تواصل الولايات المتحدة الأميركية سقوطَها الأخلاقي المدوي؛ دعمًا كليًا وشاملًا، وشراكة للكيان الصهيوني في عدوانه البربري على قطاع غزة.

"الإمبراطورية الأميركية" تمزق بنفسها قناع زعامة وقيادة ما يُسمى بـ "العالم الحر"؛ كاشفة عن تجرّدها من "قيم الإنسانية، والتحضر، والمدنية"، التي تأبى قتل المدنيين، وحصارهم، وتجويعهم، والإبادة الجماعية لهم وتهجيرهم.

لذا، لم يكن غريبًا، أن تزعم "وزارة الخارجية الأميركية" في بيان لها (الاثنين)، أنها "لم ترَ أي دليل على قتل إسرائيل المدنيين عمدًا، خلال حربها على قطاع غزة".

سبق بيانَ الخارجية الأميركية ، تصريحٌ لوزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، الذي قال: "إن بلاده لن تسمح لحركة حماس، بالانتصار على إسرائيل". الوزير أوستن، وبيان الخارجية الأميركية، ومن قبلهما، الإدارة الأميركية بكل مكوناتها، سائرين على درب واحد؛ تأييدًا أعمى للكيان الصهيوني، وتبريرًا لجرائمه الوحشية، وحمايته من المُساءلة.

زرع الكراهية

وكأنّ "الإدارة الأميركية"، لا ترى هذا "الكّم الهائل من القذائف، والقنابل الحارقة، والخارقة للتحصينات"، أميركيّة الصنع، وربما المُحرّمة دوليًا، المُلقاة- من طائرات جيش الاحتلال، طوال 60 يومًا (عدا أيام الهُدنة السبعة)- فوق رؤوس "سُكان" القطاع، لتحصد أرواحهم، وتحيل أجسادهم أشلاءً، دون إغاثة أو دواء أو علاج للجرحى الناجين من الموت، ليلحقوا بمن سبقوهم شهداء عند ربهم.

"الولايات المتحدة"، بهذا "التعامي"- عن الكوارث الناجمة من العدوان البربري، على المدنيين العُزّل من سكان القطاع، إضافة إلى دعمها العسكري، والاستخباراتي، والسياسي والمادي، والمعنوي، غير المحدود، للكيان الصهيوني- تثير السخط والغضب والنفور، وتجلب لنفسها البُغض والكراهية.

تتذاكى أميركا على العالم، عندما يتساءل كُتّابها ومُنظروها في براءة مفتعلة: لماذا يكرهوننا؟، وذلك عقب قيام تنظيم القاعدة بضرب رمز الحضارة الأميركية: برجَي التجارة بمركز التجارة العالمي (11 سبتمبر/ أيلول 2001)، الكائن بمدينة نيويورك.

 دروس 11 سبتمبر

لكل تجربة "درسان متناقضان"؛ أحدهما إيجابي مُفيد، والثاني سلبي مُهلِك، يختار المرء- وكذلك الدول-، منهما، ما يراه الأصلح، والأنفع له.

لكن الولايات المتحدة، لم تقرأ تجربة ودروس 11 سبتمبر 2001، على الوجه الصحيح، فقد أعمتها غطرسة القوة. فمثلما يفعل الكيان الصهيوني في قطاع غزة، اندفعت "أميركا" بشهوة انتقامية جامحة، كما الثور الهائج، تصبّ القنابل والحُمَم على الشعب الأفغاني، وقامت بغزو أفغانستان الذي استمرّ 20 عامًا (2001- 2021)، لتجني في النهاية هزيمة ساحقة ومُهينة، ومزيدًا من الكراهية، وبقيت "حركة طالبان" التي توعّدوها بالاجتثاث والمحو.

تجاهلت الإدارة الأميركية دلالات استدعاء وتداول  الشباب الأميركي، قبل عدة أسابيع، رسالةَ زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن المنشورة في صحيفة الغارديان البريطانية (عام 2002)، التي شرح فيها تفصيلًا "أسباب الكراهية" للولايات المتحدة بموضوعية شديدة.

تمركزت هذه الأسباب حول الانحياز والدعم الأميركي للكيان الصهيوني في جرائمه اليومية الوحشية ضد الشعب الفلسطيني؛ قتلًا، وتشريدًا، وتهجيرًا، واعتقالًا، وإذلالًا وإهانة، وسرقةً لـ "حقوقه المشروعة"، المُعتَرف بها أمميًا.

