ماذا لو اختفى النظام الإيراني بضربة إسرائيلية- أميركية؟
تاريخ النشر: 6th, July 2025 GMT
حتى وإن وضعت الحرب أوزارها بين إيران وإسرائيل /أميركا، فلا يصعب تخيل اندلاع جولة أخرى من هذا الصراع في لحظة قادمة، ولا سيما أن إيران أثبتت أن ما لديها من مخزون وتقنية باليستية، قادر على تهديد العمق الإسرائيلي. وإذا ما نشبت حرب قادمة فربما يكون شعارها تغيير النظام، حتى لو اقتضى الأمر تدخلًا بريًا، أو إثارة الفوضى في الداخل الإيراني.
مثل هذا الاحتمال يدفعنا إلى طرح السؤال: ماذا لو اختفت إيران -بنظامها الحالي- من معادلة الشرق الأوسط؟ وهذا ما نحاول الإجابة عنه أدناه.
أولًا: القضية الفلسطينيةمن أبرز التداعيات السياسية والأمنية لأي تطور خطير قد يطرأ على إيران، أن تستغل إسرائيل والولايات المتحدة هذا الوضع لتنفردا بتحديد مستقبل القضية الفلسطينية، عبر تجميدها، أو حتى السعي لتصفيتها بالكامل.
ويتم ذلك من خلال خطوات عملية تشمل ضم مزيد من الأراضي، وتسريع وتيرة الاستيطان، وفرض واقع جديد على الأرض، إضافة إلى اقتراح صيغة مختلفة للتعامل مع غزة سبق أن رفضتها الدول العربية، ويُطلق عليها حاليًا: "اليوم التالي" لما بعد المجازر والإبادة الجماعية التي دمرت كل مقومات الحياة في القطاع.
في هذا السياق، سيتعرض المقاومون الفلسطينيون، رغم امتلاكهم ورقة الأسرى، لضغط نفسي هائل، قد يؤثر على تمسكهم بخيار الكفاح المسلح.
والمؤكد أن القدس والمقدسات في الخليل وغيرها، إلى جانب وجود السلطة الفلسطينية في رام الله بناءً على اتفاقات أوسلو، وما تمثله من سيطرة رمزية على مناطق محدودة من الضفة الغربية، كل ذلك قد يصبح في طي النسيان.
ويتعزز هذا الاحتمال في ظل الحكومة الإسرائيلية الحالية المنتمية إلى اليمين المتطرف، والتي تعيش حالة من الزهو بالنصر والثقة الزائدة، خصوصًا بعد التورط الأميركي المباشر في الحرب.
ويبدو أن ما يشجع إسرائيل على المضي في هذه السياسات هو قناعة الولايات المتحدة، ومعها القوى الأوروبية التي دعمت نشأة إسرائيل منذ البداية، بأن تل أبيب هي الطرف المنتصر الذي يحق له فرض رؤيته وشروطه.
إعلانوبناءً عليه، فإن جميع التصريحات السابقة عن حل الدولتين، ورفض الاستيطان، والحفاظ على المقدسات الإسلامية والمسيحية، ستُطوى وتُعتبر من الماضي.
ثانيًا: إسرائيل ودول الجوار الجغرافيفي محيطها العربي القريب، تبدو الخطط الإسرائيلية أكثر تعقيدًا. فعلى الحدود الجنوبية مع مصر، يلوح في الأفق سيناريو تهجير سكان غزة إلى سيناء، وهو سيناريو خطير قد يدخل حيّز التنفيذ.
ورغم الموقف المصري الرافض هذه الفكرة، فإن الضغوط الإقليمية والدولية قد تكون غير مسبوقة هذه المرة. وعليه، فإن التصدي لهذا المخطط قد يتطلب من القاهرة مواقف نوعية، تصل حد التلويح بالمواجهة العسكرية، وإن كان هذا الاحتمال لا يزال مستبعدًا في الوقت الراهن.
أما في الأردن، فيبدو الوضع أكثر مرونة من المنظور الإسرائيلي، حيث يمكن أن يُطرح خيار تهجير أعداد كبيرة من فلسطينيي الضفة الغربية إلى الأراضي الأردنية، مقابل وعود أميركية بدعم اقتصادي سخي، قد لا تقدمه واشنطن مباشرة، بل من خلال أطراف دولية أخرى، إن أوفت بوعودها أصلًا.
