حيادية الصين... تعزز دورها كوسيط في الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي
تاريخ النشر: 20th, October 2023 GMT
فشل مجلس الأمن في تبني مشروع قرار صاغته روسيا يدعو إلى وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية في الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في غزة، وفي الحصول على الحد الأدنى من تسعة أصوات مطلوبة في المجلس المؤلف من 15 عضوا. وأكدت الصين أنه يصعب تصديق نتائج التصويت على مشروع القرار البرازيلي الخاص بما يحدث في غزة، في مجلس الأمن الدولي.
لا شك أن الصين تعمل، بحسب ما يؤكد مدير المركز اللبناني للابحاث والاستشارات حسان القطب ل"لبنان24، على رسم سياسة متوازنة بين دول منطقة الشرق الاوسط، وتسعى لكي لا تكون طرفاً في الصراعات المشتعلة.. وبرز هذا النهج، في الدور الذي لعبته في العمل على تقريب وجهات النظر وفي رسم مسار تسوية بين المملكة العربية السعودية وايران. ولذا فإن النهج الصيني يقود المتابعين، إلى القول إن سياسة بكين من الصراع العربي- الإسرائيلي، لا تختلف عن موقفها واستراتيجيتها في مقاربة الخلاف العربي – الإيراني.
إن معركة "طوفان الاقصى" التي افتتحتها حركة حماس، أخذت الصراع في المنطقة، بحسب القطب، إلى منحى تصاعدي جديد بحيث بدا أن الكيان الغاصب في أضعف حالاته وعاجز عن حماية نفسه وفاقد للقدرة على رد الهجمات، مما دفع دول العالم الغربي وخاصة الولايات المتحدة الأميركية إلى المسارعة لدعم هذا الكيان ورفض هجمات حركة حماس. وهنا وقفت الصين، وفق قراءة القطب، موقفا شبه حيادي، حيث لم تقم بإدانة هجوم حماس، كما لم تشجع إسرائيل على تأجيج الصراع والرد بقوة على قطاع غزة.. وقد أخذت الصين بعين الاعتبار في موقفها علاقاتها الجيدة مع الدول العربية وخاصةً تلك المتقدمة جداً مع مصر، التي تعتبر سوقاً استهلاكيا كما مساحة استثمار واعدة بالنسبة للدولة الصينية، لذا لم تحاول أن تثير أي رد فعل سلبي من قبل الجانب العربي، سواء الرسمي أو الشعبي.. ومن ناحية الكيان الصهيوني، بدت الصين حذرة جداً لأن العلاقات الاقتصادية والتبادل العلمي والزراعي بين البلدين متقدم جداً، وكان سبق لها أن تقدمت بعرض لإدارة مرفأ حيفا في فلسطين المحتلة، وهذا ما اعترضت عليه الولايات المتحدة وعطلت الاتفاق لأسباب أمنية.. كما أن هناك تعاونا وثيقا بين الصين وإسرائيل في ميدان تبادل المعلومات التكنولوجية، وفي ميدان الطائرات المسيّرة ، وتعمل اسرائيل على تطوير القطاع الزراعي الصيني لسد حاجات الصين المتزايدة من المواد الزراعية.
وعليه، يعتبر مدير المركز اللبناني للابحاث والدرسات، أن الموقف الصيني المتوازن، والهادىء والرغبة الأميركية في أن تلعب بكين دوراً إيجابيا لتهدئة الوضع وعدم تصعيده أكثر من ذلك،لا بد أن ينعكس ايجاباً على تنفيذ الأخيرة مشروعها الاقتصادي(الحزام والطريق) والذي من المفترض أن يمر في دول عدة من بينها دول عربية. وبالتالي فإن أي توتر في العلاقات أو إطلاق مواقف سياسية متشنجة، من شأنه أي يعرقل تنفيذ هذا المشروع الطموح الذي تسعى الصين إلى إنجازه وانجاحه.
