- دعم إنتاج القمح المحلي بنحو 5 ملايين ريال عُماني حتى عام 2027

- تحسين وتطوير أكثر من 8 أصناف من القمح المحلي مناسبة للظروف البيئية

-74 شركة في القطاع السمكي حصلت على ضبط الجودة مع ارتفاع حجم الصادرات

تولي سلطنة عمان ملف الأمن الغذائي أهمية كبيرة وتعمل على ضمان إمدادات غذائية مستقرة وموثوقة، حيث انتهجت سياسات ومبادرات لتنويع مصادر استيراد الحبوب من دول مختلفة مثل استراليا وأمريكا اللاتينية.

وتعمل سلطنة عمان ممثلة في وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه على تعزيز منظومة الأمن الغذائي والمائي من خلال ثلاث استراتيجيات رئيسية في القطاع الزراعي والسمكي وموارد المياه ومواءمتها مع رؤية عمان 2040.

وتبذل سلطنة عمان عددا من الحلول لمواجهة تحديات النظم الغذائية المختلفة من أهمها ترشيد استخدام المياه في الزراعة واستخدام المياه غير التقليدية واستخدام التقنيات الحديثة المبتكرة والتوسع في عملية الاستمطار الصناعي، والتشجيع على الزراعة ودعم المنتج العماني، وفتح مجالات الاستثمار في الغذاء، إضافة إلى تأهيل وتدريب الكادر الوطني في مجال الزراعة وتشديد الرقابة على المنتجات الزراعية وتوعية المزارعين بالاستخدام الآمن للمبيدات، ووجود خطة للطوارئ متعددة القطاعات لـتأمين الغذاء الآمن والصحي، والاهتمام بالتصنيع الغذائي وتغيير أنماط الاستهلاك السائدة لتكون أكثر جودة واستدامة فضلا عن حسن إدارة الموارد الطبيعية لضمان استدامتها للأجيال القادمة.

وفي سبيل تأمين السلع الغذائية الأساسية الاستراتيجية قامت الوزارة بإعداد وتنفيذ استراتيجية الأمن الغذائي لسلطنة عمان (2010-2020) وتطوير السياسات والتشريعات الوطنية المرتبطة بقطاعات الأمن الغذائي وذلك بالتنسيق مع الجهات المعنية، وتركز الاستراتيجية على ثلاثة محاور رئيسية لتحقيق الأمن الغذائي وهي: الطلب على الغذاء، والإنتاج المحلي، وتأمين الواردات الغذائية من الخارج.

دعم إنتاج القمح المحلي

واعتمد مجلس الوزراء خطة دعم إنتاج القمح المحلي بنحو (5) ملايين ريال عُماني حتى عام 2027م، وتخصيص أراض بالانتفاع في بعض المحافظات لزراعته، كما تسعى سلطنة عمان ممثلة بوزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه إلى التوسع في زراعة القمح العُماني عبر إيجاد أراضي انتفاع صالحة للزراعة، ودعم عدد من المزارعين بـتقاوي القمح العُمانية كبذور لزراعة محصول القمح لتحسين جودة إنتاجه في سلطنة عُمان.

وعلى مدى السنوات الماضية قامت الوزارة بجهود حثيثة ونفذت العديد من المشاريع والمبادرات لتطوير زراعة القمح كلها تنصب في دعم المزارعين وتعزيز الإنتاجية والقدرة على الصمود منها: استحداث مشروع تنموي ممول من قبل صندوق التنمية الزراعية والسمكية وجه لدعم شراء تقاوي القمح للمزارعين وشراء حصادات لتقديم الحصاد المجاني للمزارعين.

ولضمان تسويق المنتج، فقد وقعت الوزارة اتفاقية مع شركة المطاحن العمانية بمسقط لشراء إنتاج المزارعين من القمح، مما ساهم إيجابيا على زيادة إقبال المزارعين على زراعة القمح.

وعلى صعيد الدراسات البحثية والتطوير، استطاعت الوزارة تحسين وتطوير أكثر من 8 أصناف من القمح المحلي مناسبة للظروف البيئية في السلطنة وعالية الإنتاجية والجودة.