وفي سوريا، تُطرح سيناريوهات غير معلنة قد تُفضي إلى ترتيبات ميدانية جديدة، يُعاد من خلالها رسم التوازنات في الجنوب بما يمنح النظام الحالي قدر من الاستقرار.
أما في لبنان، فقد يكون إنهاء مهمة قوات اليونيفيل على الحدود الجنوبية مسألة وقت، إذ يكفي إطلاق رصاصة واحدة- أو حتى فبركتها- كي تتخذها إسرائيل ذريعة للتدخل العسكري، وفرض شريط حدودي يمتد لعدة كيلومترات جنوب نهر الليطاني.
ثالثًا: الاتفاقات الأبراهاميةفي إطار مسعاها لإعادة تشكيل المنطقة وفق رؤيتها الخاصة، ستسعى إسرائيل- وقد شعرت بذروة قوتها- إلى الإسراع في تطبيع علاقاتها مع ما تبقى من الدول العربية الكبرى التي لم تلتحق بعد بركب "الاتفاقات الأبراهامية".
لكن هذه المرة، لن يقتصر الأمر على علاقات شكلية أو دبلوماسية، بل ستمضي إسرائيل نحو إبرام اتفاقات شاملة تشمل الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية.
الهدف من هذه الاتفاقات يتجاوز مجرد التقارب، بل يسعى إلى تقليص سيادة تلك الدول تدريجيًا، بما يجعل إسرائيل اللاعب المحوري في إدارة موارد وثروات المنطقة.
وستحظى هذه المساعي بدعم أميركي واسع، إذ ترى واشنطن فيها أداة فعالة لطرد النفوذ الروسي والصيني من الشرق الأوسط، وإعادة ترتيب الإقليم بما يخدم المصالح الغربية أولًا وأخيرًا.
رابعًا: تجزئة المجزأ وشرذمة المشرذمفي ظل نشوتها بما تعتبره "نصرًا"، قد تعمد إسرائيل إلى كشف أوراق خطتها القديمة التي لطالما تداولتها أوساطها الإستراتيجية في الخفاء، والتي تقوم على دعم الأقليات الدينية والإثنية داخل العالم العربي، ليس فقط بشكل غير مباشر كما في السابق، بل عبر إعلان صريح وواضح يهدف إلى تفتيت المنطقة إلى كيانات صغيرة وضعيفة.
سيُعاد إحياء المشاريع التقسيمية القديمة، لتتحول بعض المكونات الطائفية والعرقية إلى شبه دول: شيعية، سنية، درزية، مارونية، قبطية، شركسية، كردية، وأمازيغية.
وتُسلح هذه الكيانات أحيانًا لمجابهة الدولة المركزية، بل قد تُزج لاحقًا في صراعات متبادلة مع نظيراتها الطائفية أو القومية (كالصراع السني/الشيعي، أو العربي/ الكردي، أو المسلم/ القبطي…).
إعلانوقد لا تقتصر الفوضى على هذا النطاق، بل تمتد إلى اقتتال داخل كل فئة على حدة: كردي ضد كردي، ومسيحي ضد مسيحي… وهكذا، بما يضمن لإسرائيل بيئة مجاورة مضطربة لا تشكل عليها أي تهديد مستقبلي.
خامسًا: شرق أوسط جديدمن بين المهام الإستراتيجية التي تسعى إسرائيل إلى تنفيذها، إعداد بيئة إقليمية تمكّنها من فرض هيمنتها الكاملة دون وجود أي منافسين حقيقيين. وفي هذا الإطار، تُعرض الاستثمارات الإسرائيلية- مدفوعة بغطاء سياسي واقتصادي- على دول عربية ثرية، بحيث تُصبح هذه الدول مع الوقت رهينة لمصالح إسرائيل، وتابعة لها اقتصاديًا وإستراتيجيًا.
