السؤال الذي يتبادر بين حنايا كل شخص، في كل وقت، ويسهب فيه التفكير أحيانًا، وهو خارج من تزاحم الحياة ومشاقها وكبدها: هل أنا سعيد بحالي أم غير سعيد؟، ولأن الحياة طرق ومسارات تتراءى أمام ناصيتك صباح مساء، فقد يقودك الاختيار في سلك أحدها إلى مصير محوري، يحدد من خلاله مدى سعادتك، فأين الاختيار الصحيح الذي يفضي إلى السعادة؟.
ويتفرع من ذلك السؤال عدة نقاشات ـ مثلًا ـ أين عرين السعادة يكمن؟ هل هي مقتصرة في المال، أم الزواج أو الأولاد أم العمل والمنصب أم الشهرة؟ أم أنها دائرة في مناسبات معينة كالأعياد والأعراس، أم غيرها؟.
السعادة كما عرّفها اللغويون هي مشتقة من فعل (سعد) أي: فرح واستبشر، وهي ضــد الشقاوة، فيما عرّفها علماء النفس بأنها ذلك الشعور المستمر بالغبطة والطمأنينة والأريحية والبهجة، وعلى غرار تلك المفاهيم فإنّ السعادة عنوان الفرح في القلوب وهي الهاجس الذي يشغل بال جميع الناس ويسعون إليه بكل ما فيهم من طاقة وجدية، لأنه وبكل بساطة من يعيش سعيدًا يرتع في حياته مرتاح البال، هادئ النفس، والسعادة تعبر عن الرضا الداخلي تصفو من خلاله السريرة؛ لذلك تجد السعيد متسامحًا مستفيدًا من ماضيه، ومتحمّسًا لحاضره، متطلّعًا بشوق إلى مستقبله، ينثر غلال ثمراته إلى من حوله ليفيدهم بها ويغير في الحياة ككل.
وفي إطار نظرته للمشاكل التي لا بد من حدوثها في الحياة، فإنه يراها اختبارا يمتحن من خلاله صدق سعادته، وأنها مؤقته لا تدوم بإيمانه أن مع العسر يسرا، واعتصامه بالله أنه المصدر الذي يمده بالقوة بالقرب منه، بل وبإيمانه أن أي تجربة يمر بها إنما تزيده إصرارا على الاستمرار لا على التقهقر والانحسار.
وجوهر السعادة ينقسم إلى قسمين؛ قسم باطني وآخر ظاهري. فأما القسم الباطني فيسمى سعادة الروح، وهو مفهوم متشكل من مفهوم العلوم الدينية التي يمتلكها الإنسان ويستمر في البحث عنها، وهو الذي يفسر الهدف الأساس من الحياة التي تمتد للحياة الأخرى. أما القسم الظاهري فهو معروف بالرفاهية المادية، التي يسعى إليها لتحقيقها في الحياة الدنيا ورغم أنها حق مشروع إلا أنّ الخوف أن يكون السعي على الحساب الآخرة، قال النابغة الشيباني:
ولست أرى السعادة جمع مال
ولكن التقي هو السعيد
وتقوى الله خير الزاد ذخرًا
وعنــد الله للأتـقـى مـزيد
وللسعادة مبادئ تتمثل في الآتي: أولا الارتباط الروحي، وذلك عند ما ينغرس الاطمئنان الداخلي في النفس فيأتي الشعور بالاستقرار عندما تتلاشى الأنانية ويشيع مكانها الحب اتجاه الآخر، والتوازن بين الصحة السليمة والطاقة العقلية، وكذلك بيضاوية العلاقة المضمونة بالتسامح والنأي عن افتراضية الأخطاء وإيغالها، وأيضا تحقيق الذاتية التي ترسم أهدافا للحياة وتشعباتها، فبذلك تجد النفس تلقائيا تعمل وتتجه لتحقيقه ومنتوج ذلك التحقق هو السعادة نفسها.
وتوجد بعض الأسباب التي تعزز السعادة، وفي مقدمة تلك الوسائل الإيمان والعمل الصالح (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل ـ 97)، وثانيًا: الإحسان إلى الخلق بالقول والفعل وأنواع المعروف، وكذا الاشتغال بالأعمال النافعة واستصحاب النية الخالصة معها، وتجنب الحزن على الوقت الماضي بقدر ما يدفعك للمضي قدما إلى عيش حاضرك والتطلع إلى مستقبل أجمل، وكل ذلك لا يكون إلا محفوفا بذكر الله تعالى والدعاء (أَلاَ بِذِكرِ اللهِ تَطمَئِنُّ القُلوب) (الرعد ـ 28)، والاعتراف بنعم الله الظاهرة والباطنة التي لا تعد ولا تحصى وليس حصرها فيما هو ممتحن به، مع اليقين بأن سعادة المؤمن الحقيقية في الآخرة وليست في الدنيا، مع التنبه إلى الأسباب التي تقيض السعادة فتوقظها كالهموم، والأكدار، والقلق التي بوجودها لا يطرح حل وإيجاب.
