الجزيرة:
2025-05-30@17:27:13 GMT

جانب من مأزِق واشنطن في الحرب من صنع يدَيها

تاريخ النشر: 10th, November 2023 GMT

جانب من مأزِق واشنطن في الحرب من صنع يدَيها

مع أنَّ الدعم الكامل الذي تُبديه الولايات المتّحدة لإسرائيل – في الحرب الهمجيّة التي تشنّها منذ نحو شهر على قطاع غزّة- لا يُمكن تبريرُه من منظور أخلاقيّ أو حتّى من منظور سياسيّ واقعيّ للعلاقات الأميركية- الإسرائيلية، فإنّه لا يتناقض مع إحدى الحقائق التاريخيّة للصراع الفلسطينيّ- الإسرائيليّ، وهي أنَّ الدعم الحالي الذي تُقدمه إدارةُ الرئيس جو بايدن لإسرائيلَ مطبوعٌ في الحَمض النوويّ السياسيّ لبايدن على غرار أسلافه الأميركيّين السابقين.

مع ذلك، فإنّه على مرّ المنعطفات التاريخية في القضية الفلسطينية، نادرًا ما كانت الولايات المتحدة تجد نفسها عاجزةً إلى هذا الحدّ في ممارسة نفوذها وتأثيرها، كما هو الحال عليه في الحرب الراهنة. لقد مضت خمسة عقود على حرب أكتوبر التي بدت فيها واشنطن بمثل هذا العجز؛ عندما أدّى دعمها إسرائيلَ إلى فرض حظر نفطيّ عربيّ عليها. لا تواجه الولايات المتّحدة اليوم خطر التعرّض لحظر نفطي عربي آخر، لكنّها قد تواجه ما هو أسوأ من ذلك.

فمن جانب، وعلى الرغم من الإيحاءات التي يُرسلها المسؤولون الأميركيون بأنّهم يمارسون ما يكفي من الضغط على إسرائيل لحملها على تجنّب استهداف المدنيين في غزة، واحترام قواعد القانون الدوليّ والإنسانيّ في الحرب، فإنّه لا يوجد على أرض الواقع ما يُمكن أن يدفعنا لتصديق ذلك.

إنّ السياسة الأميركية في الحرب لا تؤدي فقط إلى زيادة عدوانية الحرب الإسرائيليّة تجاه الفلسطينيين، بل تعمل أيضًا على إضعاف فرص إنهاء هذه الحرب في أسرع وقت، وخلق آفاق جدية لتحويلها إلى فرصة لإعادة تنشيط عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين

إنَّ الطريقة الوحيدة التي تستطيع بها الولايات المتحدة إجبار إسرائيل على التوقّف عن ارتكاب المجازر اليومية بحقّ الفلسطينيين، الامتناعُ عن مواصلة تزويدها بالأسلحة، وليس إعطاء النصائح لها، وهذا ما لا يُمكن توقّعه بأي حال من أي إدارة أميركية.

مع ذلك، فإنَّ الموقف الأميركيّ، اليوم، يُجسّد سنوات طويلة من الفشل في إدارة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. لعقود، كانت الولايات المتحدة عاجزةً عن ممارسة نفوذها على إسرائيل من أجل دفعها إلى قَبول حلّ الدولتَين، وأيضًا ردعها عن مواصلة الاستيطان. رغم أنّ إدارة الرئيس السابق باراك أوباما يُسجل لها دفع مجلس الأمن الدوليّ في عام 2016 إلى إصدار قرار يحثّ على إنهاء المستوطنات الإسرائيليّة في الأراضي الفلسطينية، فإنَّ خلفه دونالد ترامب أوغل بعد ذلك في تشجيع العدوانيّة الإسرائيلية من خلال الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوريّ المحتل، وتسويق مشروع صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينيّة تمامًا.

من جانب آخر، يُعمق الموقف الأميركيّ في الحرب من مأزِق علاقات الولايات المتحدة مع دول المنطقة ومصداقيّتها كقوّة عالمية قادرة على إحداث استقرار في الشرق الأوسط. لقد أمضى وزير الخارجية الأميركيّ أنتوني بلينكن في جولته الأخيرة للمنطقة ساعات طويلة من المحادثات مع نظرائه من بعض الدول العربية في العاصمة الأردنية عمّان من أجل الحصول على تأييدهم لمقترح فرض "هدنة إنسانية" في قطاع غزّة، وهو مقترح مُصمم لتخفيف الضغط العالمي على إسرائيل، مع عدم تكبيل آلتها العسكريّة في مواصلة القتل في غزّة.

