البوابة نيوز:
2025-07-31@03:23:05 GMT

في ذكرى وفاته.. أجمل ما ذكر عن يحيى حقي

تاريخ النشر: 9th, December 2023 GMT

هو واحدا من أهم الروائيين في العصر الحديث، علامة بارزة في تاريخ الأدب والسينما، حفر لنفسه اسما بحروف من ذهب، ليحتل مكانة كبيرة بين كبار الأدباء والروائيين وتترجم أعماله الأدبية إلى عدة لغات، إنه الاديب يحيي حقي الذي تحل اليوم السبت ذكرى وفاته.

قدم الاديب الكثير من الأعمال الأدبية أشهرها مجموعته القصصية:" قنديل أم هاشم، وياليل ياعين، ودماء الطين، وأم العواجز، وكناسة الدكان، وتعالي معي إلى الكونسير، وعطر الأحباب"، التي تصدى من خلالها  لقضايا مهمة ومتجددة حتى إنها ما زالت تطرح حتى اليوم مثل تعريف الثقافة والمثقف ودوره في المجتمع ودور اللغة كوعاء للفكر ومعنى كلمتي الأدب والأديب وعلاقة الحاضر بالماضي واشكاليات الترجمة فيما أكد أن حلمه الكبير يتمثل في محو الأمية بمصر، فهو ابن الطبقة الوسطى.

قال عنه الأديب العالمي نجيب محفوظ  “عرفت عن يحيي حقي أنه فنان كبير صاحب فن عظيم أمتعني فنه وأدبه وجمال أسلوبه، لمست فيه البساطة والتقدمية والاستنارة دون أن يدّعي أو يزعم هو شيء من هذا، فسلوكه يدل على ذلك، وقد كانت القصص القصيرة التي كان يكتبها حقي من أجمل ما كُتب في الأدب المصري والعربي المعاصر فهو أحد أعمدتها المؤسسين وليس في هذا شك أو تجاوز، وحين يؤرخ لتاريخ الأدب وكتّابه في الفترة التي عاش فيها حقي سيكتب عنه أنه ضمن الذين أبدعوا في أكثر من مجال فسوف يُذكر بين كتّاب المقالة، والنقد وفي القصة القصيرة سيذكر أجمل ذكر".

كما قال عنه الراحل  الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق،: " أنه كان رجل شديد الدهاء وخفيف الظل"، ومدين له بأنه من نشر أول دراسة نقدية لي والتى كانت عن صلاح عبدالصبور في مجلة المجلة حين كان رئيس تحريرها، وبعد هذه الدراسة واطلاعه عليها نصحني بأن أسير في هذا الطريق وأخذت بنصيحته".
نال حقي خلال العديد من الجوائز الأدبية، من بينها جائزة الدولة التقديرية في الآداب، منحته الحكومة الفرنسية وسام فارس من الطبقة الأولى عام 1983، منحته جامعة المنيا عام 1983 الدكتوراه الفخرية؛ وجائزة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته السادسة عشرة؛ جائزة الملك فيصل العالميةـ فرع الأدب العربي.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: يحيى حقي نجيب محفوظ جابر عصفور

إقرأ أيضاً:

فلسفة الذم والشتائم في الأدب.. كيف تحوّل الذم إلى غرض شعري؟

ما الذي يدعو الإنسان إلى شتم الآخرين؟ هل جربت أن تسأل نفسك عن أسباب الراحة النفسية التي تجدها أحيانًا بعد شتم أحد أساء إليك؟ هل فكرت بالكلمات التي تتلفظ بها عند الشتم؟ ما مصدرها وكيف تسربت إلى عقلك واستقرت في خلدك وخرجت على لسانك في تلك اللحظة العصبية بالذات؟ هل تعلم أن لعائلتك ومحيطك الباع الأكبر في تشكيل معجمك الذي تهرع إليه عند الحاجة إلى الشتم؟ وهل تعلم أن للشتم وألفاظه وأساليبه أسبابًا خفية تتعلق بماضيك وطفولتك وبيئتك ومجتمعك وأصدقائك؟

إن الناظر في أدبنا العربي بشقيه شعرًا ونثرًا يجد أن الشتم والهجاء احتل مساحة واسعة فيه، لكن أساليبه اختلفت بحسب الشخص والمخاطب والواقعة والمناسبة. لنلقِ نظرة على فلسفة الشتم وتجلياته في الشعر العربي في العصور القديمة. وفي الفرق بين السب والشتم قال أبو هلال العسكري: "إن الشتم تقبيح أمر المشتوم بالقول، وأصله من الشتامة وهو قبح الوجه ورجل شتيم قبيح الوجه، والسبّ هو الإطناب في الشتم والإطالة فيه".

