يحيى عياش.. مهندس المقاومة وكابوس الاحتلال
تاريخ النشر: 3rd, November 2023 GMT
"بإمكانهم اقتلاع جسدي من فلسطين، غير أنني أريد أن أزرع في الشعب شيئا لا يستطيعون اقتلاعه".
(يحيى عياش)
في الثالث عشر من مايو/أيار عام 2021[1]، وفي خضم معركة سيف القدس بين غزة وقوات الاحتلال الإسرائيلي، أطلقت كتائب القسام صاروخا موجها لم يعرفه الاحتلال من قبل، قصفت به بلدة "إيلوت" المتاخمة لمطار رامون الإسرائيلي بجنوب الأراضي المحتلة.
بمدى يصل إلى 250 كم، أعلن "عياش 250" خضوع الأراضي المحتلة كلها لنطاق صواريخ المقاومة، في رمزية تربط السلاح الجديد بالرجل الذي جعل للمقاومة الفلسطينية سلاحا وبأسا شديدا على عدوها، إنه أبو البراء، "يحيى عبد اللطيف ساطي محمود عياش"، خريج الهندسة الكهربائية بجامعة بيرزيت، ومهندس التفجيرات الأهم بكتائب القسام خلال النصف الأول من التسعينيات، والمطلوب رقم واحد عند دولة الاحتلال حتى نال الشهادة، والرجل الذي نقل المقاومة الفلسطينية نقلة نوعية كبيرة عبر إستراتيجيات السيارات المُفخَّخة والتفجيرات الاستشهادية التي لم يختبرها الاحتلال من قبل، ليُقدِّم لنا حياة -على قصرها- ثرية بفصول تستحق أن تُروى. ومع الحرب الدائرة حاليا بين فصائل المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال على تخوم قطاع غزة المحاصر، وبروز العبوات المفخخة، والتطور النوعي لأسلحة المقاومة، فإن اسم عياش يحضر جليّا بوصفه أحد المهندسين والقادة الذي أسسوا للعمل النضالي المسلح في مواجهة الاحتلال.
من الريف إلى المدينةفي يوم الأحد الموافق 6 مارس/آذار 1966، وفي قرية رافات التابعة لنابلس، كان الشيخ "عبد اللطيف ساطي" يستقبل مولوده البكر الذي أسماه "يحيى" تيمنا باسم نبي الله يحيى بن زكريا عليهما السلام. وقد نشأ الصغير في بيت ريفي بسيط لأبوين مُتديِّنين، غَرَسا فيه مقومات التديُّن التي جعلت شخصيته هادئة متزنة منذ الصِّغَر[3].
ومنذ اللحظات الأولى لدراسته الابتدائية ظهرت على "يحيى" أمارات الذكاء والنبوغ العلمي، حتى إنه كان يفوق قدرات صفِّه الدراسي بعام أو عامين على حد وصف والده[4]. وقد حصل يحيى على شهادته الثانوية من مدرسة "بديا" بمعدل عام 92.8%، وبمعدل 95% في الفيزياء والرياضيات[5]، ومن ثمَّ انفتحت أبواب كلية الهندسة أمام هذا العقل الفذ.
في سلوك متسق مع شخصيته البارَّة المتواضعة، رفض "يحيى" الالتحاق بالجامعة الأردنية أو جامعة اليرموك -رغم تأهله للالتحاق بهما- حتى لا يبتعد عن والديه، ولكي يوفِّر أقصى قدر ممكن من نفقات دراسته، ولذا التحق بكلية الهندسة (قسم كهرباء) بجامعة بيريزت[6]، في اختيار كان له أبلغ الأثر في مستقبل المهندس الناشئ. في حفل الاستقبال السنوي عام 1984، التقى عياش بطلاب "الكتلة الإسلامية" بالجامعة، التي كانت الجناح الطلابي لحركة حماس (قبل تأسيس الحركة بصورة رسمية عام 1987)، وعرَّف نفسه إليهم فأظهروا اهتماما به.
