غزة – خلال 4 أسابيع من الحرب الإسرائيلية الدموية على قطاع غزة، ارتكبت قوات الاحتلال "مذابح مروعة" بحق "البشر والحجر والشجر"، ولم تسلم حجارة الآثار في المدينة -التي تضم مواقع تعود لحقب تاريخية مختلفة- من العدوان والقصف.

ينظر العارفون بقيمة المباني التاريخية بالقطاع المحاصر إلى عمليات الاستهداف الإسرائيلي أنها محاولة "لاقتلاع التاريخ"، والنيل من تراث المدينة العريقة الذي يتفوق بعقود طويلة على تاريخ دولة الاحتلال المقامة على أنقاض فلسطين التاريخية إبان النكبة في العام 1948.

ونال الدمار من منازل ومقابر أثرية، وعشرات المساجد، و3 كنائس، تبرز من بينها كنيسة القديس برفيريوس للروم الأرثوذكس، القريبة من المستشفى الأهلي العربي الشهيرة بـ"المستشفى المعمداني"، الذي شهد بدوره واحدة من أبشع المجازر الإسرائيلية خلال الحرب المحتدمة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

خسارة تاريخية وفوضى مدنية

ويخشى مجلس بلدية غزة من أن يطال الدمار المقر التاريخي للبلدية، الذي يبعد بضع عشرات من الأمتار عن المستشفى المعمداني، بعدما تلقى المجلس تهديدات إسرائيلية وإنذارات بقصف المقر وتدميره.

ويمثل مقر البلدية، الذي يعود تاريخ تشييده إلى ما قبل نحو 200 عام، رمزية عالية في مدينة غزة، كبرى مدن القطاع ويقطنها أكثر من 800 ألف نسمة، كما يقول للجزيرة نت رئيس البلدية الدكتور يحيى السراج.

ويطل مقر البلدية على "ميدان فلسطين"، ويقع فيما تعرف "غزة القديمة"، التي تضم بين جنباتها ومناطقها عشرات المباني والمعالم الأثرية والتاريخية، أبرزها "المسجد العمري الكبير" و"كنيسة القديس برفيريوس" المجاورة لمسجد "كاتب ولاية" ويعود تاريخه للقرن السابع الميلادي، و"حمام السمرة" آخر وأبرز معالم الحقبة العثمانية، و"سوق القيسارية" في حي الدرج أحد أعرق أحياء المدينة وتميزه منازل يعود تاريخها لمئات السنين.

وأضاف السراج، الذي فقد نجله الصحفي "رشدي" في غارة جوية إسرائيلية خلال الحرب الحالية، أنه "غير واثق" بأن المقر التاريخي للبلدية سيبقى صامدا، وربما تنفذ قوات الاحتلال تهديدها وتقصفه وتحوله إلى ركام في أي لحظة، وبرأيه فإن تدمير مبنى البلدية "يمثل خسارة تاريخية، وسيتسبب في فوضى كبيرة نتيجة فقدان المعلومات، حيث يضم وثائق وأرشيف المدينة".

واستخدم المقر الحالي لبلدية غزة وقت تشييده لفترة قصيرة كمستشفى، وبحسب السراج فإنه لا مبرر للاحتلال لقصفه وتدميره سوى "الانتقام"، والنيل من "رموز غزة الأثرية والتاريخية".

استهداف رموز مسيحية

وليس بعيدا عن مقر بلدية غزة، تعانق أجراس كنيسة القديس برفيريوس مأذنة مسجد "كاتب ولاية"، وتشكلان رمزا للتعايش التاريخي بين المسلمين والمسيحيين في غزة، الذين لم تفرق بينهم صواريخ الاحتلال وقذائفه، واختلطت دماؤهم معا، في مجزرة وقعت داخل أسوار الكنيسة، أسفرت عن 18 شهيدا، والحقت أضرارا جسيمة بمبانيها التاريخية العريقة.

رئيس أساقفة طبريا ألكسيوس يزور كنيسة القديس برفيريوس في مدينة غزة، التي تعرضت لأضرار بالغة (الجزيرة)

وهذه الكنيسة التي تعرف شعبيا في غزة باسم "كنيسة الروم الأرثوذكس" أو "كنيسة المقبرة" حيث تحيط بها مقبرة مسيحية، هي واحدة من أقدم الكنائس على مستوى العالم، ولجأ إليها نازحون من الأحياء المجاورة كملجأ آمن، غير أن غارات الاحتلال لاحقتهم، وأوقعت في أوساطهم شهداء وجرحى من المسلمين والمسيحيين.

ويعود تاريخ بناء الكنيسة، كما قال مدير العلاقات العامة بها كامل عياد، للعام 425 ميلاديا، وتبلغ مساحتها 216 مترا مربعا، وتمتاز بجمال البناء على الطراز البيزنطي، وتلفت الأنظار إليها لما تحتويه من لوحات رخامية فنية تعبر عن تاريخ الوجود المسيحي في غزة الممتد لمئات السنين، بحسب حديثه السابق للجزيرة نت.