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2من بغداد إلى القاهرة.. دروس الروح الأدبية في منافسات الشعراءlist 2 of 2الأكاديمي العراقي عبد الصاحب مهدي: ترجمة الشعر إبداع يهزم الآلةend of list ما سيكولوجية الشتم؟

يعرف الشتم بالسَّبِّ أيضًا، وهو استخدام كلمات نابية أو مهينة غير لائقة وغير مقبولة اجتماعيا، للتعبير عن الغضب والاستياء، أو الألم، أو للتندر والفكاهة أحيانًا.

وعلى الصعيد النفسي يُفسر الشتم باتجاهات مختلفة ويحمل وظائف عدة، كأن يُستعمل للتنفيس الانفعالي وتفريغ الغضب أو التوتر، أو يُستعمل لتعزيز العلاقات لا سيما بين الأصدقاء! إذ يزيد من الشعور بالألفة، وقد أظهرت إحدى الدراسات أن الشتم في مرحلة المراهقة وفترة الشباب لا يُعد سلوكًا عدوانيا، بل له دلالات اجتماعية وتعبيرية، لأنه أشبه بأداة لبناء علاقات اجتماعية، والتعبير عن النضج، وتأكيد الهوية، وفي أحيان أخرى يُستخدم بوصفه آلية للاندماج داخل الجماعة.

وفي دراسة بعنوان "لماذا نشتم؟"، وجد الكاتب بعد تحليل أسباب الشتم نفسيا وعصبيا واجتماعيا أن هناك رابطًا بين العواطف واللغة والسلوك العدواني، وشرح كيفية تخزين الشتائم في الدماغ بشكل منفصل عن الكلمات العادية، يريد بذلك أن الشتائم عفوية إلى حد ما، وتنشط في مناطق دماغية مختلفة عن اللغة المعتادة المستخدمة في الحياة اليومية.

إعلان

ويلجأ الناس إلى الشتم بحسب بعض الدراسات بوصفه رد فعل على الألم، لأنه يزيد من القدرة على تحمل الألم الجسدي، إذ يعمل الشتم كآلية دفاعية تزيد من التحمل الجسدي للألم عبر تحفيز الاستجابة الانفعالية وتحفيز إفراز هرمون الأدرينالين في الجسم، فالشتم وفقًا لذلك ليس سلبيا بالمطلق، بل قد يكون مفيدًا للصحة النفسية وتخفيف الألم، وتحسين الأداء والتفاعل في بعض المواقف.

كما يستخدم الشتم في أحيان أخرى للتعبير عن الهوية أو العصيان والتمرد في تحدي السلطة أو الأعراف الاجتماعية. وتؤكد ذلك إحدى الدراسات التي تناولت تاريخ الشتم من العصور القديمة حتى اليوم، إذ ترى أن النظرة المجتمعية للشتم قد تغيرت، وهي في تغير دائم بحسب الدين والثقافة والسياسة، وتذهب إلى أن الشتائم ليست محض كلمات نابية، بل مرايا تعكس تحولات المجتمعات الثقافية والاجتماعية والسياسية.

وفي سياق اللغة العربية وفي غمرة من المجاز الواسع والتداول اللغوي وسطوة المجتمع وهيمنته على الاستعمالات اللغوية والتراكيب والألفاظ المعتمدة بين الناس عامة، تجد أن للشتم والسّبّ وجوهًا أخرى، فقد تسمع عبارة بسيطة سطحية لا تتضمن أي لفظ خارج عن سياق الأدب ومنظومة الأخلاق، لكنها من الشتم والهجاء بمكان عالٍ، قد لا تصل إليه الألفاظ البذيئة نفسها!

