ليست القسام وحدها.. تعرف على أبرز الفصائل المقاوِمة في فلسطين
تاريخ النشر: 27th, November 2023 GMT
"وإذا كانت المقاومة رد فعل على جريمة الاحتلال، فهي من زاوية أخرى حالة إبداعية من الفعل الاستثنائي".
فرج شلهوب، باحث متخصص في الشؤون الفلسطينية
في يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني 1935، وقف شيخ أزهري مُعمم بين أحد عشر رجلا من رجاله في وجه مئات الجنود المسلحين، يُحفِّزهم ويدعوهم ليُدافعوا عن تراب فلسطين ضد الهجرات اليهودية المتزايدة، التي كانت تصنع من وعد بلفور -بإنشاء وطن قومي لليهود- أمرا واقعا مع مرور الأيام.
سرعان ما بدأ القسام في تجنيد الشباب والفلاحين الفلسطينيين من أجل الكفاح المسلح ضد الإنجليز والصهاينة، وهو ما كان يتطلَّب -حسب رأيه- صبرا ووقتا حتى تتمكّن حركته من مجابهة الانتداب البريطاني ورعاياه الصهاينة. ولكن الهجرات اليهودية المتعاقبة والمتزايدة لم تترك له هذا الخيار؛ فأعلن قتاله للطرفين يوم 12 نوفمبر/تشرين الثاني 1935، ثم أتى اليوم الموعود في معركة "يَعْبَد" بعد 8 أيام، وسقط الشيخ شهيدا برصاصة في رأسه (1).
منذ تلك اللحظة، تحوَّل القسام إلى رمز للمقاومة الفلسطينية، وغرس استشهاده بذور الكفاح المسلح بين البحر والنهر. وقد أتت الثمرة الأولى مع الثورة الفلسطينية الكبرى التي استمرت بين عامي 1936-1939 (2)، وما إن خفتت شعلة المقاومة الفلسطينية عقب انتهاء الثورة حتى أشعلتها معارك النكبة مرة أخرى، فانضم المقاتلون الفلسطينيون إلى جيش الإنقاذ العربي بعد ما راكموه من خبرة بالعمل المسلح، وإن كانت خبرة بسيطة لا يمكن مقارنتها بخبرة العصابات الصهيونية، التي شارك عدد كبير من مقاتليها في الحرب العالمية الثانية (1939-1945).
ولهذا رأى الدكتور "عدنان أبو عامر"، الأستاذ المتخصص في تاريخ القضية الفلسطينية في جامعة الأمة بغزة، أن المقاومة الفلسطينية خاضت منذ اللحظة الأولى صراعا مريرا مع أعتى القوى العسكرية المحتلة، فكانت حينها أشبه "بمهمة انتحارية" لا بد منها، خاصة بعد الهزيمة العربية عام 1967، وسقوط الرهان نهائيا على دور الجيوش العربية، ومن ثم ازدياد القناعة الفلسطينية بضرورة تبني خيار المقاومة ودفاع الفلسطينيين عن قضيتهم بأنفسهم (3). ولذا أخذت المقاومة تظهر في بعض الممارسات المدنية عبر رفض الإجراءات القانونية والاقتصادية والسياسية للاحتلال، ومقاطعة سلطاته، وعدم الاستجابة لمطالبه، حتى تطور هذا كله إلى العمل المسلح الذي بدأ بسيطا، وأخذ في التنامي رويدا رويدا في قلب حاضنة شعبية داعمة له (4).
يُقسِّم الباحث والصحفي المتخصص في الشأن الفلسطيني "فرج شلهوب" مراحل تطور المقاومة الفلسطينية إلى ثلاث مراحل رئيسية، تتخللها محطات مفصلية فارقة. أولها مرحلة البدايات الممتدة بين عامي 1933-1965، وفيها ثلاث محطات: الثورة الفلسطينية الكبرى، والمشاركة في حرب 1948 التي تضاءل فيها عمل المقاومة نسبيا مع دخول جيش الإنقاذ العربي، ثم العمليات الفدائية الفردية عقب النكبة، التي أخذت طابع التسلل في الأراضي الواقعة تحت الاحتلال، وكانت شديدة البدائية على مستوى الأسلحة والأدوات (5).
ثم أتت المرحلة الثانية من عام 1965 وحتى الانتفاضة الأولى عام 1987، وهي مرحلة شهدت تأسيس حركة فتح وفصائلها المقاومة، وسيطرتها على منظمة التحرير الفلسطينية، وبدء تنفيذ العمليات النوعية ضد الاحتلال على الأرض. لكن بقاء الحركة في فلسطين -وتحديدا الضفة- بات من المستحيلات بسبب التعقُّب الدائم والاعتقالات المتتالية من قِبَل الاحتلال، فعمدت الحركة إلى إستراتيجية المقاومة عبر الحدود، عن طريق التمركز في مقار خارجية تنطلق من خلالها العمليات القتالية إلى الأراضي المحتلة. ولذا بدأ التمركز في الأردن، الذي استمرت فيه المقاومة بين عامي 1969-1971، قبل أن تخرج إلى لبنان وتحافظ على بقائها هناك حتى عام 1982، حين اضطرها الاجتياح الصهيوني إلى الخروج نحو تونس والبقاء بها حتى عام 1993، الذي وقَّعت فيه منظمة التحرير اتفاقية أوسلو مع حكومة الاحتلال وعادت إلى رام الله بهدف إدارة الصراع بالوسائل السياسية لا الكفاح المسلح (6).
