صحيفة الأيام البحرينية:
2025-08-12@06:53:56 GMT

بين الترجمة وإنصاف المترجمين

تاريخ النشر: 6th, October 2023 GMT

بين الترجمة وإنصاف المترجمين

ليس بالإمكان تحديد العلاقة بين الترجمة والمترجمين دون الرجوع إلى تاريخ الترجمة. وتاريخ الإنسانية ولغات البشر. ومنذ أن خلق الله الدنيا وقال في سورة الأعراف: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم».
فالمقصود بتعارف البشر هو الاتصال فيما بينهم عن طريق التفاهم وتعلم لغات الآخرين والتفاهم فيما بينهم، ومنذ أقدم العصور كانت هناك حركات للترجمة بين لغات الشرق القديمة كالبابلية والآشورية والكلدانية وفيما بغد بين الفارسية والعربية وبين اليونانية والرومانية.


وقبل الحديث عن المترجمين لا بد من بيان أن قضية الترجمة برمتها تتعلق بمفهوم الترجمة أساسًا قبل أن تتفرع إلى تلك التيارات التي تتجاذب أقطاب من يتعاطون هذا العمل. بالنسبة لي أن مهمة المترجم تنحصر في المقام الأول في نقل المعاني والأحاسيس كما وردت في النص الأصلي وكما أحس بها من ألف هذا النص. إن الموضوع يمكن أن ينظر إليه بصورة مختلفة وهي إلى أي مدى استطاع «المترجم» أن يتناول النص المنقول إلى لغته ليس بأمانة فقط، لأن الأمانة واجب مقدس من واجبات المترجم الذي يجب أن يحترم العمل الذي يقوم بنقله إلى لغته. إن ما يطلق عليه ترجمة بتصرف وترجمة المعنى أو»الترجمة الحسناء» لا علاقة لها بالترجمة. كذلك فإن ما يطلق عليه بالترجمة الحرفية ما هي في الواقع إلا نموذج لنوع رديء من الترجمة ناتج عن سوء فهم للمعنى المراد نقله. مع ذلك تقتضي الأمانة توضيح مسألة في غاية الأهمية، وهي أنه مهما أوتي المترجم من قدرة وموهبة وامتلاك ناصية اللغة الأصلية واللغة المنقول إليها، فإنه قد يسيء فهم بعض المعاني والمفردات التي قصدها المؤلف الأصلي. من هنا وردت تلك المقولة الشهيرة المتعلقة «بالمترجم الخائن» وهذا الخائن ربما يكون خائنًا عن غير قصد أو أن يكون خائنًا مع سبق الترصد والإصرار لأنه أراد أن يتصرف بالنص حسبما يراه. وتكون النتيجة هنا تلك الترجمات التي لا تمس العمل الأصلي. كيف تكون هناك ترجمة بتصرف. لنأخذ مثلا لتبسيط الموضوع إلى درجة التسطيح: لو قام مترجم ما وأخذ عملاً أدبيًا مشهودًا وقام بنقله إلى لغة أخرى بادئاً بتغيير الأسماء والأماكن وأجواء العمل وإضفاء عبارات وأفكار لم ترد على بال مؤلف النص الأصلي، وقام بعد ذلك وأطلق على عمله هذا «ترجمها بتصرف فلان». لا أرغب في الاسترسال أكثر من هذا، فالعملية هنا لا تتعلق بالحرفية بقدر ما تتعلق بجودة الترجمة.
بعد هذه المقدمة تلح على المرء صلة الشبه بين الشاعر والمترجم فكلاهما يستخدم اللغة للتعبير عن العمل الذي يقوم به، فالشاعر يقرض الشعر بأنواعه لا ينتظر جزاء ولا شكورًا من أحد. وإن كان في بعض بلاطات الملوك وظيفة يطلق عليها شاعر القصر مهمته تدبيج القصائد قي مدح أولياء نعمته والاحتفال بالأعياد القومية وتدبيج القصائد لهجاء أعداء البلاد أو القبيلة وقي مقابل ذلك يتطلع الى ما سيجود عليه ولي النعمة أو رئيس وشيخ القبيلة من كرم وجود يزيد وينقص حسبما تقع جودة القصيدة في نفسه. حسب قبول القصيدة.
وهناك ثمة شبه كبير بين عمل الشاعر والمترجم في كونه عملاً فرديًا، إلا أنه مع تقدم العصور قد يصبح جماعيًا عندما يعكف المترجمون على إتمام عمل ما كفريق للترجمة. وهنا لا بد لنا من التطرق إلى أنواع الترجمة والمترجمين. فهناك الترجمة التحريرية بمختلف أنواعها الأدبية والعلمية، والترجمة التتابعية والفورية والترجمة المستخدمة في الندوات والمؤتمرات وهناك أنواع من الترجمات العلمية الصناعية المتخصصة. غير أن ما يعنينا في هذا المجال هو ذلك المترجم الفرد غير المحترف كمترجمي العصور الأولى الإسلامية كابن المقفع مترجم كتاب كلية ودمنة عن أصل فارسي أو هندي، إلى أن اهتدى خلفاء بني العباس فأنشأوا في بلاطهم دواوين تعنى بترجمة أعمال الحضارات الأخرى العلمية والفلسفية بشكل خاص من الحضارة اليونانية، ويقال إن الخليقة المأمون ابن الرشيد كان يغدق على المترجمين الذين وظفهم في دار الحكمة. وفي العصر الحديث ما قام به والي مصر في القرن التاسع عشر من تشجيع واهتمام بالترجمة.
في الزمن الراهن هناك شكوى مريرة من قبل بعض المترجمين من عدم إنصافهم وتقديرهم، باستثناء المترجمين الفوريين الذين يتقاضون أجورًا عالية، ولكن للإنصاف تبقى المسألة نسبية وتختلف من دولة إلى أخرى. ففي بعض البلاد تقام مناقصات تحدد على ضوئها تكلفة الترجمة. كأنما هي عملية تجارية. وعلى هذا الأساس فإن المترجمين المحترفين يفرضون تسعيرتهم لتقديم خدمات الترجمة من خلال مكاتبهم بحسب القطعة والصفحة وحتى الكلمة.
وطبيعة النفس البشرية لا ترضى بالقليل وتطمع دائمًا إلى الكثير. ومتى ما آمنا أن الترجمة عمل خلاق فإن الترجمات المتميزة يستحق من قام بترجمتها كل تكريم وسخاء من قبل من يقوم بتكليفهم ترجمة أعمال معينة. فعملية الإنصاف تقتضي تحسين الأجور والتكريم في المناسبات الوطنية اعترافًا بأهمية الترجمة والمترجمين.

