تشوية لسياسة "التعمين".. لماذا؟
تاريخ النشر: 10th, June 2025 GMT
حيدر بن عبدالرضا اللواتي
في الوقت الذي تعمل فيه الجهات المعنية على تشغيل العُمانيين وتدريبهم وتأهيلهم للعمل في مُختلف القطاعات الاقتصادية المتاحة، ورفع نسب "التعمين" للكوادر المؤهلة في التخصصات المطلوبة، نجد اليوم هناك بعض الدول تحاول تشويه أمر هذا المطلب الوطني والسيادي من خلال طرح فكرة تجميد "التعمين" في الشركات التي تمَّ تأسيسها من خلال الاستثمارات الأجنبية للعمل في هذه المنطقة، وبعضهم قدموا في الأصل عمالًا في بعض المهن، وأصبحوا اليوم مستثمرين من الدرجة الأولى.
منذ حوالي شهر مضى تطرح في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي رسائل ومناشدات عديدة من المواطنين موجهة للمسؤولين في الحكومة بعدم قبول أي شرط يُقيدّنا بتشغيل عمالة وطنية في تلك الشركات في حال الاتفاق بشأن الاتفاقيات التجارية الثنائية؛ حيث إنَّ ذلك سيؤدي إلى مضاعفة أفراد تلك الدول في المؤسسات التجارية العاملة في السلطنة، والذي سوف يزيد تحكمهم في مصير العُمانيين وفي تقرير كل أمر صغير أو كبير مستقبلًا. كما إن ذلك سوف يؤدي إلى تراجع فرص تأهيل العُمانيين في هذه المؤسسات، مع العلم بأن تحكّم أبناء هذه الدولة مستمر في المؤسسات التجارية الحالية التي يزداد عددها سنوياً، والتي تدخل في مختلف مجالات الإنتاج السلعي. وهذا يؤدي في نهاية الأمر إلى التبعية للدول الأجنبية، وزيادة التحويلات المالية السنوية إلى دولهم، وبالتالي يُقلل من بقاء السيولة في السوق الداخلي وإدارة الأموال بصورة مطلوبة.
ويرى الكثير من الناس أن طلب أي دولة تجميد سياسة "التعمين" في اتفاقية التجارة الحرة يُعد نوعًا من الوصاية على حركة سوق العمل العُماني؛ فحين تسعى دولة لضمان دائم لعمالتها داخل قطاعات حيوية في دولة أخرى فإنَّ ذلك يشكّل سابقة خطيرة تمسّ بسيادة القرار الوطني. وأن خطورة هذا الطرح لا تكمن فقط في مضمونه؛ بل في ما يفتحه من أبواب لتقويض قدرة الدولة على تطوير كوادرها وتمكين مواطنيها وخلق اعتماد مزمن على العمالة الأجنبية.
نعلم أن الاستثمار الأجنبي في أي دولة يريد أن يكون حرًا في إطار الاقتصاد الحر حتى في تعيين العاملين لديه من أجل تقليل التكلفة لأي منتج مصنع أو خدمة جديدة، ولكن كل دولة لها قوانين خاصة بها، خاصة فيما يتعلق بتشغيل نسب مُعينة من العمالة الوطنية في تلك المؤسسات، وعُمان لا تحيد عن هذا الأمر أيضًا.
ولكن من ناحيتي لا أرى بأن طلب تجميد التعمين سوف يخلق فوضى في السوق العُمانية كما يُشير البعض، ولا توجد هناك أدلة موثوقة بذلك، أو وجود تحريض بخلق مشاكل في السوق العُماني من خلال قضايا التوظيف أو سياسات "التعمين"، ولكن هناك احتمالات بأن يؤدي ذلك إلى خلق بعض التوترات الدبلوماسية في جوانب تجارية مُحددة، ويمكن تجنبها من خلال وضوح السياسات التي تعمل بها البلاد.
لقد مرّ العالم ببعض المشاكل التي نتجت عن وجود عمالتها في الدول الأخرى خلال العقود السابقة، وفي حالات معينة؛ حيث استخدمت مسألة العمالة الوطنية أو السياسات الاقتصادية كوسيلة لتوتر العلاقات أو لتحسين موقف معين داخليًا، لكن غالبًا ما تكون تلك حالات محدودة وتُحل عبر الحوار والاتفاقات الثنائية أو الدولية.
وفي العلاقات الدولية هناك حلول لحل مثل هذه الخلافات، وتعمل الدول على حلها بشكل دبلوماسي لتفادي التصعيد. وعلينا أن ننظر إلى هذه القضايا والأمور بشكل موضوعي، لأنَّ الحكومات تسعى عادةً لحماية مصالحها الوطنية، وأنَّ النزاعات المتعلقة بالعمالة والسياسات الاقتصادية تُعالج غالبًا من خلال الحوار والاتفاقات، مع ضمان عدم التأثير سلبًا على العلاقات الثنائية.
