لجريدة عمان:
2025-07-02@05:10:03 GMT

هدنة مع الدهر في صوت فيروز

تاريخ النشر: 25th, November 2023 GMT

لم تزل تكبر بمنأى عن صوتها الجاري بإيقاع النهر في شريط التسجيل. صار عمرها قبل أيام ثمانية وثمانين عاما، ولم تزل تكبر وتكبر، فينا ومعنا. في صوتها يتعتق زمن عربي مهجور منذ منتصف الخمسينيات، وكلما اشتقنا لعاطفة عربية موحدة عدنا لأغنيتها المعلقة بين زمنين. صوتها ظلها، قطعة صغيرة من أرض الوطن الصغير، حيث يتماهى المتحاربون المتعبون من حربهم على الوطن.

أما هي الواقفة بشموخ على خشبة المسرح، فهي الشجرة التي تُجذر انتسابنا لكل ما هو عربي، حتى باتت «جارة القمر» أيقونة مشرقية يطبعها المستشرقون في كولاج أيقوناتهم عن الشرق وعجائبه، بعد أن أدمنت كاميرا هوليوود اقتباس الصحراء كصورة نمطية عن الثقافة العربية، المؤطرة في صورة البدوي الواقف إلى جانب الجمل والخيمة. لقد غنت فيروز للمدينة العربية، غنَّت لجداول الماء في الضيعة اللبنانية الصغيرة، للجسر الخشبي فوق النهر، للشبابيك وللعشاق القدامى المنتظرين في ليلة من ليالي الشتاء الماطرة، فحررت الهُوية من اختزالها في عنصري الجفاف والرحيل، وأعادت الطبيعة إلى طبيعتها، مع أن فنها نفسه يؤكد بطريقة ما على عقدة المستشرقين في علاقتهم بالشرق؛ وهي السحر والغموض.

من شغف العطش في البيداء إلى قوة العشب المتفتَّح بين صخور الآثار الرومانية، خرجت أغنية فيروز مديحا غنائيا لطبيعة الإنسان والمكان، دون أن يتلوث نهر الصوت الحر، طوال عمرٍ من الغناء، بمديح الزائل، من ملوك وزعماء حركات سياسية، بالرغم من إكراهات السياسة الحتمية التي تحاصر الفنان أينما كان، لا سيما في المناخ اللبناني المحتقن بتعدد الطوائف، وعلى امتداد حقبة عربية متواترة الانقلابات، لم يُتفق فيها بعد على الشكل النهائي للدولة العربية بعد الاستعمار، ولا على ألوان العلم أو كلمات النشيد.

عيدها الثامن والثمانون ربما يكون واحدا من أكثر أعيادها حزنا. فالفنانة التي غنَّت لفلسطين وأحبتها بصدق وأعادت بغنائها «زهرة المدائن» إلى خريطة الوجدان العربي بعد احتلال مدينة القدس عام 1967، فإنها اليوم لا شك تتابع الأخبار كما عُرف عنها، ولها أن تتأمل كيف يواصل الزمنُ دحرجة تاريخنا الدائري، منذ ذلك الوقت إلى اليوم، نحو هاوية معتمة. لكن خيبة الفنانة فيروز من الواقع العربي أقدم من خيباتنا كلنا، وهي التي خيَّب النظام العربي صرختها التاريخية «الآن الآن وليس غدا» الصرخة التي دقَّت أجراس العودة، إلا أن العودة تأجلت لأكثر من نصف قرن. دهر عربي هائج تحولت فيه النكبة إلى نكسة والنكسة إلى نكسات انهارت فيها عواصم فيروز الغنائية، بدءا من بيروت إلى بغداد ودمشق.

لكن فيروز ستبقى «صوتا يخترقُ دروعَ اللامبالاة - يطهر النفس كما يطهرها البكاء لا العقاب» كما كتب عنها الشاعر اللبناني الراحل أنسي الحاج. فمن صوتها الأندلسي يتسرب فرحٌ خفيف يأخذنا إلى حافة البكاء من النعمة الفرح، وحنين سري يشدنا إلى غائب مجهول (أنا عندي حنين/ ما بعرف لمين). وحتى لو كانت كلمات أغنية فيروز من إبداع شعراء آخرين، تبقى فيروز هي الشاعرة الأخيرة لأغنيتها. فهي التي تصقل البسيط من كلام الشعر المطرز بالاستعارات الشفافة، مانحةً المفردة الريفية حوافا بلاغية جديدة.

