(غزة) ليست هي الهدف ولا حركة (حماس)..
تاريخ النشر: 18th, October 2023 GMT
وفق معطيات اللحظة وتداعياتها على مختلف الأصعدة الفلسطينية والعربية والدولية، فإن ما يجري على الجغرافية العربية الفلسطينية منذ عقود وما يحدث فيها منذ 7 أكتوبر هو من الأفعال الاستراتيجية لدى المحاور الاستعمارية المدون في أجنداتها وكانت تبحث فقط عن الفرصة المناسبة للقيام به وإن بصورة مجازر إبادة جماعية بحق شعب يخضع لحياة غير طبيعية وغير إنسانية منذ عقدين تقريبا وتحديدا منذ أجاز المجتمع الدولي ظاهرة قوانين الحصار والتجويع على الشعوب الرافضة لسياسة الهيمنة الإمبريالية التي تكرسها واشنطن وحلفاؤها في الغرب الاستعماري، بمعزل عن كل القوانين والنظم والتشريعات الدولية، وهي إجراءات أقدمت عليها واشنطن ووقفت المنظومة الدولية بكل مؤسساتها ودولها أمامها عاجزة لتفرض واشنطن منطقها الاستعماري بصورة أكثر بشاعة وقبحا من الممارسات الاستعمارية القديمة بكل صورها.
سياسة العقوبات الجماعية هذه بحق الشعوب لم تثن شعبا مقاوما كالشعب العربي في فلسطين، من تلمس سبل وأسباب وعوامل المقاومة كي يواجه عدواً استيطانياً هو الأكثر سوءا من كل أقرانه من المستعمرين الذين عرفهم التاريخ ولفظهم ولم يبق هناك احتلال مباشر غير الاحتلال الصهيوني الذي يصعب تصنيفه بالمحتل ككيان بل هو بمثابة قاعدة عسكرية أمريكية ذات وظيفة استعمارية جغرافيا، لكنه يدخل في سياق مكونات التنافس الجيوسياسي لواشنطن التي جعلت هذا الكيان عبارة عن قاعدة عسكرية متقدمة يقوم برعاية مصالحها، وبالتالي فإن بقاء هذا الكيان يؤدي دوره الوظيفي فعل مرتبط ببقاء هيمنة وغطرسة أمريكا.
ما حدث صبيحة 7 أكتوبر الجاري كان عبارة عن زلزال، وهذا الزلزال لم يضرب أعمدة الكيان ومؤسساته وينسف أساطيره، بل زلزل أركان المنظومة الاستعمارية الغربية وفي المقدمة أمريكا التي تواجه تحديات جيوسياسية بدءا من أوكرانيا مرورا بتايوان وبحر الصين، وفي وقت تتشكل داخل أمريكا أزمة هوية وجودية تعصف رياحها بالواقع الأمريكي وعلى مختلف المناحي، فيما النخب الأمريكية تعيش حالة انقسام غير مسبوق بالتاريخ منذ الحرب الأهلية الأمريكية.
إذاً ما يجري في فلسطين ليس المقصود فيه حركة حماس ولا حتى محور المقاومة بكل امتداداته الجغرافية، كما أن الأمر لا يتصل بأمن الكيان ولا بدوره الوظيفي بل يتعلق الأمر بمستقبل أمريكا والمنظومة الغربية التي تنساق مجبرة خلف الرغبات الأمريكية من أوكرانيا إلي بحر الصين، وصولا إلى فلسطين القضية الشاهدة على الانحطاط الأمريكي وعلى قبح أمريكا وبشاعتها ونذالة مواقفها وكذبها، أمريكا التي يتربع على عرشها رموز ونخب انتهازية تفتقد بدورها لقيادات كارزمية وازنة أمثال كنيدي، وجونسون، وكارتر، ورزفلت، وإيزنهاور، حالها حال الكيان الاستيطاني ذاته الذي يفتقد لقادة أمثال جولدمائر، وبيجين، ورابين، والحال من بعضه إذا تعلق الأمر بأمتنا وبحكامها وأنظمتها، غير أن أمريكا والغرب كمحاور فاعلة يبدو سقوطهم كفعل حتمي تفرضه تطورات التاريخ وأحداثه، وإن كانت رحلة السقوط الأمريكي قد بدأت في عهد بوش الابن، فإن أحداث المنطقة بدءا من غزو العراق، وأفغانستان وحرب أمريكا ضد ما أطلقت عليه (الإرهاب) وحتى دورها في تداعيات وأحداث ما سميَ بـ (الربيع العربي)، ومن ثم فرض وجودها في شمال سوريا، وانسحابها المذل من أفغانستان وتسليم مقاليد تلك البلاد بعد احتلال وغزو دام لعقدين وفي النهاية سلمت البلاد لمن يفترض أنهم أعداؤها الذين خاضت ضدهم حربا طاحنة مع شركائها في أوروبا الذين بدورهم تفاجأوا بانسحاب قائدتهم ومعلمتهم دون مشاورتهم، لكنها أي