وللتوسع في المساحات المزروعة للقمح، فقد عمدت الوزارة على توقيع العديد من عقود حق انتفاع بمختلف محافظات سلطنة عمان ذات الميزة النسبية، حيث وفرة المياه وجودة البيئة وكان آخرها توقيع عقود لزراعة أكثر من 1000 فدان بمحافظة الظاهرة في ولاية ضنك. كما تم مؤخرا توقيع عدد (37) عقد حق انتفاع لأراضي زراعية مخصصة لزراعة وإنتاج القمح بمنطقة نجد بمحافظة ظفار.

وبلغ عدد مزارعي القمح 1900 مزارع في العام الجاري وزادت مساحة الأراضي من 2422 فدانا في عام 2022 إلى أكثر من 6000 فدان في عام 2023 م، مما ترتب عليه زيادة إنتاجية القمح من 2167 طنا في عام 2022 إلى ما يقارب 7000 طن في عام 2023م.

الحد من تأثيرات الأزمات وارتفاع الأسعار

واتخذت سلطنة عمان ممثلة في وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه وبالتكامل مع الجهات الحكومية ذات العلاقة مجموعة من الإجراءات والتدابير للحد من تأثيرات الأزمات وارتفاع الأسعار، ولمواجهة أية اختناقات محتملة قد تحدث بسببها، ومن أهم الإجراءات والتدابير التي تتخذها الحكومة لمواجهة التحديات التي تطرأ إنشاء لجان وفرق فنية لمراقبة الوضع للأزمات، التي تقوم كذلك بالتنسيق مع شركات ومصانع المواد الغذائية لعدم إبرام عقود جديدة لتصدير السلع الغذائية الأساسية وتقنين أو وقف صادرات منتجات المصانع الغذائية للسلع الغذائية الأساسية لضمان توفير السلع في الأسواق المحلية وسهولة وصولها للمستهلك وجميع شرائح السكان، كما تقوم بمراقبة الأسعار بشكل مستمر وعدم السماح لارتفاعها.

كما اتخذت سلطنة عمان العديد من الإجراءات والمبادرات الرامية إلى النهوض بالوفرة الغذائية محليا فقامت بتعزيز مخزون كل من سلعة الأرز والقمح لتغطية احتياجات سلطنة عمان لعدة أشهر مع توفير مخازن مجانية للقطاع الخاص، كما قامت بالإعفاء من القيمة المضافة لمدخلات صناعة الأعلاف مثل (الذرة، والشعير، وفول الصويا، والنخالة وغيرهم) وذلك نظرا لارتفاع أسعارها في السوق العالمي وأهميتها لقطاع الثروة الحيوانية، كما قامت بدراسة من أجل دعم هذه المدخلات.

وقامت سلطنة عمان بمواجهة الأزمات عن طريق توفير الحماية الاجتماعية وضمان النظم الغذائية ومثال على ذلك المكرمة السامية للتغذية المدرسية لطلبة الضمان الاجتماعي والدخل المحدود التي صدرت بتاريخ ۲۸ أغسطس ۲۰۲۲م ويستفيد منها أكثر عن حوالي 17 % من إجمالي الطلبة العمانيين في المدارس الحكومية، وقد أسهمت تلك الجهود والتدابير المتخذة بصورة مباشرة في التخفيف من حدة آثار الأزمات وارتفاع الأسعار دون المساس باحتياجات سكان سلطنة عمان من السلع الغذائية.

