لندن- مع تزايد أعداد الشهداء في قطاع غزة وتعالي الأصوات الدولية بارتكاب إسرائيل جرائم إبادة وعقاب جماعي وجرائم ضد الإنسانية، بدأت بعض النقابات والمنظمات الأهلية والقانونية في بريطانيا بتسليط الضوء على ما تشاهده من جرائم قد ترتقي لجرائم حرب بحسب محكمة العدل الدولية.

وتقدم بعض الأطباء بأدلة تفيد استخدام الاحتلال القنابل الفسفورية وقدم الصحفيون عريضة من نقابة الصحفيين البريطانية فرع لندن للصحفيين المستقلين، والتي تطالب مجلس الأخلاق بالنقابة بالبدء في جمع الأدلة والتحقيقات المتعلقة بالإعلام والصحفيين بهذا الخصوص.

الجزيرة نت حاورت نقيب فرع لندن تيم جوبسيل لمعرفة تفاصيل العريضة التي قُدمت لإدانة استخدام الإعلام كذراع من أذرع الحرب، ودعت إلى حماية الصحفيين في غرف الأخبار، وإلى تقديم الأدلة على أي ضغوطات تواجههم في غرف التحرير تثنيهم عن التغطية العادلة والدقيقة.


أخبار مضللة

وأكد جوبسيل -للجزيرة نت- أن الصحفيين في فرع لندن للصحفيين المستقلين يشعرون بالقلق تجاه هذه الحرب، خصوصا مع زيادة أعداد الضحايا من الصحفيين الذي لم تشهده أي حرب أخرى.

وقال "هناك معدل غير مسبوق من الأخبار المضللة مما يجعل التغطية صعبة، وهناك مثل دارج بين الصحفيين البريطانيين وهو أن أول ضحية للحرب هي الحقيقة، وهذا لا يعني أن الضحايا المدنيين أقل أهمية، ولكن هي فقط دعوى للصحفيين أن يأخذوا حذرهم أكثر من أي وقت مضى لتغطية الحقيقة، وألا تُمنح الثقة في أي حكومة أثناء الحروب".

وأدان جوبسيل ومكتب الصحفيين المستقلين في لندن استخدامات الإعلام للمعلومات المضللة والأخبار الكاذبة في وقت الحرب، ورغم توضيحه خطورتها بأي وقت، لكنه أكد أن زمن الحرب يجعلها شديدة الخطورة لأن الكلمة قادرة على تهديد الحياة.

وقال إن قصة غير موثقة من أي جانبين يتم تداولها بشكل واسع، قد تدفع حكومات إلى اتخاذ قرارات بناء عليها وقد تودي هذه القرارات بحياة الناس.

وأشار نقيب فرع لندن للصحفيين إلى الرواية الإسرائيلية حول "رؤوس الرضع المقطوعة"، وقال إنه تم تداولها بشكل واسع وسحبتها عديد الأجهزة الإعلامية الأميركية باعتبارها ادعاءات مزيفة، إضافة إلى ادعاءات مثيلة عن مقتل بعض الضحايا في الكيبوتس.

وأضاف أنه تم بدء التحقق في مثل هذه القصص وغيرها، ولكن المشكلة تكمن، حسب قوله، في أنه لم يكن هناك مصدر معلومات غير الحكومة الإسرائيلية لأن الحكومات، وفي زمن الحرب، تشن الحرب مستخدمة القصص والمعلومات كما تستخدم الرصاص.

وشدد جوبسيل على أن هذه المهمة ليست سهلة، "ولكن مجلس الأخلاق التابع للنقابة هو الجهة المسؤولة عن ضمان المبدئية الأخلاقية في الإعلام، وهم مجموعة منتخبة من الخبراء، ولكنهم سيواجهون تحديا لاختيار القضايا وسيكون من الصعب على المجلس تغطية كل ما حدث في هذه الحرب".

أنصار فلسطين يتظاهرون خارج مقر هيئة الإذاعة البريطانية في أسكتلندا لإدانة العدوان على غزة (غيتي) نشر الوعي

وبرأي جوبسيل، فليس المهم أن يُدان أحد بعينه في هذه القضية المعقدة، ولكن النقاش نفسه والتحقيق سيفتح بابا لنشر الوعي والحرص على مستقبل أفضل، كما سيفتح بابا لحماية الصحفيين في غرف الأخبار الذين يريدون التقدم للشهادة للكشف عن أي ضغوط مورست في هذه الغرف.

وقد حذرت العريضة من تداول المعلومات بشكل سريع، ودعت الصحفيين إلى عدم التنافس على السبق الصحفي على حساب دقة الأخبار والتحقق، كما حذرت من القصص الصحفية التي تضمنت تضليلا وأخبارا مزيفة في حرب إسرائيل على غزة.

وأوضح جوبسيل أن هذه هي ليست المرة الأولى التي يذهب فيها الصحفيون إلى محكمة العدل الدولية، حيث قادوا حملات إبان حرب البلقان سنة 1999 وقت محاكمة جرائم حرب حكام يوغسلافيا، وقدموا مشاهد وأدلة ووقائع على فظائع.