ومن التقنيات النفسية التي يمكنك أن تتبعها فتجعلك سعيدًا:(حدد ما هو مهم في حياتك، وفكر بالأوقات التي شعرت فيها بالسعادة، أين كنت؟، من كان معك؟ ماذا كنت تفعل؟ بماذا كنت تفكر؟، ثم قرر تخصيص وقت لعمل الأشياء المهمة والتي تجعلك تشعر بالسعادة، لتكن السعادة على رأس أولوياتك في الحياة، وابدأ بالأمور السهلة ثم واصل مع التي تليها، وكذا ركز على ما هو إيجابي في شخصيتك، وفي شخصية الآخرين وفي الحياة ككل، ثم ثمن ما هو جار الان في حياتك، مع التركيز على ما هو حسن لصحتك، ووظيفتك، وحياتك العاطفية، ومع الأصدقاء، والأقرباء والعائلة، ووضعك المالي ووضعك المعيشي).
وإجمالًا هناك العديد من السبل التي تجعلنا نحافظ على السعادة كتجنب طريق الخطأ والحرام، والرضا بحالة السرور والفرح عند ما يتاح، وحالة الضجر والملل عند ما تبدو على وضعها، بلا تعقيد زائد عن حوادث المشكلات، والعناية بخدمة الآخرين والشروع في الأعمال التطوعية قدر الإمكان، قال كارل يونغ: (كلمة سعادة ستفقد كل قيمتها إن لم يتم موازنتها مع كلمة حزن).
بدرية الشيدية
كاتبة عمانية
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: فی الحیاة
إقرأ أيضاً:
تاجاني: الاقتراح المصري لإعادة إعمار غزة هو الطريق الصحيح والهدف هو شعبان ودولتان
أكد وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاجاني، أن الاقتراح المصري لإعادة إعمار غزة، والذي لاقى أيضًا دعم الدول العربية، هو "الطريق الصحيح" لحل الأزمة الفلسطينية، مشيرًا إلى أن الهدف هو تحقيق السلام لشعبين وبدولتين.
في حديثه لبرنامج "ماتينو سينك نيوز" على القناة الخامسة، أضاف تاجاني أنه كان "قلقًا للغاية" بشأن الوضع الصعب الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني، مشيرًا إلى أن إيطاليا تعمل جاهدة لتقديم المساعدات الإنسانية الضرورية.
عاجل- مصر وقطر تؤكدان استمرار جهود الوساطة في غزة لوقف المأساة الإنسانية عاجل- مصر وقطر تؤكدان استمرار جهودهما الموحدة لإنهاء الكارثة الإنسانية في غزة إيطاليا تكثف جهودها الإنسانية في غزةكشف تاجاني عن توجيه تعليمات لسفراء إيطاليا وقناصلها في مختلف الدول لضمان وصول مساعدات برنامج الغذاء العالمي إلى سكان غزة، مشددًا على ضرورة أن تصل هذه المساعدات للسكان الفلسطينيين دون المرور عبر حركة حماس.
وأكد على خطورة الوضع الصحي والغذائي في القطاع، مشيرًا إلى أن إيطاليا "ستبذل كل ما في وسعها لمساعدة الأطفال والأمهات والجرحى".
مساعدة إيطاليا للفلسطينيينوأوضح تاجاني أن إيطاليا قد استقبلت نحو 100 طفل فلسطيني تم علاجهم في المستشفيات الإيطالية، وأضاف: "نحن نساعد السكان المدنيين قدر استطاعتنا، وأولويتنا هي تقديم الدعم في هذه الظروف الإنسانية الصعبة".
دعوات للإفراج عن الرهائن ووقف إطلاق الناركما شدد تاجاني على ضرورة "الإفراج عن الرهائن ووقف إطلاق النار" كشرط أساسي لتحقيق السلام في المنطقة.
وأشار أيضًا إلى أن "الوضع مع الحوثيين يتجه نحو الحل"، في تصريحات تتماشى مع ما أعلنته الإدارة الأمريكية في هذا الصدد.
الحديث عن روسيا والاتحاد الأوروبيوبشأن الأوضاع في أوكرانيا، قال تاجاني إن "رئيس الاتحاد الروسي فلاديمير بوتين ليس محاورًا سهلًا، ولا ينبغي الاستهانة به".
وأكد أن "كل شيء يعتمد الآن على بوتين، فإذا أراد السلام، فعليه أن يقرر صنعه". كما أشار إلى أن أوروبا قد فعلت كل ما في وسعها لدعم أوكرانيا، ولكن ذلك له حدود.
وفي حديثه عن الاتحاد الأوروبي، دعا تاجاني إلى "ثورة سلمية" تهدف إلى إعطاء دفعة كبيرة للاتحاد الأوروبي ليصبح كيانا سياسيًا قويًا وقادرًا على أن يكون محاورًا مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة، الهند، الصين، روسيا، وإفريقيا.
رؤية حول بابا الفاتيكان الجديدوفيما يتعلق ببابا الفاتيكان، أعرب تاجاني عن اعتقاده بأن "العالم بحاجة إلى بابا مطمئن يقود الكنيسة إلى الوحدة في هذه اللحظة الحرجة"، مؤكدًا أهمية استمرار مسيرة السلام التي كان قد بدأها الباباوات السابقون.
وأكد أنه يجب تجنب أي انقسامات داخل الكنيسة، وأن "ما يهم هو الجوهر: نحن بحاجة إلى بابا يلعب دورًا رئيسيًا في رسالته للسلام وحل النزاعات".