في المرحلة الثالثة، منذ الانتفاضة الأولى عام 1987 وحتى وقتنا الراهن، أخذت المقاومة الفلسطينية تتعرف على فصائل أخرى مع انتقال ثقل المقاومة إلى الداخل من جديد، لكن هذه المرة في قطاع غزة. ففي تلك الأثناء تأسست حركة حماس على يد الشيخ أحمد ياسين، مصحوبة بذراعها العسكري "المجاهدون الفلسطينيون" الذي تغير اسمه لاحقا إلى "كتائب القسام"، وهو العام نفسه الذي أطلقت فيه حركة الجهاد الإسلامي هي الأخرى ذراعها العسكري الذي عُرِف بـ"سرايا القدس". وقد تلاحق ظهور الفصائل الفلسطينية المُقاوِمة في القطاع مع تنامي حضورها تدريجيا في الضفة، وتحوَّلت مقاومة الحجارة والنِّبال التي لا يتعدى مداها بضعة أمتار وأدت إلى إصابات فردية طفيفة، إلى مقاومة أخرى تعتمد على صواريخ يصل مداها إلى 250 كيلومترا، وتستطيع قصف ميناء جوي، مثل صاروخ عياش 250 الذي أطلقته كتائب القسام على مطار رامون عام 2021 (7).
نهدف في هذا المقال إلى التعريف بفصائل المقاومة الرئيسية في فلسطين، وهي تشترك جميعا في "غرفة العمليات المشتركة" في غزة التي تضم 12 فصيلا مقاوما، يَقُضُّون مضاجع الاحتلال، ويحتاج التعريف بهم إلى شيء من التفصيل (8).
كتائب عز الدين القسام
إنها الابن الأكبر لغرفة الفصائل المشتركة، والفصيل الأقوى حاليا بين فصائل المقاومة، ويمكن اعتبارها جيشا نظاميا صغيرا بما تمتلكه من إمكانات عسكرية تفوق مختلف الفصائل الأخرى، وأُعلِن تأسيسها رسميا في عام 1987 مع اندلاع الانتفاضة الأولى، وقد بدأت الكتائب على يد القيادي الحمساوي "صلاح شحادة" تحت اسم "المجاهدون الفلسطينيون"، قبل أن تحمل اسم "عز الدين القسام" في نهايات الانتفاضة الأولى عام 1992 (9).
تتبنى القسام التوجه الإسلامي، وتعتبر "الجهاد والمقاومة الوسيلة الأنجع لاسترداد الحقوق وتحرير الأرض، ومن أهدافها تحرير كل فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي" (10). وفي سبيل ذلك خاضت مرحلة طويلة من الإعداد والتجارب الميدانية القتالية بمختلف أشكال المقاومة الممكنة، الفردية منها والجماعية، والهجومية والاستشهادية، والكثير مما لا يتسع المجال لذكره. لكن عمليتها الأضخم والأبرز كانت عملية "طوفان الأقصى" بقيادة قائدها الحالي "محمد الضيف"، وهو هجوم لا تزال أصداؤه وتبعاته جارية إلى اليوم، وهو هجوم أدهش الاحتلال -قبل غيره- بالقدرات العسكرية والاستخباراتية للمقاومة، وخاصة القسام.
طرح هذا الهجوم العديد من الأسئلة التي تحير العالم حول القدرات الحقيقية لهذه الكتائب المُحاصرة منذ نحو عقدين، لكنها مع ذلك لا تتوقف عن التزوُّد بالأسلحة وتصنيعها محليا حتى بلغت تطورا نوعيا كبيرا مقارنة بما بدأت به قبل أكثر من ثلاثين عاما، إذ حافظت القسام منذ نشأتها على التطور الدائم من حيث العمليات أو صناعة الأسلحة. فمن مسدس "غولدستار"، مرورا بالأحزمة الناسفة والقنابل اليدوية، أخذت القسام تُطوِّر من ترسانتها العسكرية حتى وصلت إلى القذائف المضادة للمدرعات مثل الياسين 105، ومدافع الهاون ذات الأعيرة المختلفة، إلى جانب الصواريخ متعددة المدى التي بدأت بقسام 1 وانتهت بعياش 250، وحتى الطائرات المسيرة مثل طائرة الزواري، وكل ذلك بصناعة محلية عجز الاحتلال عن فك شفرتها (11).
أما عن التكوين الهيكلي للقسام فليس ثمة معلومات دقيقة حول القوام العددي للقوات، لكن المتحدث باسمها "أبو عبيدة" قال في حوار مع الجزيرة نت في ديسمبر/كانون الأول 2012 إن عدد جنود القسام يناهز العشرين ألفا، وإنها تعتمد على أكبر من هذا العدد، وأوضح أنه ليس من سياسة الكتائب الإعلان عن التفاصيل التي تتعلق بهيكلها وقيادتها وعدد أفرادها (12). وبخلاف المشهور، فإن كتائب القسام لا تتمركز في غزة فحسب، إذ إن كتيبة "العياش" الواقعة بالضفة الغربية، وتحديدا في مدينة جنين، أعلنت سابقا انتماءها إلى كتائب القسام، بالإضافة إلى كتيبة مخيم عقبة جبر الواقعة في أريحا (13).
سرايا القدس
وتُعَدُّ ثاني أشهر الفصائل المقاومة في غزة بعد كتائب القسام، وقد مرت هي الأخرى بمراحل التطور ذاتها، فبدأت في مطلع الثمانينيات بعمليات طعن فدائية عن طريق أفرادها، قبل أن تصل إلى تشكيلات عسكرية برئاسة المؤسس "فتحي الشقاقي" وتتخذ شكلها القتالي عام 1987 (14). ومع اندلاع الانتفاضة الثانية ظهرت سرايا القدس بعمليات عسكرية داخل الخط الأخضر تمثلت في إطلاق صاروخي من قطاع غزة نحو تل أبيب (15)، وهي ذات شعبية كبيرة بين الجمهور الفلسطيني، وتمتلك أذرعا مسلحة في الضفة شأنها شأن القسام لكن بكثافة أعلى، مثل كتيبة جنين النشطة في مخيم جنين، وكتيبة طولكرم المتمركزة في مخيم نور شمس، وأخيرا كتيبة عقبة جبر في أريحا (16).
