ذي نيشين: لماذا يركز الإعلام الأمريكي على تدمير حماس ويتجاهل عدوان إسرائيل؟
تاريخ النشر: 8th, December 2023 GMT
قالت مجلة "ذي نيشين" خلال مقال للصحفي، أدم جونسون، إن "سردية قنص حماس، في الولايات المتحدة تخفي وراءها الخطط الحقيقية لإسرائيل في غزة"، مشيرة إلى أن "الإعلام الأمريكي والنخبة السياسية تحلل وتشكل السردية في غزة بطريقة تختلف عن تلك التي يناقشها الإعلام الإسرائيلي، وبين قادة إسرائيل أنفسهم".
ويرى الكاتب، خلال المقال نفسه، أن "الفجوة نابعة من العنصرية الثقافية والسذاجة المتعمدة والاصطفاف الذي يعكس موقف الحكومة الأمريكية، بشكل يخلق فشلا إعلاميا بطريقة لم نر مثلها منذ التحضيرات التي سبقت حرب العراق".
وتابع جونسون بأن "إسرائيل تعمل على عملية ترانسفير ضخمة وعملية إخلاء غزة من سكانها، وكل شيء تفعله يجب فهمه من خلال هذه العدسات. وقد كانت الحكومة الإسرائيلية واضحة منذ البداية وبدءا من أمر الجلاء عن شمال غزة في 13 تشرين الأول/ أكتوبر"، مردفا أن "كل شيء فعلته إسرائيل منذ ذلك الوقت هو متابعة لنظام الجلاء وطرد مليون شخص من شمال غزة إلى مخيمات اللاجئين في جنوبها، وهذا ما قالوا إنهم سيفعلون ويفعلونه".
واستطرد: "إلا أن الإعلام الأمريكي وطوال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر ظل يؤطر كل فعل يقوم به الجيش الإسرائيلي في شمال غزة وكأن كل هدف يحاول تنظيفه هو جزء من عملية مدروسة "لتصيد حماس"، مبرزا أن "المثال الأوضح هو عملية التحضير التي امتدت على أسابيع لمداهمة مستشفى الشفاء في منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر".
وتابع أنه "في الأيام التي قادت للسيطرة على المجمع الطبي، قدم الإعلام الأمريكي لمستهلكي الأخبار انطباعا بأن القوات الإسرائيلية ستداهم عرين بن لادن في أبوت أباد في باكستان. ونشر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، شريط فيديو عن عرين مدروس تحت مجمع المستشفى وصدق الإعلام الأمريكي الزعم. وبحسب "واشنطن بوست" "تصيد إسرائيل لحماس يضع مستشفى الشفاء في غزة تحت الحصار".
وفي هذا السياق، قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن "مستشفيات غزة أصبحت عالقة وسط النار، وفي عملية حماس، تقترب القوات الإسرائيلية من المستشفيات التي علق فيها الالاف الناس". مبرزة أن "الإعلام منح القراء والمشاهدين الأمريكيين أن على الجيش الإسرائيلي السيطرة على المستشفى وأن على أطفال في غرفة العناية المركزة وعدد من المرضى الموتى، نظرا لوجود مجمع أرضي "قلب حماس النابض".
وتابعت: "بعد ذلك سيطرت إسرائيل على المستشفى وزعمت أنها عثرت على بعض الأسلحة ونفق وحيد وعدد قليل من الغرف الأرضية وسريرين من الحديد وحمام، ولا شيء يشبه "مركز قيادة وتحكم"، كما زعم. فيما نشر الجيش لقطة فيديو لعدد من الأسرى الذين تم إحضارهم لمستشفى الشفا في 7 تشرين الأول/ أكتوبر وربما كان من أجل العلاج الطبي (الأسرى الموتى لا نفع منهم). ولم تقدم السلطات الإسرائيلية أدلة أخرى من المجمع الأرضي هو غير ذلك".
وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" إنه "عندما فجر الجيش الإسرائيلي فتحة ولقطات الفيديو عنه: "لم تقدم دليلا قاطعا عن شبكة أنفاق واسعة"، مشيرة إلى أنه: "تم تغذية الرأي العام الأمريكي برؤية غامضة من مزاعم البيت الأبيض لبايدن والتي بدت وكأنها من فيلم الإثارة "زيرو دارك ثيرتي" وأعطت انطباعا وأحيانا بشكل واضح أن إسرائيل تداهم مقرات رئيسية لحماس تحت وداخل مستشفى الشفاء".
واستفسرت: "عندما وصلت إسرائيل ولم يكن هناك مقاتلون لحماس، قامت وحدات الكوماندوز بالسيطرة على المنشأة الطبية. فهل كانت المداهمة تصيد لحماس كما أخبرت واشنطن بوست قراءها؟ وهل علقت المستشفيات وسط النيران، بحسب نيويورك تايمز؟ صحيح أن مقاتلي حماس أطلقوا النار على القوافل العسكرية وهي في طريقها نحو المستشفى، لكن كل التقارير الأمريكية التي ألمحت إلى أن النيران جاءت من داخله، لم تكن صحيحة".
وتابعت: "بالنظر إلى هجمات الإسرائيليين من منظور "مكافحة الإرهاب" يجعل قرار الجيش الإسرائيلي محيرا، فلماذا يقوم بمداهمة مستشفى لو لم يكن يعتقد أنه مركز قيادة لحماس؟ وقصف الجيش الإسرائيلي وهاجم عددا من المستشفيات والتي لم يكلف نفسه بالحديث عن قواعد حماس فيها، وهذا لأن إطار "تصيد حماس" ظل ديدن الإعلام الأمريكي، وهو إطار غير صحيح. ولو فهمت أن هدف إسرائيل هو إجبار السكان على مغادرة غزة، فهذه الأفعال تعطي حسا ومعنى".
وأشارت: "كان على إسرائيل استخدام القوة ضد المستشفيات لأنها المكان الوحيد الذي سيتركه الذين لجأوا إليها. وأصدرت إسرائيل أمر جلاء في 13 تشرين الأول/ أكتوبر لكل واحد في شمال غزة بمن فيهم المرضى الضعاف والرحيل إلى الجنوب. وقيل أن المسؤولين الإسرائيليين اتصلوا بالشفاء عدة مرات وطلبوا إخلاء من فيه".
إلى ذلك، أبرز التقرير نفسه، أنه "بالنسبة للعاملين فيه، فهذا يعني وفاة أعداد من المرضى الذين يحتاجون لعناية طبية مستمرة. ولا يمكنهم القيام برحلة مسافتها 30 ميلا إلى الجنوب بدون ماء أو نقل. ولكن إسرائيل لم تكن مهتمة، فالحكومة تقوم بترانسفير قسري وهذا يشمل الجميع. وكان هذا أبسط شيء لتفسير تحركات إسرائيل، إلا أن الإعلام الأمريكي ظل ملتزما بفكرة "مكافحة الإرهاب" ولم تكن قادرة أو راغبة على تغيير رأيها والإلتفات لحقيقة أن إسرائيل تريد إفراغ القطاع من سكانه وعلى مراحل".
وتابع: "من الغريب مشاهدة هذه الدينامية، فعندما تصدر إسرائيل أوامر جلاء وتنفذها حرفيا وتواصل المؤسسات الإعلامية تأطير هذا ضمن "تصيد حماس". وبالنسبة للمنظور الإسرائيلي فلا يوجد تمييز، فنحن نعرف أن المسؤولين الإسرائيليين قالوا هذا مرارا. فإلى جانب العديد من الأمثلة عن الخطاب الإبادي والذي وثقت معظمه صحيفة "نيويورك تايمز"، فحقيقة إخلاء غزة من سكانها على مراحل، هي الأكثر شعبية بين القادة الإسرائيليين".