المصدر: صحيفة الأيام البحرينية

كلمات دلالية: فيروس كورونا فيروس كورونا فيروس كورونا

إقرأ أيضاً:

المُسرَّحون.. بين مطرقة اللوبيات الأجنبية وسندان القوانين!

 

 

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

 

هناك عبارة تتردد على الدوام بين الحلقات الضعيفة في أي مجتمع يُعاني من الفقر وهي "قطع الرقاب ولا قطع الأرزاق"؛ فالإنسان عند ما تُسَد أمامه مصادر الرزق الحلال والمتمثلة في الوظيفة أو فرصة العمل التي تُوفِّر له ولأسرته الحياة الكريمة وتحميه من الذُل والهوان من السؤال في الأماكن العامة، يصبح مع مرور الأيام بمثابة رقم صفري، ويجد صعوبة في الاستمرارية في العيش في عالم يعاني من الظلم وغياب العدالة الاجتماعية، وقبل ذلك كله الاستراتيجيات الحقيقية من الذين يُفتَرَض منهم أن يُوفِّروا للمواطن الظروف التي تساعده على الحصول على دخل شهري ثابت من خلال الوظيفة أو عبر مظلة رسمية ثابتة في دعمها، وأخص بالذكر هنا المُسرَّحين من أعمالهم والباحثين عن عمل.

وبعيدًا عن الإجراءات الحالية التي تُقدِّم أنصاف الحلول، فإن من المهم توفير مظلة رسمية تتبع الدولة لتكون الحضن الدافئ للمواطن الضعيف، خاصة الذين ساقتهم الأقدار إلى التسريح من الوظيفة، أو الذين قضوا سنوات طويلة يبحثون عن الوظيفة دون جدوى. ومن المؤسف حقًا أن نُتابع بشكل مُستمر التسريح المُمَنهَج من العمل في بلد يعيش فيه أكثر من مليوني وافد. ومن المفارقات العجيبة أن تزيد أعداد القوى العاملة الوافدة وتتضخم سنة بعد أخرى، بينما يبلغ أعداد المُسرَّحين في 2023 حوالي 4000 مُسرَّح عُماني من 51 شركة من الشركات التي تُطلق على نفسها أنها شركات وطنية اسمًا فقط! لكن الذي يتخذ فيها القرار هم الأجانب الذين يهدفون بالدرجة الأولى إلى تثبيت أقدامهم والمحافظة على وظائفهم في تلك الشركات، خاصةً أولئك الذين يتقاضون رواتب عالية ويتولون وظائف عُليا، تُمكِّنهم من تجاوز التشريعات والقوانين التي وُضِعَت لضبط سوق العمل ومنح المواطن فرصة في بلده وحمايته.

قبل عدة سنوات بلغ عدد المديرين التنفيذيين للشركات العُمانية وخاصة العائلية منها، أرقامًا لا يصدقها عقل؛ إذ تشير تلك الأرقام إلى عشرات الآلاف من كبار المسؤولين عن ذلك القطاع الحيوي ومعظمهم من الجنسية الهندية، ويحصل ذلك على الرغم من بعض التصريحات المُبشِّرة بالخير لبعض المسؤولين الذين يُقلِّلُون من التحديات الكبيرة التي تواجه توظيف الكوادر الوطنية ويُشيرون إلى وجود موارد وفرص عمل في السلطنة تُغطِّي جميع الباحثين عن عمل؛ بل وحتى حديثي التخرج من الجامعات العُمانية سنويًا، والذين تُقدَّر أعدادهم بين 30 ألفًا إلى 40 ألف خريج في السنة الواحدة!

