د. عادل القليعي يكتب: قولنا في نشأة التفكير الفلسفي.!
تاريخ النشر: 12th, October 2025 GMT
بداية لابد أن نطرح على حضراتكم هذا الطرح ، لماذا لم أقل في عنوان مقالتي في نشأة الفكر الفلسفي ، وقلت التفكير ، هذه واحدة ، أما الطرح الثاني ، لماذا بدأت المقالة بكلمتي قولنا في.؟!
سأعرض إجابتي من حيث انتهت تساؤلاتي ، قولنا في ، لأن هذا إشارة إلى قول صاحب المقال ، أي فكر صاحب العبارة ذاته ، وقد يكون رأيه صوابا فيحمد صنيعه وطرحه وقد يكون خاطئا فيتحمل تبعات خطئه من الانتقادات التي ستوجه إليه ويكون عليه الرد عليها.
أما قوله في نشأة التفكير الفلسفي وليس الفكر الفلسفي ، لأن الفلسفة وجهة نظر والتفلسف مكفول والتفكير الفلسفي مكفول للجميع ، ومن حق أي إنسان يتمتع بأهليته العقلية أن يتفكر ويقدم تصورا عن ذات الفكرة من عندياته.
قد يتبادر إلى الذهن المتذاكي أن السؤال متى نشأ التفكير الفلسفي سؤال غبي ، لكن سيزول هذا الغباء عندما تتجلى الإجابة عنه في أبهى صورها.
فإنه منذ أن وجد الإنسان على سطح البسيطة وميزه الله تعالى بنعمة العقل وشرفه بها وجعله ضابط إيقاعه ، يعرض عليه المشكلات والقضايا فيقوم بتحليلها ودرسها ثم يحاول أن يقدم إجابات عنها ، حتى وإن كانت إجابات منقوصة إلا إنه سيحاول وسيحاول مرارا وتكرارا أن يجد الجواب الناجع الشافي لهذه التساؤلات.
فمنذ أن خلق الله الإنسان وأودع داخله نعمة العقل ، فأصبح دأبه وديدنه الوصول إلى اليقين المعرفي ، فمنذ أن قتل الأخ أخاه ، وبدأ الصراع جليا بين الحق والباطل ، الخير والشر ، وحتى حينما أراد أن يدفنه راح يتفكر كيف سيفعل ذلك ، وهنا توقف العقل أمام هذا الخطب الجلل وعجز عن التفكير.
وهذا دليل دامغ على محدودية العقل ، فهناك أمور من الممكن أن تكون محلا للتفكير ويصل فيها المرء إلى إجابات ، وعلى الجانب الآخر يقف مندهشا مذهولا فيعاود الكرة ويتفكر.
إذن بدأ التفكير الفلسفي حتى وإن كان تفكيرا بدائيا مع وجود الإنسان ، وبالحتمية المنطقية من الذي سيتفكر ، الرد ، من وهبه الإله عقلا.
رد أرسطو نشأة التفلسف إلى طاليس في القرن الرابع ق.م. وتابعه في هذا الرأي برتراند راسل ، أما فيكتور كوزان فارتد بنشأة التفكير الفلسفي إلى سقراط ، إلا أن سانتهلير أرجع نشأة الفلسفة إلى المدارس اليونانية الأولى ، المدرسة الأيونية ، المدرسة الإيلية، المدرسة الفيثاغورية.
أما ديوجين فقد ألف فقد ألف كتابا ضمن فيه حياة مشاهير الفلاسفة فأرتد بنشأتها إلى الحضارات الشرقية القديمة.
وهذا رأي يعتد به ، لما لحضارات الشرق القديم من أهمية بالغة في تاريخ الفكر الإنساني ، فالحضارة المصرية القديمة لها باع طويل في التفكير سواء فى النواحي العملية أو النواحي النظرية ، أما النواحي العملية ، فمن الذي برع في فن التحنيط ، فن العمارة والفنون والزخارف ، بناء الأهرام ، علم الكيمياء والأصباغ ، معرفة مواسم الحصاد وفصول العام.
أما النواحي النظرية ، فكرة العدالة ، الإله ماعت ، فكرة الألوهية وتعدد الآلهة ، وحرية العبادة ، فكرة الخلود والبعث.
