الجمعة 14 أبريل، الساعة السابعة مساءاً، المكان منتجع درّة وادي النيل، على الضفة الزرقاء تنمو براعم صغيرة لأشجار فوضوية اللون، أضواء النيون الخافتة تبدو مُبهجة، وعلى سطح الفندق الأنيق بسطت الكلبة آلايكا ذراعيها، تراقب ضيوف المنتجع بلهث مُتصاعد، وأنف سوداء متعرقة تشم من بعيد رائحة الغدر الكريهة، ثم تنبح بقوة كما لو أنها تتمزق من الداخل، أو أنها شعرت بموتها بعد ساعات قليلة برصاص الجنجويد، وقد رأت آلايكا حرس حميدتي الشخصي وهو يترجل من سيارة فارهة مُعتمة الزجاج، في كامل زيه الرياضي ونزقه، بمعيته آنئذٍ فتاة فائقة الجمال، مكتنزة وترتدي بنطالاً من الجينز الضيق وقميصاً يشف ما تحته من كنوز، وهى بعد قليل، تلك الفتاة التي رافقت ضابط الدعم السريع المُدلل سوف تطلب شيشة بنكهة العنب، وستبدي انزعاجها من نظرات آلايكا، وسيتركها رفيقها لوحدها بعد رنات متعجلة تطلبه حثيثا، لأمر هام وعاجل، إذ ثمة عملية لتمويه حركة قائد الدعم السريع إلى مخدعه الآمن في المنشية، أو ذلك القبو الحصين جنوب مبنى (إم تي إن).

ظل حميدتي، خلال الأشهر الأخيرة، لا ينام في بيته بحي المطار، تساوره هواجس القتل كأسوأ ما تكون حالة (البارانويا)، ولذا سيتم نقله يومياً بحافلة ركاب “شريحة” يدير فيها أحياناً بعض الاجتماعات السرية، وعلى متنها جهاز تشويش، وهى نفسها الحافلة التي رمقها حاكم إقليم دارفور في الفناء الخارجي لمنزل حي المطار، كما استرعى انتباهه أيضاً حجم القوات الأمنية وسيارات اللاند كروزر بيك أب المعززة بالراجمات ومضادات الطيران والدروع وهى ترمي بشرر كالقصر، شيء ما يحاك في الخفاء، نحو ستمائة سيارة عسكرية وحفارات بوكلين تقبع على مقربة، سيتم استخدامها في الهجوم على القيادة وبيت الضيافة، على مقر مضجع البرهان تحديداً.
مع بزوغ شمس السبت استيقظت المدينة على وقع مغامرة جريئة، أو خطة محكمة تمت مراجعتها أكثر من مرة، هنا تحديداً في مبنى المستشارية الأمنية وسط الخرطوم، الذي أخذ مسمى برج الدعم السريع، سيكون هو المقر الملائم لتحديد ساعة الصفر وإدارة عملية الانقضاض على الدولة، بطريقة خاطفة، من الأفضل أن تُشارك في الانقلاب تشكيلة خادعة من القوات النظامية، ويذيع البيان المفتش العام للجيش، حتى ولو أُكره على ذلك، وأن تمثل قوى الاتفاق الإطاري الحاضنة الشعبية، سيرفع المحامي المغمور التمام الأخير، وسيراقب حركة البرهان وكباشي عبر مكالمات مفتعلة لتحديد مواقعهم بقصد اعتقالهم فجر السبت.

