إبراهـيم السـعافـين..قلـب يعـانق ألم «غزة» الصامدة ودمــوع تكشـف عــن غنى المشـاعـر
تاريخ النشر: 4th, December 2023 GMT
عندما يلامس قلم الشاعر أوتار الحزن والألم، يتجلى لحن مؤثر يعكس حقيقة الواقع. في قصيدته عن غزة، يحتضن إبراهيم السعافين مشاعره كالدموع التي تسكب على أرض غزة الصامدة. تراقصت كلماته بين رياح الألم وزهور الأمل، يروي لنا قصة شعب يقاوم بكل إصرار وصمود، محمّلا في قصيدته وجدانه وأحاسيسه المعبّرة.
في الندوة التي أقامها النادي الثقافي مساء أمس برعاية سعادة حبيب بن محمد الريامي، رئيس مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم؛ تكريما للأديب الأستاذ الدكتور إبراهيم السعافين، الشخصية الثقافية العربية التي اختارها النادي الثقافي لعام 2023م.
وقد عبَّر الأستاذ الدكتور إبراهيم السعافين عن سعادته الغامرة والامتنان لهذه المبادرة، مقدما شكره للنادي الثقافي ومجلس إدارته، كما أشاد بما قدمه المتداخلون في الندوة من أوراق وجهد، معبّرا عن سروره بهذا الاحتفاء والاهتمام والرعاية. وقد قدّم قصيدتين، حملت الأولى عنوان «الخيل تحرس أعرافها» والثانية بعنوان «الشمس التائهة»، تحدثت الأخيرة عن «غزة»، متحدثا عن صمودها في وسط ما تتعرّض له من ظلم وإبادة من قبل الكيان المحتل.
وفي أولى أوراق الندوة التي قدمها عبدالرزاق الربيعي واحتفت بالأستاذ الدكتور إبراهيم السعافين قدم الدكتور محمود السليمي ورقة سرد فيها العلاقة الإنسانية بينها وبين «السعافين» معرجا على رحلته العلمية في الدراسات العليا معه وقال «السليمي»: هل تسعفني الكلمات والعبارات للحديث عن أستاذ كريم وعلامة كبير له من الفضل علي كما هو شأن خريجي وشأن طلبته الذين نهلوا من علمه وجلسوا في حلقات الدرس عنده؟ وحين أتحدث عن نفسي معه فإنني أتحدث عن طلبته الذين ينتمون إلى أصقاع مختلفة في الدول العربية حيث درست على يديه في مرحلة الماجستير وبعدها الدكتوراة وأشرف على رسالة الماجستير وتعرّفت من خلاله على النظريات النقدية ومدارسها وتاريخها عبر عدد من المواد المقررة، وكان يعاملنا معاملة الصديق الحريص على تلاميذه وغمرنا بلطفه كما غمرنا بفيوض علمه وكرمه.
من جانبها قدمت الدكتورة آمنة الربيع ورقة تحدثت عن «خطاب الشخصيات الفاعلة في مسرحية (ليالي شمس النهار) للدكتور إبراهيم السعافين» قالت فيها: إن النص الدرامي «ليالي شمس النهار» يعد باكورة كتابات الدكتور إبراهيم السعافين وصدر هذا الكتاب سنة 1982م، حللت خلاله النص الدرامي وفق أطروحات الناقدين الفرنسيَّيْن ميشال برونر وآن أوبرسفيلد، واصفة وظائف النص الدرامي، كالوظيفة الدرامية والشعرية والتواصلية، كما فرقت ما بين الشخصيات الفاعلة وغير الفاعلة التي مهمتها الربط ما بين الشخصيات عن طريق الحوار الدرامي، مستنتجة من تحليل النص وجود ثلاثة مستويات للشخصيات تخللها الصراع، إضافة إلى وقوفها عند أبعاد الشخصيات كالبعد الاجتماعي والنفسي. وأشارت «الربيع» إلى أن تحليل النص الدرامي يتحدد ويعمل على أنظمة ثابتة؛ كالبنية الدرامية وفضاء الأحداث والزمان والحوار والإرشادات المسرحية، ومن مظاهر تكوين البنية الدرامية واشتغالها فإنها تتضمن علامات لغوية وبصرية ومرجعية، تراثية وتاريخية، وانطلاقا من هذه المسألة، تحركت في النص الدرامي لمعرفة نوع الصراع، والشخصيات، والمهن التي امتهنتها وبؤرة إدراك كل شخصية لنفسها، وللشخصيات الأخرى، حيث توزع الورقة البحثية خطابات متناقضة للشخصيات حسب وجهة نظر كل شخصية، وجرى إحصاء ما يزيد على 20 شخصية، وهذا العدد يناسب بنية الصراع والرسالة التي يريد النص الدرامي إرسالها إلى المتلقين، كذلك تناولت في التحليل فضاءات مدينة البصرة التي تدور فيها أحداث النص الدرامي، ودلالة الأسماء والوضعيات الاجتماعية للشخصيات داخل فضاء يحلم بالحرية وبزوغ شمس النهار.
