احتلتها إسرائيل قرابة 20 عاماً وهي أقرب بلدة إلى فلسطين.. تاريخ العديسة اللبنانية
تاريخ النشر: 29th, October 2023 GMT
السومرية نيوز – دوليات
ليست العديسة بعيدةً عن أحداث غزة، وعن حرب إسرائيل على القطاع -ولم تكن يوماً- حالها حال جميع القرى المجاورة. فهذه البلدة الجنوبية هي أقرب نقطة لبنانية إلى فلسطين المحتلة من جهتها الشرقية، ولطالما كانت في مرمى نيران الاحتلال الإسرائيلي.
ومنذ بدء عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي امتدت إلى الحدود اللبنانية، تندلع مواجهات متقطعة بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله اللبناني، ويخيّم التوتر والاستنفار العام في كل مناطق الجنوب اللبناني.
وللعديسة تاريخٌ طويل من المقاومة، بدأ مع الاحتلال الفرنسي ووصل إلى الإسرائيلي. فكانت أولى البلدات التي احتلّتها إسرائيل عام 1977، وآخر قرية انسحبت منها بعد التحرير في مايو/أيار عام 2000.
تاريخ بلدة العديسة
تقع البلدة بمحاذاة الحدود الدولية مع فلسطين المحتلة من الجهة الشرقية، وترتفع عن سطح البحر 700 متر. تبعد 64 كلم عن مدينة صيدا، وتصلها من طريق بيروت -النبطية- دير ميماس، وهي محاذية اليوم لمستعمرة مكساف عام.
تحدّها كفر كلا شمالاً، ومركبا وهونين (من القرى السبع المحتلة) جنوباً. أما من جهة الغرب، فتحدّها بلدتَا الطيبة ورب ثلاثين. إدراياً، تتبع العديسة قضاء مرجعيون ومحافظة النبطية، أما قضائياً فهي تابعة لمحكمة مرجعيون.
يُقال إن البلدة كان اسمها قديماً "خربة العدسة"، قبل أن تتوسّع حدودها ويصبح اسمها العديسة، وهي تصغير كلمة عدسة المشتقة من العدس. ويُقال إن تسمية البلدة نابع من انتشار العدس البري فيها بشكلٍ واسع.
في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، كانت هناك مواصلات دائمة بين العديسة وفلسطين. وفي نهاية الأربعينيات، أُنشئ فيها مركز جمارك اعتُبر نقطة عبور مهمة إلى فلسطين، قبل أن تصبح محتلة.
عاشت العديسة تحت الاحتلال الفرنسي لأكثر من 20 عاماً، ووفق مصادر تاريخية، توجد قصص كثيرة تروي سيرة أهلها المقاومين -أبرزهم صادق حمزة- الذين نغّصوا حياة المحتل الفرنسي وثاروا ضدّه، حتى حُكم على عددٍ منهم بالإعدام والنفي والسجن.
عانت هذه البلدة الجنوبية طويلاً من الاحتلال الإسرائيلي، الذي احتلّ جزءاً كبيراً من الجنوب اللبناني في سبعينيات القرن الماضي، مثل الخيام ومرجعيون والقليعة. وكانت من أوائل القرى التي احتلّتها إسرائيل عام 1977 ونكّلت بأهلها الذين صمدوا فيها.
للبلدة ميزة استراتيجية جعلتها ممراً رئيسياً للوافدين من فلسطين والعائدين إليها، إضافةً إلى أنها تقع في وادٍ تحدّه 4 جبال تشكل مواقع عسكرية مهمة جداً، يسيطر العدو على أحدها ويُعتبر أهم مواقعه العسكرية (تلة مسكافعام).
يروي وثائقي "هنا بقينا" كيف عاش أهل العديسة بعد الاجتياح الإسرائيلي، ويُخبرنا الأهالي بأنفسهم عن المعاناة التي عرفوها، حين صاروا فجأة تابعين لإسرائيل و"قوانينها" بعدما احتلت البلدة والجوار.
حينها، ضمّ الاحتلال العديسة إلى بلدة القليعة ومرجعيون وفصل أهلها عن أقربائهم وجيرانهم في بلدات الطيبة وحولا ومركبا.
يقول مختار البلدة، محمد رمال، إن الأهالي أصبحوا بين نارين: نار المحتل ونار المقاومة، ويضيف: "استشهدت ابنة عمي أمامي، ومجموعة نساء كنّ في طريقهن إلى العين لتعبئة المياه".
سيطرة جيش لحد ومعركة التحرير
سيطر جيش لحد (جيش لبنان الجنوبي سابقاً) على العديسة في ذلك الوقت، وهو عبارة عن ميليشيا تشكلت بدعمٍ من إسرائيل، ومؤلفة من أبناء القرى الجنوبية ووحدات منشقة من الجيش اللبناني.
كان سعد حداد، وهو رائد منشق عن الجيش اللبناني، أول قائد لجيش لبنان الجنوبي؛ وقد خلفه عام 1984 أنطوان لحد، وقد وصل عدد أفراد هذه الميليشيا إلى أكثر من 5 آلاف جندي، عملوا على تنفيذ قرارات الاحتلال ووقفوا ضدّ أهالي الجنوب.