منذ أن غنَّت فيروز «أنا صار لازم ودعكن» ونحن -كأننا- نكتب عنها بشيء من الرثاء كلما كتبنا عنها. مع أن فيروز لم تعوّد عشَّاقها إلا على الاقتصاد في الحضور، الأمر الذي ظل سمة من السمات المحيطة بشهرتها طوال مشوارها الفني. فالأسطورة لا تكتمل إلا بالغياب، والغياب هو ما يعطي البشري بعده الأسطوري؛ لأن الإشعاع المستمر لا يحرق النجم فحسب، بل يحول الشخصية العامة إلى شخصية يومية روتينية تبتذل حضورها، فتتفسخ ببطء في وعي الناس وعيونهم من فرط ما هي مباحة ومتوفرة، بلا سر ولا غموض.

«أيامي بينكم كانت قليلة

وكان كلامي أقل من الأيام».

كهذا غنَّت من كتاب النبي لجبران خليل جبران.

سالم الرحبي شاعر وكاتب عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

بدء تطبيق أحكام نظام التأمينات الاجتماعية المعلن عنها سابقًا ابتداءً من يوم غد

الرياض

أعلنت المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية عن أحكام نظام التأمينات الاجتماعية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/273) وتاريخ 1445/12/26هـ الموافق 2024/7/2م التي ستُطبق ابتداء من يوم غد الثلاثاء الموافق 1يوليو 2025م، مشيرة إلى أن هذا النظام يقتصر تطبيقه على الملتحقين الجدد بسوق العمل من المدنيين في القطاعين العام والخاص، ممن ليس لديهم مُدد اشتراك سابقة على تاريخ نفاذ النظام في 3 يوليو 2024م.

وأوضحت التأمينات الاجتماعية أن هذا النظام سيسهم في توسيع نطاق التغطية التأمينية لتشمل المزيد من الفئات، كما يحقق المرونة في الانتقال الوظيفي بين القطاعين العام والخاص دون التأثير على الحقوق التأمينية للمشتركين، وذلك من خلال توحيد الأحكام التأمينية تحت مظلة نظام واحد.

وأفادت أن الأحكام التي ستُطبق على المشتركين الجُدد في نظام التأمينات الاجتماعية تتضمن زيادة نسب الاشتراكات في فرع المعاشات تدريجيًا، ابتداءً من السنة الثانية لسريان النظام وحتى السنة الخامسة، بواقع 0.5% سنويًا، لتصل الزيادة التراكمية إلى 2%، بحيث تصبح نسبة الاشتراك 11% بدلًا من 9% على المشترك وصاحب العمل، مؤكدة ضرورة التزام أصحاب العمل بسداد الاشتراكات في مواعيدها المحددة، حفاظًا على حقوق الموظفين والعاملين الخاضعين للنظام، وتفاديًا لتعليق احتساب مدد الاشتراك وعدم استفادة المشتركين من المنافع التأمينية في حال تجاوزت مدد التأخر عن السداد ستة أشهر فأكثر.

كما تُطبق ابتداءً من يوم غدٍ الثلاثاء الموافق 1يوليو 2025م منفعة الأمومة، التي تمنح بموجبها المؤسسة للمشتركة سواء كانت سعودية أم غير سعودية تعويضًا للأمومة لمدة ثلاثة أشهر عند الولادة، وتُصرف هذه المنفعة للمشتركة الخاضعة لنظام التأمينات الاجتماعية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/33) وتاريخ 03/09/1421هـ أو نظام التأمينات الاجتماعية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/273) وتاريخ 26/12/1445هـ .

ودعت التأمينات الاجتماعية جميع عملائها من مشتركين وأصحاب عمل للاطلاع على جميع التفاصيل المتعلقة بهذه الأحكام من خلال المنصة التوعوية على موقع المؤسسة ، أو عبر تطبيق GOSI.

مقالات مشابهة

  • فيروز أركان لـ "الفجر الفني: "متحاولش" ليست بكاءً على الأطلال... بل قرار انسحاب راقٍ من حب لا يُستحق
  • عطيفي يطلع على مستوى الخدمات التي يقدمها مستشفى الأمل العربي
  • الحقائب تملأ بملايين الدولارات.. عمليات تهريب الأموال مستمرة عبر مطار عربي
  • مزاد إسرائيلي يتفاوض مع سمسار عربي للاستحواذ على تمثال برونزي من آثار اليمن
  • لا رواتب للحشد الشعبي حتى حله
  • التضامن تستعرض أولويات مصر الاجتماعية في اجتماع عربي رفيع المستوى بتونس
  • بدء تطبيق أحكام نظام التأمينات الاجتماعية المعلن عنها سابقًا ابتداءً من يوم غد
  • لن يدرب الزمالك.. ناد عربي يعلن تعاقده مع كارتيرون
  • غزة وتشكيل لوبي عربي في سلم أولويات مؤتمر الجاليات العربية بلندن
  • الإطار يؤكد على استمراره في دعم الصمود الإيراني حتى رفع العقوبات عنها