يحيى عيّاش بين أمه وأبيه.. pic.twitter.com/v6jGS4hMYK
— أبو مَلَك (@Abuhawash10) November 24, 2019
سرعان ما انخرط عياش مع طلبة الكتلة الإسلامية وشارك بصحبتهم في مختلف الأحداث السياسية والاحتجاجات الطلابية ضد الاحتلال، فاكتسب مكانة ملحوظة في محيطه الجديد، وأصبح في عامه الدراسي الثاني عضوا بإحدى أسر الإخوان المسلمين برام الله، مُوظِّفا سيارة والده لخدمة الحركة الإسلامية في دأب شديد، حتى اعتبرته الفصائل الفلسطينية شيخ الإخوان في قريته رافات[7]. وقد شكَّل التعسُّف العنصري من قوات الاحتلال وممارساته تجاه الفلسطينيين الدافع الأكبر لدى يحيى للخروج من دائرة الاحتجاج الأوّلي والمظاهرات إلى دائرة أخرى يكون فعل المقاومة فيها أبلغ وأشد على الاحتلال، خاصة وتاريخه الأسري ينحدر من عائلة ذات ماضٍ نضالي منذ أيام الانتداب البريطاني على فلسطين[8].
من الحجارة إلى القنبلةيذكر الكاتب المهندس "غسان دوعر" في كتابه عن "عياش"[9] أنه رغم الانخراط الكبير لحركة "حماس" وأتباعها في الانتفاضة الأولى، فإن السنوات الأربع الأولى من هذه الانتفاضة تُعَدُّ أشد السنوات غموضا في حياة "عياش"، إذ كان يقاوم خلالها بعمليات فردية لا يعلم عنها أحد شيئا. ولم يتخرج "عياش" إلا بعد الانتفاضة، وتحديدا عام 1992، وهو العام نفسه الذي انضم فيه إلى كتائب عز الدين القسام -الذراع العسكري لحركة حماس- وترجم اقتراحاته على رفاقه بالكتلة الإسلامية إلى واقع حي؛ إذ كان "عياش" الطالب دائم الإشارة لاستخدام القوة في النضال لأجل القضية الفلسطينية[10]، وهو ما أخذ "عياش" المهندس العهد لتحقيقه.
في عام 1987، قامت الانتفاضة الأولى -أو انتفاضة الحجارة- على خلفية دهس مستوطن لمجموعة من العمال الفلسطينيين[11]. وقد أصبحت الانتفاضة بوابة "عياش" إلى العمل العسكري مع كتائب القسام، ووفقا للمهندس "عبد الحكيم حنيني"[12]، أحد مؤسسي القسام، فإن شغف "يحيى" بالعلم واطلاعه المستمر على محتويات المكتبة الجامعية قاده إلى بحث حول صناعة البارود، حيث أُعجِب بالأمر وتحمَّس له، ووجد في تحضير البارود من عناصره الأولية منفذا للتغلب على شح الإمكانات العسكرية للمقاومة، ثم عرض الفكرة على قادة "القسّام"، ومنهم "زاهر جبارين"[13] عضو المكتب السياسي لحماس حاليا، فنالت استحسانا وتشجيعا.
من مواد أولية مثل الكبريت والسماد والفحم، بدأ المهندس الاستثنائي تكوين خلطته المتفجرة، جنبا إلى جنب مع تطوير الدوائر الكهربائية اللازمة لصنع المتفجرات، مستغلا مخزونه العلمي والعقلي الفريد -بشهادة أقرانه- لتوفير السلاح التفجيري الأول للمقاومة الفلسطينية. وبعد فشل التجربة الأولى أتت التجربة الثانية بنتيجة أبهرت كل مَن شاهدها؛ حتى إنهم أخذوا في التكبير والعناق وكأنهم امتلكوا الدنيا بأسرها كما يروي "جبارين".
بعدئذ، عَكَف فريق التصنيع القسَّامي على صنع المتفجرات التي ابتكرها "عياش". وفي أثناء سنوات الانتفاضة، تحوَّلت المقاومة بالحجارة إلى مقاومة من نوع آخر تضمَّن السيارات المفخخة بجانب تجمُّعات الإسرائيليين، والعمليات الانغماسية الاستشهادية التي كان لها أبلغ الأثر في زعزعة معنويات الاحتلال. ففي حديثه عن "عياش" قال القيادي القسامي البارز "صالح العاروري"[14] إن العدو عندما يرى أصحاب الحق الذين يقاتلهم ذاهبين إلى الموت باختيارهم فإنه لن يجد مفرا من الهزيمة النفسية.