تمتلك سرايا القدس التوجه الأيديولوجي الإسلامي أيضا، بما يحمله من هدف واحد ومباشر متمثل في تحرير كامل أراضي فلسطين التاريخية من الاحتلال. وشأنها شأن القسام، تعددت عملياتها العسكرية كما تعددت الاعتقالات والاغتيالات في صفوفها من قِبَل الاحتلال. أما عن القوة العسكرية، فهي تأتي في المرتبة الثانية من بين الفصائل الاثنتي عشرة بامتلاكها آلاف الصواريخ القادرة على استهداف العمق الإسرائيلي، بحسب ما صرَّح به "أبو إبراهيم" الذي يُعَدُّ أحد أبرز قادتها. وقد استهدفت سابقا "المفاعل النووي الإسرائيلي "ستوراك" جنوبي تل أبيب بصاروخ بعيد المدى من نوع "براق 70″، وهي شريك رسمي في "طوفان الأقصى" رفقة القسام (17).
كتائب شهداء الأقصى
وهي الجناح العسكري المسلح السابق لحركة فتح، قبل أن تتنصَّل منها الحركة وتعلن انفصالها عنها عام 2007، تزامنا مع إعلان الرئيس محمود عباس مرسوما بحظر "جميع المليشيات المسلحة والتشكيلات العسكرية أو شبه العسكرية غير النظامية أيًّا كانت تابعيتها"، والاقتصار على ما سمّاه المقاومة الشعبية، ومن ثمَّ صارت "شهداء الأقصى" فصيلا مستقلا (18). وتتميز الكتائب بظاهرة عسكرية مختلفة بين الفصائل الفلسطينية، وهي اللا مركزية الدائمة، "فلا تخضع خلاياها وهياكلها التنظيمية لمرجعية أو قيادة تنظيمية واحدة، وإنما تتألف من مجموعات ينشط كلٌّ منها في نطاقه الجغرافي، ويحتكم إلى توجيه محلي". وهي تعتبر نفسها حركة تحرر وطني ذات توجه يساري علماني، وهي إن خرجت من رحم حركة فتح سياسيا، فإنها لا تزال "نتاج مناضلي فتح حاضني لواء فكرها الأصيل"، لكنها لم تتنازل عن الكفاح المسلح لأجل التحرير (19).
تنشط الحركة في كلٍّ من القطاع والضفة، وتتبنى سياسات متناقضة مع حركة فتح، لكن نضالها لا يتمتع بالكثافة السابقة نظرا لافتقارها الحاضنة السياسية والتمويل المادي على غرار بقية الفصائل الأخرى (20). وإلى جانب نشاطها في غزة فإنها لا تزال نشطة في عدة بقاع بالضفة مثل جنين وطولكرم. وقد انشق عن الكتائب عدد من الألوية التي انضمت أيضا إلى غرفة العمليات المشتركة لكن على هيئة حركات مستقلة، مثل جيش العاصفة، وكتائب الشهيد عبد القادر الحسيني، وجماعات الشهيد أيمن جودة، ولواء نضال العامودي.
ألوية الناصر صلاح الدين
وهي الجناح العسكري للجان المقاومة الشعبية التي تأسست بالتزامن مع الانتفاضة الثانية عام 2000، وتتبنى الحركة هي الأخرى التوجه الإسلامي، وتتشابه مواقفها مع مواقف الفصائل الأخرى من رفض اتفاقية أوسلو، التي كرست الاحتلال وساهمت في تنامي المستوطنات من وجهة نظرها، ولهذا فهي تدعو دائما للكفاح المسلح. ولعل تدميرها للدبابة الميركافا في عدد من المرات، وإرباكها لقوات الاحتلال، هو ما أكسبها شهرة بين فصائل المقاومة. وقد وسَّعت الحركة مجال عملياتها حتى نفّذت العديد من الاقتحامات العسكرية لمجموعة مستوطنات بالضفة، ومن أشهر عملياتها العملية الاستشهادية التي استهدفت حافلة الأمن الإسرائيلي في معبر رفح، وعملية "البرق الصاعق" التي أسفرت عن مقتل خمسة مستوطنين وجندي، وإصابة مستوطن وستة جنود آخرين (21).
كتائب المقاومة الوطنية الفلسطينية
وهي الجناح العسكري للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وقد تشكَّلت مثل غيرها مع اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000، وتتبنى وجودا عسكريا مسلحا في كلٍّ من غزة والضفة والقدس ساعدها في تنفيذ عمليات اقتحام متكررة للمستوطنات والمعسكرات الإسرائيلية في الضفة وغزة، وهي حركة تحرر وطني شيوعية التوجه، ولها مشاركة في "طوفان الأقصى" الأخير (22) (23).
كتائب الشهيد أبو علي مصطفى
وهي الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ويعود تأسيسها أيضا لعام 2000 تحت اسم قوات المقاومة الشعبية، قبل أن يتغير اسمها في العام التالي تيمُّنا بقائد الجبهة "مصطفى علي العلي الزبري"، الذي اغتالته قوات الاحتلال أثناء الانتفاضة الثانية. وتتبنى الحركة الاتجاه اليساري الماركسي، وتنشط عملياتها في كلٍّ من غزة والضفة، ولها هي الأخرى مشاركة معلومة في عملية "طوفان الأقصى" (24).
كتائب الشهيد جهاد جبريل
وهي الذراع العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، ولها العديد من المساهمات القتالية البارزة، أشهرها ما كان منها في صد العدوان على القطاع في حرب عام 2014 (25).
