سودانايل:
2025-07-07@03:36:51 GMT

السودان والأمم بين الانسحاب والتصعيد

تاريخ النشر: 6th, December 2023 GMT

أخيراً صوّت مجلس الأمن الدولي لإنهاء مهمة بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان المعروفة بـ»UNITAMS»، تلك البعثة التي جاءت بطلب من الحكومة الانتقالية برئاسة رئيس الوزراء السابق الدكتور عبد الله حمدوك وتكونت 2020 لتقديم الدعم والمساعدة في عملية التحول الديمقراطي. وجاء إنهاء مهام البعثة الأممية على خلفية القرار رقم (2715) الذي أنهى بموجبه عمليات البعثة الأممية في البلد المنكوب بتصويت أربع عشرة دولة وامتناع روسيا، والغريب تصريح مندوبة المملكة المتحدة وهي، إحدى الدول الدائمة العضوية بعدم ترحيبها بالقرار في الوقت الراهن! وقد تكرر طلب الحكومة السودانية العسكرية، وهو ما أشار إليه بيان مجلس الأمن الدولي، الذي تقرر فيه إنهاء مهمة البعثة الأممية.

وبهذا يكون الستار قد أسدل على أكثر البعثات الأممية إثارة للجدل في العلاقة بين السودان والمنظمة الدولية، وقد يفتح الباب أمام احتمالات تزايد الضغط الدولي بطرق أخرى.
ولكن ماذا يعني إنهاء البعثة في هذه الظروف، التي يشهدها السودان من حرب شبه أهلية على مدى ثمانية أشهر منذ منتصف أبريل الماضي؟ وهل يعد هذه الإجراء تحولاً في سير إجراءات عمل بعثات المنظمة الدولية تجاه البلدان التي تعاني من ظروف استثنائية؟ إن حفظ السلم والأمن الدوليين، في سياق المبادئ المؤسسة للمنظمة الدولية ومجلس أمنها، على ما يوجه لها من انتقاد بهيمنة الدول على قراراتها، إلا أن انضمام دول العالم ومن بينها السودان يلزمها قانوناً الالتزام بمقرراتها مهما تعارضت مع توجهات الأنظمة التي تدعي السيادة الوطنية، خاصة غير المنتخبة، أو غير الشرعية كالحكومات الانقلابية. والمعضلة الأخرى حسب وجهة نظر المنتقدين، أن الأمم المتحدة التي يجب أن تعمل كمؤسسة تعنى بالتعامل مع التهديدات الأمنية الخطيرة، إذ تخول المادة 51 استخدام القوة لا بد أن يتم من خلال مجلس الأمن، إلا أن مجلس الأمن الذي تعكس عضويته التحالف المنتصر في الحرب العالمية الثانية، صمم ليصبح مؤسسة ضعيفة، فحق الفيتو المستخدم من جانب الأعضاء الدائمين يضمن لهم أن المجلس لن يعمل بشكل يتعارض ومصالحهم الوطنية.

دائماً ما كانت الضغوط الدولية وليس الحاجة المحلية الملحة ما يسوغ وجود البعثات الأممية على الأراضي السودانية