ترشيد استخدام المياه

وتبنت الوزارة العديد من المشاريع التي تهدف إلى ترشيد استخدام المياه في القطاع الزراعي ورفع كفاءة الاستخدام، كمشروع تطوير النظم المزرعية التقليدية في قرى الأفلاج والمتضمن استبدال طرائق الري بالغمر ذوات الكفاءة المنخفضة بنظم الري الحديثة (الرش والتنقيط والنافورة) ذوات الكفاءة المرتفعة. لقد استغلت المياه الناتجة عن فرق الكفاءة في زيادة مساحة الرقعة الزراعية وهذا مما لا شك فيه سيزيد الإنتاج ويعزز الأمن الغذائي. كما تبنت مشروع الدعم الفني والمالي لتحويل نظم الري بالغمر التقليدية في أراضي الآبار إلى نظم ري حديثة إذ تقوم الوزارة بعمل التصاميم الهندسية لنظم الري على مستوى المزارع الفردية للمواطنين وإعداد جداول الكميات وجدولة الري، بالإضافة إلى إصدار الضوابط والتعليمات الخاصة باستخدام مياه الصرف الصحي المعالجة ثلاثيا والمياه المالحة في ري المحاصيل الزراعية وبما يؤمن سلامة المنتج الزراعي وصلاحيته للاستهلاك البشري، والمحافظة على التربة كمورد طبيعي غير متجدد، والحد من التفريط بالمياه العذبة باعتبارها ملكا مشتركا مع الأجيال القادمة، وأخيرا سلامة البيئة.

مجالات التصدير السمكي

وفي مجالات التصدير السمكي نجحت الوزارة في فتح أسواق جديدة خارجية إلى روسيا وفيتنام والبرازيل وثم الصين في المستقبل القريب مما يساهم في تحقيق وتعزيز الأمن الغذائي، وشهدت الصادرات السمكية ارتفاعا، حيث بلغت إجمالي الصادرات السمكية (226160) طنا خلال العام الماضي، وبلغ عدد الشركات الحاصلة على شهادة ضبط الجودة (74) شركة مؤهلة للتصدير الخارجي حتى عام 2023م.

وقامت وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه بالتعاون مع مكتب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) بسلطنة عمان بمشروع يعنى بإضفاء الطابع المهني للقطاع الزراعي وتحسين دخل وسبل عيش المزارعين في سلطنة عمان، ويهدف المشروع بشكل أساسي إلى تعزيز قدرات جمعية المزارعين العمانية وخاصة تلك المتعلقة بالتطوير التنظيمي، وقدرتها على أن تصبح مقدم خدمات بما في ذلك تعزيز قدرتها للوصول إلى الأسواق وذلك لتحسين الأنظمة الغذائية من أجل تحقيق الأمن الغذائي في السلطنة، ومن أهم التحديات التي عالجتها الاستراتيجية هي كيفية تطوير منظمات للعمل الجماعي في القطاع الزراعي من قبل جمعيات المجتمع المدني تتسم بالكفاءة والعدالة وتعمل على تعزيز موارد المجتمع وتسهم في تمثيل مصالح القطاع والجمعيات المهنية (التعاونيات، والنقابات، والجمعيات) وكذلك تعزيز تنافسية القطاع بطريقة مستدامة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الثروة الزراعیة والسمکیة وموارد المیاه الأمن الغذائی القمح المحلی إنتاج القمح سلطنة عمان فی القطاع العدید من أکثر من فی عام

إقرأ أيضاً:

اتفاقية الشراكة الاقتصادية العُمانية - الهندية تعيد رسم ملامح الاقتصاد العماني

بالنظر إلى التطورات المتسارعة في المشهد الاقتصادي الإقليمي والدولي، تبدو اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين سلطنة عُمان وجمهورية الهند خطوة تحمل طابعًا استراتيجيًا واسع التأثير، ليس فقط من حيث تعزيز التبادل التجاري، بل من حيث إعادة صياغة الدور الاقتصادي لسلطنة عمان على مدى السنوات المقبلة. فالمؤشرات الأولية القائمة اليوم تُظهر أن التعاون بين البلدين آخذ في النمو بوتيرة ثابتة، حيث بلغ حجم التجارة الثنائية خلال العام المالي 2024-2025 ما يقارب 10.61 مليار دولار، وهو رقم يعكس علاقة اقتصادية راسخة قابلة للتوسع بمجرد تفعيل الاتفاقية المرتقبة. ويأتي ذلك في وقت تتطلع فيه سلطنة عُمان إلى اقتصاد أكثر تنوعًا، وأكثر قدرة على المنافسة، وأكثر انفتاحًا على الأسواق الآسيوية والعالمية.