وقد توالت العمليات القسامية تحت إشراف المهندس الذي بات المطلوب الأول للمخابرات الإسرائيلية، حتى أتت مذبحة الحرم الإبراهيمي يوم 15 رمضان 1414هــ/ 25 فبراير/شباط 1994م، عندما اقتحم الطبيب الصهيوني "باروخ جولدشتاين" المسجد الإبراهيمي تحت أعين جنود الاحتلال، الذين أغلقوا بوابات المسجد ليمنعوا المصلين من الهرب، قبل أن يفتح "جولدشتاين" النار على المُصلين ويقتل 29 مصليا ويجرح 15 آخرين.
انقضَّ المصلون على الطبيب القاتل وقتلوه، لكن هذا لم يمنع الأمن الصهيوني من مفاقمة أرقام الشهداء والجرحى بأعمال عنف وإرهاب بالغة، ما جعل "يحيى" عازما على الثأر لأهله من هذه المقتلة، ولذا أتى الرد سريعا يوم 6 أبريل/نيسان من العام نفسه، حين تقدَّم المقاوم "رائد زكارنة" بسيارته المفخخة نحو محطة الحافلات المركزية بمدينة العفولة كما خطط "عياش". وفي لحظة شروع الركاب في الدخول إلى الحافلة، تجاوز "رائد" الحافلة وأوقف سيارته المفخخة عند مقدمتها، وما هي إلا ثوانٍ حتى كانت أصوات الانفجارات تملأ الشارع وتقتل في طريقها ثمانية مستوطنين[14].
بعد أسبوع واحد، في يوم 13 من الشهر نفسه، نُفِّذَت عملية الخضيرة[15] بتنفيذ الفدائي "عمار عمارنة" التي قتلت 7 إسرائيليين وأصابت العشرات، ثم عملية تل أبيب[16] في يوم 19 ديسمبر/كانون الأول 1994 بتنفيذ "صالح نزال"، الذي قتل 22 إسرائيليا وأصاب أكثر من 45 آخرين، فضلا عن الخسائر المادية البالغة مليونين و300 ألف دولار، والصخب الجماهيري الذي طالب باستقالة رئيس وزراء دولة الاحتلال "إسحاق رابين"[17].
مرَّت كل تلك العمليات برعاية "يحيى عياش" وفريقه الرباعي المكون من "زاهر جبارين" و"علي عاصي" و"عدنان مرعي"، الذين كانوا يُموِّلون العمليات من جيبهم الخاص؛ حتى إن "عياش" اضطر لبيع ذهب زوجته "أم البراء" لأجل تمويل الكفاح المسلح[18]. لكن هذه العمليات ومثيلاتها جعلت "عياش" على رأس هرم أولويات المخابرات الإسرائيلية وحكومتها من أجل تصفيته.
الشهيد"عيّاش حيٌّ لا تقل عياش مات.. وهل يجفُّ النيل أو نهر الفرات!".
(عبد العزيز الرنتيسي)
مع سطوع نجم "عياش" في التسعينيات، لم تترك أجهزة الأمن الإسرائيلية -بمتابعة مباشرة من رئيس الوزراء رابين- فرصة لملاحقة المهندس "الزئبقي" الذي لم يكن يعلم أحد مكانه وتحرُّكاته بسهولة. ومع اشتداد المطاردة والملاحقة لكل مَن له علاقة به، وخاصة أهله الذين خُرِّب منزلهم أثناء التفتيش عنه، قرر المهندس الخروج من الضفة إلى غزة؛ حيث مركز النفوذ الحمساوي.
وفي رحلة انتقاله إلى غزة، يذكر "دوعر" أن المطلوب رقم واحد في الأراضي المحتلة خرج من الضفة بصورة لم تجد لها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تفسيرًا، وذلك في الوقت الذي كان الآلاف من الجنود وحرس الحدود والشرطة مستنفرين لإلقاء القبض عليه. ووفقًا لما رواه ابنه "البراء"[19]، فإن "عياش" انتقل من الضفة إلى غزة في صندوق مُخبأ بشاحنة غذائية، ليتسرَّب أمام أعين الاحتلال دون أن يروه.
