لجريدة عمان:
2025-05-10@16:36:05 GMT

نحـو الانـقـراض

تاريخ النشر: 11th, October 2023 GMT

ما كانت دولُ الغرب لتعرِف هذه الحال من الهلع - التي تستبدّ بها منذ زمن - من الانفجار الديمغرافي الهائل في العالم لولا أنّ معطيات الفورة السكانية الهائلة تجري خارج ديار الغرب؛ في بلدانٍ ينظر الغرب إلى أهلها إمّا بوصفهم أعداء أو خصوما (بلدان الشرق الآسيوي والجنوب). لا يعني التزايُد السكاني في ذلك العالم سوى تعاظُم جموع أولئك الذين يعالنُهم الغرب عداءً، أو يرى إلى وجودهم من حيث هو غرامةٌ ثقيلة على العالم.

لذلك، لا شيء يبرِّر عدمَ إبدائـه تَحَسُّسَه من هذا التّزايد، ولا شيء يمنعه من أن يواصل تحذيرَه من التّمادي في الإنجاب مجنِّـدا لذلك المؤسّسات الصّحيّـة والديموغرافية والاقتصادية والإعلامية! يزيد حالَ الهلع هذه حدّةً الانخفاضُ المَـهُول في معدّل الخصوبة في مجتمعات الغرب، والتّراجُع المطّرِد لأعداد السّـكّان نتيجة ذلك، ناهيك بشيخوخة البنية الديمغرافيّة فيها؛ الشّيخوخة التي يمتنع معها تجديد تلك البنية من داخلها فلا يتبقّى لها أن تتجدّد إلاّ من خارجها (من هجرة أبناء بلدان الجنوب إليها)، على نحو ما بات عليه الأمْـرُ في بلدان أوروبا التي تـتّجه، حثيثا، نحو الصّيرورة بلدانا للهجرة على شاكلة الولايات المتحدة الأمريكيّة.

يجري الكلامُ الكثير - في أوساط غربيّة عـدّة - على وجوب «التحرُّر» من عبء هذه الدّيمغرافيا «الفائضة» بدعوى أنّ الموارد المتاحة ما عادت تكفي جموع المتزايدين كثرةً في العالم. وما كان يُـقَدَّم في الماضي بوصفه وصفةً لعلاج النّازلة (= تحديد النّسل)، لم يعد يردِّده أحدٌ بعد أن تبيّنت حدودُ ما تستطيعه سياسات الحدّ تلك من نتائجَ متواضعة. في الأثناء، كان التّفكير في المسألة يَلج طوْرا دراماتيكيّـا جديدا يَـطْبَعه قـدْرٌ كبيرٌ من العنف الاستراتيجيّ يعبّـر عنه، اليوم، الانتقالُ من فكرة الحدّ من الانفجار الدّيمغرافيّ إلى فكرة إبادة «الفائض» السّكانيّ في العالم، أي ذلك القسم الهائل من البشريّة الذي سيجد نفسه - مع تعميم استخدام الذّكاء الاصطناعيّ - خارج مجال الإنتاج: المادي والرمزي. والإبادة هذه أشكال تتوسّل أدواتٍ متباينةً تتراوح بين العنف الماديّ العاري و«حقوق الإنسان»، نقف - في إسراعٍ - على ثلاثـةٍ من تلك الأشكال رئيسة وفـتّـاكة:

أوّلُها وأقـدمُها الحرب؛ إذْ هي أمُّ وسائل الإبادة في التّاريخ، وقد اختبرها كـلُّ من تَغَـيّا تحقيقَ فِـعْل الإبادة ذاك وبَـلَغ بها مراده. من أبْـدَهِ بديـهيّـات العلم العسكريّ الاستراتيجيّ أنّ الهدف من وراء شنّ الحرب هدفٌ سياسيّ، في المقام الأوّل، هو هدف إخضاع العـدوّ وفرض إرادة المنتصر عليه... على ما يرى كلاوزڤيتس. ومعظم الحروب التي جرت في التّاريخ تنتمي إلى هذا الهدف. لكنّ بعضَها ما تَـوقَّـف عند حدود كسْـرِ إرادة العـدوّ، وإخضاعِـه لإرادة المنتصر وإملاء شروط الأخير عليه، قصد فرْض التّنازل عن حـقٍّ من حقوقه التي قاتل من أجلها، بل جاوز هذا الحـدّ إلى حيث ابتغى إفراغ أرض عدوّه من شعبها الأصليّ للاستيطان فيها والحلول محلّه في الحيازة والسيادة، فكان على حربه أن تكون حرب إبادة تقتلع شعبَ الأرض من أرضه. وتلك، مثلا، حالُ حروب الإبادات الجماعيّة الأوروبيّة للقارّة الأمريكيّة وشعوبها الأصليّـة، وحال حروب الإبادة الصّهيونيّـة للشعب الفلسطيني لاغتصاب الأرض والاستيطان فيها. وحين نأخذ في الحسبان حقيقةَ أنّ وسائل الإبادة تطوّرت وتعاظم مفعولها - بإنتاج أسلحةٍ أفـتك مثل النّـوويّـة والبيولوجيّـة والكيماويّـة...- سندرك إلى أيّ حـدٍّ ستعُـمّ تلك الإبادة أقساما هائلة من السّكان في أزمنةٍ سريعة قياسا بتلك التي اقتضتها الإبادات في أمريكا وأستراليا وفلسطين. وإذا كنّا قد تعوّدنا على أن تنشب الحروب بين دول الشّمال (حروب المصالح)، أو بين دول الجنوب (حروب الحدود الموروثة عن الاستعمار)، فإنّ الحروب القادمة - المحمولة على صهوةِ مشروع إبادة «الفائـض» البشريّ - ستكون، حُكْمـا، حروب الغرب على الجنوب؛ هذا الأخير الذي يُراد وقف زحفِ ديمغرافيّـته! وهي حروبٌ شهدنا على نماذج منها في العراق وأفغـانستان...

وثانيها استراتيجيّـة إنتاج الفيروسات ونشر الأوبئة على نطاقٍ واسعٍ من العالم. لقد كشف وضْعُ يد القـوّات الرّوسيّـة على عشرات المختبرات البيولوجيّـة في أوكرانيا - أثناء عمليّتها العسكريّـة في إقليم دونباس - والعثورُ على برامج البحث المموَّلة من الولايات المتّحدة الأمريكيّة (باعتراف مسؤولة رفيعة في واشنطن)، عن المدى الذي سيذهب إليه المسعى الأمريكيّ - والغربيّ إجمالا- في مضمار سياسة نشر الأوبئة في العالم واستخدام الفيروسات القاتلة سلاحا فـتّاكـا في الحرب وتحديدا، في مشروع الإبادة السّكانيّـة لمناطق عـدّة من العالم. ولقد تكون كارثة جائحة فـيروس كورونا - على عظيم ويلاتها على حَـيَوات ملايين البشر- مجرّد «بروفـة» لإعداد فصولٍ أخرى ممّا هو قادم أشـدّ وطأةً من الوباء السابق! ومن البيّـن أنّ كلفة هذه الاستراتيجيّة أقـلُّ وطأةً على دول الغرب من كلفة الحروب العسكريّـة، الماديّـة والبشرية، وأكثر سريّـة بكثير؛ وهي لا تحتاج من الإنفاق على البحوث ومن التّصنيع المختبريّ إلى عُـشر أعشار ما يجري إنفاقُـه على بناء الجيوش وتجهيزها وتحريكها من مبالغ ماليّة، دون احتساب نجاعتها في إحداث عمليّات القتل الجماعيّ - بأضعاف ما تَـقْوى عليه الحرب العسكريّة- ولكن من غير أن تخلّف العمليّـاتُ تلك وراءها بصمات تـدُلُّ على الجُـناة.

وثالثها وقـف عمليّـة التّناسـل البشري لجيلين أو ثلاثة (إلى حين موت من سيبقى حيّـا بعد الحروب والأوبئة)، وذلك بوسائـل عـدّة أظْـهرها، اليوم، اللَّـقاحاتُ التي تبيد القدرة الإخصابيّـة لدى الجنسين، ثـمّ التّشجيعُ على العلاقات الجنسيّـة من داخل الجنس الواحـد (الجنسيّة المثليّـة)، وعلى الزّواج المِثـليّ، والسّعيُ إلى تكريس النّظر إلى هذه العلاقات بوصفها حقوقا طبيعيّـة لا تَـقْـبَل الانتهاك، ومعاقبةُ كـلّ دولة تُجـرّمها أو تمنعها قانونا. حتّى الآن، لم تخرُج مقاربةُ المثليّـة عن النّطاق القِـيَميّ- الأخلاقيّ بما هي، في عُرْف مَن يتناولونها بالنّـقد، تعبيرٌ عن انحطاط الغرب على هذا الصّعيد. وهذا إذا كان مدخلا لمقاربةٍ ثقافية وسوسيولوجيّـة للظاهرة، إلاّ أنّه لا يفيد كثيرا في تبيّن الغاية السّياسيّة من وراء الظّاهرة: قطع الطّريق على العلاقات بين الجنسين مقـدّمةً لإنهاء ظاهرة التّناسـل! وقد نصحو، بعد عقود، على ظاهرة اختفاء الإنجاب وما ينجم منه من تراجُـعٍ تدريجيّ في أعداد السـكان!