وبحسب تقرير، نشر في "المونيتور" في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر، فالخيار الذي "يحظى بدعم كبير بين صناع القرار الإسرائيلي هو سيطرة مصر على القطاع مقابل الإعفاء الكامل عن الدين الخارجي الضخم، وتضم المقترحات إعادة إعمار الجنوب في وضعه الحالي، بدلا من إعادة إعمار الدمار الذي أحدثه القصف الإسرائيلي ونقل بعض السكان للدول العربية ودول أخرى وترك البقية لإعادة إعمار غزة".
ونفس الفكرة ظهرت في مقال رأي لوزيرة الإستخبارات الإسرائيلية، غيلا كامليلي، بصحيفة "جيروزاليم بوست" في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر وكانت واضحة من أن "الحكومة تفضل نتيجة تطهير عرقي". والحل الوحيد الذي اقترحته هو "الترويج لإعادة التوطين الطوعي لفلسطيني غزة ولأسباب إنسانية خارج القطاع".
كما أن وزير الزراعة في الحكومة الإسرائيلية، أفي ديختر، قال على التلفزيون الإسرائيلي في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر: "نحن نتقدم الآن نحو نكبة غزة". وكما كتب جيث هير، في مقاله يوم الإثنين بمجلة "ذي نيشين": "يبحث نتنياهو الآن عن مقترحات لتخفيض عدد سكان غزة وطرد الناجين إلى الدول الجارة، وهو مقترح يقدمه لقادة الأحزاب في الكونغرس". و"لكن مصر وبقية الدول العربية لن تسمح بهذا" وهو ما يستمعه عن الخطط التي قدمت. وسواء كانت هذه الخطط قابلة للتطبيق ليست مهمة. ولكن المهم هو النية وما تعمل عليه إسرائيل لإعادة توطين من تبقى من سكان غزة، هو سؤال مفتوح.
وبحسب مجلة "إيكونوميست" فـ"سيكون شمال غزة، غير قابل للعيش فيه ولسنوات عدة. وهو ما يعني أن معظم غزة غير قابلة للسكن فيها". وقدمت "وول ستريت جورنال" تفاصيل عن خطط مشابهة من أجل دفع أكبر قدر ممكن من الفلسطينيين إلى الحدود المصرية " واعترف بعض المسؤولين الإسرائيليين إنه من الصعب استيعاب 2 مليون مواطن في غزو بالمواصي التي لا تزيد مساحتها عن مطار لاكس فى لوس أنجلس".
وحسب تقرير للصحيفة في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر، ولكن هذا حديث عن عقبة لوجيستية وليس مشكلة أخلاقية. كما أن الإستهداف المقصود للبنى التحتية هو جزء من استراتيجية الحرب وليس واضحا ما يعنيه لـ "تصيد حماس" أو "الحرب على حماس".
وبحسب تقرير بمجلة +972 وهي مجلة يعمل فيها صحافيون إسرائيليون وفلسطينيون، فإن "إسرائيل تقوم بقصف البنى التحتية كجزء على ما يطلق عليها "أهداف القوة" وتعرف بأنها أفعال ضد "البنايات العامة والأبراج" وتهدف لتدمير المجتمع المدني الفلسطيني و"خلق صدمة"، فقد استهدفت إسرائيل المحاكم والجامعات والمقرات التشريعية وعدد لا يحصى من المؤسسات الحكومية. وسوت بساتين ومزارع ودفيئات في الأرض ومزقت تمثالا لياسر عرفات في الضفة الغربية، حيث لا تسيطر حماس على السلطة هناك".
وتساءل الكاتب إ"ن كان هذا يبدو "تصيدا لحماس"؟ وهل الصور التي نشرتها "واشنطن بوست" وتفصل الأطفال الموتى في الشهر الأول عملية "تصيد حماس"؟ والمشكلة أن حملة التهجير لم تعد قابلة للتناسب مع الإطار، الذي ظلت الصحافة الأمريكية تردده وتنشر تقارير عنه. خذ مثلا الحوار يوم الإثنين. على شبكة سي أن أن بين جيك تابر ومارك ريغيف، المستشار البارز لنتنياهو، وبدا تابر الناقد لإسرائيل مشوشا بشأن العمل العسكري وبعدما فقد منتج للشبكة تسعة من أفراد عائلته".