أمريكا كانت تدرك أن هذا الانسحاب حتمي نظرا للكثير من العوامل الذاتية والموضوعية منها نمو واتساع قدرات الصين وعلى مختلف المجالات، واستعادة روسيا الاتحادية لقدراتها بعد أن كانت أمريكا تعمل جاهدة على تدميرها ولذا استوطنت أوكرانيا وكان أملها أن تجعل منها خندقا متقدما لاحتواء روسيا وقمع تطلعاتها الجيوسياسية، ناهيكم أن نفوذ واشنطن في المنطقة تقلص حتى في أوساط حلفائها وأتباعها الذين تشجعوا في التعبير عن مصالحهم مع بروز دور روسيا والصين، وبالتالي لم يبق معها سوى الكيان الصهيوني الذي بدوره عاش مرحلة انقسام ولا يزال، فيما إيران وحلفاءها برزوا كقوى إقليمية منافسة، فبدت أمريكا شرق أوسطيا وكأن حضورها منبوذاً وغير محل ثقة، لتأتي أحداث طوفان الأقصى بمثابة فرصة لواشنطن لاستعراض قوة نفوذها وحضورها حاشدة الغرب حولها في استعراض لقوة معنوية مشفوعة بسلسلة من الأكاذيب الزائفة التي تعكس مكانة منحطة وصلت إليها دولة تزعم أنها دولة عظمى ولم تعد تملك من العظمة غير ترسانة أسلحة سخرتها لإحراق أطفال ونساء وشيوخ أبرياء بحثا عن هيبة مفقودة وكرامة مسفوحة وقيم مدمرة تماما كأحياء غزة التي تعكس بصورتها حضارة أمريكا وحقيقة قبحها البشع..!
إذاً هذا الاستعراض الأمريكي على خلفية تداعيات طوفان الأقصى يجسد الحالة التي وصلتها أمريكا والمعبرة عن ضعف وهزيمة وفشل، فهي أخفقت في احتواء ( الدب الروسي) وفشلت في تطويق ( التنين الصيني) وعجزت في السيطرة على حلفائها التقليدين في المنطقة، كما فقدت ثقة المنظومة الدولية والإقليمية بما في ذلك حلفاءها الأكراد في سوريا والعراق وحتى الخليج لم يعد ذلك التابع الملبي لرغباتها، وفي لحظة ارتباك يقيني أمريكيا جاءت معركة طوفان الأقصى لتزلزل أركان الإدارة والكيان والمنظومة الاستعمارية مبشرة بعصر جديد وشرق جديد وتوازنات جديدة ومسارات وتوجهات جديدة في المنطقة، فكانت الهرولة وإرسال حاملات الطائرات ولحقتها بريطانيا، غير أن الأمر لم يقتصر هنا، بل تبنت أمريكا قيادة حرب إبادة غزة وليس هدفها غزة ولا حماس، بل هدفها إعادة تطويع المنطقة وإخضاعها لسطوتها وقطع الطريق أمام (الدب والتنين) واحتواء (طهران) وتجريف جيوب المقاومة ومن ثم إعادة تسويق مفاهيم للقضية العربية الفلسطينية وفق رؤية أمريكا الوسيط الكاذب وغير النزيه وغير المؤتمن سياسيا وأخلاقيا..!
لكن.. هل بمقدور أمريكا إصلاح ما أفسدته سياستها المنحطة والمدمرة؟ أشك في هذا ،لأن الواقع الأمريكي الداخلي يشير إلى عكس هذا، وحتى علي مستوى الكيان أيضا.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
موقف أمريكا من العلاقات الاقتصادية بين الصين وإيران| تحليل إخباري
في تحول مفاجئ أثار جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والاقتصادية، صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 24 يونيو الماضي، عبر منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، أن “الصين يمكنها الآن مواصلة شراء النفط من إيران... ونأمل أن يشتروا الكثير من الولايات المتحدة أيضًا”.
جاء هذا التصريح بعد يوم من إعلان وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، والذي توسطت فيه واشنطن.
البيت الأبيض حاول احتواء الجدل، موضحًا أن الرئيس كان يشير إلى بقاء مضيق هرمز مفتوحًا، وليس إلى رفع العقوبات بشكل رسمي. إلا أن هذه التصريحات فاجأت حتى مسؤولين في وزارة الخزانة والخارجية الأمريكية، خاصة أن ترامب نفسه كان قد أكد في مايو أن “أي دولة تشتري النفط من إيران لن يُسمح لها بممارسة الأعمال التجارية مع الولايات المتحدة بأي شكل من الأشكال”.