وبفعل الظروف الصعبة التي تشهدها غزة منذ العام 2007، جراء الحروب الإسرائيلية المتكررة والحصار الخانق، تراجعت أعداد المسيحيين في غزة لنحو 1300 نسمة، وفقا لتقديرات مؤسسات مسيحية، وذلك نتيجة الهجرة إلى الضفة الغربية والخارج، وتراجع معدلات المواليد.

"ظننت أنها مكان آمن"..
إسرائيل ترتكب مجزرة جديدة بقصف كنيسة الروم الأرثوذكس بغزة والبطريركية تصفه بجريمة حرب. pic.twitter.com/98j76rx6eB

— AJ+ عربي (@ajplusarabi) October 20, 2023

تدمير أعمدة دينية وتاريخية

ورغم أن أعدادهم في تراجع مستمر، فإن الحضور المسيحي في غزة تميز بحضور شخصيات مجتمعية، ومعالم أثرية وتاريخية، ومدارس ومؤسسات تعليمية وثقافية، لم تسلم من القصف والتدمير، ويعد "المستشفى المعمداني" أحد أبرز المعالم المسيحية في غزة، وقد شهد مجزرة إسرائيلية مروعة راح ضحيتها زهاء 500 شهيد ومئات الجرحى، فضلا عن دمار كبير لحق بمرافقه.

ويقع هذا المستشفى في القلب من "غزة القديمة" أو ما يعرف حاليا بـ"حي الزيتون"، وتحيط به "كنيسة القديس برفيريوس" ومسجد الشمعة، ومقبرة الشيخ شعبان وهي واحدة من أقدم المقابر في القطاع.

ويتبع المستشفى المعمداني، وهو الأقدم في القطاع وتأسس عام 1882 ميلادي، للكنيسة الأسقفية الأنجليكانية في القدس، وتم تشييده على يد البعثة التبشيرية التي كانت تابعة لإنجلترا. وتعتبر الكنيسة المعمدانية واحدة من 3 كنائس للمسيحيين، إلى جانب "كنيسة القديس برفيريوس" و"الكنيسة اللاتينية" وجميعها تقع في محيط واحد يمتاز بعراقته التاريخية.

موقع كنيسة القديس برفيريوس الأرثوذكسية ومواقع دينية ومدنية أخرى في مدينة غزة (الجزيرة)

ودمرت غارات جوية إسرائيلية أحدث المعالم المسيحية في غزة وهو "المركز الثقافي الأرثوذكسي" في حي تل الهوا بمدينة غزة، وقالت بطريركية الروم الأرثوذكس المقدسية في بيان إن قصف هذا المركز يمثل "استهدافا مباشرا وغير مبرر لأحد أعمدة الثقافة والخدمات الاجتماعية في غزة"

وبحسب البطريركية فإنه غارات الاحتلال دمرت عشرات دور العبادة بين مسجد وكنيسة، منذ اندلاع الحرب على غزة، من دون "مبرر عقلاني ولا أساس إنساني، ولا تتماشى مع أدنى القيم الأخلاقية".

ووفقا لتوثيق أولي لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية فإن عشرات المساجد دمرت كليا أو جزئيا جراء الغارات الجوية الإسرائيلية العنيفة في جميع مناطق القطاع، من بينها أكثر من 50 مسجدا تحولت إلى ركام، وهناك مساجد ذات قيمة أثرية وتاريخية نال منها الدمار بدرجات متفاوتة.

ويبلغ عدد معالم غزة 145 معلما أثريا، حسب الدليل الأثري الذي أصدرته وزارة السياحة والآثار العام الماضي، موزعة على مدن مختلفة بقطاع غزة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: کنیسة القدیس برفیریوس المستشفى المعمدانی واحدة من فی غزة

إقرأ أيضاً:

40 قطعة أرض لبناء مساجد جديدة في دبي

دبي: «الخليج»
أعلنت دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي، عن إحصاءات قسم علاقات المتبرعين بإدارة خدمة المتعاملين خلال النصف الأول من العام الجاري 2025، محققة سلسلة من الإنجازات النوعية في رعاية المساجد وتعزيز الشراكة المجتمعية.
تم تخصيص 40 قطعة أرض لبناء مساجد جديدة في 22 منطقة مختلفة في الإمارة، تشمل 22 جامعاً و18 مسجد أوقات، بما يعكس مواكبة خطة النمو العمراني والسكاني، كما تم افتتاح 19 مسجداً جديداً بكلفة أكثر من 150 مليون درهم وبطاقة استيعابية تصل إلى 15,850 مصلياً، فيما تتواصل الأعمال الإنشائية في 31 مسجداً قيد التنفيذ بكلفة قدرها 239 مليون درهم، لتستوعب ما يزيد على 18000 مصلّ.

