عندما أحرز العرب نصر أكتوبر (تشرين الأول) 1973، كان حزب العمل هو الذي يحكم في تل أبيب، وكانت غولدا مائير على رأس الحكومة، وكان موشي ديان على رأس وزارة الدفاع، وكان ديفيد أليعازر على رأس رئاسة أركان الجيش، وكان إيلي زعيرا على رأس المخابرات العسكرية.
وحين وضعت الحرب أوزارها في تلك السنة، ذهب الأربعة إلى لجنة أغرانات الشهيرة، ووقفوا أمامها كما يقف المتهم أمام العدالة، وراحت اللجنة تسألهم وتُسائلهم جميعاً، وخرجوا منها مُدانين أمام الإسرائيليين، قبل أن تدينهم هي وتضع مسؤولية الهزيمة التي لحقت بإسرائيل في رقبة كل واحد فيهم، وبغير أن تستثني منهم أحداً.وكان لا بد أن تذهب غولدا مائير عن رئاسة الحكومة، فذهبت بالفعل وقدمت استقالتها في 1974. ومن بعدها جاء إسحاق رابين رئيساً لحكومة العمل نفسها، ولم يحدث أن قاد عملية للسلام وقتها، رغم اشتهاره لاحقاً بجنوحه إلى السلم، ورغم الحديث الدائم عن أن اغتياله في 1995 كان بسبب إيمانه بالسلام وسعيه في طريقه عن يقين فيه.
ولما خرج رابين من الحكم خرج معه العمل، وجاء في مكانه الليكود بزعامة مناحم بيغن، الذي عمل مع السادات إلى أن جرى توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية.
وإذا جربت أن تقارن بين المبادئ السياسية التي يؤمن بها كل حزب منهما ويتبعها في مقاعد الحكم، سترى أن الليكود أكثر تشدداً من العمل، الذي يبدو في سياساته أميل ما يكون إلى الاعتدال، وإن كان مفهوم الاعتدال في هذا السياق يظل نسبياً، لأن ما يراه العمل اعتدالاً في السياسات المتبَعة من جانبه تجاه الفلسطينيين بالذات، وتجاه بقية العرب في أنحاء الإقليم، يمكن ألا يكون اعتدالاً في نظر كثيرين في المنطقة.
ومع ذلك، فالحزب الذي تابع مفاوضات كامب ديفيد مع القاهرة في 1978، والذي وضع توقيعه على معاهدة السلام في السنة التالية، كان الليكود لا العمل، وكانت هذه مفارقة في حد ذاتها، لأن المنطق يقول العكس.
ولكن بقليل من التأمل تكتشف أنه لا مفارقة في الموضوع، لأن الليكود المتشدد يظل محل ثقة الإسرائيليين إذا دخل في أي مفاوضات مع أي طرف فلسطيني أو عربي، ومصدر الثقة في نظر مواطنيه أن تشدده سيمنعه من تقديم تنازلات، ولكن العكس وارد في حالة حزب العمل، لأن اعتداله المفترض سيجعله مهيأً لأن يقدم تنازلات عند التفاوض.
ومع شيء من التعديل في هذه المعادلة، هل يمكن أن يتكرر هذا في مرحلة ما بعد الحرب على غزة، قياساً على ما جرى في تلك الأيام بين تل أبيب والقاهرة على يد الليكود؟
أما دواعي التعديل فهي أن التغيير إذا وقع في صيغة الحكم الحالية لليكود، فسيكون بذهاب بنيامين نتانياهو وحده، لا ذهاب الليكود كله عن الحكم، لأن المشكلة فيه هو بالأساس، وليست في الليكود صيغة تحالف حاكمة، ولأنه إذا كان لحكومة أن تقود عملية سلام تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة، في مرحلة ما بعد الحرب على غزة، فالغالب أن تكون حكومة ليكودية، حتى لا تلاحقها الاتهامات بتقديم التنازلات.
صحيح أن في حكومة نتانياهو سياسيين أشد تطرفاً منه تجاه قضية فلسطين، وفي المقدمة منهم إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي، وبتسلئيل سموتريتش، وزير المالية، ولكن الحصة الكبرى من مقاعد الكنيست، حسب آخر انتخابات، هي في ميزان الليكود بصفته الكتلة الكبرى في الائتلاف الحاكم، وليست الحصة الكبرى في حزب بتسلئيل ولا في ميزان بن غفير.
ومما نتابعه في سماء الأجواء السياسية الأميركية والإسرائيلية معاً، نستطيع أن نرصد فيها تلميحات إلى أن ذهاب نتنياهو مسألة وقت، وأن إخفاقه في مواجهة هجوم السابع من أكتوبر، ثم إخفاقه في تحقيق شيء من وراء الحرب على غزة، يرشحانه بقوة للذهاب الذي لا يوجد له بديل.