إنَّ حجم التجارة الخارجية لسلطنة عُمان مع دول العالم في ازدياد سنويًا، وأن نوعية المشاريع الاستثمارية الأجنبية تزداد هي الأخرى؛ حيث تستورد عُمان العديد من المنتجات والسلع مثل الإلكترونيات، والأدوية، والملابس، والمواد الغذائية وغيرها من العالم، وأي طلب بتجميد سياسة "التعمين" سوف يؤدي إلى تراجع الطلب من تلك الدول، بجانب أن مثل هذا الطلب سوف يؤدي إلى تراجع الطلب في تأسيس مشروعات مشتركة في مجال الطاقة والبنية التحتية وفي قطاع النفط والغاز والطرق الطرق والموانئ وفي القطاع السياحي والصناعي والتكنولوجي بالاضافة إلى مشاريع الزراعة والثروة الحيوانية وتطوير قطاعات الغذاء.
وجميع هذه المشاريع تعد جزءًا من جهود تعزيز التَّعاون الاقتصادي بين الدول، خاصة وأن السنوات الأخيرة شهدت زيادة في حجم الاستثمارات والمشاريع المشتركة بين عُمان وتلك الدول، وبالتالي فإنَّ وجود العمالة الوطنية بجانب العمالة الوافدة هو أمر سيادي، ولا يمكن لأي دولة طرح تصور باستبعاد العمالة الوطنية للعمل في بلادها.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
وسط تحركات دبلوماسية متسارعة لدعم حل الدولتين.. 15 دولة غربية تدعو للاعتراف بدولة فلسطين
البلاد (نيويورك)
دعماً لمسار حل الدولتين، أطلقت فرنسا و14 دولة غربية نداءً جماعياً يدعو المجتمع الدولي إلى إعلان عزمه الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، وذلك على لسان وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو، الذي أكد من نيويورك أن بلاده، إلى جانب دول كندا وأستراليا وأخرى أوروبية، تدعو من لم يعترف بعد بالدولة الفلسطينية إلى الانضمام لهذه المبادرة.
وكتب بارو على منصة”إكس”: “فرنسا، بالتعاون مع 14 دولة أخرى، تعلن نيتها الاعتراف بدولة فلسطين وتدعو الدول الأخرى إلى أن تحذو حذونا”، وذلك في أعقاب “نداء نيويورك” الصادر عن مؤتمر وزاري عقدته الأمم المتحدة لدعم حل الدولتين.
وشملت قائمة الدول الموقعة إلى جانب فرنسا كلاً من أندورا، وأستراليا، وكندا، وفنلندا، وآيسلندا، وأيرلندا، ولوكسمبورغ، ومالطا، ونيوزيلندا، والنرويج، والبرتغال، وسان مارينو، وسلوفينيا، وإسبانيا. وقد أعربت تسع من هذه الدول، التي لم تعترف بعد بدولة فلسطين، عن “الاستعداد الإيجابي أو الاهتمام بالاعتراف”، في إشارة واضحة إلى تغيّر متصاعد في المزاج السياسي الدولي تجاه القضية الفلسطينية.
جاء هذا التطور في ختام مؤتمر رفيع المستوى استضافته نيويورك يومي الاثنين والثلاثاء، برعاية مشتركة من السعودية وفرنسا، في محاولة لإعادة إحياء حل الدولتين الذي بات مهدداً بفعل الحرب المتواصلة في غزة وتوسع الاستيطان في الضفة الغربية.
من جانبه، أعلن رئيس وزراء مالطا، روبرت أبيلا، في بيان منفصل، أن بلاده ستعترف رسمياً بدولة فلسطين، مشدداً على التزامها بدعم حل سياسي عادل وشامل للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
وفي تطور لافت، كشفت مصادر دبلوماسية أن رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، أبلغ نظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اعتزام بلاده الاعتراف بدولة فلسطين، شريطة وقف إطلاق النار في غزة وعدم تنفيذ عمليات ضم في الضفة الغربية، إضافة إلى الانخراط في مفاوضات سياسية جدية.
التحرك البريطاني قوبل بترحيب عربي واسع، حيث اعتبرته السعودية والأردن”خطوة مهمة نحو إنهاء الاحتلال”. كما وصفه الرئيس الفلسطيني محمود عباس بـ”الموقف التاريخي”، داعياً دول العالم إلى أن تحذو حذو بريطانيا.
وقد اختتم مؤتمر نيويورك بدعوات واضحة لإنهاء الحرب في غزة وتسليم سلاح حماس للسلطة الفلسطينية، وإطلاق عملية سياسية حقيقية تفضي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة. وقد لقي البيان الختامي دعم 17 دولة من بينها مصر، تركيا، قطر، كندا، والبرازيل، في ظل غياب كل من إسرائيل والولايات المتحدة عن المؤتمر.