وشواهدنا على ذلك كثيرة ، ألم يزر سقراط مصر ، ألم يتعلم فيثاغوث في مصر ، ماذا قال هيرودوت عن مصر ، قال مصر هبة النيل ، صولون المشرع اليوناني ، من أن تعلم القوانين التي صاغ على إصرها قوانين إسبرطه.
أما بالنسبة للبناء الأخلاقي ، أليس لنا القدوة في حكيم الصين كونفوشيوس الذي تحدث عن الفضيلة وكيف يمكن الارتقاء بالمجتمع من خلال الأخلاق.
أليس لنا المثل في الحضارة الفارسية التي تحدثت عن فكرة ثنائية الإله ، إله للخير ، وإله للشر ، إله للنور وإله للظلام.
لكن على الجانب الآخر ، لابد أن نكون منصفين ، عندما نتحدث عن بناء الفكرة الفلسفية ، فبدايتها كانت فى الشرق وإعادة هيكلتها وتنميقها يرجع إلى بلاد اليونان ، وهذا للأمانة والدقة والموضوعية وشاهدي على ذلك استفادتنا إلى الآن من أفكار سقراط وحكمه ومواعظه الأخلاقية وكذلك أرسطو وأفلاطون والأفلاطونية المحدثة.
وهذا يجعلنا على وفاق مع ما ذكره أورسيل ، الذي أرجع نشأة التفكير الفلسفي إلى الأوراسيا ، أوروبا وآسيا ، وهنا نؤيده ، لماذا ، لأننا نؤمن بفكرة التأثير والتأثر دونما تقليد أعمى.
فنحن نتأثر بما كتبه فلاسفة اليونان وفي نفس الوقت لا ينبغي أن نسايرهم النعل بالنعل والخطوة بالخطوة وإنما لابد أن تكون لنا هويتنا المستقلة ونؤثر بدورنا في من سيأتي بعدنا ، فالفكر الإنساني سلسلة متصلة الحلقات.
وهذا ما أيده شيخنا الدكتور زكي نجيب محمود ، لا شرق عندنا ولا غرب ، وإنما عندنا الإنسان ، المكون الرئيس لبناء الحضارة ، فعندما يوجد الإنسان توجد للحضارة ، وعندما يتفكر هذا الإنسان تنمو الحضارة وتزدهر.
وبعد هذا الطرح التفكري ، هل زال غموض ولبس وغباء السؤال.؟!
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الفكر الفلسفي التفكير الفلسفي الفکر الفلسفی
إقرأ أيضاً:
سلام يكتب بحروف مصرية
ما حدث على أرض شرم الشيخ رسالة واضحة لكل الدنيا،
مصر لا تتراجع، ولا تهتز أمام ضغوط أو تحديات.
ولو اجتمع العالم كله ضدها، تظل ثابتة لا تتغير، لا تساوم، ولا تبيع موقفها.
موقفها دائمًا مع الحق، مهما كلفها ذلك.
نجحت القيادة المصرية فى وقف الحرب والتوصل إلى اتفاق بجهود جبارة، لم تتوقف رغم الحروب ضدها.
على الأرض المصرية، وأمام أنظار العالم كله،
يكتب التاريخ صفحة جديدة من صفحات الدبلوماسية المصرية المشرفة.
انطلاق الجولة الثانية من المفاوضات غير المباشرة بين حركة حماس وإسرائيل فى شرم الشيخ ليس مجرد حدث سياسى عابر، بل مؤشر دقيق على ثوابت الجغرافيا السياسية فى الشرق الأوسط.
حين تعود الأطراف المتنازعة، مهما كانت توجهاتها أو مرجعياتها، إلى الأرض المصرية، فهذا يعنى أن القاهرة ما زالت — رغم كل التحولات الإقليمية والدولية — العنصر الحاكم فى معادلة السلام والحرب على حد سواء.
مصر هى دائما العنصر الثابت وباقى الأطراف هى المتغير.
إقامة هذه المفاوضات فى «شرم الشيخ» جنوب سيناء تحمل أكثر من دلالة. فهى ليست فقط إشارة إلى الثقة الدولية المتجددة فى الدور المصرى، بل أيضًا تأكيد على أن مصر، برؤيتها المتوازنة وموقعها الفريد، تظل الضامن الحقيقى لأى اتفاق تسوية يمكن أن يصمد أمام تعقيدات الواقع.
