سائقو الشاحنات المصرية في معبر رفح يروون مشاهد الدمار التي شاهدوها في غزة
تاريخ النشر: 25th, October 2023 GMT
قصفُ ليل نهار على الشريط الحدودي لمدينة غزة، زادت عزيمة سائقي الشاحنات المصرية للدخول إلى القطاع عبر معبر رفح، وإرسال المساعدات المختلفة إلى أشقائنا في فلسطين، على الرغم من أن أغلبهم لم يقم بذلك من قبل.
رائحة البارود في كل مكان، وترى نيران القصف والغبار بعينك، وتسمع دوي الانفجارات طوال اليوم، كل هذه هي المشاهد من معبر رفح المصري، فما بالك بالوضع داخل قطاع غزة؟
رؤوهم بعينهم، وفرحتهم بدخول تلك الأطنان من الأدوية والغذاء والماء والأغطية، بعد 15 يومًا من الحصار الكامل في سجن كبير.
حالة من الحزن خيّمت على سائقي الشاحنات المصرية منذ اليوم الأول لوصولهم إلى معبر رفح البري، وسط محاولات كبيرة محليًا ودوليًا، لإدخال المساعدات إلى الجانب الفلسطيني، ولأكثر من مرة يتجهّز السائقين للدخول، وتنتهي جميع الإجراءات، إلا أن القصف الشديد على الشريط الحدودي لغزة، يحول دون دخولهم، ولكن هذا لم يرهبهم في أي مرة.
وفي يوم السبت 21 أكتوبر 2023، تحوّل المشهد أمام معبر رفح، من الحزن والإحباط، إلى فرحة كبيرة وهتافات، بعبور شاحنات المساعدات من الأراضي المصرية إلى الفلسطينية، وإيصال الأدوية والمواد الغذائية إلى قطاع غزة، وخرجت الشاحنات من المعبر وسط فرحة وهتاف ورفع للأعلام الفلسطينية والمصرية، وارتفاع أصوات الفرحة.
لحظات صعبة عاشها سائقو تلك الشاحنات، خلال عبورهم من البوابة المصرية إلى البوابة الفلسطينية، وعلى الرغم من ذلك، لم نشعر أن شخصًا منهم في حالة قلق أو توتر أو خوف، بل بدى على وجوههم فرحة إيصال تلك المساعدات إلى الأشقاء.
وعند عودتهم، كان لدينا الكثير من التساؤلات حول المشهد في الجهة المقابلة لمعبر رفح، ما هي شكل البيوت؟ هل رأيتم أحدًا من الفلسطينيين خلال عبوركم في داخل أراضي غزة؟ ما هو الوضع الآن؟ خاصة وأن الكثير من الأحياء انقطع عنها الإنترنت وخطوط التليفون، ولا يستطيعون نقل الصورة لنا بشكل كامل، إلا تلك المشاهد القليلة التي ترصدها شاشات التلفزيون والصحفيين.
عم بهاء: آثار الدمار ورائحة الدماء في كل مكان
"آثار الدمار ورائحة الدماء في كل مكان"، بهذه الكلمات بدأ عم بهاء حديثه بعد خروجه من معبر رفح، وهو أحد أقدم سائقي الشاحنات أمام معبر رفح، والذي ظلّ أمام المعبر لمدة 7 أيام، في انتظار الدخول لتقديم المساعدات إلى الأشقاء في غزة.
وأضاف: "المشهد قاسٍ، ربما يشبه أحد أفلام الرعب الشهيرة، لا أدري ما الإحساس الذي شعرت به في تلك اللحظات، لكن من المؤكّد أنني لم أشعر به من قبل".
محمد العربي: شعرت وأن صاروخًا نوويًا ضرب المكان
قال محمد العربي سائق إحدى الشاحنات التي عبرت، إنه أمام المعبر منذ نحو 5 أيام، ولديه الاستعداد للبقاء لأيام أخرى لإيصال ما أسماه بـ "الأمانة" للأشقاء في غزة، قائلًا: "الحمدلله نحمده كثيرًا ونتمنّى أن تصل كل الشحنات إلى أشقائنا في أسرع وقت، نشعر بمعاناتهم، المصريين والفلسطينيين على قلبٍ واحد".
وحول المشهد في الجهة المقابلة، أكد أن القصف في كل مكان، ويظهر على البيوت والأبراج المقابلة للمعبر وقريبة منه، حيث شعر وأن صاروخًا نوويًا ضرب المكان.
