تصاعد الصراع الحدودي بين تايلاند وكمبوديا يختبر نفوذ واشنطن وبكين في جنوب شرق آسيا
تاريخ النشر: 26th, July 2025 GMT
يمثل التصعيد الدموي والمفاجئ في النزاع الحدودي المستمر منذ عقود بين تايلاند وكمبوديا تحديًا جديدًا للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي تعهد بدعم نظام عالمي أكثر استقرارًا وسلامًا.
لكن هذا الاشتباك العنيف في جنوب شرق آسيا يمثل أيضًا اختبارًا فعليًا لتراجع النفوذ الأمريكي في منطقة تُعد مسرحًا محوريًا في التنافس الجيوسياسي المتنامي بين الولايات المتحدة والصين.
وفي هذا السياق، قال الخبير الإقليمي وأستاذ إدارة الأعمال بجامعة ولاية أريزونا، سافال إير، لمجلة “نيوزويك” إن هذه الأزمة تمثل اختبارًا حاسمًا لنفوذ كل من الولايات المتحدة والصين في جنوب شرق آسيا"، مضيفًا "تايلاند شريك استراتيجي أساسي لواشنطن، وهي ضرورية للحفاظ على الوجود العسكري والدبلوماسي الأمريكي في المنطقة، بينما تُعد كمبوديا حليفًا محوريًا لطموحات الصين في إطار مبادرة الحزام والطريق، وتشكل نقطة ارتكاز استراتيجية".
بداعٍ عرقلة التفاوض .. مصطفى بكري : ترامب توعد حماس بإنهاء وجودها
ترامب يقلّل من أهمية اعتراف فرنسا بدولة فلسطين: "تصريح بلا وزن ولن يغيّر شيئًا"
وأشار إير إلى أن "كلا الطرفين يدركان أن هناك الكثير على المحك: إذ قد تقوّض حالة عدم الاستقرار تحالفاتهما الإقليمية ومصالحهما الاقتصادية، في حين أن اتخاذ موقف عدائي قد يؤدي إلى تصعيد حاد في التنافس الجيوسياسي".
تصعيد جديد... وخسارة أمريكية أخرىيعود الخلاف الحدودي بين تايلاند وكمبوديا إلى عام 1907، عندما رسمت السلطات الاستعمارية الفرنسية في كمبوديا خريطة لا تزال كمبوديا تستند إليها في مطالبها الإقليمية.
أما تايلاند، فترفض هذا الترسيم، وتطالب بأراضٍ تشمل معابد هندوسية قديمة من الحقبة الخميرية، مثل معبد برياه فيهير، رغم وجود حكمين من محكمة العدل الدولية يصبان في مصلحة كمبوديا.
هذا النزاع ظل يتقاطع مع صراعات أوسع بين القوى العالمية، منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الحرب الباردة. وكانت تايلاند قد انضمت في الخمسينات إلى منظمة معاهدة جنوب شرق آسيا المدعومة من الولايات المتحدة، كجزء من جبهة ضد الشيوعية، بينما شهدت كمبوديا دعمًا من الصين في عقود لاحقة.
ومع انتصار فيتنام الشمالية في 1975، ودخولها لاحقًا في حرب مع نظام الخمير الحمر المدعوم من الصين في كمبوديا، سقط الأخير بنهاية السبعينات. واستمرت تايلاند في ولائها التقليدي للولايات المتحدة، لا سيما في المجال الدفاعي، رغم أن موقعها في أولويات السياسة الخارجية الأميركية تراجع في العقود الأخيرة مع تحسّن العلاقات بين واشنطن وخصمها السابق فيتنام.
في المقابل، عززت الصين علاقاتها مع جميع دول المنطقة، بما فيها كمبوديا وتايلاند وفيتنام، وأصبحت لاعبًا رئيسيًا في معادلة النفوذ هناك. ووسط هذا التغيّر، يرى البعض أن الولايات المتحدة باتت غائبة عن المشهد.
وقال إيفان فيغنباوم، نائب رئيس مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي والمسؤول السابق في الخارجية الأمريكية “الولايات المتحدة فشلت في هذا الاختبار، ويجب أن يكون ذلك جرس إنذار... فهي اليوم بلا تأثير فعلي في النزاع، ولا تملك أدوات ضغط على أي من الطرفين”.
الصين على خط التوازنومع اندلاع الاشتباكات الخميس الماضي، التي أوقعت ما لا يقل عن 15 قتيلًا وعشرات الجرحى، أصدرت كل من الولايات المتحدة والصين دعوات لوقف التصعيد.
وجاء في بيان للخارجية الأمريكية: "نشعر بقلق بالغ إزاء التقارير عن تصاعد القتال على الحدود بين تايلاند وكمبوديا... كما نشعر بقلق خاص حيال الأذى الذي لحق بالمدنيين الأبرياء"، داعية إلى "وقف فوري للهجمات وحماية المدنيين وتسوية النزاعات بشكل سلمي".
