الترسانة النووية الإسرائيلية والأمن القومى العربى
تاريخ النشر: 22nd, November 2023 GMT
ليست هى المرة الأولى التى تلوح فيها إسرائيل باستخدام السلاح النووى ضد خصومها، فما قاله عميحاى إلياهو وزير التراث الإسرائيلى خلال الحرب الهمجية على الشعب الفلسطينى الشقيق قبل أيام، بأن ضرب قطاع غزة بقنبلة نووية قد يكون أحد الخيارات المطروحة، سبق وطرحه ساسة وقادة إسرائيليون آخرون، كنوع من التهديد المباشر، والإعلان شبه الرسمى عن امتلاك تل أبيب لأسلحة الدمار الشامل.
ورغم إعلان بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية تجميد حضور الوزير الإسرائيلى المذكور لاجتماعات مجلس الوزراء كنوع من العقاب السياسى لخروجه عن اللياقة، إلا أنه من المحتمل، بل ومن المرجح أن تصريح الوزير لم يكن عفوياً، وإنما يدخل فى إطار تنويع الأدوار السياسية داخل حكومة إسرائيل فى إطار إدارة الحرب، وأن يكون المقصود من ذلك التلويح لقوى إقليمية أخرى بما تمتلكه إسرائيل من أسلحة غير تقليدية حال توسيع نطاق الحرب ودخول أطراف أخرى.
وما يهمنا فى مصر كدولة رائدة فى الشرق الأوسط، تمثل ثقلاً عربياً وإفريقياً، ومركزاً رئيسياً فى كافة أطروحات السلام، وما يهمنا كمجتمع عربى متماسك، وكدول شرق أوسطية متعاونة، هو أننا بصدد تهديد للسلام، لذا فإن تصريح الوزير الإسرائيلى يدفع كافة الأطراف للاصطفاف بهدف التحذير من خطر دمار شامل خارج عن السيطرة، يحمل آثاراً مفزعة لشعوب المنطقة ككل. وأتصور أن هذا التصريح يمثل نقطة انطلاق جديدة لفضح امتلاك إسرائيل للأسلحة النووية دولياً، ودعوة المجتمع الدولى لتحمل مسئولياته فى ترسيخ الأمن والاستقرار.
إن هناك كثيراً من المبادرات التى طرحت قبيل الحرب لتوسيع نطاق السلام، والسعى لاستئناف مفاوضات إقامة الدولة الفلسطينية، وتحقيق نوع من التعايش السلمى والتعاون الإقليمى فى المنطقة، وصار من المفترض الآن أن يتم ربط أى مبادرات مطروحة للسلام على المستوى العربى بانضمام إسرائيل لاتفاقية نزع أسلحة الدمار الشامل.
إن الدبلوماسية المصرية المخضرمة بالتعاون مع الدبلوماسية العربية فى مختلف الأقطار الشقيقة يمكن أن تلعب دورا فى صياغة ورقة عمل للتحرك فى المؤتمرات والمنتديات الدولية المعنية بنزع السلاح النووى، للضغط على إسرائيل لتصفية ترسانتها من أسلحة الدمار الشامل، ذلك لأن مبادرات السلام لا يمكن أن تقوم على تفوق نووى لدولة على حساب جيرانها.
ولا شك أن إسرائيل واحدة من دول العالم التى تمتلك أسلحة نووية منذ عقود، وإن لم تعترف رسميا بذلك، فهناك تسع دول معروفة بامتلاكها للسلاح النووى منها خمس دول تعترف بذلك وهى الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا وبريطانيا، وفرنسا والصين، وهناك أربع دول أخرى تمتلك السلاح النووى دون اعتراف رسمى وهى إسرائيل، الهند، باكستان، وكوريا الشمالية.
لقد نشرت صحف ومجلات دولية عشرات الموضوعات حول ترسانة إسرائيل النووية، والتى كانت هدفاً رئيسياً للكيان الصهيونى منذ تأسيسه حتى إنه تم إنشاء هيئة للطاقة الذرية سنة 1952، وسبق أن أشارت وثائق إسرائيلية مسربة إلى أن مناقشات دارت فى حكومة جولدا مائير خلال حرب أكتوبر 1973 بشأن إمكانية اللجوء للسلاح النووى.