وقال المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية: "عمل الجيش الإسرائيلي كل ما بوسعه لحماية المدنيين الأبرياء"؛ فيما رد جيك تابر: "من الصعب تصديق هذا بعدما فقد واحد من منتجيها تسعة أفراد من عائلته. وأين يذهب سكان غزة؟ الجواب أي مكان ولكن ليس القطاع، ومن النافع للإعلام الأمريكي أن يستخدم هذا الإطار وأن إسرائيل تجبر 2.2 مليون نسمة على ترك بيوتهم، إما جزء منهم أو كلهم، إما لمدينة خيام صغيرة أو الدول المجاورة أو كلاهما. ولا توجد أدلة عن محاولة ملاحقة المسؤولين عن 7 تشرين الأول/ أكتوبر".
وترى صحيفة "واشنطن بوست" أن "حماس لا تزال سليمة بعد مقتل 15.000 فلسطيني. ولدينا كم من الأدلة المتزايدة عن سياسة العقاب الجماعي وعقدة الذنب الجماعية. ومن لديهم القرار عليهم أن يحدثوا الأطر للنزاع، مع أن المسؤولين الإسرائيليين لم يتظاهروا أبدا بغير هذا".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية غزة الإعلام الفلسطينيين فلسطين غزة الإعلام طوفان الاقصي صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المسؤولین الإسرائیلیین الإعلام الأمریکی الجیش الإسرائیلی نیویورک تایمز تشرین الثانی واشنطن بوست تشرین الأول شمال غزة
إقرأ أيضاً:
لماذا تدعم دول جزر المحيط الهادي إسرائيل؟
في السنوات الأخيرة، تبنّت بعض دول جزر المحيط الهادي مواقف داعمة للاحتلال الإسرائيلي بصورة لافتة للانتباه، وذلك من خلال تصويتها في الأمم المتحدة لصالح تل أبيب، وفتح سفارات لها في القدس.
ورغم محدودية تأثير هذه الدول بحكم موقعها في الخريطة، ومواردها الاقتصادية الضيقة، وسكانها الذين لا يتجاوزون بضعة الملايين، فإن دعمها في بعض الأحيان يكتسي مكانة وأهمية دبلوماسية تفوق حجمها الدبلوماسي، وخاصة في المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2أبرز ما نشرته مراكز الدراسات والأبحاث في أسبوعlist 2 of 2هل توقف قطار تسوية المسألة الكردية في تركيا؟end of listوحول أسباب انحياز دول جزر المحيط الهادي لسياسات إسرائيل رغم بعدها جغرافيا عن الشرق الأوسط وتداعيات ذلك الدعم وتأثيره، نشر مركز المستقبل للأبحاث ورقة تحليلية تحمل عنوان "الخروج من الظل: لماذا تدعم دول جزر المحيط الهادي إسرائيل؟".
وقد ناقشت الورقة -التي كتبها حسين معلوم- مؤشرات الدعم، وأسبابه، ومخاطره المحتملة، وتأثيره من الناحية الرمزية، وخلق تل أبيب منه ضجة إعلامية وإظهار أنها تحظى بمساندة دولية لصالحها.
مؤشرات الدعم ودوافعهأظهرت مجموعة من دول جزر المحيط الهادي (ناورو، وميكرونيسيا، وبالاو، وبابوا غينيا الجديدة..) ميولا واضحة ومكشوفة لصالح إسرائيل في المحافل الدولية، وعلى مستوى العلاقات الثنائية، ولعل أبرز المؤشرات التي تكررت على مدار السنوات الماضية تتمثل في الآتي:
1- تعزيز العلاقات الدبلوماسية
بادرت دول، مثل ناورو وبالاو وميكرونيسيا؛ إلى إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل منذ تسعينيات القرن الماضي، بل إن بعضها لم يتردد في الإعلان عن عزمها افتتاح سفارات لها في القدس، بعد أن اعترفت الولايات المتحدة الأميركية بها عاصمة لإسرائيل عام 2017.
