في معركة الحرب الناعمة ومواجهة الغزو الفكري.. الهوية الإيمانية تنتصر
تاريخ النشر: 29th, May 2025 GMT
يمانيون / تقرير خاص
في زمنٍ تتعدد فيه أشكال الحروب وتتخفى كثير من الهجمات خلف أقنعة الإعلام والترفيه والتعليم، خاض اليمن معركة مصيرية من نوعٍ خاص، عنوانها: “الحرب الناعمة والغزو الفكري”. لم تكن المعركة بالسلاح والذخيرة، بل كانت معركة الوعي والإيمان والهوية، حيث سعى العدو إلى إسقاط المجتمع من الداخل، وتجريد الشعب من ثوابته ومعتقداته، ولكن اليمن – رغم كل الجراح – خرج منتصرًا، وهو يحمل راية الهوية الإيمانية عالية، كما لم تكن من قبل.ما وراء الحرب الناعمة؟
ليست الحرب الناعمة مجرد مفردة إعلامية، بل مشروع استراتيجي شامل يعتمد على التأثير غير المباشر لتغيير سلوك الشعوب وعقائدها عبر أدوات “ناعمة” مثل:
الإعلام الموجه والممول خارجيًا.
مناهج التعليم الأجنبية والمشوهة.
حملات الترفيه الهدّامة.
بث الشبهات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
تمجيد رموز الغرب وتهميش الرموز الوطنية والدينية.
في اليمن، حاولت هذه الأدوات أن تزرع الشك في العقيدة، وتبث الهزيمة النفسية، وتروّج للنمط الغربي كأنموذجٍ مثاليّ للحياة، مستخدمةً سلاح الفن والمصطلحات المغلّفة تحت شعارات “الحرية”، “الحداثة”، “حقوق المرأة”، و”التعددية الثقافية”.
الهوية الإيمانية كجدار صدّ منيع
في مواجهة هذه الهجمة الخفية، نهضت الهوية الإيمانية في اليمن كأقوى جبهة دفاع عن الذات الجمعية. هذه الهوية لم تكن مجرد شعارات، بل كانت منظومة قيم راسخة مستمدة من القرآن الكريم وسيرة النبي محمد (صلوات الله عليه وآله) وأعلام أهل البيت عليهم السلام، وكانت الحصن الذي تحطّمت عليه موجات التشكيك والتزييف.
ركائز الانتصار:
الخطاب القرآني الواعي: ارتكز الخطاب الوطني المقاوم على تأصيل الوعي من منطلق قرآني، حيث لم يُكتفِ بالشعارات، بل تمت مواجهة أدوات الغزو بالفكر والتبيين والحجة.
القيادة الإيمانية: مثلت القيادة الثورية والسياسية في اليمن، برؤيتها الإيمانية والبصيرة، عاملاً حاسمًا في توجيه الجماهير لمواجهة الحرب الناعمة وتفكيك أدواتها.
الإعلام المقاوم: قدّمت القنوات والمواقع اليمنية المناهضة للعدوان خطابًا متماسكًا، وفضحت مخططات الغزو الفكري، وكشفت تلاعب الإعلام المعادي بالرأي العام.
المدرسة والمسجد والمجتمع: جرى التركيز على استعادة دور المدرسة والمسجد والأسرة كحاضنات للهوية والقيم، فتم تجديد الخطاب التربوي والديني ليكون أكثر قدرة على مخاطبة الجيل المعاصر بأساليب واعية.
أوجه الهزيمة الفكرية للمشروع المعادي
أثمرت معركة الوعي عن نتائج ملموسة في الشارع اليمني فشل مشاريع التغريب الثقافي رغم ضخّ الأموال والمؤسسات.
وانكشاف أجندة المنظمات الدولية في مجالات التعليم والمرأة والطفل، وفضح نواياها التخريبية ، وكذلك تزايد الإقبال على المفاهيم الإيمانية والمواقف الثورية، خاصة في أوساط الشباب ، وعودة الثقة بالهوية الأصيلة، ورفض التقليد الأعمى للغرب.
الواقع يشهد :
الأستاذ/ عبدالملك القحوم، الباحث في الشؤون الفكرية يقول : “ما جرى في اليمن من انتصار للهوية الإيمانية ليس بالأمر العابر، بل هو نموذج يحتذى به في مواجهة الحروب غير التقليدية. لقد هُزمت آلة الإعلام الغربي أمام صمود الوعي القرآني.”
الأستاذة/ نجلاء المحطوري، ناشطة تربوية تؤكد: “عندما تحصنّا بالهوية الإيمانية، وجدنا أنفسنا أقدر على التمييز بين ما يُراد لنا، وما نريده نحن، ولهذا فإن اليمن انتصر لأن الوعي انتصر.”
