حرب غزة.. ثلاث ظواهر «سوشيالية»
تاريخ النشر: 31st, October 2023 GMT
فى تلك الحرب التى تُلهب الأعصاب وتوجع القلوب، ثمة ظواهر «سوشيالية» مُقلقة، سيكون من السهل جداً رصدها وتعيين أثرها السلبى، رغم الإقرار بأن وسائل «التواصل الاجتماعى» أدت دوراً إيجابياً، بدرجة ملحوظة، فى فضح بشاعة العدوان الإسرائيلى، وبلورة المواقف الشعبية والفردية المناصرة للفلسطينيين، والمدافعة عن حقهم فى الحياة والكرامة.
فليس صعباً على الإطلاق أن نرصد على حسابات وسائل «التواصل الاجتماعى» المختلفة اتجاهاً لمعارك لفظية بين من يقدم نفسه على أنه ينتمى لدولة عربية ما، وآخرين يقولون إنهم ينتمون إلى دول أخرى، وفى تلك المنازلات يعاير بعض المستخدمين آخرين بمواقف أو هزائم وطنية مفترضة، قبل أن يتسع السجال الممجوج إلى إدانة وتحقير شعب أو دولة من الدول العربية.
ولا يخلو هذا السجال الممتد أيضاً من ادعاءات بالعظمة أو الوطنية أو النزوع القومى، وهى ادعاءات لا تستكمل أغراضها من دون مقارنتها بمواقف دول أو شعوب أخرى، باعتبار أنها «منحطة» و«بلا كرامة».
لا تخدم هذه المنازلات القضية الفلسطينية، ولا تحترم معاناة شعب غزة، ولا تزيد قدر من يشعلها أو ما يدعى الدفاع عنه، ولا تفعل أكثر من أنها تقدم خدمات مجانية للجانب الإسرائيلى، وتغرق جمهور «السوشيال ميديا» فى صراعات عبثية، ومعارك خاطئة مصطنعة.
وأما الظاهرة الثانية فتكمن فى تحول قطاع من التفاعلات على «السوشيال ميديا» إلى «محاكم تفتيش»، حيث يصر مستخدمون، وبينهم شخصيات معروفة ولها إسهام فى المجال العام، على تفتيش ضمائر آخرين، ووصمهم بـ«الخيانة»، أو «العمالة»، أو «عدم النخوة». والأدهى من ذلك، أن بعض تلك المحاكم لا تتوقف عند ما يفعله البعض أو يقولونه، لكنها تمتد أيضاً لمحاكمتهم على ما لم يُقل أو لم يُفعل، باعتبار أننا جميعاً يجب أن نقول الكلام نفسه، وأن نتبنى المواقف ذاتها، ونمارس الأفعال نفسها، لكى نثبت «وطنيتنا» و«تديننا» و«إخلاصنا للعروبة».
وأما الظاهرة الثالثة فيمكن وصفها بأنها الأكثر براجماتية أو انتهازية للأسف الشديد؛ إذ يبدو أن بعض المشاهير أو الباحثين عن الشهرة وجدوا فى هذه الحرب المأساوية فرصة لتعزيز شهرتهم أو صناعة شهرة عز عليهم إدراكها فى الأحوال العادية.
كما لا يمكن استبعاد أن البعض للأسف الشديد من مستخدمى الوسائط الرائجة وجد فى هذه الحرب فرصة أيضاً لتحقيق مصالح مادية، فى ظل زيادة التفاعلات الخاصة بها، وتلهف قطاعات واسعة من المستخدمين على أى محتوى أو مشاهد يمكن أن تخفف وقع الصدمات، وتُشعر المتفاعلين بأن الجرائم العدوانية الإسرائيلية بحق المدنيين والأطفال الفلسطينيين تلقى محاسبة يمكن أن تشفى الصدور.
وفى هذا الصدد، يبدع هؤلاء المستخدمون، سواء كانوا مشاهير أو باحثين عن الشهرة، فى اصطناع مواقف بعينها، والإلحاح على أقوال محددة، وترويجها عبر المنصات المختلفة، وكلما كانت تلك المواقف حادة وغير مألوفة ومُمعنة فى إبداء التأثر والتأييد، حصدت المزيد من التفاعل وربما الإعجاب.