رؤية بن لادن

كان بوسع الأميركان التوقّف، والمراجعة لدعمهم الكيان الصهيوني، مثلما كان يمكنهم المصارحة مع النفس، عقب غزو أفغانستان، لتقصّي إجابة السؤال الشاغل لهم: (لماذا يكرهوننا؟)، حتى لو استرشدوا برسالة عدوّهم "بن لادن"، وهي رسالة تنطوي على رؤية عميقة للصراع، لكنهم، في كل مرّة، لا يتعلّمون من تجاربهم.

عام 2003 اخترعت أميركا أكذوبة امتلاك "العراق" أسلحة الدمار الشامل، وقامت بغزوه واحتلاله (2003- 2011)، بينما الغرض الحقيقي، كان استعماريًا؛ لنهب ثرواته، وتدميره، حتى لا يمثل إزعاجًا لها، أو "للكيان الصهيوني" المتوجِّس خيفةً منه، والذي لا يريد لأي دولة أخرى في المنطقة، امتلاك أي أسباب للقوة أو النهضة.

قتلت القوات الأميركية والتحالف الغربي، خلال سنوات الاحتلال، نحو 150 ألف مدني عراقي – إن لم يكن أكثر في بعض التقديرات- وتسبَّبا في هجرة 1.6 مليون شخص وَفقًا لتقارير أممية، ثم تركته أسيرًا للعنف الذي زرعت بذوره.

 عار قتل المدنيين

لا يختلف الحال كثيرًا في حرب "الولايات المتحدة" على فيتنام الشمالية (1964- 1975)، الشيوعية الموالية للاتحاد السوفياتي- (تفكّك عام 1991، لترثه روسيا الاتحادية) – المنافس لأميركا وقتها. فقدت فيتنام نحو مليون شخص قتلوا في الحرب غالبيتهم من المدنيين، وارتكب الجيش الأميركي مجازر أيضًا هناك، قبل أن ينسحب مهزومًا، مدحورًا، مُهانًا.

إن "قتل المدنيين" هو سلوك استعماري أصلًا، ويُعد "عارًا"، والولايات المتحدة الأميركية، لم تنجُ من هذا العار، فلها باعٌ طويل في هذا المسلك المشين أخلاقيًا، وإنسانيًا، على نحو ما فعلت في أفغانستان، والعراق، وفيتنام.

كما أنّ عار قتل المدنيين، يلاحق "جيش الاحتلال الصهيوني"، الذي هو امتدادٌ للعصابات الصهيونية التي ارتكبت مجازر بشعة ضد الفلسطينيين عام 1947، أسفرت عن نكبة 1948، بتهجير مئات الآلاف منهم، مثلما يسعى هذا الجيش النازي، لتَكرار النكبة في قطاع غزة، بتمويل ودعم أميركي، ومشاركة فعليّة.

سيف حقوق الإنسان

الساسة الأميركيون والغربيون، يعتنقون "الفلسفة البراغماتية" في نسختها السياسية، التي تعني- باختصار- أن "الأفكار، والقيم والمُثل، والمبادئ"، ليست معيارًا، فالنفع العائد من تطبيقها، هو المعيار، فإن لم يكن لها نفع، أو عائد، فلا لزوم لها، ولا قيمة.

هكذا، فالولايات المتحدة- وتفسيرًا لموقفها المشارك بالعدوان على غزة- ترى في "الكيان الصهيوني" حليفًا إستراتيجيًا، وأداة لها، وعصا غليظة، بالمنطقة، ومن ثَمّ تسانده بكل قوة.

بقي أنَّ ما تزعمه أميركا عن رعايتها "حقوق الإنسان"، هو مجرد سيف تتسلّط به على رقاب الحُكام المستبدّين، لإرغامهم على السير فيما ترسمه لهم من مسارات.

 

 

 

 

 

 

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الولایات المتحدة للکیان الصهیونی قتل المدنیین قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

الأونروا تحذر: تفاقم كارثة غزة يهدد أرواح المدنيين والحل في تدفق المساعدات

أكدت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" أن السبيل الوحيد لمنع تفاقم الكارثة الإنسانية المتصاعدة في قطاع غزة هو ضمان تدفق المساعدات الإنسانية بشكل فعال ومستمر، في ظل الحصار الإسرائيلي الخانق المفروض على القطاع منذ ما يقارب ثلاثة أشهر.