داخل برج الدعم السريع تدب حركة خافتة، في الطابق الأول حيث إدارة التحكم (dmr) ينسل اللواء عثمان محمد حامد قائد عمليات الدعم السريع، يتحرك ببطء صوب مكتب عبد الرحيم دقلو في الطابق الثالث، كان عبد الرحيم يتلصص على هواتف كبار قادة الجيش، بداءاً من البرهان وكباشي، وليس انتهاءاً بياسر العطا، وكان أكثر ما يخشاه سلاح الطيران والمدرعات، ولذلك حرص على اقتناء طائرات دي جيه آي مافيك المتطورة في عمليات الاستطلاع الجوي، فيما طلب من استخباراته رفع تقريرها الأخير عن نشاط وحدات وقواعد الجيش خلال أسبوعين، وكيفية التعامل مع حالة الاستعداد القصوى، أما في الطابق الثامن فقد انزوت سكرتارية المكتب السري لقائد الدعم السريع، ونقلت ملفات مهمة إلى البدروم من الناحية الجنوبية، حيث قاعدة التحكم والسيطرة وشاشات كاميرات المراقبة، وأجهزة كشف الأسلحة والجوالات، وعلى سطح البرج تنتصب قلعة اتصالات حديدية بنظام مايكرويف تعنى بمد وتوزيع شبكات الاتصالات السرية والمشفرة إلى بقية الأبراج والمواقع العسكرية، وهى شبكة اتصالات إسرائيلية وبعضها من روسيا نظير التعاون الخاص ووعود الذهب، لكن الإشارة السرية التي صدرت بنقل إدارة النظم والاتصالات إلى معسكر صالحة، وجزء من المنظومة التقنية إلى معسكر طيبة لن يسعفها الوقت، سيتم صبيحة يوم المواجهة نسف البرج بالكامل عبر الطيران الحربي، وشل حركة السيطرة على الوحدات العسكرية للجيش، أحد أهم قادة الدعم هائم على وجهه في شرق النيل لا يعرف ماذا يفعل، وهو ما حدا بعبد الرحيم دقلو إلى الاتصال بأحد أشهر شيوخ القرآن، وطلب فتوى للإفطار في نهار رمضان، لأن جنوده بلغ بهم الجوع والعطش مبلغا عظيما، لكن المكالمة انقطعت دون أن ينفصل الخط تماماً، وقد سمع الشيخ بعض ما أطار النعاس من عينيه.

على امتداد تقاطع باحة شارع القصر مع الجمهورية كان الهواء أكثر خفة، وضوء مصابيح التاتشرات الذاوي يلمع مع أول خيوط الفجر، وهى تتحفز للهجوم على القيادة من الناحية الغربية، تم الاستيلاء على القصر الجمهوري والإذاعة والتلفزيون مع أول دوران عقارب ساعة الصفر، إلا أن الهجوم على بيت الضيافة سوف يصطدم بقوة فولاذية من الحرس الرئاسي، التي كان سيفها أحمر الحد ثقيلا، وهى نفسها الكتيبة الصغيرة البطولية التي أجهضت أخطر مؤامرة على الجيش السوداني.

في التاسعة وعشرون دقيقة صباحاً سمع الباعة في طريقهم إلى السوق المركزي جلبة داخل المنظومة الإفريقية لرعاية الأمومة والطفولة، كانت تاتشرات الدعم السريع تختبئ أيضاً هنالك، بل في كل مكان، وقد تحولت كثير الفلل والبيوت المملوكة لأسرة دقلو في الرياض وكافوري إلى ثُكنات عسكرية ومخازن أسلحة احتياطية، ثمة جُثة لتانكر وقود وسيارة ملاكي على رصيف أرض المعسكرات، داخل المدينة الرياضية بدأ اللواء مضوي حسين رئيس الاستخبارات السابق بالدعم السريع ورئيس قطاع الشرق يخيط المكان جيئة وذهابا، كان يرتدي نصف زيه العسكري ليوهم جنوده بتعرضهم لهجوم من الجيش، لكن الرصاص الأولى أنطلقت من مكان آخر، على وجه الدقة من مطار الخرطوم، حين هبطت طائرة الخطوط السعودية عند الساعة الثامنة وأربعة دقائق، وبعد عشرة دقائق فقط هجمت قوة من الدعم السريع على مدرج المطار وأشعلت النيران داخل الطائرة السعودية وفوق بعض عربات وسيور تفريغ الأمتعة، ما يعني أن الأحداث داخل المطار سبقت المدينة الرياضية بنحو ساعة تقريباً، وهو ما لاحظه بعض المعتمرين المسافرين من صالة المغادرة، حين تم حبسهم على الأرض ونثيث العرق والخوف ينمو على رقابهم.

وبينما كان حميدتي يحتضن الهاتف بيد مرتجفة على أمل سماع الخبر الذي انتظره طويلاً، قطع عليه الذعر أصعب لحظاته، وطفق يفكر في التراجع، لكن، لكن كيف؟ .. فات الأوان.
نواصل

عزمي عبد الرازق

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

جدل حول مقاتلة “إف-55” التي تحدث عنها ترامب مؤخرا

الولايات المتحدة – غاصت أوساط الخبراء في العالم في تكهنات حول ما الذي كان يقصده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عندما قال إن بلاده تعمل في مجال تطوير المقاتلة الجديدة إف-55.

لقد طرح ترامب أفكارا متناقضة خلال حديثه، حول طبيعة هذا الطائرة: من ناحية، قال إنها منصة جوية جديدة تماما، ومن ناحية أخرى، ذكر أنها ستكون بمثابة تحديث وتطوير للمقاتلة المعروفة من طراز “إف-35”.