لقد أثبتت التجربة أن كل محاولات تجاوز مصر أو الالتفاف على دورها تنتهى إما إلى طريق مسدود أو إلى اتفاق هش لا يعيش طويلًا. مصر لا تمارس الدبلوماسية من موقع الوجاهة، بل من منطلق المسئولية التاريخية التى تفرضها عليها طبيعتها الجغرافية وثقلها السياسى.
اللافت فى المشهد أن هذه الجولة تأتى فى وقت بالغ الحساسية، حيث تتقاطع حسابات القوى الإقليمية مع أجندات الأطراف الدولية، فى ظل إدارة أمريكية تبحث عن إنجاز سياسى يعيد لها بعضًا من الحضور الذى تراجع فى ملفات المنطقة. ومع ذلك، تبقى مصر اللاعب الذى لا يمكن تجاوزه، لأنها تمتلك ما لا تمتلكه أى دولة أخرى، القدرة على مخاطبة جميع الأطراف بلغة يفهمونها دون أن تفقد حيادها.
من زاوية أخرى، يمكن قراءة استضافة شرم الشيخ لهذه المفاوضات على أنها رسالة مزدوجة،
رسالة إلى الداخل بأن الأمن المصرى هو الامتداد الطبيعى للأمن الإقليمى، ورسالة إلى الخارج بأن مصر لا تزال تملك زمام المبادرة متى شاءت، وأن أى حديث عن ترتيبات للسلام أو التهدئة لا يمكن أن يتم بمعزل عنها.
القاهرة طبيعة تعى الصراع العربى الإسرائيلى بأبعاده العسكرية والسياسية والإنسانية، وتدرك أن الاستقرار لا يُفرض بالقوة، وإنما يُبنى على تفاهمات واقعية تحفظ الحد الأدنى من الحقوق والكرامة. لذلك فإن دورها فى هذه المفاوضات لا ينحصر فى استضافة اللقاءات أو توفير الغطاء الدبلوماسى، بل يمتد إلى صياغة التوازنات وضبط إيقاع النقاش بحيث لا ينهار الجسر بين طرفى الصراع.
إن اختيار شرم الشيخ تحديدًا ليس مصادفة؛ فهى مدينة السلام التى استضافت عبر العقود قممًا شكلت ملامح النظام الإقليمى العربى، من مكافحة الإرهاب إلى دعم القضية الفلسطينية، لتظل شاهدة على أن مصر ليست مجرد وسيط، بل هى مركز ثقل إقليمى يصوغ اتجاهات المستقبل.
فى النهاية، قد تتغير المبادرات، وقد تتبدل الوجوه، لكن ثابت واحد لا يتغير، أن مصر هى بوابة السلام، وصاحبة الحق التاريخى فى رسم ملامح الاستقرار فى المنطقة.
من القاهرة يبدأ الحوار، ومن شرم الشيخ تُكتب فصول التهدئة، لأن مصر — ببساطة — ليست طرفًا فى المعادلة، بل هى المعادلة ذاتها.
أهل فلسطين قالوا
من احتمى بمصر، فقد احتمى بالعروبة كلِّها، وبالضمير الأخير فى زمنٍ غابت فيه الضمائر.
هى سياجُ العروبةِ حين تتهاوى الأسوار، وصوتُ العقلِ حين تصمّ المدافعُ الآذان.
«تُفاوضُ لتُنقذ، وتتحمّلُ لتصون، وتبذلُ لتُبقى الأملَ حيًّا فى وجه كيدِ المعتدى».
وما حدث على أرض شرم الشيخ لم يكن مجرد جولة مفاوضات، بل كان فصلًا جديدًا من فصول حضور مصر القومى والإنسانى. هناك، حيث تجتمع النوايا المتناقضة، وتشتبك المصالح الإقليمية والدولية، اختارت مصر أن تكون بوابة العقل وصوت العدالة. لم تساوم على الحق، ولم تنحز إلا للإنسان، فكانت المظلة التى احتمى بها الجميع، واليد التى امتدت لتُطفئ نيران الكراهية قبل أن تلتهم ما تبقى من حلم السلام.