كتائب الأنصار
وهي تابعة لحركة الأحرار الفلسطينية التي تأسست عام 2007 في قطاع غزة تحت رئاسة "خالد أبو هلال"، القيادي السابق بحركة فتح، الذي أسس الحركة على خلفية إعلان العديد من قادة حركة فتح الانفصال عنها (26).
كتائب المجاهدين
وهي الجناح العسكري لحركة المجاهدين الفلسطينيين المنشقة عن حركة فتح، وتُمثل قواتها لواء سابقا بكتائب شهداء الأقصى، وهو لواء الشهيد جهاد العمارين. وقد تأسست الكتائب على يد "عمر أبو شريعة" عام 2006 بقوام ألفيْ مقاتل تقريبا، قبل أن يزداد عدد مقاتليها بعد ذلك (27).
وإلى جانب فصائل غرفة العمليات المشتركة تنشط العديد من الفصائل المقاومة الأخرى، لكن أبرزها هي جماعة "عرين الأسود" التي تنشط في الضفة وتتخذ من البلدة القديمة بنابلس مقرا لها، إذ إنها تمتلك قوة غامضة بعض الشيء، فلا يمكن تحديد تاريخ انطلاقها أو مَن يدعمها دعما حاسما، كما أنها مستقلة عن الفصائل المعروفة كلها، ومع ذلك يمتلك أفرادها قدرة كبيرة على الاشتباك المباشر مع جنود الاحتلال (28). وتُقدِّم هذه الفصائل كلها لوحة من العمل المقاوم الذي لا يفتر ولا ينتهي في مكان حتى تلوح راياته في مكان آخر، فليست القسام وحدها هي ما يوجِع جيش الاحتلال وسلطاته، وإن كانت القوة الأكبر، وإنما عشرات الفصائل والجماعات والكتائب وحتى الأفراد على مدار تاريخ الكيان المحتل.
—————————————————————————
المصادر عز الدين القسام.. قائد ثورة استشهد قبل اشتعالها | بورتريه | الجزيرة الوثائقية الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية | عز الدين القسام عدنان أبو عامر، تطور المقاومة الفلسطينية الشعبية والمسلحة بين عامي 1967-1987. ماهر الشريف، حزيران 1967 وتطور حركة المقاومة الفلسطينية. فرج شلهوب، المقاومة الفلسطينية.. مراحل التطور وآفاق المستقبل. محطات تاريخية ما بين العامين 1968-1987 | مركز المعلومات الوطني الفلسطيني القسام: "عياش 250" صاروخ جديد يدخل الخدمة نصرة للأقصى غرفة العمليات المشتركة.. "قيادة أركان المقاومة" في غزة | أخبار سياسة | الجزيرة نت كتائب عز الدين القسام.. الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) | الموسوعة | الجزيرة نت المصدر نفسه المصدر نفسه المصدر نفسه تعرف على مراحل تطور سلاح كتائب القسام | أخبار | الجزيرة نت تعرف على خريطة فصائل قوى المقاومة في الضفة الغربية سرايا القدس | الموسوعة | الجزيرة نت ماذا تعرفون عن حركة الجهاد الإسلامي؟ تعرف على خريطة فصائل قوى المقاومة في الضفة الغربية سرايا القدس | الموسوعة | الجزيرة نت مع اختلاف إستراتيجيتهما بخصوص المقاومة المسلحة.. ما حدود العلاقة بين كتائب شهداء الأقصى و"فتح"؟ كتائب شهداء الأقصى | الموسوعة | الجزيرة نت المصدر نفسه. ألوية الناصر صلاح الدين | الموسوعة | الجزيرة نت إلى جانب كتائب القسام، ما هي أبرز الحركات المسلحة في غزة؟ – بي بي سي عربي تعرف على فصائل المقاومة الفلسطينية – موقع الخنادق المصدر نفسه. من نحن – حركة الأحرار الفلسطينية إلى جانب كتائب القسام، ما هي أبرز الحركات المسلحة في غزة؟ – بي بي سي عربي تعرف على خريطة فصائل قوى المقاومة في الضفة الغربيةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غرفة العملیات المشترکة المقاومة الفلسطینیة کتائب شهداء الأقصى الانتفاضة الثانیة عز الدین القسام فصائل المقاومة الکفاح المسلح الضفة الغربیة کتائب الشهید طوفان الأقصى کتائب القسام سرایا القدس المقاومة فی المصدر نفسه الجزیرة نت العدید من فی فلسطین فی الضفة تعرف على حرکة فتح إلى جانب بین عامی فی غزة عام 1987 قبل أن
إقرأ أيضاً:
مشروع الهيئة: أن تعرف ما تريد خلال الطريق
"المجزرة التي تُنسى محكوم عليها بالتكرار، النعمة التي تُنسى مصيرها الأفول"
((كتبت هذه المادة بناء على العديد من المقابلات التي أجراها الكاتب في سوريا وإضافة إلى الاطلاع على مصادر عدة، اختار صياغة هذا كله في قالب درامي، ووضع الخلاصات على لسان شخصية متخيلة تماما)).
نجلس هنا أسفل الجبل، قال لي -أبو دجانة- وهو يطلق بصره نحو جبل قاسيون.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الصليبي الأخير.. وزير الدفاع الأميركي الذي يكره جيشهlist 2 of 2بندقية في المحراب.. كيف صاغ التديّن جنود تحرير الشام؟end of listقلت: ولماذا لا نصعد الجبل؟
صعود الجبل يحتاج إلى كلمة سر.
ظننته يمزح، فضحكت، لاحقًا تبين لي أن صعود الجبل فعلًا يحتاج إلى كلمة سر!