واجهت البعثة الأممية (اليونيتامس) في السودان سيلاً من الانتقادات، ورئيسها السابق فولكر بيرتس ممثل الأمين العام الخاص بالتدخل الغليظ في الشأن الداخلي السوداني، فقد كانت محل صراع عنيف بين المكونات السودانية السياسية، وقد طالته الاتهامات بتجاوز مهامه، بل طالب رئيس المجلس السيادي الفريق عبد الفتاح البرهان من الأمم المتحدة باعتباره شخصا غير مرغوب فيه. وبينما كان موقف القوى السياسية المناوئة للعسكر ومن خلفهم تحالف الإسلاميين ترى فيها ضامنا دولياً للفترة الديمقراطية، واستمر هذا الموقف إلى ما بعد اندلاع الحرب. ولم تكن إنجازاتها قياساً على ما أعلن من بنودها التي كانت ستعمل على تفنيدها، بما يشمل دعم الانتقال والمساعدة في حماية وضع الدستور، وبناء السلام والتنسيق في عمليات الإغاثة وغيرها من مهام سياسية واجتماعية مجدولة في تفويضها، بما فيها الاعتبارات الجندرية. وبما أنها بعثة تتصل مهامها بالقضايا السياسية، كان لابد أن تتأثر بالمناخ السياسي الذي أعقب سقوط حكومة البشير 2019، ومن ثم انهيار الدولة السودانية بفعل الحرب لاحقا. ولم تفلح عملياً من تحقيق أيٍ من مهامها بفعل الاضطراب السياسي السائد، أو صعوبة المهام التفويضية نفسها؛ وحافظت على التجديد الإجرائي لتمديد مهامها لمرتين إلى أن أنهيت مهامها كلية. هذا التنازع بين طرفي الأزمة حول البعثة ودورها، عقّد مهمتها وقذف بها في أتون الصراع السياسي الداخلي، وأصبحت جزءا منه وكان حضورها الكثيف في الشأن السوداني الضلع الثالث في الأزمة السودانية، ممثلاً في شخص ممثلها.
وعلى مرّ ما عرفه السودان من تدخل المنظمات الدولية والإنسانية في كوارثه الطبيعية من مجاعات وحروب تكاد لا تنتهي، كان تعامل الحكومات السودانية والعسكرية منها يتأرجح بين القبول والرفض المطلق بذريعة السيادة الوطنية. وشهد إثر تفجر الصراع في دارفور وجود أكبر قوة مشتركة لحفظ السلام في العالم، هي بعثة اليوناميد، ودائماً ما كانت الضغوط الدولية وليس الحاجة المحلية الملحة ما يسوغ وجود البعثات الأممية على الأراضي السودانية. وفي هذا الظرف الاستثنائي في حرب الخرطوم، يعد انتهاء وليس تعليق إحدى بعثاتها العاملة على حفظ السلام ودعم المسار الديمقراطي قد استقبله أحد طرفي الصراع كانتصار دبلوماسي طالما سعت إلى تنفيذه، والفريق الآخر من واقع تصريحات قادته قد يوسع هذا الإجراء من دائرة الحرب القائمة. مع تعثر المفاوضات بين طرفي الصراع وانهيار الوضع الداخلي، بسبب فظاعات الحرب وانتقالها إلى مستويات عسكرية معقدة، تبدو بحاجة إلى قوات حفظ سلام تصحبها قوة (الفصل السابع) وليس بعثة بمهام سياسية. في ظل حرب السودان وما أحدثته وتحدثه من تحول في موقع السودان الإقليمي والدولي لم يكن مؤملاً من أي بعثة أممية أن تفرض واقعاً مرغوباً فيه، بما يتجاوز قدراتها. فإذا فهم الساسة السودانيون بين من يعولون على البعد الخارجي في الحل، وأولئك الذين يتمسكون بالحل الداخلي على ما يخفون من أجندة، فإن الواقع الداخلي يستدعي حلاً ما لوقف نزيف الحرب بإرادة وطنية تجمع ما بعثرته الحرب من جهود وطنية. والشاهد أن دور البعثة الأممية له رمزيته في السياق الدولي للأزمة السودانية، وإن يكن الشأن السوداني يصعب تفسيره لعدد ما يحدث من تدخلات دولية وإقليمية وارتباطات تتقاطع أيديولوجيا وجيوبولتيكيا مع محاور عدة تعمل مجتمعة على تعميق الأزمة السودانية، التي زادت معاناة ضحاياها من غير اكتراث لأي من أطراف الصراع.
الحضور الأممي سيكون قائماً في وضع السودان، فقد عين الأمين العام للأمم المتحدة الدبلوماسي الجزائري رمطان لعمامرة مبعوثاً شخصيا له في الشأن السوداني، والتطور المتوقع من جانب الأمم المتحدة باتساع دائرة التعامل مع الأزمة السودانية بتصعيد ملفاتها على بنود الفصل السابع بكل تداعياته التي تشمل التدخل المباشر واستخدام القوة، وما يستتبع ذلك من تحركات لجان التقصي في جرائم الحرب وغيرها من مواجهات لا سبيل لتجنبها إذا استمرت الحرب بوتيرتها المتصاعدة. ولم يزل مرتكبو جرائمها مطلقي السراح وتمثل هذه الخروقات انتهاكات قانونية فادحة، وعلى القيادات السودانية وأطرافها العسكرية والمدنية الاستعداد لفصل جديد من المواجهة مع المنظمات الدولية، ربما بشكل لا مثيل له وقد تكون مواجهة فعلية وليست شكلية أو دبلوماسية.
كاتب سوداني
نشر بصحيفة القدس العربي اللندنية
الأربعاء 06/12/2023م

nassyid@gmail.com
///////////////////  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: البعثة الأممیة الأمم المتحدة مجلس الأمن بعثة الأمم

إقرأ أيضاً:

الهجرة الدولية : القتال دفع أكثر من مليون مواطن للفرار من الفاشر

 

في تصعيد خطير لأزمة النزوح في السودان، كشفت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، الأحد، أن أكثر من مليون شخص فروا من مدينة الفاشر ومحيطها بولاية شمال دارفور.

