مع انخفاض كميات الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، غالبا ما تُعتبر الصحراء الكبرى واحدة من أكثر البيئات تطرفا والأقل صلاحية للسكنى على وجه الأرض، في حين أن الصحراء كانت أكثر خضرة بشكل دوري في الماضي البعيد، فقد وجد مجتمع قديم يعيش في مناخ مشابه جدا لمناخ اليوم طريقة للحصول على المياه في الصحراء، وحافظ على ازدهاره حتى نفادها.

ألف عام على المياه الجوفية

يصف بحث جديد تم تقديمه اليوم الاثنين في الاجتماع السنوي للجمعية الجيولوجية الأميركية كيف سمحت سلسلة من العوامل البيئية للحضارة الصحراوية القديمة المعروفة باسم امبراطورية الجرمنت، باستخراج المياه الجوفية من باطن الأرض، بما حافظ على المجتمع لما يقرب من ألف عام حتى نفدت المياه.

طرق تجارة الجمال من بلاد فارس عبر الصحراء جلبت تقنية استخراج المياه الجوفية باستخدام الفقارات أو القنوات (ويكميديا)

وبحسب بيان صحفي منشور على موقع "فيز دوت أورغ" فإن الأمطار الموسمية كانت قد حولت الصحراء الكبرى إلى بيئة خصبة نسبيا منذ ما بين 11 ألفا إلى 5 آلاف عام مضت، مما وفّر موارد المياه السطحية والبيئات الصالحة للسكن وازدهار الحضارات. وعندما توقفت الأمطار الموسمية قبل 5 آلاف سنة، عادت الصحراء مرة أخرى إلى بيئة جافة وقاحلة، وتراجعت الحضارات من المنطقة، باستثناء منطقة شاذة غير عادية.

عاش الجرمنتيون في الصحراء الجنوبية الغربية الليبية من عام 400 قبل الميلاد إلى عام 400 بعد الميلاد في ظل نفس الظروف شديدة الجفاف الموجودة هناك اليوم وكانوا أول مجتمع متحضر يتم تأسيسه في الصحراء التي تفتقر إلى نهر يتدفق باستمرار.

كانت بحيرات المياه السطحية والأنهار في عصر "الصحراء الخضراء" قد اختفت منذ فترة طويلة بحلول وقت وصول الجرمنتيين، ولكن لحسن الحظ كانت هناك مياه مخزنة تحت الأرض في طبقة مياه جوفية كبيرة من الحجر الرملي، من المحتمل أن تكون واحدة من كبرى طبقات المياه الجوفية في العالم.

تقنية الفقارات (القنوات) لجلب المياه الجوفية

جلبت طرق تجارة الجمال من بلاد فارس عبر الصحراء تقنية حصاد المياه الجوفية باستخدام الفقارات أو القنوات. تضمنت هذه الطريقة حفر نفق مائل قليلاً في أحد التلال، إلى ما دون منسوب المياه الجوفية مباشرةً.

التضاريس المحلية والجيولوجيا وظروف الجريان السطحي أنتجت الظروف الهيدروجيولوجية المثالية للجرمنتيين (شترستوك)

ومن ثم تتدفق المياه الجوفية عبر النفق إلى أنظمة الري. حفر الجرمنتيون ما مجموعه 750 كيلومترًا من الأنفاق تحت الأرض وأعمدة الوصول الرأسية لحصاد المياه الجوفية، مع حدوث أكبر نشاط بناء في الفترة ما بين 100 قبل الميلاد و100 بعد الميلاد.

دمج فرانك شوارتز الأستاذ في كلية علوم الأرض بجامعة ولاية أوهايو والمؤلف الرئيسي للدراسة البحثية الأبحاث الأثرية السابقة مع التحليلات الهيدرولوجية لفهم كيف أن التضاريس المحلية والجيولوجيا وظروف الجريان السطحي أنتجت الظروف الهيدروجيولوجية المثالية للجرمنتيين ليكونوا قادرين على استخراج المياه الجوفية.

كانت لدى الجرمنتيين ظروف ملائمة بيئيا مكّنت النظام من العمل، تمثلت في مناخ أكثر رطوبة في وقت سابق، وتضاريس مناسبة، وإعدادات فريدة للمياه الجوفية، مما جعل المياه الجوفية متاحة باستخدام تقنية الفقارات. لكن حظهم نفد عندما انخفض منسوب المياه الجوفية تحت أنفاق الفقارة. ومع عدم وجود مياه جديدة لتجديد طبقة المياه الجوفية وعدم توفر مياه سطحية، أدى نقص المياه إلى سقوط إمبراطورية الجرمنتيين.

كاليفورنيا قد تكرر تجربة الجرمنتيين إن لم يتم التعامل بحذر مع المياه الجوفية (أسوشيتد برس) من أجل استخدام مستدام للمياه الجوفية

تعتبر قصة الجرمنتيين رسالة تحذيرية لقوة المياه الجوفية كمورد، وخطر الإفراط في استخدامها. ووفقا لشوارتز، هناك أمران يثيران القلق بشكل خاص، وهما: أولاً، أصبحت البيئات القاسية أكثر انتشارا حول العالم في دول مثل إيران. ثانيا، أصبح استخدام المياه الجوفية بشكل غير مستدام أكثر شيوعا.