اليمن.. نموذج عالمي في مقاومة الحرب الناعمة
لقد أثبتت التجربة اليمنية أن الحرب الناعمة أخطر من الحرب العسكرية، لأنها تسلب الشعوب إرادتها دون طلقة واحدة. لكن ما يجعل اليمن نموذجًا خاصًا، هو أن الشعب واجه هذه الحرب وهو في خضم معركة عسكرية واقتصادية وأمنية.
وهنا تكمن عظمة الانتصار، أن تبني الوعي وأنت تحت النار، وأن تُحيي الهوية وأنت محاصر، وأن تنتصر بفكرك حين يحاولون أن يسرقوا عقلك.
ختاماً
لقد انتصرت اليمن في هذه المعركة، لأن سلاحها لم يكن ماديًا، بل روحيًا وإيمانيًا. انتصرت لأن أبناءها آمنوا أن النصر الحقيقي يبدأ من الداخل، من صلابة العقيدة، ومن نقاء الهوية، ومن وعي لا تنطفئ جذوته مهما اشتدت العواصف.
وفي اليمن، لم تنتصر البنادق وحدها… بل انتصر الوعي، وانتصر الإيمان.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الهویة الإیمانیة الحرب الناعمة فی الیمن
إقرأ أيضاً:
من معركة دِفَا وصمود مرباط صُنع مجد "11 ديسمبر"
د. محمد بن خلفان العاصمي
في 11 ديسمبر 1975 وقف السُّلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- ببزته العسكرية التي لم يخلعها منذ توليه الحكم؛ ليُعلن انتهاء ما عُرف وقتها بـ"ثورة تحرير ظفار والخليج العربي" المدعومة من المعسكر الشيوعي العالمي، وزفَّ بشرى اندحار قوى الأطماع وهزيمتها وانتصار قواتنا المُسلحة عليهم؛ لتُسطِّر فصلًا خالدًا من فصول الشرف والفخر والاعتزاز، الذي رافق العُماني منذ الأزل، وفي خطاب النصر زفَّ بطل النصر وفارسه البُشرى لكل أبناء عُمان عندما قال "أيها المواطنون.. إنني أحيي تجمعكم الحماسي هذا وأهنئكم تهنئة العزة والكرامة، على اندحار أذناب الشيوعية من تراب وطننا العزيز".
ما بين بداية الحرب وبين هذا اليوم المشهود والذي أصبح يومًا لقوات السلطان المسلحة الباسلة في كل عام، سُطَّرت بطولات وطنية وتضحيات جسيمة قدمتها القوات المسلحة وقوات الفرق الوطنية في جبال ظفار الشامخة وسهولها ومدنها وقراها، ووقف أبناء ظفار يدًا بيد مع القوات المسلحة رافضين أن تكون بوابة عبور لصراع دولي وأطماع تغطت بشعارات زائفة وأهداف خفية ومخططات شيطانية، لقد أعلن السلطان الراحل بكل صراحة أنَّ عُمان دافعت عن أرضها وعن جيرانها وعن المنطقة بأسرها في هذه الحرب الغادرة.
في حرب ظفار سطَّرت قوات السلطان المسلحة ملاحمَ لن ينساها التاريخ، ولعلنا نستذكر في هذا المقال حدثين ساهما في تحقيق النصر المؤزر، وأنقذا البلاد من هذا المخطط الغادر، هذان الحدثان كانا حاسميْن في حرب ظفار إلى جانب حِنكة القائد ودعم الأصدقاء، ففي فجر 19 يوليو 1972 نفَّذت قوات الجبهة هجومًا على ولاية مرباط بغية استعادة السيطرة على أهم المواقع، واصطدمت مع الحامية قرب حصن مرباط التي صدَّت الهجوم بمساندة أبناء مرباط المُخلِصِين. هذا الهجوم الذي لو تمَّ لغيَّر ملامح الحرب وأطال مداها، لما سوف يُحدثه من تفوق عسكري ونفسي واستراتيجي لقوات العدو، فبعد نجاح قوات السلطان المسلحة في قطع خط الإمداد والشريان الذي كان يغذي العدو، وتمكن قواتنا الباسلة من استعادة العديد من المواقع والقرى التي كانت قد سقطت في أيام الحرب الأولى، كان لابد من أن يستجمع العدو قوته ليضرب ضربته الأخيرة.