تجري فيه العديد من الإصلاحات، ويغلقه رجال هيئة تحرير الشام (الأمن حاليًّا) ولا يمكن عبور الحاجز إلا بكلمة سر شفاهية. بدا لي ذلك منسجمًا مع شخصية الجبل، كلمة سر تفتح لك الطريق.
قاسيون المهيب يجلس فوق دمشق وكأنه شاهد عليها، يحمل فوقه "الصخرة الحمراء" في "مغارة الدم"، أداة الجريمة الأولى في التاريخ، صخرة قابيل التي قتل بها شقيقه هابيل فشهق الجبل من هول الجريمة وتجمد فمه ناحتًا مدخل المغارة، هكذا تقول الأسطورة.
هذا البلد مثقل بالتاريخ إلى حدّ التعب، لا تخطو قدماك في مكان إلا وقد عبرته إمبراطوريات وقادة وعلماء، وهو كذلك محملٌ بالمستقبل (دابق، الأعماق، الغوطة.. أسماء مواجهات لم تأت بعد)، وهنا "المنارة البيضاء شرقي الجامع الأموي حيث موعدنا مع نزول سيدنا ابن مريم" قال القيم على الجامع الأموي وهو يحكي لنا مستقبل المكان أيضًا.
أما ضيفنا أبو دجانة فهو كالآخرين، تخلى عن كنيته "القاسية" ولبس بدلة أنيقة وربطة عنق، وكالآخرين أيضًا تعلم التحدث بلغة وزراء الخارجية "انطلاقًا من الأراضي السورية -الدول الشقيقة – دول الجوار – التنوع الثقافي في سوريا".. وهكذا، تحتاج أن ينقضي الجزء الأول من الحوار لكي تلج بعدها في أعماق كوادر الهيئة وربما (بل غالبًا) لا تفلح، فالطبقة التي تكثفّت على السطح من الخطاب تبدو متشابهة وكأنها تعميم مكتوب؛ تعد بحلم الدولة وتبشر بالاستقرار، وتتكلم وكأن هناك كاميرا خفية في مكان ما تصور الإجابات.
إعلان الحقائق الملثمة: في المفترقاتلا يأتي الحق على حصان أبيض، بل أحيانًا يستقل حافلة خضراء، يسلّم منطقة، ينسحب من أخرى ويقاتل رفاقه، أحيانًا يكون الحق ملثمًا، وفي مفترقات معينة يقف الباطل بعيدًا عن الحق مقدار خطوة واحدة، ثم يتمايز، أحيانًا أخرى يكون الخيار الوحيد بين باطل وباطل أقل، لكن المشكلة أن عليك أن تقرر قبل أن تفكر، الوقت الذي تقضيه في التفكير كافٍ لخسارة معسكر.
ليست الحقيقة بهذا الوضوح الذي نتوهمه، ولا مصممة على مقاس الشعراء كي يمدحوها، الفتنة دائمًا عمياء، وحين تكون في داخلها نادرًا ما تميّز طبيعة الشيء الذي تواجهه، حتى إذا أدبر أسفر لتتبين حينها موضع قدميك، وكثيرًا ما تزل قدمٌ بعد ثبوتها.
"تسألني عما تعلمته؟" قال أبو دجانة فيما يشبه الخلاصة. ثم أكمل بشيء من الأسى: "كم كنت أتمنى أن أعرف قبل أن أبدأ. كم كانت تصوراتنا مثالية وساذجة. كنا مع كل مفترق طرق نتخلى عن شيء من هذه المثالية ونتحلى بدرجة أعلى من الواقعية، لقد عبر بنا الشيخ (أبو محمد الجولاني) كل هذه المفاوز ولهذا نثق فيه اليوم، أنتم لا تعرفونه، نحن نعرفه. نعرفه جيدًا."
(الحقيقة ليست بالوضوح الذي تصوره برامج الكرتون وقصص الأطفال، هذا صحيح، لكنها ليست بالغموض الذي عادة ما يتذرع به، ذاك التذرع الذي يتوسع في كل مرة حتى يجد الإنسان نفسه يدوس الحقيقة بحثا عنها!)
وبدأ أبو دجانة يسرد القصة من البداية: "منذ دخل الشيخ أرض الشام أواخر عام 2011 بصحبة ستة مقاتلين من العراق (وخمسين ألف دولار شهريًّا من البغدادي) كي يؤسس جبهة النصرة، كان يحلم بفتح دمشق، ويبشّر بذلك اليوم، يتحدث عنه كأنه يراه واقعًا، كان يقرأ لنا رواية كتبها بنفسه عن فارس أنقذ التاريخ، فك وثاقه من آسريه الذين أحكموا تقييد يديه كي لا يكتب شيئًا، آمنّا أنه الوحيد القادر على فعل ذلك، وآمن هو أيضًا بذلك، وفعله حقًّا!"
"لم يكن هذا ليحدث بسهولة، لقد أعدّنا الله عبر مفترقات كثيرة وصعبة لهذا اليوم، مفترقات قاسية وأحيانًا كانت شديدة الالتباسات، حدّث المرء نفسه خلالها طويلًا وغمرته الشكوك، رغم أننا نادرًا ما كنا نجد وقتًا حتى للشك، في بيئة مثل التي أحاطتنا كان الانتظار يعني الموت."