ويضيف "عندما ننظر إلى الأمثلة الحديثة مثل وادي سان جواكين (وهو الجزء الجنوبي من وادي كاليفورنيا المركزي)، تجد أن الناس يستخدمون المياه الجوفية بمعدل أسرع من تجديدها".

وقد "شهدت كاليفورنيا شتاء ممطرا جدا هذا العام، ولكن ذلك جاء بعد 20 عامًا من الجفاف. وإذا استمر الميل إلى سنوات أكثر جفافًا، فسوف تواجه كاليفورنيا في النهاية نفس المشكلة التي واجهها الجرمنتيون. وقد يكون استبدال إمدادات المياه الجوفية المستنفدة مكلفًا وغير عملي في النهاية".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: المیاه الجوفیة

إقرأ أيضاً:

مصر.. اكتشاف مدينة أثرية قديمة باسم «إيمت» في دلتا النيل

كشف فريق مشترك من علماء الآثار البريطانيين والمصريين عن مدينة مصرية قديمة باسم “إيمت” في دلتا النيل، في اكتشاف أثري بارز يعيد تسليط الضوء على الحياة الحضرية والدينية في مصر خلال القرن الرابع قبل الميلاد.

وجاء الاكتشاف نتيجة تعاون بين جامعة مانشستر البريطانية وجامعة مدينة السادات المصرية، حيث استخدم الباحثون تقنيات الاستشعار عن بعد عبر صور الأقمار الصناعية عالية الدقة، إلى جانب تنقيبات ميدانية مكثفة. وأسفرت الحفريات عن العثور على بقايا معمارية كثيفة وقطع أثرية فريدة.

ومن أبرز القطع المكتشفة قدر طهي يعود إلى 2500 عام، لا يزال في مكانه على موقد يحتوي على بقايا حساء سمك البلطي، ما يوفر لمحة نادرة عن النظام الغذائي اليومي لسكان المدينة. كما عُثر على أطباق يُعتقد أنها كانت تُستخدم لتخمير الخبز تحت أشعة الشمس.

وأوضح الدكتور نيكي نيلسن، قائد الفريق من جامعة مانشستر، أن “إمساك قطعة أثرية بهذا العمر لأول مرة يمنح إحساسًا بالاتصال المباشر مع الماضي”.

تضمنت الحفريات كذلك منازل متعددة الطوابق بجدران أساس سميكة، وصوامع للحبوب، وساحات لمعالجة المحاصيل، مما يشير إلى نشاط اقتصادي محلي نشط. كما اكتشف الفريق طريقًا احتفاليًا مرتبطًا بعبادة الإلهة “واجيت” ذات رأس الكوبرا.

ومن بين القطع الأثرية تمثال شابتي من الفيانس الأخضر يعود إلى الأسرة 26، كان يدفن مع كبار المسؤولين.

وقال الدكتور نيلسن إن مدينة “إيمت” كانت مركزًا حضريًا مزدهرًا ذو بنية تحتية معقدة، مشيرًا إلى أن دمج تقنيات الأقمار الصناعية والتنقيب الأرضي أتاح فهمًا أعمق للحياة الحضرية والدينية والاقتصادية في دلتا النيل في تلك الفترة الحرجة.

وفي موقع قريب، عثر الفريق على مبنى ضخم بأرضية مكسوة بالجص الجيري وأعمدة ضخمة تعود للعصر البطلمي، ما يشير إلى تغيرات في الأنماط الدينية خلال تلك الحقبة.

وأكدت جامعة مانشستر أن هذا المشروع يسهم في إعادة كتابة تاريخ المدن المنسية في دلتا النيل، واصفة الاكتشاف بأنه إعادة إحياء للمنطقة التاريخية قطعة قطعة.

مقالات مشابهة

  • 3 انفجارات تهز تعز وحريق هائل في محطة للمشتقات النفطية وسقوط جرحى "فيديو"
  • خبير يكشف سببا مهما يثبت فشل الضربة الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية
  • إشكال في الضاحية... سقوط جرحى والجيش يتدخل
  • مصر تكتشف حقل نفط جديد بالصحراء الغربية.. إنتاج فوري وآفاق واعدة
  • مصر.. اكتشاف مدينة أثرية قديمة باسم «إيمت» في دلتا النيل
  • وزارة الموارد المائية: اجتماع سادس لتعزيز آليات التشاور حول المياه الجوفية
  • بالصور: حادث سير على أوتستراد رياق – بعلبك.. وسقوط عدد من الجرحى
  • العراق .. هجوم صاروخي على قاعدة كركوك الجوية وسقوط جريح
  • رئيس زراعة النواب: لن نكون سببا فى طرد مستـأجر بسيط من بيته
  • ‏وزير الخارجية الإسرائيلي: وجهة نظرنا هي أن قيام دولة فلسطينية من شأنه أن يهدد أمن دولة إسرائيل