من جانبه، وصف وزير الخارجية الصيني وانغ يي الوضع بأنه "مقلق ومؤلم للغاية"، لكنه أشار إلى أن “المشكلة تعود إلى إرث الاستعمار الغربي”، مؤكدًا أن الصين، بصفتها "جارًا وصديقًا للطرفين"، ستواصل لعب دور "بناء وحيادي" للمساعدة في تهدئة التوترات، وذلك خلال لقائه برئيس رابطة "آسيان"، كاو كيم هورن، الذي يسعى للوساطة.
ورغم أن كمبوديا تُعد أقرب إلى الصين، فإن بكين تسعى في الوقت نفسه للحفاظ على علاقات متوازنة مع تايلاند. وأوضح فيغنباوم “الصين لا ترغب في الانحياز لطرف على حساب الآخر، لأنها تسعى لعلاقات جيدة مع كليهما... لذلك، ستعمل على ممارسة ضغط ناعم ومتوازن، دون التصعيد”.
نزاع داخلي... يفاقم الوضعيزداد المشهد تعقيدًا بسبب أزمات داخلية في البلدين. فبعد اشتباك حدودي في مايو الماضي أسفر عن مقتل جندي كمبودي، سُربت مكالمة لرئيسة الوزراء التايلاندية، بيتونغتارن شيناواترا، وهي تخاطب رئيس مجلس الشيوخ الكمبودي ورئيس الوزراء السابق هون سين بمصطلحات حميمية، وتنتقد قيادة الجيش التايلاندي. وقد تسبب ذلك في تعليق مهامها وعرّض ائتلافها الحاكم للخطر.
ومع تردد الصين في اتخاذ موقف علني، تساءل مراقبون عمّا إذا كانت الولايات المتحدة ستتدخل. إلا أن فيغنباوم شكّك في ذلك، معتبرًا أن النفوذ الأميركي في تايلاند تراجع إلى حد كبير.
وقال "القول بأن تايلاند مجرد وكيل للولايات المتحدة هو محض خيال... فالصين اليوم هي الشريك التجاري والاستثماري الأكبر لتايلاند، وتحتفظ بعلاقات وثيقة مع العائلة المالكة هناك".
خطر التصعيد قائممن جهته، رأى ديريك غروسمان، الخبير الاستخباراتي السابق والأستاذ في جامعة جنوب كاليفورنيا، أن النزاع لم يتحول بعد إلى حرب بالوكالة على غرار الحرب الباردة، لكنه حذر من أن استمرار التصعيد قد يجذب القوى الكبرى بشكل أعمق.
وقال"صحيح أن تايلاند حليف أمني للولايات المتحدة، وكمبوديا شريك مقرّب من الصين، لكن الطرفين دعوا إلى وقف إطلاق النار... لا يبدو أن هناك صراعًا على النفوذ حتى الآن — لكن الخطر قائم".
وأوضح غروسمان أن رفض تايلاند للوساطات الدولية واختيارها الحوار المباشر مع كمبوديا يعكس شعورها بتفوق عسكري وثقة بدعم أميركي ضمني إذا تطورت الأزمة.
أما إير، فحذر من تسييس الصراع في سياق دولي أكبر، قائلًا “إذا ما صوّرته الصقور في الصين كصراع بين حليف أميركي وآخر مدعوم من بكين، فقد يُنظر إليه كحرب بالوكالة، رغم أن الصين لا علاقة مباشرة لها بالنزاع”.
وختم بالقول “الدبلوماسيون مشغولون الآن بصياغة بياناتهم، وآمل ألا تشغلهم ملفات إبستين عن هذه الأزمة الإقليمية الخطيرة”.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: دونالد ترامب جنوب شرق آسيا الصين الولايات المتحدة النفوذ الأمريكي إدارة الأعمال جامعة ولاية أريزونا تايلاند وكمبوديا بین تایلاند وکمبودیا الولایات المتحدة جنوب شرق آسیا الصین فی
إقرأ أيضاً:
هطول أمطار قياسية في شمال الصين وبكين تتأهب لفيضانات
تسببت العواصف بشمال الصين في هطول ما يعادل متوسط نحو عام من الأمطار على مدينة باودينغ الصناعية على مشارف العاصمة بكين، مما أجبر أكثر من 19 ألف شخص على النزوح من منازلهم، بينما حذرت السلطات من فيضانات في بكين.
وذكر تلفزيون الصين المركزي أن ما يصل إلى 448.7 ملليمترا من الأمطار هطلت في منطقة يي غرب مدينة باودينغ، خلال 24 ساعة حتى صباح الجمعة، مما تسبب في حدوث فيضانات مفاجئة وانقطاع التيار الكهربائي في بعض القرى وإلحاق أضرار بالجسور والطرقات.