إعلان المفترق الأول: إخوة الغلوّواجههم المفترق الأول في أبريل/نيسان عام 2013، حين أعلن أبو بكر البغدادي قيام دولة العراق والشام وحل جبهة النصرة، فقفز الجولاني إلى حضن تنظيم القاعدة، مستفيدًا من مظلتها في حماية تجربته الوليدة أمام زحف "الدولة"، خسر الكثير من الكوادر الذين فضلوا جاذبية الدولة على جبهة النصرة، وحتى يوليو/تموز 2014 بدت النجاة خطة كافية وقتها، كان تنظيم الدولة يلتهم الأراضي والفصائل، وشهدت دير الزور أشد المعارك التي قادها "أبو ماريا القحطاني" عن جبهة النصرة، الرجل القوي الذي سيُعذب لاحقًا في سجون الهيئة ثم يُقتل بتفجير يُعتقد أن تنظيم الدولة وراءه عام 2024.
:تنظيم الدولة هو الذي انشق عنّا!"، قال أبو دجانة، "لقد ذهب بعيدًا في تطرفه، حينها اختبرت الالتباس الأول، لقد قاتلت إخوة بدؤوا معنا المسيرة بعد أن اختاروا الانضمام لتنظيم الدولة، لم يكن الأمر سهلًا بعض الفصائل تورّعت وتأخرت في قتالهم لذلك تمددوا سريعًا، فضلًا عن عقائدية المقاتل عند تنظيم الدولة، إنهم بالفعل طلاب موت، كادت تجربتنا تفنى حينما تدخلت أحرار الشام لمساندتنا، وعبر بنا الشيخ هذه الأزمة."
(ظهور تنظيم الدولة في سوريا كان حدثًا مزلزلًا، لقد أخذ المكونات السلفية في الفصائل وذهب بها لأقصاها، مُسببًا صدمة حقيقية تُنفّر اليوم من أي تشابه مع هذه المكونات، وبدلًا من البحث عن الوسط فإن ظهور غلو متشدد يمهّد لظهور غلو متساهل نقيضًا له، لاحقًا، يصبح التخويف من النموذج المتشدد تنظيرًا بحد ذاته وبرنامجًا للعمل).
– ما الذي ميز طريقة عملكم في البداية؟ سألتُه
"أسلوبنا وقتها كان العمليات العسكرية ضد نظام الأسد. تجنبنا حروب الاستنزاف ونموذج الرباط الذي يحتاج إلى مقاتلين كثر، ولم نجد أنفسنا مضطرين إلى المحافظة على مناطق محررة ثابتة.
بدلًا من ذلك، انصبّ تركيزنا على بناء قوات هجومية بعقيدة قتالية عالية وفاعلية عملياتية قادرة على إحداث فارق على الأرض، وركزّنا على آلية اختيار الكوادر بدقة، أصبحت شروطنا أقل حدة لصالح إدماج قطاع واسع من الفصائل الصغيرة معنا، وغيرنا أسلوبنا في العمل وفق ذلك.
وقتها، لم يكن "المشروع" قد تبلور في أذهاننا، كنا نظن أن ما نعتقده هو المشروع بحد ذاته وهذا كافٍ، لكنه لم يكن كذلك، لقد اتضحت الأمور مع الوقت."
(كلمة "المشروع" تتردد كثيرًا على ألسنة شباب الهيئة بوصفها رديفًا للـ"حكم"، لكن في الواقع الحكم بذاته وسيلة ضرورية لتبليغ "المشروع"، إذن -مجددا- ما هو المشروع؟ يجري الإحالة إلى ما في عقل الرجل أكثر من الإحالة إلى أفكار محددة، مما يشي بأن المشروع جرى اختصاره في شخص القائد)
المفترق الثاني: الأم العجوزفي الثامن والعشرين من يوليو/تموز 2016، كانت الحركة الأم "القاعدة" قد شاخت تمامًا، ولم تعد مظلّتها تمنع الأمطار بل هي نفسها أصبحت مصدرًا للبلل، لم تعد "القاعدة" جذابة وشيخها الظواهري أصبح بعيدًا معزولًا وغارقًا في الشعور بالخذلان، أعلن الجولاني بعد أن أماط اللثام عن وجهه فك الارتباط مع تنظيم القاعدة وولدت بذلك "جبهة فتح الشام"، لكن الكوادر التي ظلت وفية للقاعدة انشقت معلنة عن تنظيم "حراس الدين".
إعلانكانت ضرورة، قال أبو دجانة، الكثير من الفصائل كانت تمتنع عن التحالف معنا بسبب عبء اسم "القاعدة" فهي كما تعلم مصنفة حركةً إرهابية دوليًّا، المهم في النهاية هو الأهداف وليس الوسائل، عليك أن تفكر في الأمر وكأنه سباق رالي طويل، كل مئة متر علينا أن نبدّل العجلات بأخرى أكثر ملاءمة للمرحلة القادمة، لذلك بعد سنة واحدة أسسنا "هيئة تحرير الشام" سعيًا لإدماج أكبر قدر من الفصائل التي نتفق معها، لقد قسمنا الفصائل وقتها إلى نوعين: نوع ليس لديه مشروع وهذا كان من السهل إدماجه وترتيب وضعه، ونوع لديه مشروع مغاير لا يصب في مصلحة الحالة الجهادية وهذا عرضنا عليه التحالف، ثم قاتلناه حين أصرّ على التمسك بخيار تفتيت الساحة.
(أعجبتني استعارة سيارة الرالي، وذهب فكري بعيدًا، ماذا لو غيرنا لون السيارة، جسمها، محركها، أقصد ما هو الشيء الذي إذا غيرناه لا تعود السيارة هي نفسها؟ يصعب أن يجيبك أحد عن هذا السؤال وذاك لأن الثوابت جرى حلّها بمحلول "السياسة الشرعية" فاستحال كل تجاوز قابل لإعادة التأويل والتبرير)
المفترق الثالث: إخوة الطريقفي 21 يوليو/تموز 2014 بدأنا بحملة "ردع المفسدين"، كان الفساد قد استشرى -للأسف- على يد فصائل الجيش الحر، وبدأ السكان يستنجدون بنا، لم يكن لدى هذه الكوادر انضباط فردي ولا مشروع للحكم.
