بين الجزائر وفلسطين علاقة ضاربة في أعماق التاريخ المشرّف، إنها علاقة وطيدة ووجدانية، فيها الكثير من الدلالات والتشابه الملحوظ بين الشعبين الشقيقين بارز للعيان، ونفتخر لأننا جزائريون نحتضن إخواننا ونقف إلى جانبهم، لا لاعتبارات وحسابات آنية وضيقة، وإنما لأن فلسطين قطعة من حياة الجزائريين منذ الأمد البعيد.
من أيام سيدي بومدين، العارف بالله والمجاهد في سبيله وفي سبيل تحرير فلسطين من قيود الصليبيين الغاصبين.. علاقة ما انفكت تتقوى كل يوم وتتعزز معها الروابط، مرورا ببطولات الأمير عبد القادر الجزائري والمهاجرين معه إلى أرض العز والكرامة، هناك في الشام أرض البدايات والنهايات.
ولم يفت الجزائريين المشاركة البارزة في كافة المواقف التي احتاج فيها الفلسطينيون لإخوانهم، بل إن هناك المئات بل الآلاف من أسلافنا فضلوا الإقامة والاستقرار هناك في الشام، وعلى ضفاف البحر الأبيض المتوسط في فلسطين وسوريا ولبنان، فانصهروا وتوارثوا عبر أجيال، تلك البطولات الراسخة والتي تشكّل اليوم وقود الفصائل والأحرار في فلسطين الشاهدة.
إن وقوف الجزائر، دولة وشعبا مع فلسطين، لم يكن يوما من باب النافلة أو المزايدة، وإنما عن قناعة وعقيدة راسخة بأنها، أي فلسطين، قطعة من الجزائر، وشعبها جزء من الشعب الجزائري.
نحن نملك في أرضنا الفلسطينية حاراتنا، وفيها أخوة لنا، نتضامن معهم وندعمهم ونسند قضيتها التي هي قضيتنا، ونرفع التحديات لأجلهم، الآن وغدا.. ومثلما سالت دماء الأجداد في حروب فلسطين المتتالية، لن يدخّر أحفادهم أي جهد من أجل نصرتهم، وما الأمواج البشرية التي سارت في مدن الجزائر، من شمالها إلى جنوبها، من شرقها إلى غربها، إلا دليل لا غبار عليه ورسالة واضحة من أن الجزائر لن تتخلى عن قضية عادلة وشعب مضطهد.
سيروا أيها الجزائريون، لأن فلسطين لنا ولا لغيرنا، نشيد خالد يتردّد صداه منذ الاستقلال في المدارس ومخيمات الكشافة، وفي ثكنات المغاوير، سليل أبطال جيش التحرير الوطني.. الذين هبوا لنصرة فلسطين بالكلمة والعمل عندما هبوا لنصرتها في 1948، وبالبندقية والرشاش في حربي 1967 و1973، عندما زغردت الأمهات الجزائريات الحرائر شقيقات ورفيقات جميلات وزهرات ثورة نوفمبر، على أبنائهن وإخوانهن وأزواجهن الشهداء والعائدين منتصرين.. وما استضافة مؤتمر إعلان قيام دولة فلسطين المستقلة بنادي الصنوبر في 1988 - رغم أحداث 5 أكتوبر- عنا ببعيدة.
لقد أنهت غزة الهيمنة الإمبريالية التي يتخذها بعض دول الغرب عقيدة لديمقراطيته الزائفة وروحا لسياساته المنحازة للطغيان والظلم، ومساحيق لوجه شاحب متعطّش للقتل والدماء.. كيف لا وتاريخه يشهد عليه بسجل حافل بالمجازر تحت مسميات وعناوين عديدة، أباد بواسطتها الملايين من البشر في الأمريكيتين وفي آسيا والمنطقة العربية وحتى في أوروبا.
لقد سقط القناع وسقطت معه ورقة التوت، فانكشف الوجه القبيح للغرب المتغطرس، وانكشفت عورته التي لن يستطيع سترها بعد الآن، وسيكتب التاريخ أسماء القتلة منهم وعرابيهم وداعمي الإرهاب الصهيوني الغربي وسوف لن يكون بمقدورهم محو بصماتهم.
لقد أسقطت غزة امبراطورية القطب الواحد، ومهّدت الطريق لترسيخ أسس نظام متعدد الأقطاب، وفضحت بطولات وتضحيات النساء والأطفال والفتيان والرجال الأشاوس، أولئك المتخاذلين والعملاء مشرقا ومغربا.
