بعد تمرد فاغنر.. مستقبل شويغو في مهب الريح
تاريخ النشر: 25th, June 2023 GMT
وضع التمرد المسلح ليفغيني بريغوجين قائد مجموعة فاغنر، مستقبلَ وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو على المحك رغم علاقته الوثيقة بالرئيس فلاديمير بوتين.
ولشويغو مسيرة سياسية طويلة الأمد لا مثيل لها في روسيا ما بعد الاتحاد السوفياتي، ووجوده في مركز السلطة في موسكو يسبق وجود بوتين نفسه.
يشغل شويغو منصبه منذ أكثر من 10 سنوات، وهو لا يعد فقط حليفا لبوتين، بل أحد أصدقائه القلائل داخل النخبة الروسية، فقد سبح الرجلان معا في سيبيريا النائية، وتشاركا رحلات صيد ولعبا في نفس فريق هوكي الجليد.
والآن، تواجه صداقتهما، ومسيرتهما السياسية الممتدة لعقود، أكبر اختبار بعد التمرد المسلح لقائد مجموعة فاغنر الذي انتقد طريقة تعامل وزير الدفاع مع الحرب في أوكرانيا.
ويبدو أن بوتين نجا من التمرد بعد وساطة مفاجئة للرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو. لكن وضع شويغو لا يزال هشا بسبب الشدة غير المسبوقة لانتقادات بريغوجين له ولوزارته.
ونجح بريغوجين في الاستيلاء على مقرّ القيادة الجنوبية للجيش الروسي في "روستوف-نا-دونو" الواقعة على نهر الدون والتي تعتبر المركز العصبي للعمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا.
واتهم قائد فاغنر شويغو بالفرار "مثل الجبان" وتعهد بأنه "سيتم إيقافه". ومنذ ذلك الحين اختفى وزير الدفاع الروسي، ولا يزال متواريا عن الأنظار.
وفي وقت سابق اتهم قائد فاغنر شويغو وخصمه الآخر رئيس الأركان الجنرال فاليري غيراسيموف، بالمسؤولية عن مقتل "عشرات الآلاف من الروس" في الحرب و"تسليم الأراضي للعدو".
ويتحدّر شويغو من منطقة توفا في جنوب سيبيريا، وهو من بين عدد قليل من المنتمين لأقليات عرقية شغلوا منصبا رفيعا في الحكومة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
الصعودبدأ صعوده عام 1994 عندما عُيّن وزيرا لحالات الطوارئ في السنوات الأولى لرئاسة الرئيس السابق بوريس يلتسين. وصار حضوره مألوفا للروس، فضلا عن كونه أحد أكثر السياسيين شعبية في البلد، إذ تنقل في كل الأنحاء للتعامل مع الكوارث التي تراوحت من حوادث الطائرات إلى الزلازل.
وخدم شويغو في الحكومة مع نحو 10 رؤساء للوزراء، وهو يشغل حقيبة الدفاع منذ عام 2012، عندما عُيّن حاكما لمنطقة موسكو قبل أن يعيّنه بوتين وزيرا للدفاع في نفس العام بعد فضيحة فساد أسقطت سلفه أناتولي سيرديوكوف.
ومُنح شويغو رتبة جنرال فور تعيينه وزيرا للدفاع، رغم افتقاره لأي خبرة عسكرية رفيعة المستوى، لكنه أشرف بنجاح على العمليات بما في ذلك التدخل في سوريا عام 2015 والذي أبقى حليف موسكو بشار الأسد في السلطة.
وفي عيد ميلاده الـ65، قدّم له بوتين هدية خاصة، وهي وسام "الاستحقاق للوطن"، وهو واحد من أرفع الأوسمة الروسية، والذي أضافه إلى صندوق مليء بالأوسمة.
الخاسر الأكبرلكنّ الحرب في أوكرانيا الأقل نجاحا تثير باستمرار تساؤلات بشأن مستقبله. خصوصا أن الكرملين يأمل في البداية أن يشهد دخول الدبابات الروسية إلى كييف، وحتى قبل اندلاع التمرد ليل الجمعة الماضية، كان شويغو تحت ضغط هائل بسبب انتقادات بريغوجين وإخفاق القوات المسلحة الروسية في إحراز تقدّم.
وفي 12 يونيو/حزيران الجاري انتشر مقطع فيديو على نطاق واسع لحضور بوتين وشويغو فعالية توزيع ميداليات في مستشفى عسكري، وظهر في الفيديو الرئيس الروسي وهو يدير ظهره لوزير الدفاع في ازدراء واضح.
ويرى مدير المرصد الفرنسي الروسي أرنو دوبيان أنّ "المنتصر الأكبر في هذه الليلة هو لوكاشنكو"، أما "الخاسر الأكبر فهو شويغو". أما بيار رازو الباحث في "مؤسسة الدراسات الإستراتيجية المتوسطية ومقرّها فرنسا"، فيقول إن بريغوجين "أراد توجيه رسالة مفادها أنه يجب طرد شويغو وغيراسيموف لأنهما غير كفؤين وهناك حاجة إلى تغيير الإستراتيجية".
تكهنات البديلفي الأثناء، غابت علامات الصداقة والصور المشتركة لرحلات الصيد كما في عام 2017. وبدلا من ذلك، صار شويغو يظهر في لقاءات باهتة وهو يقدم تقاريره إلى بوتين أو يظهر وجهه في طرف شاشة بينما يشرف الرئيس على مؤتمر عبر الفيديو.