ومن حي إلى حي، ومن بيت إلى بيت كانت رحلة المهندس في التخفي شاقةً ومرهقة، ورغم ذلك فقد استمر العمليات ضد الاحتلال دون توقف. ومع كثرة الضغط الأمني على أهله في الضفة، أرسل "عياش" في طلب زوجته "هيام عياش" وولده البراء ليكونا إلى جواره بغزة، ففطنت المخابرات الإسرائيلية إلى احتمالية وجود عياش في غزة، وبدأت محاولة اغتياله عن بُعد.
ومن بيت البيوت التي كان عياش يختبئ بها، كان بيت صديقه "أسامة حمَّاد" ببيت لاهيا في شمال القطاع، وحينها تعرَّف عليه "كمال" خال صديقه، رجل الأعمال الذي كان على علاقة وثيقة -حسب روايته[20]- بمسؤول المخابرات الفلسطينية اللواء "موسى عرفات"، وهو ما قاده لاحقا للتعرف إلى بعض الشخصيات الكبيرة بالمخابرات الإسرائيلية (الشاباك) الذين طلبوا منه إعطاء هاتف خلوي معبأ بالمتفجرات إلى يحيى بأي طريقة.
وفي اليوم الموعود، هرع يحيى إلى منزل صديقه أسامة ليتصل بوالده ويبشره بمولوده الجديد "عبد اللطيف"، الذي تغيَّر اسمه لاحقا إلى يحيى بعد مقتل أبيه، وقد شوَّش الشاباك على الخط وأجبره على استخدام الهاتف الذي حمله إليه كمال[21]. وفي مكالمته الهاتفية مع والده صباح الجمعة الموافق 5 يناير/كانون الثاني 1996، كانت مروحية إسرائيلية تحلق بالقرب من مصدر الصوت حتى تتحكم في تفجير الهاتف بمجرد التعرف على صوت يحيى، وما هي إلا لحظات حتى صدر من الجوَّال صوت سمعه سكان الشارع بأسره وهرعوا على إثره إلى المنزل مُسرعين.
لقد كان انفجارا مدويا هزَّ أركان الحي، بل وهزَّ أركان فلسطين بأكملها. لقد انتهت العملية المُعقَّدة التي دأب عليها إسحاق رابين بنفسه بعد 4 سنوات[22]، بمكالمة أخيرة بين الوالد والولد. تفجَّرت الشريحة والهاتف وانتهت قصة المهندس الذي حرم قادة الأمن الإسرائيلي الراحة طيلة سنوات، لكن هذا المهندس يبدو أنه ترك وراءه إرثا عصيّا على الاندثار والنسيان.
لقد ترك موت عياش أبلغ الأثر في نفوس الفلسطينيين والمقاومة، فشيَّع جنازته عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وعمَّ الإضراب مدينتَيْ القدس ورام الله، وأُلصقت صور المهندس الشهيد على الجدران في الشوارع، فضلا عن المسيرات والتظاهرات التي اشتبكت مع قوات الأمن الإسرائيلي في تعبير صادق وهائل عن حجم الغضب الشعبي لاغتيال رجل اعتبره الكثيرون "أسطورة" حية. أما آثار عياش فهي في أيدي المقاومة اليوم يُطوِّرونها يوما بعد يوم ويدكُّون بها حصون العدو بأطنان من المتفجرات التي كانت قبل "ثورة المهندس" مجرد حجارة في أيدي الغاضبين.