يبدو لي أن ملف المُسرَّحين وما يحمله من تحديات، أصبح خارج سيطرة المختصين وأصحاب القرار، على الرغم من وجود جهود جديرة بالتقدير من وزارة العمل، لكن المُراقِب لواقع الحال يجد أننا ندور في حلقة مُفرغة منذ سنوات طويلة، ليس فقط في ملف المُسرَّحين الذين يفترض أن تحميهم المنظومة القانونية والتشريعات العُمَّالية من القرارات التي قد تكون بعضها تعسفية؛ بل وحتى الذين يبحثون عن الوظيفة من الكوادر العُمانية المدربة؛ إذ يُمكن تشخيص المشكلة في النقاط الآتية:

 لدى معظم أصحاب الأعمال اعتقاد خاطئ بأن المواطن أقل خبرةً من الوافد، مهما كانت شهادته وخبراته التدريبية، وبالتالي ليس بإمكانه إدارة الشركة بنفس النجاح الذي تحققه إدارة الوافد لها، خاصةً في مجال التسويق.  وجود رجال أعمال يُفضِّلون بقاء أعمالهم ودخلهم السنوي من أنشطتهم التجارية بعيدةً عن عيون المواطنين، حتى لا يتم اكتشافها وتسريبها للآخرين، وهؤلاء التجار يشعرون بالاطمئنان لوجود الوافد أكثر من المواطن.  الخوف من منافسة هؤلاء الموظفين لرجال الأعمال، وتحولهم إلى ممارسة التجارة؛ فيصبحوا بالتالي منافسين محتملين للمؤسسات التي كانوا يعملون فيها بالأمس القريب.  أثبتت الأيام وجود فئة من التجار، يُعلنونها صراحةً، أن لا حق لوزارة العمل أن تُجبِر الشركات على توظيف العُمانيين؛ بل يعتقد هؤلاء أن على الحكومة أن تتولى توظيف مواطنيها في القطاع العام، فقد سمعنا من هؤلاء التجار أنهم يفضلون إغلاق شركاتهم، بدلًا من التعاون مع الجهات المختصة التي تدير ملف الباحثين عن عمل.  بعض الوظائف في شركات القطاع الخاص رواتبها أقل من الوظائف التي يُفترض أن يعمل فيها المواطن، وتحديدًا عند 250 ريالًا فقط، لكن الشركة تتحمل السكن والتذاكر والتي تُشكِّل تكاليف إضافية غير منظورة لدى تلك الشركات.

ليست المشكلة فقط في القطاع الخاص الذي فضَّل الأجنبي على المواطن؛ بل وحتى الوزارات الحكومية التي يرى بعض المسؤولين فيها أنه قد حان الوقت لاستبعاد الخريجين من التوظيف الحكومي إلّا في بعض الوزارات، مثل: التربية والتعليم، والصحة، على سبيل المثال.

وفي الختام.. من المبادرات الرائعة التي تُحسب لوزارة العمل مبادرة "ساهم"، والتي أتاحت الفرصة لعدد كبير من الكوادر الوطنية، العمل في القطاع الحكومي، وضخَّت دماءً جديدة في الوزارات والهيئات التي جرى إفراغ بعضها من الخبرات، بسبب التقاعد الإجباري قبل سنوات، لكن بعد مرور الفترة الزمنية المُتعلقة بانتهاء تلك العقود، نجد معظم تلك الكوادر مُعلَّقة بانتظار قرار من وزارة المالية التي يتوقع منها إيجاد درجات مالية لكي يتم تسكين هؤلاء الشباب الذين أثبتوا جدارتهم في العمل، والاستثناء الوحيد من تلك البيروقراطية الحكومية (هيئة البيئة) التي قامت بتثبيت موظفي مباردة "ساهم" جميعًا والبالغ عددهم 28 موظفًا.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • وزير الصحة يوضح حول ما جرى في مستشفى الزرقاء
  • ترامب يعيّن أحد أشدّ مناصريه رئيسا لوكالة إحصاءات العمل
  • مشاريع البنية التحتية بالرياض تحدد أوقات العمل بالمناطق السكنية
  • سطحي مزاجي وكأني به مراهق.. كيف العمل من زوج ليس منه أمل؟
  • الثلاثاء.. ورشة عمل لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي
  • جامعة أسيوط الأهلية تطرح برنامجين بكلية الألسن واللغات التطبيقية للعام الجامعي «2025 - 2026»
  • مفاوضات متعثرة في جنيف لإقرار معاهدة عالمية للبلاستيك
  • الباحثون والعمل
  • المُسرَّحون.. بين مطرقة اللوبيات الأجنبية وسندان القوانين!
  • ملتقى العمل.. منصة حوار