وفي الفترة السابقة على نصر أكتوبر، كان مسؤولون مصريون يلتقون هنري كيسنجر، وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس ريتشارد نيكسون، وكانوا يسألونه أن تساعد إدارة نيكسون في انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في ي5ونيو (حزيران) 1967، وكان هو يرد بما معناه أن الطرف الخاسر لا يمكنه أن يتحدث بلغة المنتصر!
فلما تحقق النصر كان هو أول الذين انخرطوا في عملية السلام التي بدأت من بعد النصر، ولم يكن قبلها يُبدي استعداده لأي انخراط من هذا النوع. وبالقياس، فإن غزة تظل من بعد الحرب عليها منتصرة، حتى ولو كان عدد شهدائها 15 ألفاً، وحتى ولو كانت نسبة كبيرة من منشآتها وبيوتها لا توجد فيها طوبة فوق طوبة. ففي بيان له يوم 26 من هذا الشهر ذكر المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، أن 40 ألف طن ألقاها الإسرائيليون على القطاع خلال 49 يوماً دامت فيها الحرب، وأن تقديرات الخسارة تصل إلى 12 مليار دولار.
غزة منتصرة بالمعنى الأشمل للنصر رغم هذا كله، وانتصارها هو انتصار لكل فلسطيني فيها، أو في الضفة الغربية، أو في غيرهما، وإذا تطلعنا إلى وقت مناسب لبدء تحرك جاد نحو السلام، ومحرِّض عليه، ومشجع له، فهو هذا الوقت الذي انتصرت فيه غزة، وأرغمت تل أبيب على أن تخضع لهدنة.
غزة منتصرة رغم جراحها التي تكفي العالم لو توزَّعت عليه، ولأنها منتصرة فانتصارها يُغري بالذهاب إلى تسوية تقود إلى الدولة الفلسطينية المستقلة، وليس أنسب من «الليكود» ليشارك في صناعة هذه التسوية، لأن له سابقة وربما سوابق في هذا السبيل.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي أحداث السودان سلطان النيادي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل على رأس
إقرأ أيضاً:
قبل مواجهة باتشوكا.. تاريخ مواجهات الأهلي مع أندية المكسيك
يستعد فريق الأهلى مساء اليوم، الأحد، لخوض مباراته الودية قبل منافسات كأس العالم للأندية أمام باتشوكا المكسيكى.
وتقام المباراة على ملعب "تشيس ستاديوم" بمدينة ميامي الأمريكية، ضمن استعدادات الأهلي للمشاركة فى كأس العالم للأندية 2025.
وتنطلق مباراة الأهلي وباتشوكا فى الساعة 5:00 مساءً بتوقيت شرق الولايات المتحدة (EDT)، الموافق الساعة 12:00 منتصف الليل بتوقيت القاهرة.
وكان الأهلى قد واجه أندية المكسيك فى 6 مواجهات رسمية فى كأس العالم للأندية، حيث فاز الأهلي فى مباراتين وخسر أربع مباريات، حيث جاءت كالتالي:
1- واجه الأهلى نظيره كلوب أمريكا المكسيكى وفاز 2-1 في مباراة تحديد المركزين الثالث والرابع ببطولة كأس العالم للأندية اليابان عام 2006.
2- الأهلى 2-4 باتشوكا المكسيكي مباراة الدور ربع النهائي لبطولة كأس العالم للأندية اليابان عام 2008.
3- الأهلى 0-2 مونتيري المكسيكي مباراة تحديد المركزين الثالث والرابع ببطولة كأس العالم للأندية اليابان عام 2012.
4- الأهلى 1-5 مونتيري المكسيكي مباراة تحديد المركزين الخامس والسادس في بطولة كأس العالم للأندية المغرب عام 2013.
5- الأهلى 1-0 مونتيري المكسيكي الدور ربع النهائي لبطولة كأس العالم للأندية الإمارات 2022.
6- الأهلى 5-6 (ركلات الترجيح) باتشوكا المكسيكي الدور نصف النهائي لبطولة كأس العالم للأندية 2024.
وتضم بعثة الأهلي 27 لاعبًا هم: محمد الشناوي ومصطفى شوبير ومصطفى مخلوف، ومحمد سيحا وياسر إبراهيم وأشرف داري ومصطفى العش وأحمد رمضان بيكهام ومحمد هاني وخالد عبد الفتاح، وعمر كمال ويحيى عطية الله وكريم الدبيس وأحمد نبيل كوكا ومروان عطية وحمدي فتحي، ومحمد مجدي أفشة وأحمد رضا ومحمد علي بن رمضان وإمام عاشور وطاهر محمد طاهر، وحسين الشحات وأشرف بن شرقي ومحمود حسن تريزيجيه ونيتس جراديشار وأليو ديانج وزيزو، على أن يلحق بهم وسام أبو علي الأربعاء المقبل.