من جانبه قرأ الدكتور جمال مقابلة أستاذ النقد الأدبي في جامعتي «الإمارات» و«الهاشمية في الأردن» في سيرة إبراهيم السعافين بالنظر فيها من خلال محاور أربعة، ففي السيرة الذاتية التي تعني سيرة الإنسان ومسيرته تتبّع «مقابلة» حياة إبراهيم السعافين منذ الميلاد والنشأة والتكوين وصولًا إلى ما آل إليه الآن من إنجاز وهو في الثمانين من عمره في كلّ ما أسند إليه فأنتج فيه مسيرة إبراهيم السعافين الإنسان، ونجد خطاطة ذلك في الورقة التي يعدّها السعافين عن نفسه حين يطلب إليه تقديم نفسه، وهي ما تعارف الناس عليه بكتابة السيرة الذاتية المسماة، أما السيرة العلمية فهي تطرقت إلى التكوين والوعي وسيرة الكاتب النقدية الأكاديمية والأدبيّة الإبداعية والفكرية الثقافية والمنهجيّة الموضوعية التي اختطها في منجزه على مرّ السنين، في حيث سردت السيرة الأدبيّة الذات في المقام الأول، وكتابة الرواية السيرة أو السيرة الروائية التي تقرأ تاريخ الذات قراءة تخييليّة عبر كتاب السعافين (سلالة السنديان 2023)، وأخيرًا السيرة المرآويّة، وتطرقت إلى قراءة إبراهيم السعافين في كل ما كتب عنه وما قدّم حول نقده وشعره ونثره من دراسات، لنطالع سيرة السعافين بعيون الآخرين.
وإضافة إلى المحاور الأربعة التي تعد كل واحدة قراءة حيويّة لحياة إنسان منجز ومبدع وفعّال فإن استذكار كثير من العناوين المختصة بالسيرة الأدبيّة وغيرها من الكتب للوقوف على طرائق الكتابة عن النقاد والمبدعين والكتاب الذين كرّسوا حياتهم للنقد والأدب والكتابة والإبداع، حتّى ملأت أخبارهم أسماع الدنيا وخلّدتهم كتاباتهم وكتابات الذين متحوا منهم ولم يكفّوا إلى الآن، وهذا ما قصدته من أنّ إبراهيم السعافين كان له من اسمه نصيب، حين حاول جاهدًا أن يبلغ مقام «الأمّة»، وطمح دومًا أن يكون بسلوكه ذلكم الإنسان «الخليل».
وكانت قد ألقت الدكتورة منى بنت حبراس السليمية كلمة للنادي الثقافي في بداية الندوة أشارت فيها إلى هذه الندوة التي تحتفي بشخصية ثقافية عربية أسهمت في تأسيس قاعدة فكرية ومعرفية تعددت مساراتها وتشعبت مسالكها، فمن إثراء المكتبة العربية بأطروحات نوعية بارزة، إلى تكوين أجيال من الباحثين والأكاديميين الذين تتلمذوا على فكرها ومنجزها العلمي على مدى عقود، فضلا عن مساهماتها اللافتة في التواصل البحثي والمعرفي في مجالات الأدب والنقد شعرا ونثرا، متفاعلةً مع جديد النظرية، ومتقصّية لظواهر الأدب، ومستقرئة تجلياته دونما جمود أو تزمّت، فضلا عن إسهامها الأدبي بإنتاج وفير، الأمر الذي بوأها مكانة بارزة في سجل الثقافة العربية.
