مذكرات الرئيس الإرياني(2).. اللقاء مع الملك فيصل
تاريخ النشر: 6th, July 2025 GMT
الجزء الأول.. مذكرات الرئيس اليمني عبدالرحمن الإرياني.. أول المُدوَّنين وآخر الناشرين
يروي الرئيس الإرياني بدقة متناهية تفاصيل ما أسماه “اللقاء الصريح والأخير” مع الملك السعودي فيصل بن عبد العزيز، حدث ذلك في زيارة رسمية إلى السعودية بدعوة من الملك فيصل أثناء طريقه متوجهًا إلى القمة الإسلامية التي ستنعقد في لاهور باكستان في شباط 1974.
قضايا ومواقف وشؤون سياسية يمنية كانت محل اعتراض الرياض، ومهمته هي إقناع المملكة بمبدأ الصداقة بين الدولتين وما يعمل لمصلحة اليمن وحقن الدماء، وشرح دوافع تغيير رئيس الوزراء وتكليف أحد الشباب التكنوقراط وهو حسن مكي بدلًا عن عبدالله الحجري الذي جمع سلطتين: عضوية المجلس الجمهوري ورئاسة الحكومة، وإن لم ينطق بالتسمية التي ينوي تكليفها بالحكومة بعد العودة.
تحدث الرئيس الإرياني في البداية مع الأميرين فهد وسلطان، وأبديا اقتناعهما وثقتهما بوجوده على رأس الجميع وحرصهما على الأوضاع في اليمن، والحقيقة أن الرئيس الإرياني يبدي إعجابًا كبيرًا بالأمير فهد كرجل في غاية التهذيب وحنكة السياسة في الحديث، ويحدد سوء العلاقات والتفاهم مع الشقيقة السعودية بشخص الملك فيصل فقط، وهنا ما جرى في حديثهما منفردين، وهو من أمتع النقاشات التفصيلية التي جاءت في المذكرات، وعلى ما فيه من فائدة كثيرة في تبادل وجهات النظر والأفكار وإخراج المشاعر الشخصية.
“في 1974/2/20 في العاشرة صباحًا، قمت بزيارة الملك فيصل في قصر المعذر. وقد استقبلني على باب السيارة ودلف بنا إلى صالون كبير، وكان هناك الأمير فهد والدكتور رشاد فرعون مستشار الملك، وقد أشار إليهما فخرجا إلى مكان جانبي بحيث يسمعان كل ما يدور من نقاش، ولا شك أن الأميرين فهدًا وسلطانًا كانا قد أخبرا الملك بحديثي معهما البارحة وإصراري على تكليف أحد الشباب بتشكيل الوزارة وعلى سياسة الانفتاح والمسالمة مع الجنوب، وإيقاف التعامل خارج مؤسسات الدولة، ولذلك فقد كان يبدو منفعلاً، ظل طيلة الساعة التي استمر حديثنا فيها يتلهى بنتف شعر العباءة التي يلبسها. وقد افتتح الحديث بشرح مطول يحوم حول انحراف الشباب (والعياذ بالله) واعتناق الكثيرين منهم الشيوعية والبعثية العراقية، فحسن مكي ماركسي ومحسن العيني بعثي عراقي حتى بلغنا (والعياذ بالله) أن من أولادكم من يعتنق الحزبية. ولم أحاول النفي أو الدفاع، بل قلت له أن يكون في الشباب حزبيون فهذا ما لا ننفيه، فعندنا شيوعيون روس وشيوعيون صينيون وبعثيون عراقيون وبعثيون سوريون، وهذه هي طبيعة الحياة وكثير منهم يعودون من دراستهم في الخارج ولهم ميول حزبية ما في ذلك شك، ولكنهم أولًا وأخيرًا يمنيون وملتزمون بالدستور اليمني الذي يحرم النشاط الحزبي. والناس على أي حال يفكرون في بيوتهم ولا يستأذنون، ونحن لا نريد أن نصنف المواطنين شبابًا وشيوخًا ونضرم بينهم حرب البسوس، بل نريد أن نمد الجسور بين الجيلين ليستفيد الوطن من حكمة الشيوخ وطاقة وحيوية وثقافة الشباب، اقتناعًا منا أن الشباب هم أصحاب المستقبل بحكم سنة التطور التي هي سنة الله في خلقه سواء رضينا أم كرهنا. فقال: أما الشيوعيون فليس لهم لدينا إلا “بتر… بترًا” وأشار بيده إشارة تعني البتر، ولكن استعملوا الشباب المؤمن. فقلت له: إذا كان هناك شباب مؤمن بالمعنى المراد لجلالتكم للإيمان فهو غير مؤهل، وقد كان الخليفة العادل عمر بن الخطاب يؤثر بأعماله الفاجر القادر على المؤمن العاجز، والإمام علي كرم الله وجهه يقول: “لا تقسروا أولادكم على أخلاقكم فإنهم خُلقوا لزمان غير زمانكم”، إنه بهذا يؤكد سنة التطور التي أشرت إليها. ثم إننا نعتبر كل من كان ظاهره الإسلام فباطنه الإيمان وعلينا أن نعمل بالظاهر، والله متولي السرائر، والرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه يقول: “من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله فقد عصم دمه وماله وعرضه وحسابه على الله”.