أما البحر الأحمر، الذي كان يُنظر إليه في خمسينيات القرن الماضي كمجال إستراتيجي عربي، فهو مرشح اليوم لأن يتحول إلى ما يشبه البحيرة الإسرائيلية، عبر السيطرة على الممرات البحرية والجزر الممتدة من باب المندب جنوبًا حتى شمال البحر. وقد خلصت إسرائيل إلى أن من يُمسك بمفاتيح هذا الممر يملك قدرة حاسمة على تهديد أو حماية تجارتها الدولية.
وفي شرق البحر المتوسط، وتحديدًا في بحر غزة، وصولًا إلى السواحل المقابلة لقبرص واليونان وتركيا، تتطلع إسرائيل إلى بسط نفوذها الكامل على الثروات الغازية والنفطية، وإخضاع هذا الامتداد البحري لمصالحها الحيوية.
وتمتد هذه الطموحات إلى القارة الأفريقية، حيث تسعى إسرائيل- عبر علاقتها المتينة مع إثيوبيا وإريتريا- إلى توسيع نفوذها الاقتصادي والعسكري هناك، ومنافسة قوى دولية كبرى مثل الصين وروسيا وفرنسا على الأسواق والموارد والنفوذ في تلك المناطق الحيوية.
في مواجهة الإستراتيجية الصهيونيةفي ظل هذا المشهد المتشابك، تبدو الحاجة ملحّة أكثر من أي وقت مضى لأن تبحث الدول العربية- وعلى رأسها مصر- عن بدائل أمنية وإقليمية تكبح جماح التمدد الصهيوني المرتقب. فمصر، بوصفها القوة العسكرية الأبرز في المنطقة، مؤهلة لأن تلعب دورًا محوريًا في صياغة هذا التوازن المضاد.
ولن يكون من الحكمة أن تنتظر القاهرة أو العواصم العربية الأخرى حتى تكتمل لحظة الانقضاض على طهران، إذ ينبغي اتخاذ إجراءات وقائية منذ الآن.
من بين أبرز هذه الإجراءات، الوقوف الحازم في وجه مخطط تهجير الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية، لما لهذا الموقف من أهمية في إبقاء القضية الفلسطينية حية على الساحة الدولية.
كذلك، يُعد تعزيز التعاون الإستراتيجي بين الدول العربية من جهة، وكل من روسيا والصين وتركيا من جهة أخرى، خيارًا واقعيًا وواعدًا، يمكن أن يُسهم في كبح التدخلات الأميركية والإسرائيلية في المنطقة، خاصة إذا تحولت هذه الشراكات إلى صيغ اقتصادية وعسكرية متينة.
ومن الأهمية بمكان أيضًا، إعادة تقييم مسار "الاتفاقات الأبراهامية"، والسعي إلى وقف موجة التطبيع المتسارع، لا سيما أن مبرراته السابقة -وعلى رأسها "الخطر الإيراني"- قد تراجعت أو تلاشت تمامًا. ولم تعد بعض الدول العربية مضطرة للرضوخ لخطاب التخويف الأميركي، الذي طالما استُخدم لدفعها نحو تحالفات أمنية علنية أو سرية مع إسرائيل.
ومن بين أوراق الضغط الإستراتيجية كذلك، تشجيع إيران على إقامة تحالفات عسكرية مع الصين أو روسيا، وهي خطوة كانت طهران تتحفظ عليها سابقًا، لكنها اليوم- بعد استهداف منشآتها النووية- قد تجد نفسها نادمة على ترددها، وأكثر استعدادًا للانخراط فيها.
إن الوقائع الماثلة تفرض على الدول العربية أن تتحرك سريعًا لحماية أمنها القومي، وألا تكتفي بردّ الفعل بعد فوات الأوان، لأن تأجيل المواجهة قد يؤدي إلى واقع أكثر إيلامًا وتعقيدًا في المستقبل القريب.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الدول العربیة إسرائیل إلى
إقرأ أيضاً:
الجامعة العربية: قضايا الإرهاب والتطرف أصبحت ورقة في أيدي الساعين لتشويه هويتنا
ألقى السفير أحمد رشيد خطابي، الأمين العام المساعد ورئيس قطاع الإعلام والاتصال بجامعة الدول العربية، كلمة خلال الجلسة الافتتاحية لـ منتدى الحوار الإعلامي العربي الدولي الذي استضافته العاصمة الليبية طرابلس، اليوم 11 ديسمبر 2025.