وإذا ما نظرنا إلى طبيعة العلاقة الاقتصادية بين البلدين، فإن الموقع الجغرافي الاستراتيجي لعُمان يمنحها نقطة قوة محورية. فالموانئ العُمانية مثل صلالة والدقم وصحار لا تُعد بوابات بحرية عادية، بل منصات إقليمية ذات قدرة عالية على خدمة التجارة الدولية وربط آسيا بأفريقيا والخليج وأوروبا. وفي حال اكتملت اتفاقية CEPA، فإن هذه الموانئ لن تكون مجرد نقاط عبور للسلع العُمانية أو الهندية، وإنما محاور لوجستية تجذب الاستثمارات الصناعية والخدمية، وتدعم حركة إعادة التصدير، وتُسهم في بناء منظومة اقتصادية تُضاعف القيمة المضافة داخل سلطنة عُمان. ومن شأن هذه المنظومة أن تُعيد تشكيل قطاعات واسعة تتعلق بالنقل والتخزين والخدمات اللوجستية والصناعات التحويلية، الأمر الذي ينعكس على توسيع فرص العمل وتحسين نوعية الأنشطة الاقتصادية.

ومع أن الاتفاقية تفتح آفاقًا واسعة أمام التجارة في الاتجاهين، إلا أن الجانب الأكثر أهمية لسلطنة عمان يكمن في تعزيز الصناعات المحلية. إذ تستهدف عُمان ضمن رؤيتها 2040 بناء اقتصاد متنوع قائم على الصناعة والتكنولوجيا والخدمات المتقدمة، وليس اقتصادًا يعتمد على سلعة واحدة. ومع الحصول على نفاذ تفضيلي إلى سوق تتجاوز قوامها 1.4 مليار نسمة، فإن مجالات مثل البتروكيماويات، الفولاذ، الألمنيوم، الأسمنت، الرخام، المنتجات الزراعية، والمنتجات التقليدية العُمانية يمكن أن تشهد توسعًا نوعيًا في صادراتها. هذه الأسواق الضخمة لا تستوعب المنتجات فحسب، بل تحفّز أيضًا الصناعات المحلية على رفع مستويات الجودة، وتحسين سلاسل الإنتاج، وزيادة الطاقة التشغيلية، وإيجاد مساحات أكبر للشركات الصغيرة والمتوسطة التي تطمح إلى التصدير.

ومن زاوية مستقبلية، يمكن اعتماد سيناريويهن لتقدير أثر الاتفاقية على حجم التجارة الثنائية: سيناريو متحفظ يفترض نموًا سنويًا بمتوسط 8%، وسيناريو تفاؤلي يفترض نمواً بمتوسط 12%، وذلك مقارنة بمعدل النمو الطبيعي للتجارة الذي يدور حول 3%. وبناء على هذه الحسابات، يمكن أن يرتفع حجم التجارة الثنائية من 10.6 مليار دولار اليوم إلى ما يقارب 15.6 مليار دولار خلال خمس سنوات في السيناريو المتحفظ، وإلى ما يتجاوز 18.7 مليار دولار في السيناريو المتفائل. ومع استمرار النمو لعشر سنوات، يمكن أن يصل الحجم التجاري بين البلدين إلى نحو 23 مليار دولار في السيناريو المتحفظ، فيما قد يصل إلى قرابة 33 مليار دولار في السيناريو التفاؤلي. وهذه القفزات المحتملة لا تأتي فقط من زيادة حجم المبادلات التقليدية، بل من توسع في الصناعات التحويلية، والاستثمار في خطوط إنتاج جديدة تستهدف السوقين معًا.

ومن شأن هذه التحولات أن تُعيد تشكيل الاقتصاد العُماني ليصبح أكثر مرونة في مواجهة التقلبات العالمية، وأكثر قدرة على النمو الذاتي من خلال الإنتاج المحلي والصناعات الوطنية. ومع ازدياد النشاط اللوجستي، وتوسع المناطق الحرة، وتجدد الاستثمارات الصناعية، سيكون لعُمان موقع جديد على خارطة التجارة العالمية، موقع يعكس قدرتها على استغلال مواردها الجغرافية والبشرية والاقتصادية لبناء اقتصاد متنوع ومستدام. وإذا ما وُظفت هذه الفرص بالشكل الصحيح - عبر التخطيط، وإدارة الموارد بكفاءة، وتطوير التشريعات، وتحفيز الكفاءات الوطنية - فإن السنوات العشر المقبلة قد تشهد تحولًا جذريًا في شكل الاقتصاد العُماني وحجمه.