ورغم أن القدرات المالية والبشرية لهذه الدول لا تسمح لها بانتشار دبلوماسي واسع حول العالم؛ فإن مجرد اتخاذ مثل هذا القرار يكتسب رمزية كبيرة بالنسبة لإسرائيل.
وفي هذا السياق، اعترفت ناورو رسميا بالقدس عاصمة لإسرائيل في أغسطس/آب 2019، في حين كانت بابوا غينيا أول دولة في المحيط الهادي تفتتح سفارة لها في القدس في سبتمبر/أيلول 2023.
إعلانكما أعلنت فيجي، في 17 سبتمبر/أيلول 2025، افتتاح سفارة لها في القدس أثناء زيارة رئيس وزرائها، سيتيفيني رابوكا، إلى إسرائيل، لتصبح سابع دولة في العالم تفتتح سفارة في القدس بعد الولايات المتحدة، وغواتيمالا، وهندوراس، وكوسوفو، وبابوا غينيا الجديدة، وباراغواي.
2- التعاون الثنائي وتقديم المساعدات
ومن الدوافع البارزة التي جعلت دول جزر المحيط الهادي تسارع نحو مناصرة تل أبيب والوقوف معها في المحافل الدولية هو البحث عن الدعم الاقتصادي، لأن تلك الدول تعاني من تحديات اقتصادية كبيرة.
وتقدم تل أبيب لدول جزر المحيط الهادي بعض الدعم من خلال برنامج المساعدات التنموية "ماشاف" (MASHAV) الذي يتدخل في مجالات الصحة والزراعة ومشاريع الطاقة المتجددة.
وبالنسبة لدول تعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية، فإن الدعم الإسرائيلي يُمثل أهمية لها، حتى ولو كان محدودا مقارنة بما تحصل عليه من دول أخرى مثل الولايات المتحدة والصين وأستراليا، لكنه يخلق علاقة تبادل المنفعة، إذ تحصل إسرائيل في مقابله على دعم سياسي وتصويت داخل الأمم المتحدة، الأمر الذي يخفف عنها من العزلة الدولية.
ويتجلّى دعم تلك الدول بشكل واضح في جلسات الأمم المتحدة، ففي إعلان نيويورك المؤيد لحل الدولتين في 12 سبتمبر/أيلول 2025 وحظي بتصويت 142 دولة، فقد عارضته دول من جزر المحيط الهادي مثل ميكرونيسيا وناورو وبالاو وتونغا وبابوا غينيا الجديدة.
وبالإضافة لذلك، فإن علاقة دول جزر المحيط الهادي مع واشنطن، والالتزامات المتبادلة معها في الاقتصاد والدفاع، يفرض عليها أن تسايرها في السياسة الخارجية والمواقف الدولية، إذ من المعلوم أن الولايات المتحدة هي الحليف الرئيسي للاحتلال الإسرائيلي وأبرز المدافعين عنه على الصعيد العالمي.
لفهم أسباب وقوف بعض الدول الجزرية في المحيط الهادي إلى جانب إسرائيل، لا بد من تحليل مجموعة متشابكة من الدوافع على النحو التالي:
1- التحالف مع واشنطن:
لدى عدد من دول جزر المحيط الهادي -مثل ميكرونيسيا وجزر مارشال وبالاو- اتفاقيات "التحرر المرتبط" مع الولايات المتحدة التي تفرض التزامات متبادلة في الاقتصاد والدفاع؛ بما يعني أن هذه الدول تحصل على دعم مالي سنوي بمئات الملايين من الدولارات، بالإضافة إلى ضمانات أمنية تشمل إمكانية الدفاع الأميركي عنها في حال تعرضها لتهديد خارجي.
وبما أن الولايات المتحدة هي الحليف الرئيسي لإسرائيل؛ فإن دول جزر المحيط الهادي غالبا ما تتماشى سياستها الخارجية مع نظيرتها الأميركية بما في ذلك في الأمم المتحدة، ومنها دعمها لتل أبيب.