الحملة طالت أحرار الشام التي حمتكم من تنظيم الدولة في إدلب، أليس كذلك؟. قلتُ مستدركا.
أسرع مجيبًا: "دعني أوضح لك، في النهاية يجب أن نلتف حول مشروع واحد، لقد عانينا طويلًا من تشرذم المشاريع، الكثير من الفصائل كان لديها ارتباطات دولية، وعدم وجود مشروع جامع كانت تكلفته باهظة.
لقد سبق هذه الحملة إطلاقنا أول تصور لمشروع إقامة إمارة إسلامية وتطبيق الشريعة، في هذه المرحلة بدأنا نفكر في ضرورة السيطرة على الجغرافيا، الانتقال من العمل الأمني وحرب العصابات إلى تجربة الإدارة والحكم. وانطلاقًا من ريف إدلب في جبل الزاوية تحديدًا بدأنا في تأسيس تجربة السيطرة على الجغرافيا وتفعيل القضاء الشرعي.
قاتلنا جبهة ثوار سوريا التابعة للجيش الحر، وخلال عامي 2014 و2016 تمدد مشروعنا وبدأنا نُحكم السيطرة على مناطق واسعة من ريف حلب وإدلب وحماة، في 2017 بدأت أحرار الشام تجمع حولها فصائل الجيش الحر، وشكلّت مشروعًا لإدارة المناطق المحررة، مما مثّل تهديدًا حقيقيًّا لنا، وفي ظل امتناعها عن الاتحاد معنا لم يكن معقولًا قبول أكثر من مشروع في نفس المنطقة، فقاتلناهم."
إعلانكان قتالًا على مساحات النفوذ وتوحيد المشاريع وهذا في العمل السياسي يمكن فهمه، ولكن لماذا كنتم تصيغونه صياغات تكفيرية؟ لم يكن هناك تكفير لهذه الفصائل أبدًا.كان هناك مزاج عام يفضي إلى التكفير؟ بمعنى يكفي تعبيرات من نوع "هؤلاء يحالفون الكفار"، "لديهم تنسيق مع أجهزة مخابرات"، "يعملون ضد الدين"، حتى تتلقّاها القيادات الوسيطة والدعاة بوصفها مبررًا للتكفير لاحقًا (القضايا التي فعلتموها واحدة تلو الأخرى بعد تسلّم الحكم).
ابتسم الرجل، وأكمل حديثه بعيدًا عن هذه النقطة.
"لم تكن فترة سهلة، ولم يكن لدينا سيطرة على كل الخطابات داخل الجماعة، في النهاية أفضى هذا الاقتتال إلى ما فيه مصلحة الجميع، سيطرنا على باب الهوى (مصدر الدخل الأساسي للفصائل حينها)، ومن هذه اللحظة أصبح مشروع حكم إدلب ناضجًا، تشكلت حكومة الإنقاذ في عام 2017، استمرت الاشتباكات مع الفصائل حتى عام 2019 ، كان آخرها قتال أحرار الشام وحركة نور الدين زنكي في ريف حلب الغربي، وبعدها بسط المشروع سيطرته، كانت فترة خسر فيها الجميع ما بقي من مناطق نفوذ خارج الشمال السوري، فأصبح ريف حلب وإدلب مركز التنافس الوحيد."
(ثم جاءت الحملة الروسية عام 2019 لتهز كيان من بقي من حاملي سلاح، وتهدد باقتلاع التجربة من جذورها. خسرت الفصائل نحو نصف مساحة سيطرتها، وجرى تثبيت خطوط وقف إطلاق النار باتفاق سوتشي بين الرئيسين أردوغان وبوتين في مارس/آذار 2020).
المفترق الرابع: إنه الحكم
(بذور الحكم بدأت عام 2017، (البعض يعتبرها بدأت قبل هذا التاريخ)، وتدريجيًّا كانت الوقائع تدفع "المشروع" تلك الكلمة الغامضة لتقمُّص شكل الطريق، حيث بدأت تقل قيمة الأدبيات، والروافد، والتوجهات الفكرية، ويحل مكانها كاريزما القائد وسلطة الإنجاز وشبكات المصالح، كانت الصيرورة تتكفل بصياغة الشكل، وكان الشكل نفسه يعيد صياغة الجوهر أيضًا).
بدأ أبو دجانة يشرح تفاصيل هذه المرحلة.
"في أسلوب الحكم، أخذت طريقة العمل في البداية طابعًا قريبًا من جبهة النصرة، يمتاز باللامركزية النسبية، وإتاحة صلاحيات واسعة للإدارة المحلية، وهذا نظام كان يصلح لتلك المرحلة. أسميناه نظام الكتل "القوات"، تخضع كل وحدة إقليمية لأمير وهو القائد العسكري ويصحبه "الشرعي" في حين كانت الأحكام المحلية متروكة بشكل كبير لتقدير القضاة المحليين وهم الشرعيون.
في عام 2018، ذهب الشيخ لتفكيك هذه البنى، فهذا النمط يصلح للتنظيمات العسكرية لكنه يتناقض مع بناء حكم مركزي موحد، حينها شكلنا ما يعرف بإدارة المناطق المكونة من 350 عضوًا مُنظّمين في أقسام محلية عبر مناطق إدلب السبع، التي كانت حلقة وصل بين "حكومة الإنقاذ" و"هيئة تحرير الشام"، وعوضت النقص الموجود في الحكومة وحلت مكان العصب القديمة في المناطق."