____________________________________________
المصادر
بعد ساعات من نقل الرحلات إليه.. القسام تقصف مطار رامون وشركات طيران دولية تلغي رحلاتها لإسرائيل. أبو عبيدة – المتحدث العسكري باسم كتائب القسام يعلن إطلاق صاروخ عياش 250 ذو المدى الأكبر│تغطية خاصة. غسان دوعر، المهندس: قصة الشهيد الرمز يحيى عياش. مقابلة بمجلة عبير (القدس)، العدد 42، يناير 1996، صـ 29. غسان دوعر، المهندس: قصة الشهيد الرمز يحيى عياش. مقابلة في صحيفة الوطن (غزة) العدد 14، 9/3/1995، صـ6 غسان دوعر، المهندس: قصة الشهيد الرمز يحيى عياش. اللواء الأردنية، العدد ،1185 24/1/،1996 صـ 19. غسان دوعر، المهندس: قصة الشهيد الرمز يحيى عياش. المصدر نفسه. استشهد فيها 1555 فلسطينيا وشهدت سياسة "تكسير العظام".. 35 عاما على انتفاضة الحجارة شاهد على العصر | عبد الحكيم حنيني (2) بداية العمل العسكري في الضفة الغربية المصدر نفسه الأسواق، العدد ،803 12/2/،1996 صـ 14. السبيل، العدد ،119 27//،1996 صـ 16. مجلة فلسطين المسلمة، العدد الثاني، السنة ،14 شباط (فبراير) ،1996 صـ15. السبيل، العدد ،54 8/11/،1994 صـ 12. Samuel M. Katz, The Hunt for the Engineer: How Israeli Agents Tracked the Hamas Master Bomber وثائقي مهندس الرعب – يحيى عياش لأول مرة بعد ٢٢ عاما العميل الذي اغتال يحيى عياش يظهر على الاعلام اغتيال يحيى عياش: تفاصيل يكشفها عميل لإسرائيل الحدث (الأردن)، العدد ،28 10/1/،1996 صـ8.المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: المخابرات الإسرائیلیة کتائب القسام التی کان
إقرأ أيضاً:
سبعة قتلوا حرقا.. تفاصيل جديدة حول كمين خان يونس
#سواليف
“صباح مؤلم علمنا فيه بمقتل #الجنود في #معارك #خان_يونس” هكذا تحدث الرئيس الإسرائيلي إسحاق #هرتسوغ عن #الكمين الذي نصبته #المقاومة_الفلسطينية لجيش #الاحتلال في #خان_يونس أمس الثلاثاء، وأدى إلى #مقتل ضابط و6 جنود.
وانطلق هرتسوغ من وصف الكمين إلى وصف الوضع الميداني في غزة مؤكدا أنه ” #وضع_صعب و #المعارك_ضارية والعبء لا يحتمل”.
أما زعيم المعارضة يائير لبيد فقال إنه “صباح صعب للغاية و #كارثة_كبرى أمس أودت بحياة سبعة من مقاتلينا جنوب قطاع غزة”.
مقالات ذات صلة ترامب: إسرائيل تضررت بشدة خلال الأيام الأخيرة ولدينا اخبار جيدة عن غزة 2025/06/25هذا عن الساسة، فماذا عن وصف ما حدث وفق ما أقرّ به الإعلام الإسرائيلي حتى الآن؟
إذاعة جيش الاحتلال تحدثت عن تلقي أول بلاغ عن الكمين في الخامسة والنصف من مساء أمس بالتوقيت المحلي، بشأن ناقلة جنود مدرعة من نوع “بوما” تابعة لقوات الهندسة القتاليّة، وقد اشتعلت فيها النيران.
وتستطرد الإذاعة لتشير إلى أن التحقيق الأولي يوضح أن مقاومًا فلسطينيا واحدًا اقترب من الناقلة وألصق بها عبوة ناسفة التي انفجرت مما أدى إلى اشتعال الناقلة بالكامل.
باءت بالفشل
“تم استدعاء قوات إطفاء عسكرية إلى المكان، وبذلوا جهودًا لإطفاء ناقلة الجنود المشتعلة” هكذا تضيف إذاعة جيش الاحتلال قبل أن تشير إلى أن ذلك لم يكن مجديا، ولذلك تم إحضار جرافة من نوع “دي 9” (D9) إلى الموقع وغطت الناقلة بالرمال في محاولة لإطفائها، لكن كل محاولات الإطفاء باءت بالفشل.
وإزاء ذلك، تم اتخاذ قرار في الميدان بسحب ناقلة الجنود وهي ما تزال مشتعلة، وبالفعل تم جرها أولا إلى شارع صلاح الدين في خان يونس، ومن هناك إلى خارج قطاع غزة، بينما كان العسكريون السبعة لا يزالون بداخلها.
ووفقا لإذاعة جيش الاحتلال، فلم يتم إطفاء ناقلة الجند إلا بعد وصولها إلى داخل إسرائيل، بينما تم استدعاء قوات إنقاذ ومروحيات إلى المكان، لكن لم يبقَ أحد من الجنود على قيد الحياة، ولم يكن هناك من يمكن إنقاذه من العربة العسكرية المحترقة.
واختتمت إذاعة جيش الاحتلال سرد تفاصيل الكمين، موضحة أن مهمة تحديد هوية الجنود القتلى استمرت ساعات طويلة. وبعد عملية التعرف على الجثث، تم إبلاغ عائلات القتلى الليلة الماضية.