بينما تتعمق سلطنة عُمان في توسيع شراكاتها الدولية، تمثّل اتفاقية التجارة الحرة مع الهند نقطة تحول قادرة على إطلاق موجة جديدة من النشاط الاقتصادي الذي يترابط فيه التصنيع بالتجارة، ويُكمل فيه الاستثمار اللوجستيات، ويتقاطع فيه النمو الصناعي مع توسع أسواق التصدير. فالعلاقة مع الهند ليست علاقة تجارية عابرة، بل علاقة راسخة تستند إلى تاريخ طويل من التبادل والتداخل الاقتصادي والثقافي، ما يجعل الاتفاقية القادمة امتدادًا طبيعيًا لمسار مشترك يتطور باستمرار. ويُتوقع أن تشكل الاتفاقية حافزًا لعدد من القطاعات التي كانت تتطلع إلى الوصول إلى أسواق أكبر، وفي مقدمتها القطاعات الصناعية التحويلية التي تعتمد على المواد الأولية المتوفرة في سلطنة عُمان، وتستهدف خلق قيمة مضافة قبل التصدير.

ويأتي ذلك في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات جيو-اقتصادية عميقة تتجه فيها دول عديدة إلى تعزيز الاندماج الإقليمي والانفتاح على آسيا، ما يجعل توقيع الاتفاقية مع الهند خطوة تجسد فهمًا استراتيجيًا لموازين القوى الاقتصادية الجديدة. فالهند اليوم واحدة من أسرع الاقتصادات نموًا في العالم، وضمن أكبر خمس اقتصادات عالمية من حيث الناتج المحلي الإجمالي؛ وبالتالي، فإن تأسيس شراكة اقتصادية شاملة معها يضع عُمان ضمن شبكة اقتصادية صاعدة ستعيد تشكيل مسارات التجارة خلال العقود المقبلة. ومن خلال هذه الشبكة، يمكن لسلطنة عمان أن تعمّق دورها كمركز إقليمي للتجارة والخدمات الصناعية، وأن تستفيد من الطلب الهائل في الهند على المواد الخام والمنتجات الصناعية والسلع الاستهلاكية.

وإذا ما نظرنا إلى تأثير الاتفاقية على الشركات الصغيرة والمتوسطة في عُمان، سنجد أن CEPA قد تكون فرصة تاريخية لهذه الفئة من الشركات لتوسيع آفاق أعمالها. فالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة تشكل جزءًا أساسيًا من هيكل الاقتصاد الوطني، وتحتاج إلى بيئة تجارية تدعم منتجاتها وتمكنها من الوصول إلى أسواق جديدة. ومع تيسير الإجراءات الجمركية، وتخفيض الرسوم، وتسهيل النفاذ إلى الأسواق، يمكن لهذه الشركات أن تجد في السوق الهندية منفذًا واسعًا لتسويق منتجاتها، سواء في قطاعات الأغذية، أو المنسوجات، أو المنتجات العطرية، أو الصناعات التقليدية. وهذه النقلة يمكن أن تُسهم في خلق ثقافة تصدير أقوى، وترسيخ روح المبادرة، وتعزيز الابتكار داخل الشركات العمانية.