كما استهدف بريغوجين عائلة شويغو، ولا سيّما أليكسي ستولياروف زوج ابنته كسينيا، الذي يعمل مدوّنا في مجال اللياقة البدنية واتخذ مسافة من الحرب وقالت وسائل إعلام معارضة إنه وضع علامة إعجاب على منشور يعارض الحرب.
وتغص قنوات ناطقة بالروسية في تطبيق تليغرام بتكهّنات حول من يمكن أن يخلف شويغو، ويعدّ البديل الأوفر حظّا أليكسي ديومين حاكم منطقة "تولا" الذي سبق أن تولى مناصب عليا في الجيش والأمن الرئاسي.
وذكرت "قناة بريمنك" على تليغرام أنّ "مجموعة شويغو على وشك الانهيار وسيرغي كوزوجيتوفيتش (شويغو) نفسه وصمة عار وسيستقيل على الأرجح".
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
ورقة بحثية تستعرض مستقبل الدور التركي في غزة بعد الحرب
غزة - صفا
نشر المركز الفلسطيني للدراسات السياسية، اليوم الإثنين، ورقة تحليل استراتيجي جديدة بعنوان "من التضامن إلى الفاعلية الإقليمية: مستقبل الدور التركي في غزة بعد الحرب".
واستعرضت الورقة دور جمهورية تركيا التي برزت كلاعب إقليمي يسعى لتحويل تضامنه الرمزي مع القضية الفلسطينية إلى فاعلية ملموسة — إعادة إعمار، دعم إنساني، حضور دبلوماسي — ما يطرح تساؤلات جدّية حول مدى جدّية هذا الدور، وفرصه وقيوده.
ووفق الورقة، تمتلك تركيا مزايا فريدة تجعلها مرشّحًا للدور: "علاقات تاريخية مع الساحة الفلسطينية، اتصالات مع الفصائل، وقدرة على النفوذ الإقليمي عبر أدوات دبلوماسية، إنسانية وتنموية — ما يجعلها في موقع أيسر من كثير من الدول".
وأضافت أنه على الأرض، بدأت أنقرة خطوات عملية: "فتح ممر إنساني إلى غزة، مد خطوط مساعدات عبر مصر، والتعهد بالمشاركة في إعادة الإعمار".
في هذا السياق، أعلن رئيس الحكومة التركية أن أنقرة ستخطو خطوة لإعمار غزة، بالتعاون مع دول الخليج.
وقدمت الورقة ثلاثة سيناريوهات محتملة: "انخراط شامل لجميع اللاعبين — مشاركة الكيان الإسرائيلي، الدول العربية، وفلسطينيين في مشروع إعادة إعمار غزة تحت إطار دولي/عربي ـ فلسطيني، مبادرة تركية قطرية — في حال غياب توافق عربي أو رفض إسرائيلي، تقود تركيا (مع قطر ربما) مشروعًا لإعادة الإعمار والدعم عبر إطار إقليمي محدود، الجمود/ دور محدود — في حال فشلت أي مبادرات، يقتصر دور تركيا على مساعدات إنسانية أو شكلية، دون إدارة حقيقية أو تأثير استراتيجي".
ورجحت الورقة أن المبادرة التركية القطرية تبدو الأكثر احتمالًا في المدى القريب، نظرًا للفراغ الذي يتركه تردّد بعض الدول، والرفض الإسرائيلي للدور التركي الكامل.
*التحديات والقيود*
وأشارت إلى أنه رغم استعداد تركيا للمساهمة، لا يزال هناك رفض إسرائيلي واضح لمشاركتها، خصوصًا في القوات الأمنية أو قوة "تثبيت سلام/استقرار" في غزة.
وتابعت "كذلك هناك مخاوف عربية حيث أن بعض الدول قد ترى في حضور تركي واسع تهديدًا لتوازن النفوذ الإقليمي، أو تنافسًا على الإدارة بعد الحرب".
ولفتت إلى أن الحاجة لتمويل ضخم لإعادة إعمار غزة ستكون مكلفة جسيمة، ما يتطلب دعمًا عربيًا – دوليًا، وتخطيطًا دقيقًا — ليس فقط إعمارًا، بل بنى تحتية، خدمات، أمن، إدارة.
ودعت الورقة الفصائل والسلطة والمجتمع المدني إلى توحيد موقف فلسطيني وطني يرحّب بدور تركي، والتركيز على البعد الإنساني والتنمية (إعمار، خدمات، دعم اجتماعي) بدلاً من الأدوار الأمنية، وتشكيل آليات شفافة لإدارة المساعدات، تضم الفصائل والسلطة والمجتمع المدني، لضمان توزيع عادل وفعّال، والانخراط مع تركيا ودول داعمة ومؤسسات دولية لتأمين التمويل، الخبرة، والشراكة.
ورسمت الورقة أفقًا محفوفة بالتحديات، لكنها تفتح أيضاً نافذة أمل أمام غزة: "طالما أن تركيا تمتلك الإرادة، والقدرة، وتوفر شراكات محتملة، فمن الممكن أن يتحول دورها من تضامن شعبي وسياسي إلى فاعلية إقليمية حقيقية تسهم في إعادة إعمار غزة، وتضعها ضمن معادلة إقليمية جديدة، وهذا الدور لن يكون تلقائيًا، بل يحتاج إلى حكم فلسطيني ذكي، تنسيق عربي – دولي، ورؤية واضحة لإدارة ما بعد الحرب".