وذلك فضلا عن أنه يُستخدم في مواقف الاستغراب والتضامن الاجتماعي! نعم… لا تعجب، فالمعنى في كثير من الأحيان وإن بدا اللفظ بذيئًا يعتمد على السياق الاجتماعي والنبرة والمخاطَب. والأمثلة في الأدب العربي واللغة العربية العامية المتداولة يوميا كثيرة.

كيف تناول الشعراء الشتم في أشعارهم في العصور المتقدمة؟

الهجاء هو اللبوس الأوسع للشتم والسباب، ويعد غرضًا رئيسًا من أغراض الشعر العربي، وذلك لأن الشاعر عامة يكتب حين يغضب أو يرغب، والمقصود بالهجاء ذمّ شخص أو قبيلة ما وتجريدهم من كل المحامد، وفضح عيوبهم وتسليط الضوء عليها، بغرض الإهانة والتحقير والسخرية. وقد يكون الهجاء دفاعًا عن النفس، أو دفاعًا عن مبدأ عقدي أو سياسي أو اجتماعي، وقد يكون بغرض الانتقام، ويكون أحيانًا للتسلية والتحريش بالآخر فحسب!

وأشدّ الهجاء ما قام على التفضيل، فقد حكى ابن سلام الجمحي عن يونس بن حبيب أنه قال: "أشد الهجاء الهجاء بالتفضيل، وهو الإقذاع عندهم". وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: "من قال في الإسلام هجاء مقذعًا فلسانه هدر".

وحقيقة الهجاء القائمة على السب والشتم قديمة قدم الشعر العربي، فقد قال بعض العلماء كما جاء في كتاب العمدة لابن رشيق: "بُني الشعر على أربعة أركان، وهي: المدح، والهجاء، والنسيب، والرثاء". وقالوا أيضًا إن "قواعد الشعر أربع: الرغبة، والرهبة، والطرب، والغضب؛ فمع الرغبة يكون المدح والشكر، ومع الرهبة يكون الاعتذار والاستعطاف، ومع الطرب يكون الشوق ورقة النسيب، ومع الغضب يكون الهجاء والتوعد والعتاب الموجع".

وقال آخرون: "الشعر كله نوعان: مدح، وهجاء؛ فإلى المدح يرجع الرثاء، والافتخار، والتشبيب، وما تعلق بذلك من محمود الوصف: كصفات الطلول والآثار، والتشبيهات الحسان، وكذلك تحسين الأخلاق: كالأمثال، والحكم، والمواعظ، والزهد في الدنيا، والقناعة، والهجاء ضد ذلك كله، غير أن العتاب حال بين حالين؛ فهو طرف لكل واحد منهما".

إعلان

كانت ألفاظ الشتم والهجاء في العصور القديمة قاسية قوية الوقع على النفس، وكانت وسيلة للتعبير عن الغضب أو الانتقام أو التحقير الاجتماعي، وكثيرًا ما كانت تعتمد على استهداف الأنساب والأحساب وشتم العائلة والآباء والأجداد، وتعرّج على ذكر النساء واستفزاز المشتوم بذكر أمه وأخته وزوجه وبناته بسوء، وتذهب إلى تصوير المهجوّ في صور نفسية وبدنية دونية وبشعة، وتصفه بأشنع الصفات وتلصق به أقبح الخصال، وتذكر من عيوبه الجسدية ما يحمل على السخرية منه ورسم صورة كوميدية مضحكة له.

يقول ستيڤن پنكر المختص اللغوي والباحث الاجتماعي: "يجب أن تصيب المسبّة ما هو غال وثمين ومحبوب لدى من استخدمها لكي يعتقد أن لها فعالية الجرح والإهانة المقصود"، لذا ترتكز معاني الهجاء على تجريد المهجو من كل الخصال الحسنة والصفات الحميدة، ومن كل ما يعتز به العربي كالنسب الأصيل وخصال الشهامة كالشجاعة والكرم وحماية الجار وإغاثة الملهوف وغير ذلك من محاسن الأخلاق، ولتجريده منها لا بد من رميه بنقيضها من الصفات كالجبن والبخل والغدر والنسب الوضيع.