أما على مستوى الأمن الغذائي، فإن الهند ـ باعتبارها قوة زراعية ضخمة ـ يمكن أن تكون شريكًا استراتيجيًا لسلطنة عمان في تلبية الاحتياجات الغذائية المتزايدة. ومع تسهيل الاستيراد عبر CEPA، يمكن لعُمان أن تؤمن سلة غذائية متنوعة بأسعار تنافسية، ما يرفع من مستوى الاستقرار الغذائي ويعزز من قدرة السوق المحلي على مواجهة تقلبات الأسعار العالمية. وفي المقابل، يمكن للمنتجات العمانية الفريدة - مثل التمور واللبان ومنتجات الرخام - أن تجد طريقها إلى منافذ البيع الهندية بطريقة أكثر سلاسة، وهو ما يشكل مكسبًا اقتصاديًا وثقافيًا في آن واحد. ومع توسع المبادلات التجارية وتحسن كفاءة سلاسل الإمداد، ستصبح عُمان مركزًا لوجستيًا أكثر جاذبية للشركات العالمية التي تبحث عن نقطة ارتكاز بين آسيا وأفريقيا والخليج. ويمثل هذا التحول فرصة كبيرة للقطاع الخاص العماني الذي يمكنه استثمار هذا الموقع عبر إنشاء مراكز تخزين وتوزيع حديثة، وتطوير شبكات نقل، وإطلاق خدمات لوجستية متقدمة تدعم التجارة العابرة للقارات. وهذا التحسين في أداء الموانئ والمناطق الحرة سيؤدي إلى دوران اقتصادي أسرع داخل سلطنة عمان، ويُعزّز إيرادات الدولة من الأنشطة المرتبطة بالنقل والموانئ والجمارك والخدمات المساندة.

وفي ضوء هذه المعطيات المتداخلة، ومع ما تحمله المؤشرات الاقتصادية من دلالات واضحة على اقتراب مرحلة جديدة في العلاقات العمانية الهندية، تبدو سلطنة عمان أمام منعطف تاريخي يمكن أن يغيّر مسار اقتصادها خلال العقد المقبل. فكل الأرقام، وكل التوجهات، وكل السيناريوهات المستقبلية تشير إلى أن تفعيل اتفاقية CEPA لن يكون مجرد حدث اقتصادي عابر، بل نقطة انطلاق نحو دورة نمو أكثر نضجًا وجرأة وتنوعًا. ومن المتوقع، إذا ما سارت الأمور وفق الإيقاع الذي ترسمه اليوم المعطيات، أن تتضاعف التجارة الثنائية خلال سنوات قليلة، وأن تتجاوز حاجز 20 مليار دولار في منتصف العقد القادم، وربما تقترب من 30 مليار دولار خلال عشر سنوات، في حال استفادت سلطنة عمان إلى أقصى حد من مزايا التموضع الجغرافي والتكامل الصناعي مع الهند.

ولا تقف التوقعات عند حدود التجارة وحدها، بل تمتد إلى الصناعات التحويلية التي يُرجّح أن تشهد توسعًا ملحوظًا، خاصة تلك المعتمدة على المعادن والبتروكيماويات والمواد البنائية، إلى جانب فرص متنامية في الصناعات الخضراء والطاقة المتجددة والتكنولوجيا الصناعية. ومع بروز الموانئ العُمانية كمراكز توزيع إقليمية، يتوقع أن تتسارع حركة الاستثمار في المناطق الحرة والمناطق الاقتصادية الخاصة، بما يعيد تشكيل الخريطة اللوجستية في المنطقة، ويجعل من سلطنة عمان محطة رئيسية في سلاسل الإمداد بين آسيا والخليج وأفريقيا.

وعلى مستوى سوق العمل، تشير التقديرات المستقبلية إلى إمكانية خلق الوظائف النوعية التي يمكن أن تمنح الشباب العُماني فرصًا غير مسبوقة للاندماج في قطاعات صناعية وتقنية جديدة، وترفع من مستوى المهارات الوطنية، وتدعم مسار التوطين في القطاع الخاص. ومع اتساع رقعة التصنيع والتصدير، ستنشأ احتياجات موازية في قطاع الخدمات والتعليم والتقنية، ما ينتج دورة اقتصادية متكاملة ترفد بعضها بعضًا، وتُرسي قواعد نمو متواصل ومستقر.