لذلك، بات بإمكاننا أن نرى شخصاً مشهوراً ومؤثراً يخرج عن نطاق مهمته ومهنته المعروفة وأدائه العمومى المُعتاد، ويلعب دور المحلل الاستراتيجى أو الناقد السياسى أو الناشط المدنى أو المناضل الذى لا يهاب، قبل أن يزايد على الآخرين، ويطالبهم بإلحاح بتبنى مواقفه أو تأييد أقواله.
ولا يحتاج الأمر وقتاً طويلاً قبل أن يتلقى هذا المشهور أو الباحث عن الشهرة مكافأته، وهى المكافأة التى ستظهر فى تصدره لقوائم «التريند»، وتكريس شهرته إذا كانت موجودة، أو بناء هذه الشهرة إذا كان مغموراً، وفى الحالات كلها فإن العائد سيكون مجزياً، بصرف النظر عما إذا كان ما فعله أو قاله يخدم القضية الفلسطينية فعلاً أم لا.
لقد منحتنا «السوشيال ميديا» مزايا كبيرة على صُعد عديدة، وفى حرب غزة كانت ساحة استطعنا اللجوء إليها للتعبير عن مواقفنا وآرائنا وتبادل المعلومات والصور التى ترسم صورة هذه المأساة المحزنة، لكن بعض الظواهر السلبية خصمت كثيراً من هذه الفوائد، وفى القلب من تلك الظواهر برزت المشاحنات «الوطنية» المُصطنعة، ومحاكم الضمير، والممارسات الحادة وغير المُسوغة التى يأتيها البعض طلباً للشهرة.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل
إقرأ أيضاً:
أول طاهية في أمريكا تحصل على ثلاث نجوم ميشلان.. ما قصتها؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- كونها أوّل طاهية في الولايات المتحدة تحصل على ثلاث نجوم ميشلان، رسخت دومينيك كرين مكانتها بين كبار الطهاة في العالم.
لكن رغم إنجازاتها الكبيرة، فإن الشهرة والتقدير لم يكونا يوماً أكثر ما تسعى إليه، وقالت: "أريد أن يذكرني الناس كإنسانة قدمت شيئاً في المقابل".
وقد تجلى ذلك في مسيرتها، حيث حوّلت أحد مطاعمها إلى مطبخ مجتمعي خلال جائحة كورونا، وأطلقت مبادرة لدعم المزارعين في هايتي، كما اتخذت موقفاً حازماً ضد مزارع الإنتاج الصناعي للحوم.
لكن الطريق الذي أوصلها إلى ما هي عليه لم يكن سهلاً على الإطلاق.
وفي حديث شخصي للغاية مع CNN، تحدثت كرين عن حزنها العميق بعد فقدان والدتها، ومعركتها مع مرض السرطان، والدروس التي استخلصتها من التجربتين.
ولدت كرين العام 1965، في ضواحي باريس، وتبنّاها وهي رضيعة أب يعمل بالسياسة وأم تعمل في المجال المالي.
ويتحدّر والدها ووالدتها من منطقة بروتانية الواقعة على الساحل الأطلسي الفرنسي، حيث قضت كرين معظم طفولتها قرب البحر، وكوّنت علاقة عميقة مع الطبيعة، والتقاليد، وأهل المنطقة، ومناظرها الطبيعية. ولا تزال تلك البيئة تلهم طريقتها في تكريم التقاليد من خلال الطهي.
ورغم ما حققته من شهرة في عالم الطهي، إلا أنها لم تكن تنوي في الأصل أن تصبح طاهية.
فبعدما حصلت على شهادة في الاقتصاد والأعمال الدولية من باريس، كانت تحلم بأن تصبح مصورة فوتوغرافية. لكنها وجدت في البيروقراطية الفرنسية ما يحدّ من الحرية التي كانت تبحث عنها.
وبما أن والدها كان يعرف شخصاً في مدينة سان فرانسيسكو، قرّرت أن تخوض المغامرة وانتقلت إلى هناك.
وبالفعل وصلت هناك من دون وظيفة، ومن دون خطة، ومن دون اتجاه واضح، فقط إحساس داخلي بأنها بحاجة إلى شيء مختلف. وقالت: "أسرني جمال سان فرانسيسكو... الحرية فيها، والمجتمع الذي حضنني حقاً".