الصين.. زبون إيران الأول وورقة ضغط واشنطنالصين تمثل السوق الأهم للنفط الإيراني، إذ شكلت 13.6% من وارداتها النفطية من إيران في النصف الأول من عام 2025، بمعدل 1.38 مليون برميل يوميًا.
ورغم تراجع الكميات مقارنة بالعام الماضي، إلا أن هذا الحجم لا يزال يعكس مدى عمق العلاقات الاقتصادية بين طهران وبكين، خاصة بعد توقيع الاتفاق الاستراتيجي طويل الأمد بين البلدين عام 2021.
في ظل التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل، طلب وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو من الصين التدخل لدى طهران لعدم إغلاق مضيق هرمز – الذي يمر عبره خُمس الإنتاج النفطي العالمي – محذرًا من أن إغلاقه سيكون بمثابة “انتحار اقتصادي” لإيران، لكنه سيؤذي اقتصاديات دول أخرى أكثر من الولايات المتحدة.
خلال الحرب الأخيرة، شنت الولايات المتحدة ضربات على منشآت نووية إيرانية رئيسية مثل فوردو ونطنز وأصفهان، وهو ما ردّت عليه إيران باستهداف قواعد أمريكية في قطر. وبينما لوّح ترامب لاحقًا باستخدام القوة في حال عادت إيران إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة مرتفعة، فإنه في الوقت نفسه تراجع عن خطاب “تغيير النظام”، معتبرًا أن ذلك قد يؤدي إلى “مزيد من الفوضى”.
تصريحات ترامب سمحت ضمناً باستمرار شراء الصين للنفط الإيراني، مما عكس واقعية سياسية تهدف للحفاظ على الاستقرار في المنطقة، ولو على حساب التناقض الظاهري مع العقوبات المعلنة.
نفوذ الصين في طهران.. وتعاون أمريكي ضمنيترى واشنطن أن للصين تأثيرًا متزايدًا على إيران، لا سيما مع تدهور علاقات طهران مع أوروبا والغرب. وكانت الولايات المتحدة قد طلبت من بكين سابقًا التوسط مع إيران خلال أزمة الحوثيين في البحر الأحمر، كما اتهمت الصين لاحقًا بتزويد الحوثيين بأسلحة – وهو ما نفته بكين.
ومع مشاركة وزير الدفاع الإيراني في اجتماع منظمة شنغهاي في الصين، وامتنان طهران لبكين على “تفهمها” خلال الحرب الأخيرة، بات واضحًا أن الصين تلعب دورًا متزايدًا في موازين الشرق الأوسط، بشكل يتقاطع أحيانًا مع مصالح الولايات المتحدة، لكن لا يصطدم بها بشكل مباشر.
الرئيس السابق جو بايدن كان قد سعى لإحياء الاتفاق النووي مع إيران، لكن انشغاله بأزمات أخرى – أبرزها الحرب الروسية الأوكرانية – حدّ من قدرته على التقدم في هذا المسار. وواجه بايدن انتقادات من الجمهوريين، وعلى رأسهم ترامب، الذين اتهموه بتليين موقفه تجاه إيران، مما سمح لها بتعزيز دعمها لوكلائها وفتح الباب لتصعيد جديد منذ أكتوبر 2023.
أما في الولاية الحالية، فرغم التصعيد العسكري والضربات النووية، فإن ترامب يبدو أكثر استعدادًا للتفاوض خلف الكواليس، خاصة إذا كان ذلك يخدم أهدافه الاستراتيجية في تحجيم إيران دون الانزلاق إلى حرب شاملة.
خاتمةفي الوقت الذي تواصل فيه واشنطن انتقاد شراء النفط الإيراني علنًا، فإن تساهلها مع الصين في هذا الملف قد لا يكون سوى خطوة براجماتية تهدف إلى تجنب التصعيد وفتح نافذة تفاوض مستقبلية.
فالصين باتت طرفًا أساسيًا في معادلة واشنطن – طهران، وقد تتحول إلى قناة خلفية لأي تسوية محتملة. وفي ظل تشدد الطرفين الظاهري، يبدو أن المصالح الاقتصادية وتبادل الرسائل غير المباشرة تهيمن على الساحة أكثر من الشعارات أو التهديدات.
ويبقى السؤال الأهم: هل ستقبل واشنطن بتسوية تضمن استمرار “الغموض النووي” الإيراني مقابل استقرار إقليمي هش؟ أم أن التصعيد سيعود مجددًا... ولكن هذه المرة بأدوات أكثر حذرًا؟