ولكنه قابل للتنامي عبر الزمن، فحرب أكتوبر، شأنها شأن الوقائع الكبرى، تظل موضوعا مراودا ومطروحا للتناول في أعمال أدبية وفنية متنوعة، ولعل هذا سوف يتحقق في المستقبل القريب والبعيد، في مجال الأدب سوف يتحقق بجهود المبدعين الأفراد، أما في مجال السينما فنحن بحاجة إلى تمويل مشروعات وأعمال إبداعية كبيرة، تتناسب ومكانة هذه الحرب في تاريخنا الحديث، وهي مشروعات وأعمال تحتاج إلى رعاية الدولة، أو إلى رعاية المؤسسات الكبرى مثل المتحدة للخدمات الإعلامية».
وأردف «حمودة»: «أتصور أن تأثير حرب أكتوبر على المثقفين وغير المثقفين كان تأثيرا عظيما، فبعد الصدمة التي أحدثتها نكسة 1967، والتي كان لها آثار سلبية فظيعة، أقلها فقدان الثقة في كل شيء، والشعور بأن الأرض قد مادت من تحت الأقدام، وأن أحلاما كثيرة قد انهارت، جاءت هذه الحرب لتعيد بناء روح المقاومة والتفاؤل والأمل من جديد، خصوصا مع الذين عاشوا التجربتين، ولعل نقل أبعاد هذين التأثيرين إلى الأجيال الأصغر، وإلى الأجيال التالية بوجه عام، يحتاج إلى جهد كبير في توثيق الحربين، وفي كشف ما أحدثته حرب أكتوبر من تغيير كبير في الشعب المصري، وربما الشعب العربي كله».
واستكمل: «وفيما يخص تأثير حرب أكتوبر على إسرائيل، فهذا التأثير معروف، لقد قضت هذه الحرب، مرة وإلى الأبد، على أسطورة الجيش الذي لا يقهر التي كانوا يروجون لها، ومن المؤكد أنهم بعد هذه الحرب قد أصبحوا أكثر تقديرا لقوة مصر، حتى وإن كابروا، ولا يزالون يكابرون، في الاعتراف بهزيمتهم المدوية، خلال محاولاتهم المتصلة والمستمرة لتقديم سردية زائفة عن هذه الحرب، وعن حجم خسائرهم فيها».
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: حسين حمودة هذه الحرب
إقرأ أيضاً:
من نشوة القصف إلى فخ الاستنزاف.. كيف وقعت “إسرائيل” في فخ الحرب التي أرادتها؟
في كتاباته المتعددة، كثيرًا ما حذر نعوم تشومسكي من غواية “القوة” حين تُمارَس بمعزل عن العقلانية السياسية، ومن السرديات الإمبريالية التي تُخفي الحقائق خلف لغة “الردع” و”الدفاع عن الذات”، “إسرائيل”، التي أفاقت على نشوة ضربة خاطفة ضد إيران، سرعان ما بدأت تدفع ثمن إيمانها بأن بإمكانها فرض توازنات الشرق الأوسط عبر هجوم مباغت على دولة إقليمية بحجم إيران، لكن الواقع، كما هو الحال دائمًا في منطق القوة، معقد ومفتوح على انهيارات غير محسوبة.
الهروب من غزة نحو سماء طهران
في بداية الأمر، بدا الهجوم “الإسرائيلي” على المنشآت الإيرانية وكأنه ضربة ناجحة: اغتيالات نوعية، ضربات على البنية التحتية النووية والعسكرية، وتحقيق ما وصفته وسائل الإعلام العبرية بـ”إنجازات لا تُضاهى”، لكن خلف هذا الإطار الإعلامي، تكمن أزمة أعمق: “إسرائيل” تهرب من مأزق غزة إلى معركة أخطر وأعقد مع طهران. والضربات لم تكن فقط ضد المنشآت، بل كانت في جوهرها محاولة لإعادة ضبط معادلة الردع بعد سلسلة من الهزائم الرمزية والاستراتيجية، بدءًا من 7 أكتوبر، مرورًا بالحرب الطويلة والمفتوحة في غزة، وصولًا إلى الخوف من تصاعد جبهة الشمال مع حزب الله.
النشوة كقناع للإنكار
في التحليل النفسي للسلطة، تمثّل النشوة الجماعية لحظة إنكار جماعية. الإعلام العبري، وحتى بعض المعارضين، انخرطوا في التهليل للضربة، وكأنها تعويض جماعي عن الإهانة الوطنية في 7 أكتوبر. لكن فإن “الاحتفال بالقوة لا يُلغي الحاجة إلى مساءلتها”. ما جرى لم يكن انتصارًا بل انزلاق محسوب إلى منطقة الخطر. والفرق بين الحكمة والجنون، أن الأولى تفكر في اليوم التالي، بينما الثانية تتلذذ بلحظة التأثير الفوري.
الفشل في فهم إيران
منذ عقود، تسوّق “إسرائيل” أن إيران “نظام شيطاني” يمكن تفكيكه عبر ضربة ذكية واحدة. وهذا بالضبط ما يُحذّر منه تشومسكي عند الحديث عن “التسطيح الاستشراقي” للعقل الغربي تجاه خصومه، إيران ليست دولة عشوائية، إنها منظومة معقدة ببنية عسكرية وعقائدية واقتصادية متداخلة، وتملك أدوات الرد في الإقليم، وأهم من كل ذلك: ذاكرة حرب طويلة. التجربة الإيرانية مع العراق (1980–1988) لا تزال تلهم العقيدة العسكرية الإيرانية. والشيعة، كما كتب يوسي ميلمان، “يتقنون فن المعاناة”.