وأكد ضرورة أن يُسمح للصحفيين بقول الحقيقة، لأن هناك ضغوطا عديدة تُمارس عليهم في غرف الأخبار من قبل من يمتلك صناعة الإعلام. كما أضاف أنه يجب أن يتم تناول ذلك الموضوع الحساس، وأن "تهم التواطؤ في جرائم حرب ستوجه لمن يمتلكون صناعة الإعلام من الحكومات ثبت استخدامهم الإعلام كذراع للحرب وهو أمر خطير".

وقال إن الإعلام البريطاني دعم إسرائيل بقوة، وإنه كان هناك ضغط مبالغ فيه على الإعلام البريطاني لإدانة من يدعم فلسطين.


"تواطؤ حكومي"

واستنكر جوبسيل اضطرار الصحفيين لمواجهة الحكومة ومقاومة ضغوط على غرف التحرير، وقال إنه لم يختبر هذا الموقف على مدار حياته، ويرى الحكومة والمعارضة ضد الرأي العام بهذا الشكل.

وتابع أنه دائما ما يكون هناك تحيز زمن الحرب، لكنه لم يعاصر معارضة صلبة للرأي العام بهذه البشاعة، رغم وضوح موقف الرأي العام بدعم وقف الحرب من خلال المسيرات والاستطلاعات.

وأردف "ما حدث في هذه الحرب خصوصا ممارسة الحكومة البريطانية ضغطا على هيئة الإذاعة البريطانية بوصم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) كونها منظمة "إرهابية"، هو أمر لا يمكن للهيئة فعله إلا من باب الانحياز ويجب عليها أن ترفض هذا الضغط وألا تضلل العامة".

وشدد جوبسيل على أن تهمة التواطؤ في جرائم حرب، إن تحققت أركانها، ستدين الحكومة وإن لم يرتق الضغط الحكومي على الصحفيين في غرف الأخبار إلى وصفه كجريمة حرب، فسيظل ضغطا غير مشروع.

وأكد أن انتهاكات عدة لحرية الإعلام والصحافة، وإن لم ترتق إلى جرائم حرب، تظل انتهاكات ومن حق أي شخص في أي مقاطعة الحصول على أخبار عادلة ودقيقة.

وشدد على أن وقف المساعدات الصحفية في معبر رفح، من مولدات كهربائية للطاقة الشمسية وأدرع وقاية للصحفيين، انتهاك مؤكد لكل الحقوق المدنية والقانونية.

وأضاف أن الأمر نفسه يعود على قطع الاتصالات عندما حدث في غزة مع غلق المعبر الذي شهد مثالا صارخا على "التضليل الإعلامي"، حيث غطت وسائل الإعلام المسألة قائلة "غلق معبر رفح" و"قطع الاتصالات في غزة" كما لو كانت هذه أحداثا طبيعية.

وأوضح جوبسيل أنه كان يُفترض أن تشمل التغطية المتسبب وهو إسرائيل، لأن عدم إدراج المتسبب يعني أنه على المتلقي التخمين ربما تكون هي وربما لا، "فاجتزاء المتسبب من السياق خطأ فادح، لأن قطع المعلومات والمياه والطعام جريمة حرب لا تحدث من تلقاء نفسها، ولكن ترتكبها حكومات، وكان لزاما على الإعلام إخبار المتلقين من ارتكب الجريمة".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الصحفیین فی جرائم حرب فی هذه

إقرأ أيضاً:

تصاعد التضامن ’’العالمي’’ مع غزة تنديداً بجرائم الإبادة الصهيونية بحق الأطفال والنساء .. اليمن نموذجًا للموقف المشرّف

يمانيون /

يشهد العالم موجةً غير مسبوقة من التضامن مع الشعب الفلسطيني، ولا سيما في قطاع غزة، في ظل استمرار العدوان الصهيوني الوحشي الذي لم يفرّق بين مدني ومقاتل، وارتكب جرائم إبادة مروّعة بحق الأطفال والنساء. هذا التضامن شمل احتجاجات شعبية واسعة، بيانات شجب من منظمات حقوقية، وتحركات قانونية دولية متزايدة. وسط هذا المشهد، يبرز الموقف اليمني كأحد أكثر المواقف دعمًا ووضوحًا في الانتصار للقضية الفلسطينية، متجاوزًا ما قدمته العديد من الدول والشعوب الأخرى.

