طوفان يكشف طوافين!
تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT
حمد بن سالم العلوي
صَدَقَ من أعطى غزوة السابع من أكتوبر مسمى "طوفان الأقصى"، فقد ظهر لنا هول طوافين الكذب للدول الغربية، وظهر لنا طوفان الخديعة التي كان يوهمنا بها الغرب المنافق، فعندما يقولون إن الديموقراطية والحرية والعدالة حول العالم، تسكنُ فقط في أمريكا وبلاد الغرب، فإنَّ طوفان الخديعة هذا، قد كُشف وعُريَّ، وإن كذب هذا الغرب الفاجر أصبح معلومًا للجميع، ولقد كنَّا نتقزز من مقولة من لم يكن معنا فهو بالضرورة ضدنا، وكنَّا نعتبره كلاما فيه إجحاف للحريات، ولكن طوفان سذاجة كثير من العرب بالوقوف في صف الغرب من باب الانصياع الأعمى، قد تجاوز هذا المطلب إلى الارتماء في أحضان الغرب، فقد أصبحت تلك المقولة السابقة وكأنها نكتة، ولا قيمة لها اليوم، أمام فواجع أكبر.
تداعى العرب إلى مؤتمر القاهرة ظنًا منهم أن السلام سيتحقق من باب الإنسانية، لكن هذا العدو نزع صفة الإنسانية عن شعب فلسطين، وقد أسماهم بالحيوانات، وقد قرر تصفيتهم بالجملة، لأنَّ من يؤذي "شعب الله المختار"- حسب زعمهم- لا حق له في العيش مع البشر، وأن هذا الطوفان الهستيري للصهاينة، قد أظهر ألّا حُرمة أو قيمة للإنسان الفلسطيني على وجه الخصوص، والعربي والمسلم بشكل عام، فلا احترام ولا حُرمة لدور العبادة كالكنائس والمساجد ولا حرمة حتى للمستشفيات وحقوق الإنسان.
إذن؛ الطوفان الذي تمخّض عنه مؤتمر السلام، هو الصمت المطبق عمّا يجري على أرض غزة الأبية، وأن لإسرائيل الخيار في تحويل ما سيتبقى من شعب غزة، إلى صحراء النقب مثلًا.
طوفان الأقصى أظهر أن الصهاينة العرب، والغرب المنافق، لا يكتفون بإرضاء إسرائيل بالوقوف إلى صفها، وإنما عليهم أن يقدموا المقاومة الفلسطينية ذليلة منقادة كقرابين على نصب الصهاينة، فيتم قتلهم الواحد تلو الآخر، لكي تقبل إسرائيل بوقف النار، وأن تأتي مرحلة لاحقة وقريبة جدًا، يدفع فيها العرب فرادى ومجتمعين تعويضات عن مضايقات المقاومة خلال 75 عامًا الماضية للصهاينة، وما فعلته المقاومة صبيحة يوم 7 أكتوبر لا يقدّر بثمن، وسيكون له تسعيرة خاصة.
انعقد المؤتمر بينما غزة ترزح تحت القصف والنار، والقتل اليومي يتواصل بحق الشعب الفلسطيني، فهذا القصف الذي يطال النساء والأطفال وكبار السن، أما الأشاوس من رجال المقاومة، فلم يُستشهد منهم سوى 3 مُقاتلين حتى تاريخه، وبالطبع قتلى المقاومة شهداء عند ربهم يرزقون، أما قتلى العرب معنويًا، والصهاينة ماديًا ومعنويًا ففي نار جهنم خالدين فيها.
الثورة العارمة التي أحدثها طوفان الأقصى، لن تكون بداية النهاية للصهاينة وحسب، وإنما هي تحرير الأمة العربية من الخنوع، والانقياد المجاني لطاعة الغرب، وذلك بدليل تهافت رؤساء الغرب إلى الكيان الصهيوني، بوجوه مرعوبة ومذعورة، لأن أولئك القوم لديهم مراكز دراسات تحلل لهم النتائج، فعلموا بما لا يدعو للشك أنهم سيخسرون المعركة على أرض فلسطين، وإلّا كيف خلال بضع ساعات يحتل محيط غزة بما يوازي الضعف منها، وتفنى أربع فرق من جيش كان يقول عن نفسه أنَّه لا يقهر، وتم قهره حقًا وفعلًا، فقتل جنوده وحرقت آلياته ومعداته العسكرية، وسعداء الحظ ممن تم اختيارهم، وسحبهم أحياء كأسرى إلى غزة.
إذن؛ عندما ترى العويل يرتفع في بلاد الغرب، وبلاد العرب كذلك، فأعلم أن أمر الله أتى، وأن الظلم سيرفع من أرض العرب لقوله تعالى: "فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا" (الإسراء: 5)، ثم أتى وعد الله ليؤكد حكمه المبرم على بني إسرائيل في قوله تعالى: "إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا" (الإسراء: 7).
إن الشعب الفلسطيني لن يتخلى مطلقًا عن مقاومته الوطنية، ولن يقبل بالخذلان من العرب، وقد خُدِعوا في السابق بما فيه الكفاية، وجاء هذا اليوم ليعرفوا من معهم ومن ضدهم من العرب، ولأنهم وصلوا إلى هذه القناعة، فقد توكلوا على الله، وقاموا بعملية الفتح المبين "طوفان الأقصى" والنصر بإذن الله حليفهم، ومن يتوكل على الله ما خاب، ومن علامات النصر الأضرار الكبيرة في الجانب الصهيوني، وكذلك الترحيل مقابل الترحيل، فأول مرة نرى إسرائيل تُجلي قطعانها الزائلة بإذن لله.