اقرأ أيضا list of 3 itemslist 1 of 3فيضانات بجنوب غرب الصين تدمر عشرات المنازل والجسورlist 2 of 3الكوارث الطبيعة والأحوال الجوية تعصف بعدة دول ومناطق في آسياlist 3 of 3الكوارث الطبيعية تكبد الصين نحو 7 مليارات دولار في 6 أشهرend of listوسجّلت معدلات هطول الأمطار أرقاما قياسية في عدد من محطات الأرصاد الجوية بمقاطعة خبي التي تتبع لها مدينة باودينغ. وتشير السجلات الرسمية إلى أن متوسط هطول الأمطار السنوي في باودينغ يبلغ نحو 500 ملليمتر.
ولم ترد تقارير فورية عن وقوع إصابات أو مفقودين أو أضرار، فيما قالت إدارة الأرصاد الجوية الصينية في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي إنه تم إجلاء نحو 19453 شخصا من 6171 أسرة.
وقارنت مراكز الأرصاد كمية الأمطار التي هطلت الجمعة بالأمطار الاستثنائية التي جلبها إعصار قوي في عام 2023، والذي غمر العاصمة بكين بكميات غير مسبوقة من المياه منذ بدء تسجيلها قبل 140 عاما.
وشهدت مدينة تشوتشو في باودينغ، التي عانت من فيضانات مدمرة في تلك الأمطار قبل عامين، انقطاع الوصول إلى العديد من الجسور والطرق بعد أن أطلقت العواصف أكثر من 190 ملليمترا من الأمطار بحلول صباح الجمعة.
وفي السنوات الأخيرة، شهد شمال الصين هطول أمطار قياسية، مما عرّض المدن المكتظة بالسكان، بما فيها بكين لمخاطر الفيضانات. ويربط العلماء ارتفاع معدل هطول الأمطار في شمال الصين الجاف عادة بعوامل التغير المناخي والاحتباس الحراري.
وتشكّل الأمطار المتزايدة جزءا من النمط الأوسع للطقس المتطرف في جميع أنحاء الصين بسبب الرياح الموسمية في شرق آسيا، والتي تسببت في اضطرابات في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
إعلانوفي عام 2024، سجّلت مقاطعة خبي هطول 640.3 مللمترا من الأمطار، أي أكثر بنسبة 26.6% من متوسطها على مدى عقود، وفقا لنشرة المناخ الصادرة عن هيئة الأرصاد الجوية الصينية.
وفي الصيف الماضي، شهدت مدينة باودينغ، إلى جانب المدن المجاورة مثل تشانغجياكو، ولانغفانغ، وشيونغان، وكانغزهو، هطول أمطار أكثر من المعتاد بنسبة 40%، مع تسجيل بعض المناطق المحلية داخل باودينغ زيادة في الأمطار بنسبة 80%، وفقا للنشرة.
وتتأهب السلطات الصينية لمواجهة هطول أمطار غزيرة وفيضانات شديدة، تشكّل تحديا للإجراءات الصينية القديمة ضد الفيضانات، وتهدد بتشريد الملايين وإحداث خسائر في القطاع الزراعي الذي تبلغ قيمته 2.8 تريليون دولار.
وأبقت مقاطعة باودينغ على حالة التأهب القصوى تحسبا لهطول أمطار غزيرة صباح الجمعة، في حين رفعت مقاطعة خبي مستوى استعداداتها للاستجابة للطوارئ.
ولم تسلم بكين، التي تبعد نحو 160 كيلومترا (100 ميل) عن باودينغ، من تأثير العواصف والأمطار.
وحسب الأرصاد الجوية الصينية، من المتوقع أن تشتد الأمطار، حيث قد تتراكم إلى أكثر من 50 ملليمترا على مدى 6 ساعات من بعد ظهر الجمعة حتى صباح السبت في عدد من المناطق، حسبما ذكرت محطة تلفزيون الصين المركزية.
كما من المتوقع أن تشهد العاصمة بكين أشد هطول للأمطار منذ بدء موسم الفيضانات، مما قد يؤدي إلى اندفاع الحطام إلى أسفل الجبال، وانهيارات أرضية وكوارث ثانوية أخرى، حسبما ذكرت المحطة.
وأصدرت بكين الجمعة تحذيرات من احتمال وقوع فيضانات مفاجئة في أربع من مناطقها الـ16، محذرة من ارتفاع سريع في مياه الأمطار، خاصة في المناطق الجبلية بشمال وغرب العاصمة حتى صباح السبت.
أما في أماكن أخرى من شمال البلاد، فقد تسببت الأمطار الغزيرة في تعطيل خدمة السكك الحديدية في منغوليا الداخلية، حيث أوقفت السلطات العديد من قطارات الركاب التي تمر عبر مناطق عالية الخطورة من الجمعة إلى الثلاثاء.