الرد الإيراني لم يتأخر فقط لأن القيادة مشوشة، بل لأنه كان يحتاج إلى تأنٍّ استراتيجي، وإلى قرار محسوب بعدم جعل الرد مجرد فعل عاطفي. وعندما أتى الرد، كان بمستوى يجعل النشوة “الإسرائيلية” تبدو استهزاء بالتاريخ والجغرافيا معًا.
أمريكا ليست هنا
من أخطر ما اكتشفته “إسرائيل” هذه المرة، أن الولايات المتحدة –ولو بقيادة ترامب الحليف المعلن– ليست بالضرورة على استعداد لخوض معركة واسعة لأجل “إسرائيل”. وزير الخارجية ماركو روبيو كان واضحًا في نأي واشنطن بنفسها عن الهجوم، وهو موقف يعكس تحولًا عميقًا في المزاج الأمريكي الذي بدأ يتبرم من كلفة التحالف مع “إسرائيل”، لا سيما مع اتساع المعارضة للحرب في غزة، والصدام مع القوى الدولية الأخرى (كالصين وروسيا) حول سياسات الهيمنة.
ترامب قد يهلل للهجوم، لكنه لا يريد أن يُجر إلى مستنقع حرب طويلة في لحظة انتخابية حرجة. وهذا ما يعرفه الإيرانيون جيدًا، لذا يُصعّدون بثقة محسوبة. أما “إسرائيل”، فقد فوجئت بأن “الغطاء الأمريكي” الذي طالما اعتُبر ضمانة للجنون الاستراتيجي، بات مثقوبًا هذه المرة.
الحرب على النظام أم على البرنامج النووي؟
بين خطاب نتنياهو الذي توعّد برؤية طائرات “إسرائيلية” فوق طهران، وتصريحات مسؤولي الجيش بأن الهدف هو تدمير البرنامج النووي، ثمة فجوة سردية خطيرة. إذا كانت “إسرائيل” تريد تغيير النظام، فإنها تكرر خطيئة الأمريكيين في العراق: وهم استبدال النظام دون رؤية للبديل. أما إذا كان الهدف فقط وقف التخصيب، فإن الهجوم لم ينجح في تدمير منشأة فوردو، ولم يوقف البرنامج، بل ربما سرّعه.
ومن هنا يأتي خطر الحرب الاستنزافية. فإيران، التي تعي أنها لن تُهزم في ضربة واحدة، قد تُطيل أمد المواجهة، وتجعل منها حربًا متعددة الجبهات والأدوات: صواريخ على تل أبيب، هجمات سيبرانية، اشتباكات في مضيق هرمز، وتصعيد عبر حزب الله والحوثيين والحشد الشعبي.
إسرائيل تواجه نفسها
بعد الهجوم، انهالت الانتقادات من الداخل، فجأة صار نتنياهو في مواجهة مجتمع يكتشف هشاشته: الدفاعات الجوية فشلت، والحكومة لم تهيّئ الناس، وبدأ القادة العسكريون يحذرون من حرب طويلة، فيما المعلقون يتحدثون عن “فخ نصبته إسرائيل لنفسها”. وكأن الحرب، التي أرادها نتنياهو لتكون مخرجًا من ورطة غزة، تحوّلت إلى ورطة أشد وأخطر.
في كل هذا، يبدو أن “إسرائيل” لم تُجرِ الحساب الأساسي الذي تحدث عنه تشومسكي مرارًا: حين تبني قراراتك على وهم التفوق التكنولوجي وتغفل عن التعقيد التاريخي والسياسي والثقافي لخصمك، فأنت تصنع كارثتك بنفسك.
من غزة إلى طهران: لا خطوط رجعة
إن الفكرة القائلة بأن “إسرائيل” يمكنها أن “تُعيد ضبط النظام الإقليمي” عبر القوة، هي في جوهرها استمرار لسردية استعمارية قديمة، وهي أن “الشرق لا يفهم إلا لغة القوة”. هذه السردية لا تزال تحكم العقل “الإسرائيلي”، الذي لم يتعلّم من تجاربه في لبنان ولا في غزة، وها هو الآن يكررها على نطاق أوسع وأخطر.
لكن الفارق أن طهران ليست غزة. والمقاومة هنا ليست فقط صواريخ، بل منظومة ممتدة جغرافيًا وعقائديًا. “إسرائيل” لا تواجه إيران وحدها، بل منظومة ممتدة من العراق إلى اليمن، ومن لبنان إلى سوريا. وهذا ما يجعل هذه المواجهة قابلة لأن تنفلت من السيطرة في أي لحظة.
في الحروب، لا تنتصر النشوة
كما قال ناحوم بارنيع: “الحروب تبدأ بالنشوة… ثم تستمر”. “إسرائيل” في هذه اللحظة ليست في موقع المُسيطر، بل المُرتبك. فالهجوم الذي أريد له أن يُعيد الهيبة، كشف العجز. والضربة التي أريد لها أن توقف المشروع النووي، قد تُسرّعه.
إن لم تُدرك “إسرائيل” هذا الواقع بسرعة، وتقبل بخيار سياسي عاقل، فإنها تقود نفسها إلى مواجهة قد تكون الأعنف في تاريخها. وحينها، سيكون الثمن ليس فقط إخفاقًا استراتيجيًا، بل تصدعً داخلي طويل الأمد، وسقوطًا نهائيًا لوهم “الجيش الذي لا يُقهر”.
“الحروب لا تُخاض لإرضاء الغرور، بل لحماية الناس… وإذا كانت النشوة هي المعيار، فالنتيجة دائمًا كارثة.”
كاتب صحفي فلسطيني