محمد صلاح: كانوا في انتظارنا ووقفوا في الشُرفات لرؤيتنا
سائق شاحنة أخرى يُدعى محمد صلاح، كان له نصيبُ في الدخول إلى الأراضي الفلسطينية وسط الركام، ليطمئن على الأشقاء في غزة، قبل أن يكون سببًا في إرسال المساعدات لهم.
قال صلاح: "جئت من بني سويف لأكون بجوار الفلسطينيين الذين يحتاجون إلينا، استقبلونا أفضل استقبال، وكانوا متشوقين لدخولنا، رأيت الكثير منهم يقف في شرفات منزله، يرسل لنا السلام بيديه، وظهر عليهم علامات الفرحة، وقاموا بتصويرنا بهواتفهم المحمولة، كنوع من أنواع الامتنان والفرحة".
حلمي السعيد: قالوا لنا أنهم ينتظروننا منذ أيام طويلة.. والدمار في كل مكان
أما سائق الشاحنة حلمي السعيد، قال: "سألنا الهلال الأحمر في الجانب الفلسطيني، هل يوجد أمل للدخول مرة أخرى؟ نريد أن نساندكم وكون بجواركم، قالوا ليس بأيدينا، ونتمنّى كل المساعدات تصل للفلسطينيين".
وأضاف: "تعرّض الشريط الحدودي للمعبر للقصف من الجانب الفلسطيني كثيرًا، وأثار الدمار في كل مكان، الوضع سيئ بالداخل، وقال لنا الفلسطينيون أنهم ينتظّروننا منذ أيام طويلة".
شريف صلاح: المشهد كان "مهيبًا".. والأرض لم تكن مستوية من شِدة القصف
قال السائق شريف صلاح أحد سائقي الشاحنات: "المشهد كان مهيبًا، حتى الأرض لم تكن مستوية من كثرة القصف، وهو ما سبب عندي حالة من الحزن على ما يحدث للفلسطينيين، كنت أتمنّى لو أذهب لكل فلسطيني رأيته في الجهة المقابلة وأتقدّم به بالاعتذار نيابة عن العالم لفعلت ذلك".
وأضاف: "المشاهد في الجهة المقابلة كانت في شدة القسوة والألم، وإذا خُيرت للعودة مرة أخرة لقطاع غزة سأعود، حملت مساعدات طبية وأدوية وإسعافات أولية، وأقول لهم مصر والمصريين معكم".
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: سائقی الشاحنات فی کل مکان معبر رفح فی غزة
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شقلاوي يكتب: الإعلام يحجز مكانًا جديدًا
في ظل التحولات المتسارعة في بلادنا ، تقف الصحافة عند مفترق طرق، تنتقل من الأطر التقليدية الراسخة إلى آفاق العمل الصحفي الحديث، حيث يتداخل المحتوى الرقمي وتقنيات النشر الإلكتروني مع تحديات جديدة تفرضها وسائل التواصل الاجتماعي على صناعة الرأي العام.
هذا التحول الجذري يطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل الإعلام، واستقلاليته، ودوره في مجتمعنا المعاصر، لا سيما في دولة تمر بتحولات سياسية واجتماعية كبيرة ، كالسودان في مرحلة ما بعد الحرب.
انعقدت الأسبوع الماضي ورشة تعديل قانون الصحافة والمطبوعات لسنة 2009 بمدينة بورتسودان، في توقيت بالغ الأهمية، إذ يشهد السودان تحولات سياسية ورقمية متسارعة. وقد جاءت هذه الورشة كخطوة أولى لإعادة تأهيل المشهد الإعلامي، وتهيئة البيئة القانونية بما يتناسب مع متطلبات المرحلة الراهنة. شكلت الورشة منصة لطرح التحديات ووضع أسس لإصلاح تشريعي يواكب التطورات، ويكفل حماية حرية الصحافة ضمن واقع جديد معقد.
الإعلام اليوم في السودان بحسب مختصين يخطو نحو موقع جديد، يتجاوز كونه “السلطة الرابعة” ، ليملأ فراغًا مؤسسيًا ناتجًا عن غياب السلطة التشريعية المنتخبة، في سياق مرحلة انتقالية. وبهذا يصبح الإعلام ـ موضوعيًا ـ سلطة ثالثة فاعلة في مشهد الدولة السودانية الراهن.
هذا الوضع الاستثنائي يحمّل الإعلام مسؤولية إضافية لا تقل أهمية عن أدوار السلطات الرسمية. إذ يُنتظر منه أن يضطلع بدور الرقيب والمساءل، وأن يكون منصة للصوت العام، ومصدرًا للوعي، وأداةً للمحاسبة المجتمعية، في ظل غياب آليات الرقابة البرلمانية والتشريعية. وعليه فإن أي قانون جديد ينظم العمل الإعلامي لا بد أن يُبنى على فهم دقيق لهذا التحول، وأن يُعزز قدرة الإعلام على أداء وظيفته بفاعلية، دون التفريط في المهنية أو التعدي على الاستقلالية.