وبعد هذا الدرس وجم الملك فيصل وقال: “إن شعورنا بالخطر على اليمن هو شعورنا بالخطر على أنفسنا”، فشكرته على هذا الشعور الكريم وقلت له: “إن عليهم أن يثقوا بالمجلس الجمهوري ويتركوا لنا التصرف في شؤوننا الداخلية وفي اختيار رئيس الوزراء من الشباب المثقف، وبعد ذلك فإن المجلس الجمهوري هو الذي يخطط السياسة ويشرف على تنفيذها”. ولم ترق لجلالته على ما يبدو هذه الصراحة، فقال منفعلًا: “نحن لا نريد التدخل في شؤونكم، معاذ الله معاذ الله، أنا لا أتدخل في شؤونكم، أنا خائف على نفسي، جلالة الملك عبد العزيز رحمه الله قال: خيركم من اليمن وشركم من اليمن”. فقلت: “إن شاء الله لا يأتيكم من اليمن إلا الخير وعلى كل حال الله يكون في العون..”
“هذا ما سجلته في مذكراتي باختصار في مساء ذلك اليوم، وأنت ترى أننا لم نظفر بالتقاء في الرأي بقناعة يترتب عليها الثقة المتبادلة، ولكن علينا أن نعمل من وحي ما نعتقد أن فيه مصلحة اليمن دون الجري وراء إرضاء الناس الذي هو غاية لا تدرك.”
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق كتابات خاصةللأسف لا توجد لدينا رعاية واهتمام بالفنانين واصبحنا في عالم...
انا لله وانا اليه راجعون حسبنا الله ونعم الوكيل...
أنا طالبة علم حصلت معي ظروف صعبة جداً و عجزت اكمل دراستي و أ...
نحن اقوياء لاننا مع الحق وانتم مع الباطل...
محمد عبدالخالق سعيد محمد الوريد مدير بنك ترنس اتلنتيك فليوري...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: الرئیس الإریانی الملک فیصل فی الیمن من الیمن
إقرأ أيضاً:
الملك يهنئ الرئيس تبون بعيد استقلال الجزائر ويعرب عن مشاعر الأخوة والتقدير
صراحة نيوز -هنأ جلالة الملك عبدالله الثاني، اليوم الخميس، رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية عبدالمجيد تبون، بمناسبة عيد الاستقلال.
وأعرب جلالته، في برقية بعث بها إلى الرئيس تبون باسمه وباسم شعب المملكة الأردنية الهاشمية وحكومتها، عن أحر التهاني والمشاعر الأخوية الصادقة بهذه المناسبة الوطنية المجيدة.
وتمنى جلالته للرئيس تبون موفور الصحة والعافية، وللشعب الجزائري الشقيق دوام التقدم والازدهار، وتحقيق المزيد من تطلعاته في التنمية والرخاء، مؤكداً عمق العلاقات الأخوية التي تربط البلدين والشعبين الشقيقين.