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی العالم

إقرأ أيضاً:

مستشار سابق للرئيس الروسي: يوم النصر هذا العام رسالة سياسية في وجه الغرب

قال سيرجي ماركوف، المستشار السابق للرئيس فلاديمير بوتين، إن احتفال روسيا بيوم النصر هذا العام شهد اختلافات واضحة مقارنةً بالأعوام الثلاثة الماضية، في ظل تصاعد التوترات مع الغرب واستمرار الحرب في أوكرانيا.

الرئيسان السيسي وبوتين يبحثان مستجدات الأوضاع في سوريا وليبيا والسودان

وأضاف ماركوف، خلال مداخلة مع الإعلامية نهى درويش، في برنامج «منتصف النهار»، المذاع على قناة «القاهرة الإخبارية»، أن مظاهر الاحتفال تعكس وحدة وتضامنًا قويًا بين الشعب الروسي والجيش، الذي يُنظر إليه كرمز للانتصار والاستقرار، موضحًا أن اللونين الأحمر والأخضر سادا الاحتفال باعتبارهما رمزين للجيش والنصر.

وأكد أن العداء الغربي المتزايد تجاه روسيا، خاصة منذ بدء الحرب في أوكرانيا، جعل من يوم النصر مناسبة قومية أكثر أهمية، تعبر عن حاجة روسيا للتماسك الوطني ومقاومة ما وصفه بالهيمنة الغربية، مضيفًا أن هذا العداء لا يقتصر على الساحة العسكرية، بل يمتد إلى «الحرب على المبادئ والقيم التي تؤمن بها روسيا».

وأشار إلى أن الغرب يدعم نظامًا أوكرانيًا فاسدًا، يرتكب انتهاكات ضد المدنيين، ويتورط في ما اعتبره «بداية لإبادة جماعية جديدة ضد الشعب الروسي»، مشبهًا ذلك بالحروب التاريخية التي فقد فيها الروس ملايين الأرواح، خاصة من المدنيين، معتبرًا أن هذه الذكرى «تحمل في طياتها تذكيرًا بتضحيات الماضي وتحذيرًا من تكرارها».

وخلص ماركوف إلى أن روسيا ترى في هذا الظرف التاريخي ضرورة للدفاع عن نفسها ومبادئها، تمامًا كما فعلت في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وهو ما يفسر ضخامة الاحتفال هذا العام، الذي يبعث برسالة سياسية بقدر ما هو مناسبة وطنية.

طباعة شارك القاهرة الإخبارية فلاديمير بوتين سيرجي ماركوف

مقالات مشابهة

  • المغني الأوغندي بوبي واين يعلن عزمه الترشح للرئاسة
  • سوريا الجديدة تقرع أبواب الغرب.. هل تنجح استراتيجية الشرع؟
  • سايكس بيكو.. جريمة مايو التي مزّقت الأمة
  • مستشار سابق للرئيس الروسي: يوم النصر هذا العام رسالة سياسية في وجه الغرب
  • خطاب الكراهية يُذكي نيران حروب مُقبلة في السودان؟
  • خبير أمني: الشائعات أصبحت أخطر الأسلحة غير التقليدية المستخدمة في حروب الجيلين الرابع والخامس
  • كفى بالعالم حروبًا .. شيخ الأزهر يدعو الهند وباكستان إلى الحوار وضبط النفس
  • بعد 19 شهرا من الدمار.. صحيفة تكشف دعم الغرب لجرائم إسرائيل بغزة
  • عام على رفح.. المدينة التي محاها القصف وبقيت تنتظر العالم
  • الرهان الفكري وإشكالية ازدواجية المفاهيم في الرؤية الغربية