في تلك الفترة -أي سيطرة سعد حداد على البلدة- تهجّر عددٌ كبير من أهالي العديسة نحو بيروت والجوار أو الشمال، تاركين أرضهم وأعمالهم ومنازلهم، في حين صمدت بعض العائلات وبقيت تعاني من همجية الاحتلال.
استمر احتلال العديسة حتى العام 2000، حين خرج المحتل الإسرائيلي من جنوب لبنان في معركة التحرير التي استمرت 15 سنة بين حزب الله وجيش لحد وإسرائيل، عرف خلالها اللبنانيون تطورات سياسية هائلة.
فإضافةً إلى الحرب الأهلية التي كانت اندلعت عام 1975، عرف اللبنانيون الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982، واغتيال بشير الجميل، ثم ولادة حزب الله ودخوله أرض المعركة في الجنوب، مروراً باتفاق الطائف وعملية عناقيد الغضب التي شنتها إسرائيل للقضاء على حزب الله، وصولاً إلى انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان.
في 25 مايو/أيار 2000، انهار جيش لحد أمام ضربات حزب الله الذي استطاع الدخول إلى مناطق الجنوب وتحريراً، بعد قرار الأمم المتحدة بالانسحاب فوراً تنفيذاً للقرار 425. في حين بقيت مزارع شبعا والقليعة وتلال كفر شوبا تحت سيطرة جيش الاحتلال.
وسط كل هذه الأحداث، كانت العديسة في داخل الحدث وبمرمى النيران المتنازعة. قليلة هي العائلات التي لم تعرف طعم الموت، وخسارة أحد أفراد أهلها، لكن فرحة الانتصار استطاعت أن تثلج قلبهم.
شكل تحرير لبنان مفترق طرقٍ مهم للبنانيين، ويوم 25 مايو/أيار 2000 هو يوم تاريخي في حياة الجنوبيين تحديداً. لا يمكن لأي لبناني أن ينسى صور نساء العديسة والجوار وهنّ يركضن في شوارع الجنوب بعد تحريرها، مزغردات وحاملات الورود.
كانت العديسة آخر قرية يخرج منها الاحتلال الإسرائيلي بعد التحرير عام 2000، ولكن آثار الاحتلال بقيت على أراضيها حتى اليوم، من خلال آلاف الألغام المزروعة في تلالها التي أصابت وتصيب عدداً كبيراً من أهلها وتعيق الوصول إليها.
وفي حرب يوليو/تموز 2006 التي شنّتها إسرائيل على لبنان، كانت العديسة أولى القرى التي حاول العدو احتلالها، لكنه فشل وعرف خسائر بشرية وصل عددها إلى 12، أجبرت الاحتلال على قصف البلدة وإدخال طيرانه لتأمين انسحاب جنوده.
المصدر: السومرية العراقية
كلمات دلالية: الاحتلال الإسرائیلی حزب الله
إقرأ أيضاً:
جبل المكبر.. صرخة الهوية الفلسطينية من تلة عمر إلى جدران الحصار
أخذت اسمها من الصحابي الجليل عمر بن الخطاب، وأنشئت فوق جبل المكبر، وتقع جنوب شرق مدينة القدس، بالقرب من جبل الزيتون، وتحديدا إلى الجنوب الشرقي من البلدة القديمة.وعلى مسافة 1.5 كم عن مدينة القدس، وتعرف بمقاومتها المستمرة دون توقف للاحتلال الإسرائيلي.
تبلغ مساحة أراضي بلدة جبل المكبر حوالي 5021 دونما. ويبلغ عدد سكانها حاليا حوالي 30 ألفا، وهي تمتد من ناحية اجتماعية مع العائلات في السواحرة الشرقية والغربية. وبحكم الاحتلال تتواجد البلدة اليوم في داخل جدار الفصل العنصري رغم أن نفس عائلات البلدة موجودة في منطقة الشيخ سعد أو في السواحرة الشرقية التي فصلها الاحتلال قصرا، ومنع التواصل بين القسم الشرقي والغربي، ومنطقة الشيخ سعد من خلال إقامة جدار الفصل العنصري والحواجز الثابتة.
الجزء الشمالي من جبل المكبر.
تقع جبل المكبر في موقع جغرافي هام، وتتوسط البلدات والقرى التالية: سلوان، البلدة القديمة، صور باهر، الشيخ سعد، السواحرة، ابو ديس.
سُمّيت جبل المكبر بهذا الاسم نسبة إلى حادثة مشهورة في التاريخ الإسلامي، تفيد أن الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب كبّر على تلة القرية بعد الفتح الإسلامي للقدس عام 673 ميلادية عندما جاء إلى القدس الشريف ليتسلم مفاتيحها من البطريرك صفرونيوس.
كما سمي بجبل الحديدية لوقوعه إلى الشرق من سكة الحديد، وأيضا الجبل الثوري بسبب وجود ضريح المجاهد الإسلامي "أبي ثور" بالقرب منه، و"أبو ثور" هو واحد ممن جاهدوا مع صلاح الدين الأيوبي في تحرير بيت المقدس، وسمي كذلك لأنه كان يركب ثورا عند فتح بيت المقدس.