الخرطوم ــ التغيير

يأتي هذا الارتفاع الصادم في الأرقام نتيجة للهجمات المتواصلة التي تشنها قوات الدعم السريع، في محاولتها الحثيثة للسيطرة على المدينة الاستراتيجية. و يمثل هذا العدد الكبير  أكثر من 10% من إجمالي النازحين داخليًا في عموم السودان.

وأفاد بيان صادر عن المنظمة، بأن 1,014,748 شخصًا جرى تهجيرهم من محلية الفاشر وحدها. وأشارت المنظمة إلى أن 718,998 شخصًا من هؤلاء فروا تحديدًا من مدينة الفاشر ومخيم زمزم، بما يعادل 155,602 أسرة.

وكشفت الهجرة الدولية عن أن 99% من سكان مخيم زمزم، الذي يقع على بُعد 12 كيلومترًا جنوب غرب الفاشر ويضم 498,955 شخصًا، نزحوا بشكل كامل. من هؤلاء، فر 436,685 فردًا إلى 26 موقعًا مختلفًا ضمن أربع ولايات.

و أوضحت المنظمة أن 75% من نازحي مخيم زمزم اتجهوا إلى طويلة، وهي منطقة تقع تحت سيطرة حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور، بينما لجأ 10% منهم إلى الفاشر، فيما عبر البقية الحدود إلى تشاد. تجدر الإشارة إلى أن قوات الدعم السريع كانت قد هاجمت مخيم زمزم في 11 أبريل الماضي، وسيطرت عليه بعد ثلاثة أيام من الاشتباكات العنيفة مع الجيش وحلفائه.

منذ اندلاع النزاع في السودان بتاريخ 15 أبريل 2023، لجأ نحو 1.1 مليون سوداني إلى تشاد، وهو ما يشكل 27% من إجمالي الفارين من الحرب والعنف عبر الحدود.

وثّقت منظمة الهجرة 117 حادثًا تسبب في النزوح أو حفزه في شمال دارفور منذ بداية الصراع، 85% منها كانت نتيجة لهجمات أو اشتباكات مسلحة، في حين أن البقية كانت بسبب مخاطر طبيعية كالفيضانات والحرائق.

وتقدّر المنظمة وجود 1,974,958 نازحًا داخليًا في شمال دارفور، ما يمثل 20% من إجمالي النازحين على مستوى البلاد. يقيم 46% من هؤلاء في مراكز إيواء، بينما يستضيف 29% منهم عائلات، ويتوزع البقية على المدارس والمرافق العامة والملاجئ المؤقتة والمساكن المستأجرة.

وتوقعت الهجرة الدولية استمرار موجات النزوح، خاصة من الفاشر إلى مناطق مثل طويلة، مليط، وكتم، كما رجّحت استمرار حركة النقل عبر الحدود إلى تشاد، لا سيما مع تكرار نزوح الأسر. وتُعد ولاية شمال دارفور هي الأكثر تضررًا من النزاع، في ظل استمرار هجمات الدعم السريع على معظم مناطقها، بما في ذلك القرى التي لا يوجد بها أي وجود عسكري.

الوسومأكثر من مليون مواطن الفاشر الهجرة الدولية شمال دارفور فرار نزوح

مقالات مشابهة

  • “عروس”.. عضو مجلس السيادة د. نوارة أبو محمد تشيد بمتانة العلاقات السودانية الكويتية
  • “اليونسكو”.. خطوات جادة لإنقاذ الآثار السودانية
  • العلاقات السودانية الكويتية.. لا تعطني سمكة بل علمني كيف أصطاد
  • الهجرة الدولية : القتال دفع أكثر من مليون مواطن للفرار من الفاشر
  • أغلقت معبرا تجاريا.. جنوب السودان تنشر مئات المقاتلين على الحدود السودانية
  • الشاعري: لجنة الـ60 التي تريد البعثة إنشاءها تعيد ‎ليبيا إلى مربع المجلس الانتقالي
  • الأمم المتحدة تطالب بتحقيق مستقل وشفاف في وفاة ناشط ليبي
  • الهادي شلوف: البعثة الأممية سبب تعميق الأزمات وأدعو إلى إنهاء عملها في ليبيا
  • البعثة الأممية تُعرب عن صدمتها لوفاة الناشط «عبد المنعم المريمي» وتدعو لتحقيق شفاف
  • لكنها الحرب !!