6 مذكرات


ضمن التفاعل والشراكة المجتمعية الفاعلة، تم توقيع 6 مذكرات تفاهم مع مطورين عقاريين لبناء ورعاية المساجد في المناطق التطويرية، إلى جانب تلقي 88 تبرعاً عينياً عبر النظام الذكي لخدمة رعاية المساجد بقيمة 3.8 مليون درهم.
كما تم تحديث بيانات 378 متبرعاً وراعياً للمساجد، واستقبال 7 زيارات ميدانية من المتبرعين والرعاة، إضافة إلى معالجة 130 طلباً واستفساراً، والرد على 27 شكوى خلال الفترة المحددة. أيضاً، تم إصدار 6 وثائق رعاية ساهمت في استدامة تشغيل عدد من المساجد بقيمة سنوية تُقدّر ب1.5 مليون درهم، فضلاً عن إصدار 15 شهادة بدء تشغيل مسجد للمتبرعين، تسهيلاً لإجراءات استرداد الضريبة المضافة بعد اكتمال البناء.
ضمن مبادرة «مساجد الفريج» المجتمعية، تم الانتهاء من فرش 43 مسجداً بمساحة تفوق 19,000 متراً مربعاً وبكلفة 2,475,000 درهم، بفضل مساهمات أهل الخير، إلى جانب الترويج الإعلامي للمبادرة عبر 6 فيديوهات تعريفية، ولقاء إذاعي عبر «صوت الواقع»، ولقاء تلفزيوني مباشر.
وقال خالد سلطان المري، رئيس قسم علاقات المتبرعين في الدائرة، إن هذه النتائج تمثل ترجمة حقيقية لرؤية الدائرة في أن تكون الأقرب للمجتمع، عبر تمكين المتبرعين من أداء دورهم في خدمة بيوت الله، وتعزيز استدامة تشغيلها وصيانتها بكفاءة وشفافية.
ولفت إلى الحرص على تطوير الخدمات الرقمية والتفاعلية، لضمان تجربة سهلة ومؤثرة للمتبرعين، بما يرسّخ ثقافة العطاء، ويعزز مكانة دبي كمدينة رائدة في دعم القيم الإسلامية وتحقيق التنمية المستدامة في قطاع المساجد.

مركز اتصال «إسلامية دبي» يتلقى 20 ألف مكالمة

دبي: «الخليج»

كشفت إحصاءات مركز الاتصال في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي عن الأداء الريادي في خدمة المتعاملين خلال النصف الأول من العام الجاري 2025، حيث شكل المركز حلقة وصل فعالة بين الدائرة والجمهور.

وأكدت هاجر علي السويدي رئيس قسم علاقات المتعاملين أن المركز بات واجهة تفاعلية حيوية تعكس التزام الدائرة بتقديم خدمات ذكية وسريعة، ما يعكس ثقافة التميز المؤسسي، ويترجم الرؤية الاستراتيجية الهادفة إلى تحقيق أعلى معدلات الرضا والسعادة بين أفراد المجتمع.

ووفقاً للإحصاءات، تمكن مركز الاتصال من التعامل مع أكثر من 20 ألف مكالمة، محققاً نسبة رضا فاقت 98%، كما استقبل ما يزيد على 27 ألف طلب، تم تنفيذها ضمن الوقت المحدد بكفاءة، فيما أبدى المتعاملون رضاهم عن الخدمة بنسبة بلغت 93%.

وسجلت الدائرة تفاعلاً ملحوظاً عبر منصة «04» المخصصة لاستقبال الاقتراحات والشكاوى والملاحظات، ومتابعة أكثر من 12 ألف بلاغ على المساجد، والتي تم التعامل معها ومعالجتها وفق الأطر الزمنية المحددة، محققة مؤشرات رضا مرتفعة.

فيما شهدت مراكز الخدمة والاستقبال التابعة للدائرة حضوراً نشطاً من الجمهور، سواء في المبنى الرئيسي أو في مراكز تابعة.

مقالات مشابهة

  • لماذا يستهدف الاحتلال الأسرى المحررين بغزة؟
  • مجزرة جديدة.. الاحتلال يستهدف نقطة تجمع مياه في مخيم بالنصيرات بغزة
  • ما دلالات المشاهد التي نشرتها “القسام” لمحاولة أسر جندي إسرائيلي في خان يونس؟
  • من كل لبنان جاين يا شربل جاين... مسيرة إلى عنّايا عشية عيد القديس شربل (صور)
  • 40 قطعة أرض لبناء مساجد جديدة في دبي
  • عاجل| مصادر للجزيرة: خريطة إعادة التموضع التي عرضها الوفد الإسرائيلي في المفاوضات تبقي كل مدينة رفح تحت الاحتلال
  • بحضور 400 شخصا .. المؤتمر الأول لشمامسة كنيسة مارجرجس بسوهاج
  • ما الذي يحرك الطلب على المشاريع العقارية التي تحمل توقيع المشاهير؟
  • ضحايا الجوع والقصف.. الاحتلال يستهدف منتظري المساعدات في رفح الفلسطينية
  • دمار كبير خلفته غارة إسرائيلية على سوق الزاوية الأثري بمدينة غزة