F-55

وخلال زيارته الأخيرة إلى قطر في 15 مايو 2025، أشار ترامب إلى برنامجين جديدين في آن واحد  لتطوير وتحديث مقاتلات الجيل الخامس، وهما وفقا له: F-55 وF-22 Super.

F-22 Super

وأضاف ترامب: “سنقوم بتطوير مقاتلة جديدة سنطلق عليها اسم إف-55. الحديث يجري عن تحديث عميق وهي ستكون بمحركين، أما إف-35 فهي بمحرك واحد.  إف-55 ستكون نسخة مطورة فائقة من طائرة إف-35 وبمحركين. وبعد ذلك سنعمل لتحديث مقاتلة إف-22 التي اعتقد أنها أجمل طائرة مقاتلة في العالم. لكننا سنبني إف-22 سوبر، وستكون النسخة الأكثر تطورا من إف-22. لا تعجبني بتاتا المقاتلات ذات المحرك الواحد”.

وأشار ترامب بشكل خاص إلى دور المقاتلة الواعدة من الجيل السادس إف-47 التي يتم تطويرها في إطار برنامج NGAD (الهيمنة الجوية من الجيل التالي) والتي من المفترض أن تحل محل مقاتلة F-22 Raptor في المستقبل.

وشدد ترامب على أن إف-47، تتمتع بقدرات فائقة جدا وستعمل بشكل مشترك مع المئات من المسيرات الجوية الضاربة. ووفقا له ستتمتع المقاتلة “إف-55” بالقدرات نفسها.

ويبقى غامضا ما الذي قصده ترامب بالضبط بـ إف-55، خاصة مع اختلاف وسائل الإعلام في نقل كلماته. فبينما ذكرت بعض المصادر أنها نسخة مطورة من إف-35، فيما أكد آخرون أنها طائرة جديدة تماما.

من جانبه، قال جايمس تايكلت مدير عام شركة لوكهيد مارتن المنتجة لمقاتلات إف-35، إن الشركة تبحث دمج تكنولوجيات الجيل السادس في تحديثات إف-35 وإف-22 لإنشاء طائرات شبيهة بـ F-47 بتكلفة أقل.

ويرى بعض الخبراء أن تطوير نسخة ثنائية المحرك من الـ إ-35 قد يكون مفيدا، خاصة للبحرية الأمريكية، حيث أن الطائرات ثنائية المحرك أكثر أمانا وقادرة على حمل حمولات أكبر. لكن بعض الخبراء يشككون في نجاعة هذه الفكرة، ويرون أن تحويل إف-35 إلى طائرة ثنائية المحرك سيتطلب تصميما جديدا بالكامل، مما يزيد التكاليف والوقت.

أما بالنسبة لبرنامج تحديث الـ إف-22، فتشير التقارير إلى أن شركة لوكهيد مارتن حصلت على عقد بقيمة 270 مليون دولار لتركيب أنظمة استشعار متطورة على هذه الطائرات.

الخلاصة: بينما تظل تصريحات ترامب غامضة، يتفق معظم الخبراء على أن تطوير مقاتلة إف-55  ثنائية المحرك ستكون عملية مكلفة جدا وفي غاية التعقيد، في حين أن تحديث الـ إف-22 قد يكون أكثر واقعية. لكن في النهاية، كل شيء يعتمد على التمويل والقرارات السياسية في واشنطن.

المصدر: تاس

مقالات مشابهة

  • “بعملية استخباراتية سرية”.. “الموساد” يعلن استعادة الأرشيف الخاص بأشهر جواسيسه في سوريا (صور)
  • “خدمات طبية مجانية” .. صحة الخرطوم و منظمة الطوارئ الإيطالية يبحثان التعاون الصحي
  • السودان: مقتل 14 شخصا في قصف لميليشيا الدعم السريع على معسكر للنازحين في الفاشر
  • تصاعد التوتر بين السودان والإمارات بعد إبعاد دبلوماسيين من دبي
  • حركة الجهاد : بيانات القمة العربية “فارغة” ما لم توقف جريمة الإبادة في غزة
  • جدل حول مقاتلة “إف-55” التي تحدث عنها ترامب مؤخرا
  • اكتشاف صادم.. عالم الذكاء الاصطناعي يطور “مجتمعات سرية” بعيدا عن أعين البشر
  • السودان: توثيق أكثر من الف وثلاثمائة حادثة اغتصاب بمناطق سيطرة “الدعم السريع”
  • شاهد بالفيديو.. “كيكل” وجنوده يعبرون البحر صباحاً لإقتحام وضرب اخر مقرات الدعم السريع ومتابعون يشيدون بتضحياته: (كيكل براً وبحراً)
  • الحلقة الخامسة من سلسلة “من أشعل الحرب في السودان؟”