احتلت بلدة جبل المكبر مع باقي مدينة القدس في عدوان الخامس من حزيران/ يونيو 1967، ولا تزال تعاني حتى اللحظة من الاحتلال والاستيطان في أراضيها، وهي تتبع إداريا لبلدية القدس التي تشرف عليها سلطات الاحتلال.
ولا تستطيع التمييز بين هذه القرية العربية والمستوطنات التي باتت تحيط بها من مختلف الجهات، ومن تلك المستوطنات: مستوطنة "نوف تسيون" التي تحولت إلى "زهاف تسيون" والمقامة على 114 دونما من أراضي جبل المكبر. بالإضافة لمستوطنة أخرى قديمة أقيمت عام 1969 على أراضي بلدتي جبل المكبر وصور باهر تسمى "هرمون هنتسيف"، بالإضافة إلى مقر شرطة الاحتلال المسمى بـ "عوز".
كما قام الاحتلال بتقسيم بلدة جبل المكبر وإخراج جزء منها وهو حي الشيخ سعد من القدس وضمه إلى الضفة الغربية، وكذلك السواحرة الشرقية من حدود السواحرة، وقسمها إلى 3 مناطق، وهي السواحرة الغربية والشرقية والشيخ سعد.
تشتهر قرية جبل المكبر بمقاومتهم المستمرة للاحتلال الإسرائيلي.
وتعاني البلدة من الإهمال والتهميش، كما تعرضت القرية للإهمال، وكغيرها من الأحياء الفلسطينية لم تخصص لها بلدية الاحتلال ميزانية، لتبقى بدون خدمات أساسية للسكان. تحتفظ القرية بمساحات من الأراضي الزراعية، لكن هذا القطاع ضعيف جدا، ويعمل أغلب سكان جبل المكبر موظفين في القطاع الخاص وفي قطاع الخدمات.
ويشتهر سكان قرية جبل المكبر بمقاومتهم المستمرة للاحتلال الإسرائيلي الذي يحاصر القرية بالحواجز الإسمنتية، وأيضا الإجراءات الأمنية المشددة وعمليات الاقتحام والتنكيل بسكانها، وتدمير للبنية التحتية المتهالكة أصلا.
ولا تعتبر الأطماع الإسرائيلية في أراضي جبل المكبر جديدة أو سرية فهي معلنة ومطبقة على أرض الواقع. كما أن ثمة نيات إسرائيلية لإقامة قاعدة عسكرية ضخمة على أطراف الجبل، وتوسيع مستعمرة "نوف تسيون" المقامة على أراضي البلدة، منذ مطلع عام 2000.
المستعمرة التي يراد لها أن تكون أكبر المستعمرات داخل الأحياء المقدسية، شيدت بتمويل من مستثمرين يهود على أكثر من 100 دونما اقتطعت من أراضي جبل المكبر. وهناك نيات إسرائيلية لتوسيعها عبر بناء نحو 200 وحدة سكنية جديدة وعشرات الغرف الفندقية.
وبالطبع، فإن توسيع المستعمرة سيزيد الاحتكاك بين سكان جبل المكبر وقوات الاحتلال، ما سيعرقل الحياة اليومية للفلسطينيين ويعزز وجود الاحتلال في الأحياء العربية عبر إطلاق يد الاستيطان والمستوطنين بهدف وصل مستعمرات جنوب القدس بمستعمرات شطريها الغربي والشرقي.
المنازل الواقعة في الجزء السفلي من جبل المكبر.
كذلك تخطط بلدية القدس المحتلة لنقل مركز شرطة "عوز" المقام قرب مستعمرة "نوف تسيون" إلى مكان آخر في جبل المكبر على أراضي الفلسطينيين، وهذا الأمر سيسهل لقوات الشرطة الإسرائيلية الوصول إلى الأحياء المقدسية كجبل المكبر وصور باهر وغيرها.
كذلك يعتزم الاحتلال إقامة قاعدة عسكرية ضخمة على أطراف جبل المكبر ما سيحيط سكان الجبل بالحواجز المؤدية إلى القاعدة وسيقيد تحركاتهم وتنقلاتهم، إضافة إلى الإزعاج المترتب على التدريب العسكري في مكان قريب من السكان، ما قد يرفع خطر القتل والاستهداف للمقدسيين في جبل المكبر والأحياء المجاورة.
المصادر:
ـ "جبل المكبر" - قضاء القدس- (قرية حالية)، موسوعة القرى الفلسطينية.
ـ "جبل المكبر..قرية يدعس أبناؤها الاحتلال"، الجزيرة نت، 15/3/2017.
ـ "جبل المكبر.. ميدان مقاومة وقلعة تحد"، المركز الفلسطيني للإعلام،27/4/2020.
ـ "جبل المكبر نقطة اشتعال لا تنطفئ"، عربي21، 14/2/2022.
ـ ملاك خالد، "جبل المكبر: صرخة عالية في مواجهة مخططات تهويد القدس"، الميادين نت، 2/2/2023.