الجرائم الصهيونية ضد الأطفال والنساء في غزة
منذ بداية العدوان في أكتوبر 2023، وثّقت تقارير حقوقية أعدادًا صادمة للضحايا المدنيين في قطاع غزة، حيث أفاد تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) أن أكثر من 14,000 طفل وامرأة استشهدوا جراء القصف الإسرائيلي هذه الإحصائية مسجلة حتى أبريل 2024 فقط .
كما أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش استخدام إسرائيل لأسلحة متفجرة ثقيلة في مناطق مكتظة بالسكان، ما أدى إلى تدمير عشرات المدارس والمستشفيات، ووصفت هذه الممارسات بأنها “جرائم حرب”
في تقرير آخر نشرته منظمة أنقذوا الأطفال (Save the Children)، تم توثيق معاناة أكثر من 1.1 مليون طفل في غزة من آثار الصدمة النفسية، والجوع، والتشريد القسري.

التضامن العالمي: بين الغضب الشعبي والتخاذل الرسمي
شهدت العواصم العالمية مظاهرات ضخمة رفضًا للعدوان على غزة. ففي لندن وحدها، خرجت مظاهرات عدة تجاوز عدد المشاركين فيها مئات الآلاف ، وفي الولايات المتحدة، وثّقت شبكة CNN خروج احتجاجات طلابية داخل أكثر من 60 جامعة أمريكية ضد دعم واشنطن لكيان الاحتلال الصهيون ، ورفعت شعارات تطالب بوقف تمويل الحرب وفرض العقوبات على الاحتلال ، وتوالت الاحتجاجات والتنديدات الغاضبة ضد كيان العدو ودعماً لغزة في عدد من الدول الغربية ..
وفي المقابل، جاءت مواقف العديد من الحكومات الغربية والعربية ضعيفة، واكتفت بعضها بدعوات عامة إلى “التهدئة” دون أي خطوات ملموسة، وسط استمرار شحنات السلاح المرسلة للعدو الإسرائيلي من الولايات المتحدة وألمانيا.

الموقف اليمني: صوت مقاوم لا يُشترى 
في مشهد يختلف عن الغالبية، برز اليمن كأكثر الدول العربية وضوحًا في دعم فلسطين، لا سيما من العاصمة صنعاء التي تشهد مليونيات شعبية ضخمة أسبوعيًا منذ بداية العدوان.

 تميز الموقف اليمني:
توثق وسائل الإعلام المحلية والدولية الصورة الأسبوعية للدعم الشعبي العارم بخروج الملايين في صنعاء وكل المحافظات يرفعون شعارات التحدي للعدو الصهيوني ، متوجاً بموقف القيادة السياسية الحازم الذي عبر عنه  رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط  في خطابه التاريخي في العام ’’2024’’ الثاني والعشرون من فبراير بقوله : أن “فلسطين هي قضية الأمة المركزية، والرد قادم في الوقت المناسب”،لتعلن بعده القوات المسلحة اليمنية تنفيذ ضربات بحرية بطائرات مسيّرة وصواريخ باليستية على سفن إسرائيلية وأمريكية في البحر الأحمر، دعمًا لغزة  وهو موقف يؤكد الربط بين المعركة في اليمن وغزة ، وهو موقف أكده السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله في خطابه التاريخي في السابع عشر من مارس 2024م بقوله : أن المعركة ضد التحالف السعودي-الأمريكي هي امتداد للصراع ضد الهيمنة الصهيونية. 

خاتمة
كشف العدوان الصهيوني على غزة نفاق الأنظمة العالمية التي تتشدق بحقوق الإنسان، وأظهر في المقابل مواقف مشرفة لشعوب حرة، وعلى رأسها الشعب اليمني. لقد أثبت اليمن، رغم ظروفه الصعبة، أن الانحياز للحق لا يحتاج إلى إمكانيات بل إلى إرادة وكرامة.
وبينما تسكت أنظمة كبرى أمام جرائم إبادة جماعية موثقة، يخرج صوت اليمن عاليًا: “لن تكون فلسطين وحدها أبدًا”.

مقالات مشابهة

  • مظاهرة حاشدة في مأرب تنديدا بجرائم الإبادة في قطاع غزة
  • تعز.. تظاهرة حاشدة تضامنا مع فلسطين وتنديدا بجرائم الإحتلال
  • مسيرات حاشدة في البيضاء نصرة لغزة وتنديداً بجرائم الإبادة
  • تصاعد التضامن ’’العالمي’’ مع غزة تنديداً بجرائم الإبادة الصهيونية بحق الأطفال والنساء .. اليمن نموذجًا للموقف المشرّف
  • وزير البترول: «حريصون على التعاون البنّاء مع الصحفيين وتوضيح أي أمور تثار في وسائل الإعلام»
  • أساسيات الصحافة الاستقصائية.. ورشة تدريبية لـ”سراج” بالتعاون مع اتحاد الصحفيين
  • في معركة الحرب الناعمة ومواجهة الغزو الفكري.. الهوية الإيمانية تنتصر
  • غارديان: أكاذيب وسائل التواصل الاجتماعي غذت اندفاع الهند وباكستان نحو الحرب
  • رئيس مجلس إدارة “الفوسفات” يزور نقابة الصحفيين
  • صحيفة: مفاوضات غزة مستمرة وإسرائيل تحافظ على الغموض