كما سعى إلى تسويق مشروع أميركيّ لدفع الدول العربيّة إلى الانخراط في مشروع إدارة غزّة بعد القضاء المفترض على حركة حماس، وهو مُقترح مُصمّم أيضًا من منظور أميركي ـ إسرائيليّ لدفع دول المنطقة إلى الانخراط في مشروع إخراج غزّة من المعادلة العسكرية للصراع.

إنّ السياسة الأميركية في الحرب لا تؤدي فقط إلى زيادة عدوانية الحرب الإسرائيليّة تجاه الفلسطينيين، بل تعمل أيضًا على إضعاف فرص إنهاء هذه الحرب في أسرع وقت، وخلق آفاق جدية لتحويلها إلى فرصة لإعادة تنشيط عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والنظر إلى الأسباب الجوهرية العميقة التي أدّت لهذا الانفجار، والتي تتمثل بالسياسات الإسرائيلية العدوانية التي قوّضت فرص السلام.

إنَّ المقترحات الأميركيَّة- على غرار "الهدن الإنسانيّة"، وإيجاد ترتيب لغزّة بعد حماس، علاوة على أنّها مُصممة لمساعدة إسرائيل في مواصلة حربها على غزة بضغط إقليميّ ودوليّ أقلّ- تُظهر كيف أنَّ الولايات المتّحدة عاجزة عن بلورة رؤية فعَّالة قادرة على التعامل مع الأسباب الجوهرية العميقة لهذا الانفجار.

رغم أن الولايات المتحدة تُحمّل حركة حماس مسؤولية الحرب، فإنّ الأخيرة طرحت الرؤية التي كان ينبغي على الأميركيين منذ فترة طويلة طرحها، وهي السلام على أساس حلّ الدولتين. وإذا كان هناك من فرصة يُمكن لواشنطن من خلالها إعادة تنشيط حل الدولتَين، فإنَّ الفضل في ذلك يعود للصدمة التي أحدثتها حركة حماس في عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر. على مدى العقود الماضية، فشلت الولايات المتحدة في رعاية عملية سلام جدّية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وحرب أكتوبر الجديدة لم تكن سوى إحدى نتائج هذا الفشل.

هذه الحرب- بقدر ما تُشكل تحديات كبيرة إضافية على السياسة الأميركيّة في الصراع، وعلى المصالح الأميركية في الشرق الأوسط – تُشكل فرصة لواشنطن للتعويض عن عقود من فشلها والضغط على إسرائيل للدخول في عملية سلام حقيقية مع الفلسطينيين.

حتَّى قبل اندلاع الحرب، كانت الولايات المتحدة تواجه صعوبات في إظهار مكانتها القوية في الشرق الأوسط؛ بفعل تراجع علاقاتها مع حلفائها الأساسيين، مثل: السعودية، وتركيا وجزئيًا إسرائيل. وكانت تسعى إلى التوسّط في صفقة تاريخية بين إسرائيل والسعودية، وإيجاد بعض التفاهمات مع إيران للحدّ من البرنامج النووي الإيراني.

لم يعد بالإمكان الآن تصوّر أنَّ شرقًا أوسطَ أكثر استقرارًا سيواصل النمو. بالإضافة إلى ذلك، تجد روسيا والصين في مأزِق الولايات المتحدة- في الموازنة بين دعم إسرائيل، وعدم الإضرار بمكانتها في الشرق الأوسط – فرصةً لتعميق نفوذهما في المنطقة. مع ذلك، يُمكن لهذه الحرب أن تؤدي في نهاية المطاف إلى تعزيز الدور الحاسم الذي تلعبه الولايات المتحدة في المنطقة، إذا ما استطاعت النظر إلى ما هو أبعد من حسابات بنيامين نتنياهو في الحرب.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی الشرق الأوسط على إسرائیل فی الحرب ة التی

إقرأ أيضاً:

مصطفى بكري: موقف مصر الحاسم رفض التهجير بكل الأشكال.. والأمم المتحدة: إسرائيل تستخدم التجويع آلية لتهجير الفلسطينيين من غزة| أخبار التوك شو

تناولت برامج التوك شو، عددا من الموضوعات الهامة، نرصد أبرزها في سياق التقرير التالي:

أحمد كريمة: عقود الإيجار المجهولة المدة باطلة شرعًا
قال دكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف، إن عقود الإيجار التي تُبرم بدون تحديد مدة زمنية واضحة تُعد باطلة شرعًا، لأنها تخالف المبادئ الفقهية التي تنص على أن عقد الإيجار يتعلق بمنفعة مؤقتة وليست تملكًا لذات الشيء.