واستهل السفير خطابي كلمته بتوجيه خالص الشكر والتقدير لدولة ليبيا على ما قدمته من حسن استقبال وكرم ضيافة وتنظيم رفيع المستوى لأعمال المنتدى، مشيراً إلى أن هذا اللقاء يأتي في إطار متابعة تنفيذ الخطة التنفيذية للاستراتيجية الإعلامية العربية المعتمدة من مجلس وزراء الإعلام العرب، والتي تستند إلى ثلاثة محاور رئيسية: القضية الفلسطينية، مكافحة التطرف والإرهاب، وترسيخ مقومات الهوية العربية.
وأكد في كلمته، أن الحوار أصبح مفهوماً جاذباً على المستويات الفكرية والسياسية والدبلوماسية والإعلامية، إلا أن مصداقيته تظل مرتبطة بالثقة والاحترام المتبادلين، مشدداً على أنه لا جدوى من حوار يتأسس على المفاضلة أو التعصب أو استعلاء طرف على آخر، فـ "نفي الاختلاف أصعب من الخلاف ذاته".
وأشار إلى أن العالم العربي، الذي قدم عبر التاريخ نماذج بارزة في ثقافة الحوار والتعايش—ومنها الميراث الأندلسي—مطالب اليوم بالدخول في حوار جاد وشجاع مع الغرب، حوار يزيل رواسب الماضي ويواجه الصور النمطية والأحكام المسبقة والتيارات الاستشراقية والمتطرفة التي تسعى لتشويه قيم المجتمعات العربية.
وفي هذا السياق، شدد السفير خطابي على مسؤولية وسائل الإعلام في نقل صورة معبرة وفاعلة عن الشخصية العربية إلى الرأي العام الدولي، عبر محتوى حداثي منفتح يواكب المتغيرات ويعبر عن القضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وما تشهده من تضامن دولي متزايد في ظل الاعترافات المتتالية بدولة فلسطين، إضافة إلى تداعيات العدوان الإسرائيلي على غزة والتصعيد في الضفة الغربية.
كما تطرّق إلى أهمية دور الإعلام والمنصات الرقمية في تناول القضايا الشائكة مثل الإرهاب والتطرف والهجرة، التي أصبحت ورقة سياسية في أيدي بعض القوى الشعبوية الساعية إلى تشويه الهوية العربية أو الإساءة للرموز الدينية، في تعارض مع التشريعات الدولية ذات الصلة، وخاصة العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
وكشف خطابي، أن جامعة الدول العربية كانت من أوائل المنضمين، منذ أكثر من عشرين عاماً، إلى مجموعة أصدقاء تحالف الحضارات التابعة للأمم المتحدة، وحرصت على وضع خطط مرحلية متتالية، من بينها مشروع الخطة الاستراتيجية الموحدة 2026–2031، التي تتناول محاور حيوية تشمل الإعلام والهجرة والشباب والمرأة والتنمية المستدامة، وبانفتاح كامل على الشركاء الدوليين والإقليميين.
وأشار إلى أن هذه الجهود تنسجم مع توجهات الجامعة في نشر ثقافة السلام والتسامح ونبذ الكراهية والإقصاء، بما يتماشى مع المواثيق الدولية، ومن بينها إعلان (كاشكايش) الذي صدر عن اجتماع المجموعة في البرتغال عام 2024 بمشاركة واسعة من الدول والمنظمات، داعياً إلى تعزيز الحوار بين الحضارات واحترام التعددية واستدامة السلام.
وفي ختام كلمته، أكد السفير خطابي أن تعزيز الحوار الهادف يبدأ من توحيد وتحديث الخطاب الإعلامي العربي، مع مراعاة المتطلبات المهنية واستخدام اللغات الأجنبية وأدوات التواصل الحديثة لضمان انتشار هذا الخطاب بما يخدم المصالح العربية الجماعية ويعزز التفاعل مع القيم الإنسانية المشتركة.
كما أعرب عن تطلعه إلى نقاشات مثمرة تُتوَّج بتوصيات عملية تُرفع إلى مجلس وزراء الإعلام العرب.