أصعب الأحداث
صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية تحدثت أيضا عن الكمين، ونقلت عن التحقيق الأولي أن الناقلة احترقت بمن فيها من جنود وأن الجيش استغرق ساعات طويلة للتعرف على هوياتهم عقب الحادثة، وأن مروحيات الإجلاء عادت فارغة للقواعد بعدما اضطر الجيش لنقل ناقلة الجند بمن فيها إلى داخل إسرائيل.
كما ذكرت الصحيفة أن الجيش لم يعثر على المقاتلين الذين زرعوا العبوة الناسفة حتى صباح اليوم، في حين أشارت وسائل إعلام إسرائيلية أخرى إلى أن معارك ضارية وقعت بالمكان وأن مقاومين فلسطينيين استهدفوا قوة الإنقاذ.
وقد جرى الحديث -في وسائل الإعلام الإسرائيلية- عن إصابة 16 جنديا آخرين، فيما تم وصفه بـ”أصعب الأحداث التي تعرض لها الجيش خلال الأشهر الأخيرة”.
أما على جانب المقاومة التي تواصل التصدي للعدوان الإسرائيلي المستمر أكثر من 600 يوم، فقد أعلنت كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) أمس أن مقاتليها نفذوا كمينا مركبا باستهداف قوة إسرائيلية وإيقاع أفرادها بين قتيل وجريح في خان يونس.
يوم بائس من أيام الغزاة
الكاتب الفلسطيني ياسر الزعاترة وصف ما جرى بأنه “يوم بائس من أيام الغزاة” بينما اهتم المحلل السياسي الفلسطيني سعيد زيادة بالإشارة على أن ناقلة الجند المدرعة “بوما” هي إحدى أقدم وأثقل المركبات القتالية المدرعة المستخدمة ضمن وحدات سلاح الهندسة القتالية في جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وأوضح زياد أن هذه المركبة تحمل طاقمًا يصل إلى 8 جنود مجهزين تجهيزًا قتاليًا كاملًا، كما أنها مزوّدة بأنظمة هندسية متقدمة تُستخدم في تفكيك الألغام، ونسف العوائق، وتنفيذ أعمال الهدم الميداني.
وقد جاء هذا الحادث بالتزامن مع توقف المواجهة الإيرانية الإسرائيلية وحديث جيش الاحتلال عن العودة للتركيز على قطاع غزة الذي يشن عليه حملة إبادة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، مما يؤكد أن المقاومة الفلسطينية ما زالت صامدة أمام القوة العاتية وتقف وحدها أمام أحد أقوى الجيوش في المنطقة.
إستراتيجية الكمائن
وتعد الكمائن من أبرز الوسائل والتكتيكات التي تعتمدها المقاومة” لا كأعمال “محدودة” بل أداة مركزية لإعادة تعريف منطق الحرب، وذلك وفق الكاتب الفلسطيني محمد الأيوبي الذي أكد أن الكمائن تحمل رسالة مزدوجة:
رسالة عسكرية: بأن جيش الاحتلال لم يعد قادرًا على التحرك الآمن حتى في المناطق التي يدعي السيطرة عليها.
رسالة سياسية: بأن المقاومة لا تزال قادرة على المبادرة والهجوم والاحتفاظ بزمام المبادرة، رغم شراسة العدوان.
ووفقا للكاتب نفسه، فإن إستراتيجية الكمائن التي تستخدمها المقاومة ليست تكتيكاً ظرفياً، وإنما هي جزء من رؤية أوسع تقوم على تحويل كل عملية توغل إسرائيلية إلى استنزاف عبر ما يلي:
خسائر بشرية مستمرة: ارتفاع أعداد القتلى والجرحى في صفوف الاحتلال.
تآكل القدرة القتالية: مع استمرار الإصابات والانهاك، تضطر قيادة الجيش إلى تدوير القوات، مما يضعف جاهزيتها.
ضغط داخلي متصاعد: تتعالى أصوات ذوي الجنود في الداخل الإسرائيلي مطالبين بوقف الحرب بأي ثمن.
كلفة سياسية دولية: مع كل مجزرة جديدة، ومع كل صورة لجندي إسرائيلي يسقط في غزة، تزداد عزلة إسرائيل عالميًا، حتى بين أقرب حلفائها.