وفي معركة مرباط أثبت أبناء هذا الوطن العزيز أن العقيدة الوطنية وتراب هذا الوطن غير قابلين للمساس، ونجحت قلة منهم بعقيدتها وعزيمتها في صد هذا الهجوم المتفوق عددًا وعتادًا والصمود أمامه وقهره. ويرى كثير من المؤرخين أنَّ هذه المعركة كانت الأهم بين سلسلة المواجهات التي شهدتها حرب ظفار، فقد كانت بداية النهاية لأطماع العدو، وكانت المعركة التي حولت الحرب إلى سلسلة انتصارات متتالية، وما بعد هذه الحرب كان السقوط المعنوي الشديد لقوات العدو التي راحت تندحر وتتراجع من مواقعها، وفقدت معها القدرة على لم شتاتها وإعادة تنظيمها، لقد كانت معركة مرباط نقطة التحول التي صنعتها قواتنا المسلحة في هذه الحرب الصعبة.
أما الحدث الثاني فكان في أواخر عام 1975، وكان في إحدى مدن سلطنة عُمان الشامخة وبوابتها الجنوبية التي تقف شامخة في جبال ظفار، معركة صرفيت أو ما تعرف محليًا بـ"دِفا"، وهي المعركة الأخيرة التي غرست آخر خنجر عُماني في قلب العدو الطامع الغادر؛ ففي هذه المعركة سقط آخر معاقل الشيوعية، وانتهت معها أحلامهم في التوسُّع والدخول للخليج العربي من بوابة سلطنة عُمان. وفي هذه المعركة سَطَّرت- مرة أخرى- قوات السلطان المسلحة وقوات الفرق ملاحم البطولات والتضحيات في ميادين العزة والشرف، ووقفت في وجه مخطط أراد أن يعصف بالمنطقة أجمع؛ فكانت عُمان مقبرة الغُزاة، وكان رجالها البواسل حائط صد تكسَّرت عند أساساته أحلام المغرورين. لقد انتصرت قواتنا المسلحة في هذه المعركة وسلَّمت البقية الباقية من العدو أسلحتها وخضعت، ليُعلن السلطان قابوس في يوم 11 ديسمبر 1975 وعبر خطاب النصر، انتهاء واحدة من أقسى الحروب وأصعبها، ليُسجِّل تاريخ عُمان الحديث ملحمةً تاريخيةً خالدةً مُرصَّعة بالفخر والشرف.
يوم قوات السلطان المسلحة- والذي يصادف 11 ديسمبر من كل عام- قد لا تعرف بعض الأجيال الحالية ما يعنيه؛ فهو ليس تاريخًا عابرًا؛ بل هو يوم تحققت فيه إرادة الشعب وإخلاص القائد الشاب الذي استلم الحكم في ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية صعبة جدًا، لكنه كان يُدرك ما يحدث ويعلم أن هذه المرحلة مفصلية لبقاء الدولة واستمرارها أو نهايتها واندثارها، فما من خيار سوى المواجهة ولا نتيجة مقبولة سوى الانتصار. ولكم أن تتخيلوا ما يعني كل ذلك في تلك الفترة الزمنية الصعبة، ولكن بعزيمة وإصرار وإرادة الأوفياء وحنكة القيادة عبرت سلطنة عُمان من أصعب اختبار واجهته في تاريخها الحاضر؛ فالعدو الخارجي عبارة عن تحالف دولي قوي يسيطر على نصف العالم وقتها.
لا بُد من ربط الأجيال بماضي بلادنا وتاريخها المجيد؛ فهذه المناسبات ليست تاريخًا يعبر ويومًا يمضي؛ بل هي وثائق تاريخية تُفتح كل عام، وكما كان نهج القائد الخالد في تعظيم دور قوات السلطان المسلحة، سار على نفس النهج حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- والذي أولى عنايته الكريمة للقوات المسلحة منذ اليوم الأول لتولي مقاليد الحكم، وراح يرسم صورة جديدة مُشرقة لدرع الوطن وحماته؛ لأنه يُدرك أن السلام يُرعى بالاستعداد وأن حمايته تتطلب قوة وقدرة على مواجهة ما يعترضه من تحديات وأحداث، خاصة في هذا الوقت الذي تمر فيه المنطقة والعالم بصراعات تهدد آمنه واستقراره.
هذا هو يوم 11 ديسمبر لمن لا يعرف معناه، وكما قال السلطان قابوس "أيها المواطنون.. إنَّ انتهاء فلول الشيوعية من جبال ظفار ليس معناه انتصارًا على شراذم قليلة قاموا بالبغي والفساد فحسب، ولكنه كشف واضح لحقيقة ثابتة وهي أن عُماننا العزيزة أرض طاهرة لا تقبل بذور الحركة الشيوعية مهما حشدوا لها من طاقات، وانتصارنا هذا يُؤكد فشل الحركة الشيوعية في عُمان وذلك من فضل الله.. ولله المنة".
فلتمضِ المسيرة المباركة والنهضة المتجددة على خطى البطولات والإنجازات لتُعانق الأجيال الجديدة ماضي هذا الوطن العزيز.
رابط مختصر