كما أن هذه الدول تسعى إلى توسيع شبكة تحالفاتها في مواجهة التحديات المتزايدة في المحيط الهادي، خاصةً من حيث التنافس الجيوسياسي المتزايد بين الولايات المتحدة والصين.
2- توظيف الجانب الديني:
يؤدي البعد الديني دورا في تشكيل مواقف بعض دول جزر المحيط الهادي تجاه إسرائيل. ففي ميكرونيسيا وبالاو مثلا، حيث تسود الطوائف المسيحية الإنجيلية؛ يُنظر إلى إسرائيل من منظور عقائدي ينعكس في الخطاب السياسي؛ إذ يعلن مسؤولون وقادة برلمانيون دعمهم لتل أبيب بوصفه تضامنا دينيا بقدر ما هو خيار إستراتيجي.
إعلان3- السعي إلى تحقيق الاهتمام الجيوسياسي:
تسعى دول جزر المحيط الهادي إلى تعويض صغر حجمها وتهميشها في النظام الدولي، عبر تبني مواقف تمنحها نفوذا رمزيا أكبر من وزنها الفعلي. ومن أبرز هذه الأدوات، دعمها لإسرائيل في المحافل الدولية أو افتتاح بعثات دبلوماسية في القدس؛ ما يضعها في دائرة الضوء العالمية.
ويمنحها هذا فرصة للمناورة وكسب صفقات أو اعتراف سياسي، كما يُسوّق داخليا كدليل على أن هذه الدول الصغيرة قادرة على جعل صوتها مسموعا على الساحة الدولية.
وبذلك يتحول دعم إسرائيل إلى جزء من إستراتيجية "الخروج من الظل الدولي" التي تنتهجها هذه الدول لتعزيز مكانتها داخليا وخارجيا.
الانعكاسات والمخاطروبالرغم من المكاسب الرمزية التي تحققها هذه الدول من رواء دعمها لإسرائيل، فإن الاستمرار في مناصرتها قد يعرضها لمخاطر العزلة داخل "العالم الجنوبي"، حيث إن معظم دوله ولا سيّما في العالمين العربي والإسلامي، تُبدي تضامنا مع القضية الفلسطينية.
ومن جملة المخاطر التي قد تتعرض لها دول جزر المحيط الهادي بسبب تعاطفها مع إسرائيل تقويض المصداقية الدولية في القضايا التي تتبناها، وخاصة في موضوع "العدالة المناخية" التي ترفع شعارها، لكن اصطفافها مع دولة محتلة قد يُفقدها جزءا من المصداقية الأخلاقية؛ إذ تبدو كمن يتبنّى معايير مزدوجة؛ ومن ثم يتعرض موقفها في المطالبة بالعدالة المناخية للانتقاد.
محدودية التأثيرورغم الضجيج الإعلامي الذي تثيره إسرائيل من وقوف دول جزر المحيط الهادي في صفها داخل الأمم المتحدة، فإن الوزن الإستراتيجي لهذه الدول في الصراع العربي الإسرائيلي يبقى محدودا، لأن قوتها الاقتصادية والعسكرية ضئيلة، ومجموع سكانها لا يتجاوزون الملايين.
وبشكل عام فإن هذا النوع من التحالفات القائم بين إسرائيل ودول جزر المحيط الهادي، غالبا ما يبقى في إطار الدبلوماسية الرمزية والمنافع الاقتصادية المحدودة، لكنه بشكل عملي غير قادر على التأثير وتغيير الحقائق التي يتزايد التضامن الدولي بشأنها.
وإذا استمرت هذه الدول ذات التأثير المحدود في قراراتها الداعمة لتل أبيب، فإنها قد تجد ذاتها في مواجهة عواقب خياراتها إذا تعارضت مع موجات أوسع من التضامن الدولي مع فلسطين، والضغط على إسرائيل من أجل إنهاء احتلالها وإبادتها للمدنيين.