الأكيد أن الموفد الصيني، الذي سيصل المنطقة سوف يعمل ويتحرك تحت سقف الاستراتيجية الصينية المشار إليها، كما أن بكين تدرك أهمية دور واشنطن في المنطقة وعلاقاتها المتشعبة والعميقة مع دول المنطقة، ومصالح واشنطن الراسخة في الشرق الأوسط. ولذلك فإن الصين لن تخاطر في سياسات قد تتضارب مع الموقف الأميركي، بل سوف تعمل على تنفيس الاحتقان ودعم الحوار ومعالجة أسباب الصراع والدفع باتجاه إقامة دول فلسطينية مستقلة مقابل تأمين أمن إسرائيل.. وبهذا تكون سياسة الصين متناغمة مع النهج الأميركي في المنطقة، فعلاقتها الجيدة مع الجانب العربي، وكذلك مع إسرائيل، قد تجعل منها وسيطاً مقبولاً وربما تلعب دورا مشابها لما قامت به في ترتيب وتطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية مع إيران..فالمقترحات الصينية التي سبق أن تقدمت بها بكين لحل القضية الفلسطينية لا تتناقض مع التوجه الدولي، وإن كانت تتجاوز طموحات إسرائيل في عدم تسهيل إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس.. لكن باقي النقاط من ناحية التنمية الاقتصادية والحقوق لا تشكل مشكلة بالنسبة للفلسطينيين والدول المهتمة بتسوية أزمة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي..
ترى الصين في دول الشرق الاوسط، وخاصةً العربية منها، ساحة استثمار في ثرواتها، إضافة إلى الحصول على النفط والغاز الضروريين لإطلاق عجلة اقتصادها، وفي الحصول على حصة وازنة في إعادة بناء وتطوير بنيتها التحتية التي هي في أمس الحاجة إليها، وكذلك ترى الصين أن دول الشرق الأوسط، بما فيها إيران دول استهلاك تستورد من الصين منتوجات كثيرة هي بحاجة إليها. ومن هنا تحاول الصين، بحسب القطب، أن توازن في مقاربتها للصراع الفلسطيني العربي مع الكيان الصهيوني.. ونهج الصين دفع بوزير خارجية الولايات المتحدة انطوني بلينكن الى الطلب منها الضغط أو ممارسة نفوذها بحكم علاقاتها الجيدة مع بعض القوى الاقليمية المؤثرة لعدم تأجيج الصراع المسلح أو توسيع مساحة الصراع في دول الشرق الاوسط بحيث لا يتم فتح جبهة صراع ثانية إلى جانب جبهة غزة – اسرائيل.
في النهاية يمكن القول، بحسب القطب، إن المبادرة أو الاندفاعة الصينية للعمل على تسوية الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي، قد تعطي بكين دورا أكبر على المستوى الدولي خاصة في ما خص قدرتها على التواصل مع القوى أو الدول التي لا تتحدث معها الولايات المتحدة، كإيران أو المجموعات الفلسطينية، وبالتالي قد يعتبر دورها حاجة دولية، لكن لا بد أن تعمل تحت سقف التوجهات الأميركية حتى لا تصطدم معها..والمصالح المشتركة بين الصين وإسرائيل قد تكون عاملاً ايجابياً في قبول إسرائيل بدور الصين، خاصةً وأن الولايات المتحدة تريد ضبط الصراع في الشرق الأوسط، فهي ليست بحاجة لجبهات صراع جديدة بينما الصراع في أوكرانيا على أشده..
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الشرق الأوسط الحصول على الصراع فی
إقرأ أيضاً:
الشرق الأوسط وامتداد الأزمة
أكد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في كلمته بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، حقَّ الفلسطينيين في التمتّع بالكرامة والعدالة وحقّ تقرير المصير، ودعا إلى إنهاء الاحتلال غير القانوني للأراضي الفلسطينية. وقال الأمين العام للأمم المتحدة في الاجتماع الخاص المنعقد في نيويورك: إن حقوق الشعب الفلسطيني خلال العامين الماضيين انتُهكت بشدّة. وشدّد على الحقّ غير القابل للإنكار للشعب الفلسطيني في تأسيس دولته المستقلة، وطالب مجدّدًا بإنهاء الاحتلال غير القانوني للأراضي الفلسطينية، مؤكّدًا أنّ «... الوقت قد حان لإنهاء الاحتلال غير القانوني الذي تمارسه إسرائيل».
بالتزامن مع هذا التصريح من الأمين العام للأمم المتحدة، أطلق بنيامين نتنياهو، على الرغم من توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار مع حركة حماس، موجة جديدة من الهجمات العسكرية على الحدود اللبنانية والسورية، ووضع الحدود الجنوبية للبنان بشكل متواصل تحت نيران المدفعية والغارات الجوية الإسرائيلية. وبذلك يجري عمليًّا انتهاك إعلان وقف إطلاق النار على الحدود اللبنانية-السورية مع إسرائيل بصورة مستمرة، فيما يواصل نتنياهو تقويض ترتيبات وقف القصف والهجمات على هذه المناطق الحدودية، ولا سيّما مع لبنان.