(هكذا أصبح هناك حكومة مقربة وحكومة ظل موالية، تعمل على سحب النفوذ تدريجيًّا من المكونات والعناصر الجهادية السابقة لتشكل طبقة حكم جديدة، لم تستوعب الوجهة الجديدة للمشروع. لقد حرصت تجربة إدلب على تخليص نفسها تدريجيًّا من أي مظاهر قد تفزع المانح الدولي أو المراقب العالمي الذي لديه قائمة قصيرة ومختزلة للمظاهر التي تشعره بالقلق.
على سبيل المثال سعت مؤسسة "سواعد الخير" و"الخلاص"، لبث سمت إسلامي عام في الأماكن العامة، بما في ذلك التضييق على الاختلاط بين الجنسين في الأماكن العامة، فأغلقتهما الهيئة. وحين بدأت مظاهر الانفتاح تكسو المدينة بعد 2020، حاول بعض الدعاة والهيئات تنظيم قانون ينظم هذا الوضع، لكن الهيئة لم تؤيد القانون ولم تعارضه بل جمدّته.كان التحول يسير تدريجيًّا نحو استجلاب شرعية خارجية ولكن بهدوء يضمن عدم انفلات الفئات المحافظة والمتدينة ضد "المشروع").
"لم نستفرد بإدارة البلد، كان نموذجنا تشاركيًّا" أوضح أبو دجانة، ثم أكمل "انضمت لحكمنا نخب التكنوقراط داخل الجسم الحكومي وأتحنا لمنظمات غير حكومية الدخول في قطاعات الصحة والتعليم، كان دعمنا يزداد بين النخب المحلية، من مهنيين ورواد أعمال وشخصيات قبلية، في حين كان السخط على التجربة يتصاعد من النشطاء والصحفيين وكوادر حزب التحرير.
إعلانكيف جرى التعامل مع التوجه المعارض؟ كثيرًا ماكنا نسمع عن تعذيب في السجون مثلًا، إلى أي درجة جرى ضبط التغول الأمني على الناس؟انظر، لقد وقعت تجاوزات كثيرة، خصوصًا عندما تعرضنا لـ"فتنة خلية العملاء"، فتنة كادت تودي بنا، (وهنا صمت الرجل قليلا وسرقته الخيالات إلى مكان غامض من الذكرى) ثم قال: تخيل أن يُعتقل أكثر من 170 شخصًا بتهمة العمالة، بعضهم قيادات صف أول، لم يكن الأمر سهلًا، ثم لاحقًا يتبين أن ثمة مكيدة أو خطأ جرى داخل مسار التحقيق من البداية، لقد كانت فترة قاسية وشديدة الصعوبة، بل دعني أقل ربما كانت هذه أصعب محنة مررنا بها."
فضائل المأسسةعملنا بجدّ على مأسسة أنفسنا، كنا نقرأ ما يحدث معنا، نتعلم من أخطائنا، من خصومنا، لكن كنا نفتقر إلى قوة التنظيم.
كانت الألوية تقاتل بدون فكر عملياتي، وأحيانا تنسحب بعض الكوادر من القتال إذا سقطت قُراهم، مشروع التحرير كان يشغل الشيخ لذا أردنا إعادة بناء كل شيء على أسس متينة، بدأنا بتوحيد القوات العسكرية عبر إطلاق برامج جديدة للتدريب بعقيدة قتالية موحّدة لكل القوات، وأنشأنا غرفة عمليات "الفتح المبين"، التي ساهمت في التنسيق العسكري بين الفصائل (من بينها أحرار الشام وفيلق الشام)، كما أسسنا أكاديمية عسكرية عملت على رفع الجنود إلى مصاف المقاتلين النظاميين القادرين على تشكيل نواة لعمل جاد وحقيقي.
الوكالة العربية السورية للأنباء – سانا
كما أدخلنا العديد من التخصصات مثل: قوات النخبة "العصائب الحمراء"، ووحدات القتال الليلي التي جاءت استجابة لتحدي قتال النظام ليلًا عام 2019 مما أفقدنا الكثير من المناطق.
طورّنا مشروع مسيّرات شاهين، التي شكلّت رعبًا حقيقيًّا لقوات النظام حين بدأت عملية ردع العدوان، في حين كثفت أجهزة استخباراتنا عملها في جمع معلومات عن العدو.
إعلانوحين حانت الظروف المناسبة للانقضاض على النظام كان الشيخ موجودًا ليقرر ذلك، ودعني أخبرك أن هذه إحدى أهم فضائله، الجرأة في موضعها، كان يمكن أن يفشل الهجوم، أن يحدث شيء آخر غير ما حدث، لم نكن على يقين من نجاح العملية لذلك أسميناها "ردع العدوان"، ولم يكن مداها في أكثر العقول خيالًا يتجاوز حلب، لكن الله وحده هو الذي منّ علينا بهذا الفتح.
(فات الرجل أن يقول إن فتح الجبهات كان أحد المطالب الأساسية التي رفعها "الحراك" الذي خرج ضد حكم الجولاني في إدلب قبل العملية بوقت قصيرة، وهو ما يعني أن المزاج الثوري والشعبي كان قد وصل لحالة من الغليان جعلت قرار المواجهة حتميًّا، وإن كانت كتابة التاريخ تخفي اليوم دور الفصائل والكتل والأفراد وتحصرها في قصة شخص)
ودّعت الرجل بعد مقابلة استمرت أربع ساعات ولم يعرف كلانا بأي انطباع خرج الآخر، نظر إليّ محاولًا الاستكشاف، وقال:
"القادمون من الخارج، يأتون على هيئة رجلين: الأول يريد أن يعرف هل تغيرنا حقًّا أم ما زلنا "وحوشًا" ليرفع تقارير للغربيين والجهات المانحة، والثاني يريد أن يعرف لأي درجة تغيرنا كي يعود إلى أمتنا ويطمئنها أننا لسنا خونة؟!".