كما أن استمرار غياب الصحافة الورقية الفعلية عن المشهد الإعلامي في السودان يعكس واقعًا جديدًا تُحكمه التحولات الرقمية والتقنية. فقد انتقل الصحفيون من الاعتماد على الوسائل التقليدية إلى استراتيجيات حديثة لإنتاج محتوى متنوع يجمع بين السرعة، والفاعلية، والتفاعل مع الجمهور عبر المنصات الإلكترونية. وهذا بدوره يفرض الحاجة إلى تشريعات جديدة تستوعب المفهوم الحديث للعمل الصحفي.
وتبرز هنا أهمية الشبكات الاجتماعية بوصفها فضاءات جديدة لتبادل المعلومات وصناعة الرأي العام، لكنها في المقابل تطرح تحديات كبيرة، من بينها فقدان المؤسسات الإعلامية السيطرة على المحتوى، وانتشار الأخبار الكاذبة، وتراجع الثقة في الإعلام التقليدي نتيجة تداخل أدوار الصحفيين مع “المواطن الصحفي” الذي يمتلك أدوات النشر المباشر دون مرجعية مهنية. لذلك ينبغي أن تراعي التشريعات الإعلامية الجديدة متطلبات الحوكمة الرقمية، ومكافحة خطاب الكراهية، وضمان جودة وموثوقية المحتوى الإعلامي الإلكتروني.
ولا يمكن فصل الإصلاح التشريعي في قطاع الإعلام عن السياقات السياسية والأمنية الوطنية. فقد أكدت الورشة على ضرورة تحقيق توازن دقيق بين حماية الحريات الصحفية من جهة، ومتطلبات الأمن القومي من جهة أخرى، مع احترام الخصوصية الشخصية وحقوق الأفراد. ويتطلب هذا التوازن حوارًا جادًا ومفتوحًا بين الحكومة والإعلام، والمجتمع ، من أجل بناء بيئة إعلامية مهنية ومسؤولة؛ لا تخضع للتضييق أو التحجيم، ولا تنزلق في ذات الوقت نحو الانفلات الإعلامي أو التضليل الذي قد يخدم أجندات محلية أو إقليمية ظلت تتربص بالبلاد.
إن التحديات التي تواجه الإعلام السوداني اليوم تفرض إعادة تعريف لدوره ومسؤولياته، بما يتماشى مع التحولات السياسية والاجتماعية. فالإعلام لم يعد مجرد ناقل للمعلومة، بل أصبح شريكًا في عملية البناء الوطني، ومراقبًا للسلطات، وموجّهًا للرأي العام. وكما قال الصحفي المصري الراحل محمد حسنين هيكل: “الإعلام هو السلطة الرابعة، وإذا غابت هذه السلطة، غاب معها الوعي الوطني”. هذا المفهوم يُجسّد الدور الحيوي للإعلام في تشكيل الوعي العام، والمساهمة في بناء الدولة.
لذلك ينبغي على الإعلام السوداني أن يتحمل مسؤولياته الجديدة بجدية، وأن يسعى لتحقيق توازن رشيد بين حرية التعبير ومتطلبات الأمن القومي، وبين المهنية والموضوعية. ففي ظل الظروف الراهنة، يُعد الإعلام أداة رئيسية في تعزيز الوحدة الوطنية من خلال مكافحة الشائعات، وتجاوز خطاب الكراهية، ونقل الحقيقة والإسهام في إعادة بناء الدولة السودانية على أسس تعزز مفاهيم السلام، والحريات والتعايش السلمي.
وبالنظر إلى الواقع ، وما نراه من #وجه_الحقيقة، ومع تصاعد التحديات، تبرز الحاجة الملحة إلى تشريع إعلامي جديد يواكب التطور التقني، ويعزز الاحترافية والمهنية، ويضع أسسًا لصناعة إعلام مستقل وفعّال. إن السودان يقف على أعتاب تحول تاريخي يتطلب قانونًا لا يكتفي بالشكل، بل يُحدث فرقًا جوهريًا في المشهد الإعلامي، ويكون جزءًا من مشروع وطني أشمل لإعادة البناء بعد الحرب. وبين تطلعات الشعب وإرادة الفاعلين، تبقى الإجابة معلقة: هل نرى قريبًا قانونًا يليق بهذا الطموح؟
دمتم بخير وعافية.
إبراهيم شقلاوي
الخميس 29 مايو 2025م Shglawi55@gmail.com