وأضافت «السليمية»: الأستاذ الدكتور إبراهيم السعافين (الشخصية الثقافية العربية التي اختارها النادي الثقافي لعام 2023م) صال وجال في أروقة المؤسسات العلمية والأكاديمية في أكثر من بلد عربي، متقلدا مناصب القيادة فيها، وتحفظ له المكتبة العربية ما يربو على ثلاثين كتابا في النقد الأدبي قديمه وحديثه، فضلا عن 13 كتابا أدبيا، ولا ننسى مؤلفاته في التعليم الجامعي، وكتب التعليم العام التي قدمها أو اشترك فيها مع آخرين، ورأس في عدد منها لجان تأليفها، فضلا عن التأليف الموسوعي والمعاجم، فالمتأمل في سيرة «السعافين»، يجد إخلاصا لافتا للبحث العلمي، ومحبة خالصة للأدب وتعليمه وتعلّمه. فإلى جانب تأليفه في التعليم العام والجامعي، فقد أشرف على عدد كبير من الرسائل الجامعية، وترك بصمته الواضحة في الأجيال الذي خرجت من عباءة فكره وعطائه؛ فعلى الرغم من بعد المسافة الزمنية، ما زالوا يحتفظون له بشجرة الوفاء الوارفة يرعونها بالتقدير والثناء، كيف لا وللرجل نهجه القائم على الوصل والتواصل في سبيل العلم الذي لا يعترف بخط نهاية، ولا يقر بالاكتفاء.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فضلا عن
إقرأ أيضاً:
بين «جلجامش» و«الطريق».. رسائل مسرحية تبحث عن إنسانية الملك وقداسة الولي
اختتمت الهيئة العامة لقصور الثقافة، فعاليات المهرجان الإقليمي للمسرح بالغربية، بعرضين مسرحيين يقدمان تجربة مسرحية متباينة في الطرح، متقاربة في الطموح، هما: "جلجامش" على مسرح 23 يوليو، و"الطريق.. الولي والسلطان"، على مسرح المركز الثقافي بطنطا.
الطريق.. من التصوف إلى السياسة
"الطريق.. الولي والسلطان"
جاء العرض الأول "الطريق.. الولي والسلطان"، للناقد والأديب الدكتور طارق عمار، برؤية إخراجية جديدة، للمخرج الفنان أسامة شفيق، حيث مزج النص بين التاريخ الصوفي والتحليل السياسي، من خلال سرد علاقة السيد البدوي بالظاهر بيبرس، وسط أجواء مشحونة بالصراعات الداخلية ومحاولات تشويه السلطة.
المؤلف د.طارق عمار والمخرج أسامة شفيق قدما رؤية أكثر اتساقًا مع وعي الجمهور، وإن كانت تميل أحيانًا إلى التقريرية في الطرح، خاصة في مشاهد المواجهة بين رجال الدين والسلطة، غير أن هذا العرض امتاز بتكامل عناصره الفنية: من موسيقى حية، شعر بليغ، واستعراضات منضبطة، وديكور كل هذا جمعه المخرج أسامة شفيق في عمل فني متكامل مما جعله أكثر تماسكًا.
كما أن أداء الممثلين اتسم بالنضج، وقد تميز أحمد سالم الذي جسد شخصية «البدوي» ومحمد عبد العزيز الذي جسد شخصية الظاهر بيبرس، بحضور قوي ووضوح في الأداء، ما ساعد الجمهور على التفاعل مع الحدث، و اللافت أن العرض قدم خطابًا توعويًا بصيغة درامية غير مباشرة، ما يعكس وعيًا بإشكاليات المجتمع المعاصر من خلال إسقاطات تاريخية ذكية.
جلجامش.. ملحمة تتعثر في بحر الرمزية
في العرض الثاني اختار المخرج هشام القاضي نصًا ثقيلاً قائمًا على الميثولوجيا الرافدينية ليقدمه برؤية معاصرة، حيث تحكي المسرحية قصة الملك "جلجامش" الذي أغوته السلطة فادّعى الألوهية، قبل أن يكتشف إنسانيته بعد فقد صديقه المقرب.
النص في جوهره غني بالرمز والتأويل، وقد وُظفت عناصر العرض من "ديكور وأزياء وحتى الموسيقى والاستعراضات" لخدمة هذا العالم الأسطوري، إلا أن الزخم البصري في بعض اللحظات بدا طاغيًا على الفكرة الرئيسية، وهو ما أدى إلى تشويش على مسار التلقي لدى الجمهور، خاصة في النصف الأول من العرض.
الممثلون قدموا أداءً جادًا، وبرز من بينهم خالد عبد السلام وسيد الحسيني، غير أن بعض المشاهد اتسمت بالمبالغة في الأداء الجسدي، مما أثر على إيقاع العرض. المخرج بدا واضحًا في سعيه لتقديم عرض فلسفي بصري، لكن النص نفسه كان يحتاج لمزيد من التبسيط دون الإخلال بعمقه الرمزي.
في المجمل: مسرح جاد يبحث عن توازنه
العرضان يثبتان أن فرق قصور الثقافة تسير بخطى جادة نحو مسرح نوعي، رغم بعض التفاوت في أدوات المعالجة، "جلجامش" مثّل مغامرة فكرية وبصرية تحتاج لمزيد من التهذيب الإخراجي، بينما "الطريق" قدم تجربة أكثر قربًا من المتلقي، لكن دون اختراق درامي حاد.
تبقى قضية النصوص وطريقة تقديمها هي التحدي الأكبر لمثل هذه الفرق، إلى جانب الحاجة إلى تمكين تقني أفضل وصقل عناصر الأداء، خصوصًا في عروض ذات طابع ملحمي أو تاريخي.