79 مريضا فى خطر .. متحدث الصحة الفلسطينية: قوات الاحتلال الإسرائيلي تحاصر مستشفى العودة شمال قطاع غزة
قال الدكتور خليل الدقران المتحدث باسم مستشفى شهداء الأقصى وأحد متحدثي وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، إن  قوات الاحتلال الإسرائيلي تحاصر مستشفى العودة شمال قطاع غزة وتطالب بإخلائه الفوري باستخدام نداءات عبر روبوتات مفخخة، وهو ما وصفته الوزارة بـ"جريمة مكتملة الأركان" تستهدف المنظومة الصحية بشكل مباشر.


شاء من شاء وأبى من أبى.. مصطفى بكري: علاقات مصر والسعودية أبدية
أكد الإعلامي مصطفى بكري، أن لديه قلق مما يحدث على مواقع السوشيال ميديا بين لجان إلكترونية من هنا وهناك، مشيرا إلى أن علاقات مصر والسعودية علاقات أبدية شاء من شاء وأبى من أبى.

المقرر الأممي: إسرائيل تمنع الأمم المتحدة من إيصال المساعدات إلى غزة
أكد المقرر الأممي المعني بالحق في الغذاء، أن آلية توزيع المساعدات بغزة غير ملائمة لاحتياجات الفلسطينيين.. والمشاهد في القطاع صادمة، حسبما افادت قناة “ القارة الإخبارية ” في خبر عاجل .


حماية المستهلك: تحرير 44 ألف محضر مخالفة في الفترة الأخيرة

قال إبراهيم السجيني رئيس جهاز حماية المستهلك، إن اليوم شهد حضور رئيس الوزراء افتتاح مقر الجهاز في مدينة القاهرة الجديدة، وهو مقر هام، موضحا: "الفارق بينه وبين باقي المقار هو الحوكمة والرقمنة واستخدام أحدث الوسائل التكنولوجية".

مصطفى بكري: موقف مصر الحاسم رفض التهجير بكل الأشكال
أكد الإعلامي مصطفى بكري، أن أمريكا وإسرائيل لن تتنازل عن مخطط التهيجر وهو ما يحدث من دفع الإحتلال الاسرائيلي أهالي قطاع غزة  نحو سيناء.

إصابة جنديين إسرائيليين أحدهما جروحه خطيرة في معارك جنوبي غزة
أفاد إعلام إسرائيلي، بإصابة جنديين أحدهما جروحه خطيرة في معارك جنوبي قطاع غزة، حسبما أفادت قناة “ القاهرة الإخبارية ” في خبر عاجل.

الأمم المتحدة: إسرائيل تستخدم التجويع آلية لتهجير الفلسطينيين من غزة
أكدت الأمم المتحدة، أن إسرائيل تستخدم التجويع آلية لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، حسبما أفادت قناة “ القاهرة الإخبارية ” في خبر عاجل .


نتنياهو: موافقتنا على مقترح ويتكوف لا تعني قبولنا وقف الحرب
أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن الموافقة على مقترح ويتكوف لا تعني قبولنا وقف الحرب، حسبما افادت قناة “ القاهرة الإخبارية ” في خبر عاجل .
 

طباعة شارك غزة قطاع غزة مصطفى بكري مصر اخبار التوك شو

مقالات مشابهة

  • ترامب يتهم الصين بخرق اتفاق الرسوم الجمركية مع الولايات المتحدة
  • ترامب: الصين انتهكت تماما الاتفاق التجاري مع الولايات المتحدة
  • هدف حرب إسرائيل هو طرد أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين من غزة
  • مصطفى بكري: موقف مصر الحاسم رفض التهجير بكل الأشكال.. والأمم المتحدة: إسرائيل تستخدم التجويع آلية لتهجير الفلسطينيين من غزة| أخبار التوك شو
  • لطالما تعاملت الولايات المتحدة مع ملف السودان بوصفه ثانويًا غير عاجل
  • الأمم المتحدة: إسرائيل تستخدم التجويع آلية لتهجير الفلسطينيين من غزة
  • مصر أكتوبر: إسرائيل تواصل استفزاز العرب ومخططاتها لتهجير الفلسطينيين وتصفية القضية لن تمر
  • توماس فريدمان: الإشارات الخاطفة التي رأيتها للتو في إسرائيل
  • الرئاسة الفلسطينية: على الولايات المتحدة التدخل الفوري لوقف الحرب الإسرائيلية في غزة والضفة
  • صحيفة صهيونية: لماذا لم تستطع “إسرائيل” ولا الولايات المتحدة هزيمة اليمنيين في اليمن؟