وكل ذلك يعنى أننا مطالبون بتفعيل القوى الناعمة، والتنديد بمخالفة إسرائيل للمواثيق والمعاهدات الدولية، ودفع المجتمع الدولى لإلزام دولة إسرائيل على التوقيع على اتفاقية منع الانتشار النووى، وربط مبادرات السلام المستقبلية بذلك.
وسلامٌ على الأمة المصرية
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: هاني سري الدين الترسانة النووية الاسرائيلية الامن القومي العربي السلاح النووي عميحاي إلياهو وزير التراث الإسرائيلي
إقرأ أيضاً:
تدخل ترامب في السودان سلاحٌ ذو حدّين
ترجمة: بدر بن خميس الظفري
أعادت الزيارة الأخيرة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن تسليط الضوء على أحد أبرز الملفات التي يواجهها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وهو الحرب في السودان.
ورغم أن البيت الأبيض أعلن منذ فترة طويلة اهتمامه بالتعقيدات السودانية ـ وخاصة الحرب الدائرة منذ أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع ـ إلا أن هذا الاهتمام يبدو أنه ازداد بعد زيارة الأمير محمد بن سلمان.
يمثّل الأمن القومي في البحر الأحمر أولوية قصوى بالنسبة للولايات المتحدة، إذ تستمر سياساتها في التشكل وفقًا لمقاربات مكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار الإقليمي. سبق لواشنطن أن حذّرت من أن الحرب في السودان تشكّل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الأمريكي.
من جهتها، سعت وزارة الخارجية الأمريكية إلى تمهيد الطريق لعملية السلام، بما في ذلك عدة جولات تفاوضية تكللت مؤخرًا بدفع دبلوماسي من المجموعة الرباعية - الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات - بهدف إنهاء الحرب.
أما تصريح ترامب الذي قال فيه: إن «الحرب في السودان لم تكن ضمن أولوياتي» قبل طلب ولي العهد السعودي تدخله، فيبدو أنه تغيير استراتيجي بسيط وتعبير عن تقدير لولي العهد. ويمكن أن يسعى ترامب أيضًا إلى تقديم الأمير محمد بن سلمان زعيمًا إقليميّا قادرا على الوساطة، وشريكا يمكن لواشنطن الاعتماد عليه.
هذا الموقف يعكس دعم ترامب لدور سعودي أوسع في الدبلوماسية الإقليمية، وينسجم مع اهتمامه الأعم بجهود بناء السلام حول العالم.
وتصاعد الانخراط الأمريكي منذ ذلك التصريح؛ فقد تحدث وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو هاتفيًا مع وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد، في إشارة إلى تعمّق الانخراط الأمريكي وتنسيقه المستمر مع شركاء الرباعية.
لكن هذا الانتباه المتأخر يأتي في مرحلة حرجة للغاية، إذ وصفت الأمم المتحدة مرارًا السودان بأنه يواجه واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. ربما كان التدخل المبكر قادرًا على إنقاذ الأرواح - خصوصًا خلال سقوط الفاشر بيد قوات الدعم السريع - وتجنّب الفظائع ضد المدنيين، والتخفيف من حدة الكارثة الإنسانية الحالية بما فيها نقص مياه الشرب والغذاء، وانهيار البنية الأساسية، والنزوح الواسع.
غالبًا ما يُشار دوليًا إلى السودان على أنه «الحرب المنسية»، إذ ظلت أولويات القوى الكبرى تتجاهله. وقد يرفع دخول ترامب على خط الوساطة مستوى الاهتمام الدولي مؤقتًا، قبل أن يتراجع مجددًا.
رحّب مجلس السيادة السوداني، برئاسة عبد الفتاح البرهان، سريعًا بجهود السعودية وتصريحات ترامب بعد أسابيع من رفض ضمني لمبادرة وقف إطلاق النار الإنسانية المقترحة من الرباعية.
ربما يعود هذا التغيير إلى الارتقاء بمستوى العملية السياسية تحت إشراف ترامب المباشر، أو ربما لضمانات قُدمت للبرهان خشية ردود فعل داخلية.