المشهد الأمني العام في جنوب لبنان، وكذلك على الشريط الحدودي بين سوريا وإسرائيل، بات بالغ التأزّم، واندلعت موجة جديدة من نزوح المواطنين اللبنانيين والسوريين من المناطق التي تتعرّض لنيران المدفعية أو للقصف الجوي من قِبل الجيش الصهيوني، لتعود المنطقة مرّة أخرى إلى حالة من انعدام الأمن. ورغم اتساع رقعة التظاهرات الاحتجاجية في أغلب المدن الأوروبية وفي الولايات المتحدة ضدّ حكومة نتنياهو وضد استمرار نهجه العسكري في منطقة الشرق الأوسط، فإنّ معظم المحللين السياسيين في أمريكا يعتقدون أنّ الموجة الجديدة من الهجمات العسكرية التي تشنّها حكومة نتنياهو في لبنان وسوريا تتمّ بضوءٍ أخضر من دونالد ترامب لنتنياهو.
ذلك أنّ استراتيجية ترامب حيال الشرق الأوسط لا تقوم على تحقيق أمن مستدام، بل إنّ استمرار الهجمات العسكرية والجوية الإسرائيلية على الحدود السورية واللبنانية يجري في إطار تنسيق بين نتنياهو وترامب. ومن هذه الزاوية، ما دام «ترامب ونتنياهو» يتحرّكان في الاتجاه نفسه وبالتناغم عينه، ستبقى المنطقة واقفة على عتبة أزمات متعاقبة ومتنوّعة، تتوالى مرحلة بعد أخرى.
إنّ المجازر وعمليات القتل الجماعي التي يتعرّض لها الناس في غزة، والتي تحوّلت اليوم إلى أرضٍ مدمَّرة، هي ثمرة التنسيق في تنفيذ مخططات ترامب ونتنياهو، رغم أنّ جزءًا من المجتمع الإسرائيلي يُظهر تبرّمه من هذا الواقع، وقد اضطر بعضهم إلى اللجوء إلى دولٍ محيطة بإسرائيل.
إنّ الاستراتيجية الشرق أوسطية لترامب ونتنياهو تقوم على صناعة اللااستقرار وفرض حالة الطوارئ في عموم المنطقة، بحيث لا يُتَصوَّر بلوغ أيّ مستوى من الثبات والهدوء إلا عبر القبول بالصورة التي يرسمانها هما للشرق الأوسط. وبالنظر إلى مقاربة ترامب ونتنياهو، فإنّ الشرق الأوسط اليوم غارق في أزمةٍ لا يستطيع كثير من المحللين السياسيين في الغرب توقّع نهايتها.
كثيرون يعتقدون أنّه ما دام ترامب ونتنياهو يتوليان دفّة السياسة في الإقليم، فإن دول الشرق الأوسط ستنتقل من أزمة إلى أخرى، وستجد نفسها دائمًا مضطرة للامتثال لشروط الأزمات المتناسلة التي يفرضها نتنياهو وترامب ويمدّدانها. ويرى عدد كبير من الخبراء السياسيين في الغرب أنّ ترامب قد سلّم مفتاح الشرق الأوسط وطريقة إدارة السياسة فيه إلى نتنياهو، وأنّ الأخير لا يرى في الممارسة السياسية في هذه المنطقة إلا إعادة إنتاجٍ لأزمة فوق أخرى، ويواصل ترجمة هذا التصوّر على أرض الواقع.
ويذهب كثير من المحللين السياسيين الغربيين إلى أنّه في المستقبل القريب، ومع استمرار التحالف الوثيق بين ترامب ونتنياهو، لا يمكن التعويل على شرق أوسطٍ مستقرٍّ يسير في طريق النمو والسكينة. فالمنطقة ستبقى، فعليًّا أو بالقوة الكامنة، مركزًا لإنتاج شتّى أشكال الاضطرابات والأزمات. ومن الضروري البحث عن جذور عدم استقرار الشرق الأوسط في هذا الترابط بين ترامب ونتنياهو وفي نظرتيهما إلى مجمل هذه المنطقة؛ إذ إنّ ترامب يرى في نتنياهو شريكَه وحليفه الاستراتيجي في مقاربة قضايا الشرق الأوسط.