وأخيرا وليس آخرا، يشهد العالم مرة أخرى للجزائر أنها تحرص على لمّ الشمل الفلسطيني الذي مزّقته الأجندات الإقليمية والمصالح الآنية الضيقة المستغلة للقضية الفلسطينية من أجل غاية وأهداف غير قومية، عبر اجتماع المصالحة الذي رعته الدولة الجزائرية للتأكيد على النوايا الحسنة والمخلصة لخدمة قضية القضايا.. فلسطين. هل بعد كل هذا نتوقف ولا نسير؟ بكل تأكيد لا.. فالمسيرة مستمرة والكفاح الفلسطيني مستمر حتى تحرير فلسطين.. مثلما تحررت الجزائر قبل 61 عاما وطردت حلفاء الكيان الصهيوني المتهالك.
* رئيس تحرير "الخبر"
المصدر: الخبر
إقرأ أيضاً:
منظمة الصحة العالمية: لا علاقة بين اللقاحات واضطرابات التوحد
أعلن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس غيبرييسوس، الخميس، أن لجنة الخبراء العالمية المعنية بسلامة اللقاحات أكدت بصورة قاطعة عدم وجود أي علاقة سببية بين اللقاحات واضطرابات التوحد، وذلك استنادا إلى مراجعة شاملة لـ31 دراسة أجريت على مدى 15 عاما في عدة دول.
وقال غيبرييسوس، خلال مؤتمر صحفي عقده في مقر المنظمة بجنيف، إن النتائج الجديدة تعزز ما خلصت إليه المنظمة منذ سنوات، موضحا أن لقاحات الطفولة، بما في ذلك اللقاحات المخصصة للنساء الحوامل، واللقاحات التي تحتوي على الألمنيوم أو مادة الثيميروسال، “لا تسبب التوحد”.
وأضاف غيبرييسوس أن اللقاحات تعد من أهم الابتكارات في تاريخ الطب الحديث، مشيرا إلى دورها الكبير في خفض وفيات الأطفال دون سن الخامسة من 11 مليون وفاة سنويا إلى 8.4 ملايين خلال ربع قرن.
كما لفت إلى أن اللقاحات ساهمت في الحد من انتشار فيروس كورونا، كاشفا أن المنظمة صنفت خلال الأسبوع الماضي متحوّرا جديدًا للفيروس ضمن قائمة المتحورات الخاضعة للمراقبة.
وفي سياق متصل، أعلن المدير العام إطلاق منظمة الصحة العالمية خطة استراتيجية موحدة لمواجهة التهديدات الحالية والمحتملة لفيروسات كورونا، وتشمل كوفيد-19 ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (المعروفة بـ"أنفلونزا الإبل") وأمراضا جديدة قد تنجم عن فيروسات كورونا المختلفة. وأوضح غيبرييسوس أن الخطة الجديدة تشكل “نقطة تحول” في الانتقال من مرحلة الاستجابة الطارئة لجائحة كورونا إلى إدارة مستدامة وطويلة الأمد قائمة على التكامل والاستعداد.
وجاءت هذه التصريحات في ظل تجدد الجدل داخل الولايات المتحدة حول علاقة اللقاحات بالتوحد، بعدما أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مطلع العام، ادعاءات بشأن وجود ارتباط بين تلقي الأطفال للقاحات وبين ارتفاع انتشار اضطرابات التوحد، إلى جانب حديثه عن تأثير تناول النساء الحوامل لمسكن الباراسيتامول.
وتفاقم الجدل الشهر الماضي عقب تصريحات لوزير الصحة الأمريكي روبرت كينيدي جونيور، قال فيها إنه وجه المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها لتغيير موقفها التاريخي الذي ينفي وجود علاقة بين اللقاحات والتوحد.
وأثارت تصريحاته غضب أربع ولايات ديمقراطية—كاليفورنيا وأوريغون وهاواي وواشنطن—التي وصفتها بأنها "مضللة وخطيرة"، مؤكدة أنها "تهدد الأمن الصحي" في البلاد، ومشددة على استمرارها في نصح العائلات الأمريكية بضرورة تلقيح أطفالهم.
جذور الادعاء الخاطئ
تعود النظرية المضلّلة التي تربط بين لقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية (MMR) وازدياد حالات التوحد إلى دراسة نشرت عام 1998 قبل أن تسحب لاحقا، بعدما أثبتت الأبحاث العلمية المتتابعة أن نتائجها مزورة وتفتقر إلى الأساس العلمي.
ورغم إسقاطها من المجتمع الطبي، لا تزال تلك الادعاءات تعود للواجهة من حين لآخر، ما يدفع منظمة الصحة العالمية إلى تجديد تأكيدها على سلامة اللقاحات وفاعليتها.