وأشارت "الأونروا" في منشور لها عبر منصة إكس إلى أن الفلسطينيين في غزة لم يعودوا قادرين على الانتظار في ظل الأوضاع الكارثية التي يعيشونها، مؤكدة أن القطاع بحاجة ماسة إلى ما بين 500 إلى 600 شاحنة مساعدات يوميًا، تحت إشراف الأمم المتحدة، لضمان تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان.

‏وكالة الأونروا: غزة تحتاج لما بين 500 و600 شاحنة مساعدات يوميا على أقل تقدير القاهرة الإخبارية تكشف آخر تطورات الوضع في غزة وفاة العشرات بسبب الجوع ونقص الدواء

ووفقًا للتقارير الصادرة عن الوكالة، فقد توفي 58 فلسطينيًا حتى الآن بسبب سوء التغذية، بينما قضى 242 آخرون نتيجة نقص الغذاء والدواء، معظمهم من كبار السن والأطفال، وذلك خلال فترة الحصار الممتدة منذ 2 مارس الماضي وحتى الآن، والتي تجاوزت الـ80 يومًا.

ويُشار إلى أن الأوضاع المعيشية في غزة قد وصلت إلى مرحلة المجاعة، في ظل تعمد قوات الاحتلال الإسرائيلي اتباع سياسة التجويع الممنهج بحق أكثر من 2.4 مليون مواطن، من خلال استمرار إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات الإنسانية المتكدسة على الحدود، والتي لم يُسمح بإدخالها منذ أكثر من شهرين.

الاحتلال يواصل عدوانه البري ويصعّد حرب الإبادة

وفي سياق متصل، يواصل الاحتلال الإسرائيلي عدوانه الشرس على قطاع غزة، حيث وسّع خلال الأيام القليلة الماضية من عملياته البرية في شمال وجنوب القطاع، ما أسفر عن سقوط مئات الضحايا وتدمير واسع للبنية التحتية، في ظل حرب إبادة ممنهجة تطال المدنيين العزل، خاصة الأطفال والنساء.

وتحذر منظمات حقوقية وإنسانية من أن استمرار هذا الوضع الكارثي ينذر بكارثة إنسانية غير مسبوقة، قد تؤدي إلى انهيار كامل للقطاع الصحي والقطاعات الخدمية، مما يزيد من معاناة سكان القطاع الذين يعانون أصلًا من نقص حاد في المواد الأساسية.

دعوات عاجلة لتدخل دولي ورفع الحصار

تطالب الأونروا والمجتمع الدولي بضرورة رفع الحصار فورًا والسماح بتدفق المساعدات الإنسانية بشكل عاجل إلى القطاع، محذرة من أن الوضع الإنساني في غزة لم يعد يحتمل التأجيل أو التسويف، وأن استمرار حرمان السكان من الاحتياجات الأساسية يعرض حياة الملايين للخطر.

كما دعت الوكالة إلى تأمين ممرات آمنة لدخول المساعدات وضمان حماية الطواقم الإنسانية والطبية التي تعمل في ظروف بالغة الصعوبة داخل القطاع.

مقالات مشابهة

  • ما هي خطة صنع في الصين 2025 التي أقلقت أميركا؟
  • النمسا تفتح جامعاتها أمام العلماء القادمين من أميركا
  • لماذا تحاول أميركا ترحيل مهاجرين لجنوب السودان؟ وما قصتهم؟
  • عاجل | مراسل الجزيرة: جيش الاحتلال يفجر روبوتا قرب مستشفى العودة شمالي غزة وإصابة طواقم فيه
  • الاحتلال يقصف 241 مركز إيواء بغزة.. ومجزرة جديدة بحق المدنيين
  • توقعات بانكماش صادرات كوريا الجنوبية إلى أميركا هذا العام
  • لماذا سكتت الأبواق، التي كانت تعارض المقاومة الشعبية فى نوفمبر 2023م
  • سوريا: قوات الاحتلال الإسرائيلي تتمركز في القنيطرة وتعتدي على المدنيين
  • تحدي البراغي الصغيرة.. كم سيصبح سعر آيفون إذا صنعته أميركا؟
  • الأونروا تحذر: تفاقم كارثة غزة يهدد أرواح المدنيين والحل في تدفق المساعدات