كلمة أخيرة للطابور الخامس، الذين يديرون معركة إعلامية فاشلة من بين ظهرانينا، وتنطلي على بعض السذج، من أن إيران التي أنشأت محور المقاومة، قد تخلت عن غزة والمقاومة معًا.. أقول: أولًا اتركوا المقاومة في غزة هي التي تقول ذلك، وهي تعرف من زودها بالمصانع الحربية، وبالسلاح والمال، وأقل القليل أن إيران لن تسمي المقاومة بـ"الإرهابية" وإيران وهي اليوم دولة عظمى قد لا تضطر لدخول الحرب مباشرة الآن، ولكن إذا دخلت الحرب ستحرق الأخضر واليابس، وسوف ينشأ عن ذلك وضع آخر جديد حول العالم، وإيران لها أصدقاء كبار مثل روسيا والصين، لن يقبلوا بهزيمتها مهما كلف الأمر.. فراجعوا حساباتكم بصورة صحيحة، والنصر آتٍ بإذن لله.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
حزب الله وفـلسطين: وحــدة الدم والمصير
عبدالله علي صبري
يحتفل حزب الله هذه الأيام بالذكرى 25 لعيد المقاومة والتحرير، التي شهدت تحرير جنوب لبنان في 25 مايو / آيار 2000 من الاحتلال الصهيوني، وانسحاب قوات العدو دون قيد أو شرط، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الصراع العربي الصهيوني. وقد أدت مفاعيل هذا النصر الاستراتيجي إلى تحرك الشعب الفلسطيني، واندلاع انتفاضة الأقصى التي استمرت لأكثر من أربع سنوات.
ومنذ انطلاقته في مطلع الثمانينيات، رسم حزب الله اللبناني لنفسه مسارًا سياسيًا وعسكريًا يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالقضية الفلسطينية، وجعل من تحرير القدس محورًا مركزيًا في برامجه وعلاقاته الخارجية. وعبر السيد الشهيد حسن نص.ر الله في خطاباته السياسية والدينية عن حالة تعبوية تصب في مصلحة القضية الفلسطينية، ودعم المقاومة بمختلف فصائلها، وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية حماس.
وكما شكل الحزب بمقاومته وبانتصاراته العسكرية على إسرائيل في 2000، و2006، حافزا كبيرا للمقاومة الفلسطينية في غزة منذ 2008، وإلى “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023، فإن تشكل ما يعرف بمحور أو جبهة المقاومة، الذي اضطلع حزب الله بالدور الأكبر في بناء منظومته السياسية والجهادية، قد اتخذ من فلسطين والقدس البوصلة الجامعة لكل المدافعين عن حقوق الشعب الفلسطيني على مستوى الأمة العربية والإسلامية، وعلى مستوى العالم.
لم يكتف حزب الله بتحرير الأراضي اللبنانية، بل قدم نفسه جزءا من مشروع أشمل يهدف إلى تحرير فلسطين، ومقاومة المشروع الصهيوني الأمريكي، بمختلف أبعاده وتجلياته، ما جعله حاضرا في معادلات الحرب والسلم، وفاعلاً في الاشتباك السياسي والثقافي مع المخططات الغربية والأمريكية، الداعمة لنفوذ إسرائيل وضمان أمنها وتفوقها على حساب العرب وفلسطين.
امتد نشاط حزب الله ومن خلال علاقاته بالجمهورية الإسلامية الإيرانية والجمهورية العربية السورية، إلى دعم المقاومة الفلسطينية في غزة بالسلاح وبالخبرات القتالية، بالموازاة مع إشارات الدعم السياسي والمعنوي، وتنسيق العلاقات بين مختلف أطراف وجبهات المقاومة خارج لبنان، وخاصة في الساحتين اليمنية والعراقية. وأمكن للحزب وللسيد الشهيد نصر الله تجاوز الورقة الطائفية، التي عملت أمريكا وإسرائيل على تغذيتها وإذكائها منذ الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، وإبّان تدخل حزب الله في الأزمة السورية عام 2013.
وخلال الحروب الكبرى التي شنتها إسرائيل على غزة، لاسيما في أعوام 2008، 2012، 2014، ثم في معركة “سيف القدس” 2021 لم يقف حزب الله صامتاً أو متفرجاً، بل شجع وبارك انتصارات المقاومة، ووصل إلى حد التهديد بحرب إقليمية في الرد على الاعتداءات الصهيونية التي تطال المسجد الأقصى في الضفة الغربية. وبإعلان السيد عبدالملك الحوثي عن مباركته لهذه المعادلة، ودخول اليمن فيها، كانت “وحدة الساحات” قد أعلنت عن نفسها قبل أشهر من معركة طوفان الأقصى.
التزاما بمبدأ وحدة الساحات، ومن منطلق ديني وأخلاقي أعلن حزب الله في اليوم التالي مباشرة لطوفان الأقصى، الدخول في معركة إسناد غزة وإشغال العدو الصهيوني في شمال فلسطين المحتلة، وقدم في سبيل القضية الفلسطينية مئات الشهداء على طريق القدس، وكان على رأسهم الأمين العام السيد الأسمى حسن نص.ر الله رضوان الله عليه.
قدم الحزب أغلى ما يملك في سبيل فلسطين، وخط بدماء الشهداء وحدة الموقف والمصير مع غزة وأهلها ومقاومتها، وهو ما يعني أن حزب الله كان وسيبقى شريك النصر والتحرير في فلسطين المحتلة، وعاملا من عوامل زوال “بيت العنكبوت” كما يسميه نصرالله، الذي طالما بشر بنهايته الحتمية.
28-5-2025