بعد منشور البرهان على منصة «إكس»، الذي شكر فيه السعودية والولايات المتحدة، بدا أن حالة الاستقطاب بدأت بالانحسار قليلًا، إذ أعرب أنصار الجيش - ومنهم علي كرتي الأمين العام للحركة الإسلامية السودانية - عن أمل جديد في الاستقرار والسلام.
أما قوات الدعم السريع، فرحبت بالتدخل الأمريكي، لكنها اتهمت «الجهات التي تتحكم في قرار الجيش» بعرقلة السلام، مؤكدة رغبتها في معالجة جذور الأزمة وبناء «سودان جديد».
لكن المشهد تغيّر مرة أخرى، عندما أعلن البرهان أن السودان لا يمكنه قبول مبادرة الرباعية، واصفا إياها بأنها «الأسوأ حتى الآن». وبعدها بيوم، أعلن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) موافقته على وقف فوري لإطلاق النار لمدة ثلاثة أشهر، وقال: «نأمل أن تقوم دول الرباعية بدورها في دفع الطرف الآخر للتجاوب مع هذه الخطوة».
ما الذي سيحدث لاحقًا؟
لا يزال المشهد ضبابيًا. من غير الدقيق افتراض أن التفاهم السعودي - الأمريكي سيغيّر أساس خارطة الطريق التي وضعتها الرباعية بدعم من البيت الأبيض. ومع ذلك، قد يسرّع تدخل ترامب في تنفيذ الاتفاق دون أن ينحاز لطرف محدد أو يخدم حسابات سياسية داخلية. ومهما يحدث على المدى القريب، فالتحديات المقبلة في طريق السلام في السودان كبيرة للغاية.
قد تتمكن القوى المستفيدة من الحرب من الصمود في وجه كل مبادرات السلام. صحيح أن شكر البرهان يشكّل لحظة دبلوماسية نادرة، لكنه لا يلغي المصالح الراسخة أو دعم أطراف خارجية موّلت الصراع لسنوات في سياق صراع إقليمي على النفوذ. كما أن فرض السلام سيكون معقدًا؛ فقد ينهار وقف إطلاق النار دون مراقبة مستقلة، وقد تؤدي الخروقات إلى تآكل الثقة الهشة بسرعة. أما إمكانية تشكيل حكومة مدنية فتبقى محل صراع شديد، وإذا اعتُبرت مفروضة من الخارج، فقد تُرفض شعبيًا.
حتى إنْ أيّد الجمهور عملية السلام، يمكن للمقاومة المستترة - من تدفقات السلاح إلى التحالفات الخفية - أن تُفشل المسار برمته. وإذا صمد وقف إطلاق النار، فقد يفتح نافذة إنسانية ضرورية، تتيح إيصال المساعدات وإنقاذ الأرواح وتعزيز الثقة تدريجيًا. ويمكن أن يمهّد انتقال موثوق نحو الحكم المدني لتغيير حقيقي في سردية مستقبل السودان.
كما يمكن للرباعية ممارسة ضغط جماعي لاستخلاص تنازلات جوهرية من أطراف النزاع.
مع ذلك، قد تبقى الهياكل الأساسية للقوة على حالها، بما فيها شبكات السيطرة العسكرية والتمويل والتسليح، واستمرار تهميش المجتمع المدني. وقد لا يكون وقف إطلاق النار سوى محطة مؤقتة سرعان ما تتلاشى عند بدء المفاوضات السياسية.
في نهاية المطاف، يظل تدخل ترامب سلاحًا ذا حدّين: يمنح وزنًا سياسيًا وزخمًا دبلوماسيًا، لكنه يعرّض مستقبل السودان لخطر الارتهان لحسابات جيوسياسية تبادلية. يمثل موقف البرهان العلني فرصة مهمة، لكن النجاح يتطلب آليات صارمة للرقابة والتنفيذ، وانتقالًا شاملًا يستند إلى الإرادة السودانية، وضمانات موثوقة.
وإذا جرى استثمار هذه اللحظة، فقد يلمح السودان أخيرًا مستقبلًا مدنيًا. وإن ضاعت، فقد تنقلب مرة أخرى إلى مأساة جديدة.
أسامة أبوزيد باحث مختص في قضايا التنمية والحوكمة
الترجمة عن موقع ميدِل إيست آي.