أما على المدى الطويل، فإن تفعيل الاتفاقية قد يمهد لمرحلة يصبح فيها الاقتصاد العُماني أكثر قدرة على مواجهة التقلبات العالمية، وأكثر استعدادًا لاستيعاب التحولات التقنية والبيئية والاقتصادية. ومع استمرار التنويع، وتوسّع الصادرات، وتعاظم دور سلطنة عمان كمركز لوجستي محوري، يمكن لعُمان أن تنتقل من موقع المنافس الإقليمي إلى موقع اللاعب الفاعل في التجارة الدولية. وقد نشهد خلال عشر سنوات اقتصادصا عمانيًا متجددًا، واسع القاعدة الإنتاجية، متصلًا بشبكات التجارة العالمية، ومتقدمًا بخطى ثابتة نحو تحقيق رؤية عُمان 2040 بوصفها رؤية طموحة لاقتصاد مرن، مبتكر، ومستدام.

من الناحية النوعية، يشير هذا النمو إلى زيادة الصادرات غير النفطية، حيث من المتوقع أن تستفيد قطاعات مثل البتروكيماويات، الفولاذ، الألومنيوم، الأسمنت، الرخام، اللبان، والتمور من تحسن سلاسل التوريد وفتح الأسواق الهندية. النمو في هذه القطاعات، الذي بدأ يظهر بالفعل في بيانات 2025، يعكس قدرة الاقتصاد العُماني على تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط. عمليا، إذا ارتفعت الصادرات غير النفطية بمعدل يتراوح بين 6% و12% سنويا نتيجة النفاذ إلى السوق الهندي وتحسين اللوجستيات، فإن هذا سيترجم إلى زيادة ملموسة في حصيلة التبادل التجاري الكلي.

تحقيق السيناريو التفاؤلي يتطلب مجموعة من العوامل التمكينية، أبرزها تسريع عمليات التصديق والتوقيع والتنفيذ للاتفاقية مع وضع آلية متابعة مشتركة لضمان تطبيق بنود التفضيل الجمركي وإزالة العوائق الإجرائية. كما يشمل تطوير البنية التحتية اللوجستية للموانئ والمناطق الحرة ومرافق التخزين والتبريد وطرق الربط الداخلي لالتقاط الطلب المتزايد.

كذلك، تعد الحوافز الاستثمارية للقطاعات ذات القيمة المضافة وبرامج التدريب الفنيّة من العناصر الأساسية لضمان استدامة النمو الصناعي. إضافة إلى ذلك، فإن إقامة تحالفات تجارية وشراكات تسويقية مع موزعين هنود يسهم في تسهيل النفاذ إلى الأسواق الهندية على مستوى المدن والمناطق، بينما تتيح حزم الدعم للصادرات الصغيرة والمتوسطة وصول المنتجات العُمانية إلى رفوف السوق الهندي بفعالية وجودة تنافسية.

بشكل عام، تشير هذه التقديرات إلى أن تفعيل CEPA يشكل فرصة استراتيجية لعُمان لتعزيز التجارة الثنائية، تنويع الاقتصاد، جذب الاستثمارات، وخلق فرص عمل واسعة، ما يسهم في تعزيز النمو الاقتصادي المستدام وتقليل الاعتماد على النفط، مع تعزيز قدرة سلطنة عمان على تأدية دور متنامٍ في التجارة الإقليمية والدولية.

مقالات مشابهة

  • الشيبانية تلتقي وفدا من جمعية أكسفورد الدبلوماسية
  • اتفاقية الشراكة الاقتصادية العُمانية - الهندية تعيد رسم ملامح الاقتصاد العماني
  • تحذير من خطر المنخفض الجوي وسط انهيار منظومة تصريف المياه في غزة
  • الرئيس عون اختتم زيارته الى سلطنة عمان وعاد الى بيروت
  • مالطا لبنان تعزز الأمن الغذائي من خلال مشروع المساعدات الغذائية المبرمجة للطوارئ
  • بحث مجالات التعاون العسكري والأمن الغذائي والصحي بين سلطنة عمان ولبنان
  • المستشار محمود فوزي: حقوق الإنسان منظومة متكاملة تحتاج الشمول والاستدامة..ونعمل بمنهجية ثابتة لتحقيقها وفق توجيهات القيادة السياسية
  • عون في سلطنة عُمان لتحصين المناخ التفاوضي وبن طارق يؤكِّد الاهتمام بلبنان
  • الرئيس عون بدأ زيارة رسمية إلى سلطنة عمان
  • عون غادر الى سلطنة عمان في زيارة تستمر يومين