نجد في العصر الجاهلي كثيرًا من الهجاء الذي يعتمد على الشتم في قصائد يمتزج فيها المدح والفخر بالنفس والقبيلة بهجاء الخصم وشتمه والحط من شأن ذويه وقبيلته. ومن ذلك ما قاله الشاعر الجاهلي بشر بن أبي خازم في ذم رجل يدعى أوس وهجائه:

إِنَّكَ يا أَوسُ اللَئيمُ مَحتَدُه
عَبدٌ لِعَبدٍ في كِلابٍ تُسنِدُه
مُعَلهَجٌ فيهِم خَبيثٌ مَقعَدُه
إِذا أَتاهُ سائِلٌ لا يَحمَدُه
مِثلَ الحِمارِ في حَميرٍ تَرفِدُه
وَاللُؤمُ مَقصورٌ مُضافٌ عَمَدُه

وكذلك امرؤ القيس الذي قال في هجاء قبائل برمتها فجردها من كل مناقبها، وألصق بها من المثالب ما يندى له جبين العربي الأصيل مُعممًا على أفرادها كلهم، صارفًا عنهم أي استثناء، جاعلًا منهم أشنع الناس وأسوأ القبائل والعشائر:

أَلا قَبَّحَ اللَهُ البَراجِمَ كُلَّها

وَجَدَّعَ يَربوعًا وَعَفَّرَ دارِمَا

وَآثَرَ بِالمِلحاةِ آلَ مُجاشِعٍ

رِقابَ إِماءٍ يَقتَنينَ المَفارِما

فما قاتَلوا عَن رَبِّهِم وَرَبيبِهِم

وَلا آذَنوا جارًا فَيَظفَرَ سالِما

وَما فَعَلوا فِعلَ العُوَيرِ بِجارِهِ

لَدى بابِ هِندٍ إِذ تَجَرَّدَ قائِما

 

ويطالعنا الشاعر المخضرم الحطيئة الهجّاء الأشرس الأعنف الذي لم يسلم أحد من لسانه، حتى طال به أمه وأباه، وهجا نفسه حين ضاقت به السبل وافترّ لسانه!

قال في هجاء رجل يدعى قُدامة:

قُدامَةُ أمسى يَعرُكُ الجَهلُ أَنفَهُ

بِجَدّاءَ لَم يُعرَك بِها أَنفُ فاخر

فَخَرتُم ولم نَعلَم بِحادِثِ مَجدكم

فَهاتِ هَلُمَّ بعدها لِلتَنافُرِ

ومن أَنتُمُ إِنّا نَسينا مَن أنتم

وَريحُكُمُ مِن أَيِّ ريحِ الأَعاصر

وبالمجيء إلى صدر الإسلام نجد أن الشتم على الرغم من مخالفته لتعاليم الإسلام لم يختفِ من سجلات الشعر والنثر العربي، لكنه اتجه اتجاهات مختلفة نوعًا ما عند أولئك الشعراء والأدباء الذين التزموا تعاليم الدين وشريعته.

غير أن الشتم والتعريض بالدين والمعتقد صار وسيلة أيضًا ما دام يؤلم المهجو ويستفزه، لذا صار الهجاء المتبادل بين المسلمين والمشركين آنذاك ينطلق من الأفكار الدينية والمساس بها بشكل مباشر.

وانبرى عدد من الشعراء حينذاك للدفاع عن الإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم، كحسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك.

ومن أشعار عبد الله بن رواحة الشاعر المخضرم الذي عاش في الجاهلية وصدر الإسلام، وكان من الشعراء الذين نافحوا عن الإسلام والرسول الكريم، قوله في ذم رجل يعرف باسم قيس:

يا قَيسُ أنتم شِرارُ قَومِكم

قِدمًا وَأَنتُم أَغَثُّهم نَسَبا

حالَفتُمُ الفُحشَ وَالخيانة وال

بُخلَ جميعًا واللُؤمَ والكَذِبا

ومن أشعار كعب بن مالك في ذمّ من يحاول النيل من رسول الله من المشركين صلى الله عليه وسلم قوله:

أعامرَ عامرَ السَّوءاتِ قِدْمًا

فلا بالعقل فُزْتَ ولا السّناء

أَأَخْفَرْتَ النّبيَّ وكنت قدِمًا

إلى السّوْءاتِ تجري بالعراءِ

إعلان

وفي العهد الأموي سطع نجم ثلاثة من شعراء الطبقة الأولى، وعرفوا بالمثلث الأموي لوفرة الشعر المتبادل بينهم، وكانوا المواقد التي أنضجت فن النقائض آنذاك حتى وصل إلى الذروة؛ هم جرير والفرزدق والأخطل، فرسان الشعر في العهد الأموي عامة وفي غرض الهجاء خاصة، إذ تبادلوا الشتم والذم حتى اشتهروا به، ولم يترك واحدهم للآخر منفذًا يتسلل منه سوى الرد عليه بما هو أقبح وأشنع. وقد رسم كل منهم لصاحبه صورًا كوميدية أشبه اليوم بالرسوم الكاريكاتيرية؛ ومن ذلك قول جرير في ذم الفرزدق ناعتًا إياه بسوء الخلقة والخلق في آن واحد:

لقد ولدت أم الفرزدق فاجرًا

فجاءت بوزواز قصير القوائمِ

يوصل حبليه إذا جنّ ليله

ليرقى إلى جاراته بالسلالمِ

وقد أمعن كل من الفرزدق وجرير في هجاء بعضهما وذمّ كل ما يخصهما حتى بلغ بهما الأمر أن ارتبطا ببعضهما ارتباطًا نفسيا في الوجود والشهرة والانتشار، وكان جرير يصرّ على وصف الفرزدق بالقرد كثيرًا في أشعاره، فمن ذلك قوله:

إن البليّــة لا بليّة مــثلها
قرد يعلِّل نفسه بالباطل

وقوله أيضًا:

وما كان الفرزدق غيــر قردٍ
أصابتهُ الريــاحُ فاستدارا

وكذلك الفرزدق كان شاعرًا هجّاء محترفًا وألصق بصاحبه لقب "ابن المراغة" لكثرة تكرارها في أشعاره التي ذمّه وهجاه فيها، والمقصود بالمراغة الحمارة! وكثيرًا ما حاول النيل من نسبه إلى أبيه، ومن ذلك قوله:

وابنُ المَرَاغة يَدَّعِي من دَارِمٍ
والعَبدُ غيرَ أبيه قدْ يَتَنَحَّلُ
ليس الكِرَامُ بِنَاحِلِيكَ أباهم
حتَّى تُرَدَّ إلى عَطِيَّةَ تُعْتَلُ

وكان أقذع الذم والهجاء آنذاك ما يحطّ من شأن القبيلة كلها، كحكاية الراعي النميري مع جرير، والبيت الشهير الذي قال فيه جرير:

فغضّ الطرف إنك من نمير
فلا كعبًا بلغت ولا كلابا

وكان الراعي النميري قد حاول الدخول بين جرير والفرزدق طمعًا بالشهرة واكتساب الاعتراف بشاعريته وعلوّ قدمه في نظم الشعر، فقال مرجحًا كفة الفرزدق على جرير تحريشًا لجرير حتى يرد عليه:

يا صاحبي دنا الرواح فسيرا
غلب الفرزدق في الهجاء جريرا

فامتنع جرير عن الرد عليه شعرًا واكتفى بتحذيره، وطلب منه أن يكفّ عن ذلك مرارًا فلم يستمع إليه! فما كان من جرير إلا أن هجاه بقصيدة سماها "الدامغة"، جعل قبيلته كلها تطأطئ الرأس دهرًا من الزمن، حتى لامه قومه ونبذوه بما جرّه عليهم. ويقال إن هذه القصيدة أخرست الراعي النميري وكانت سببًا بموته كمدًا.

يقول حسام عتال في إحدى مقالاته التي يتحدث فيها عن فن المسبات والشتائم: "ما يتلو ذكر الجنس وشتم العائلة والنسب كمادة للتجريح هو التعريض بالمعتقدات والدين، لكني لم أجد عند أي من الشعوب المختلفة من يسبّ الدين نفسه أو الإله مباشرة وشخصيا سوى في بلاد الشام. فمسبات (ربك وإلهك ودينك) تبدو لسبب ما محصورة في هذه البقعة من الأرض". ثم يفسر ذلك اعتمادًا على تفسير ستيڤن پنكر السابق فيقول إن السبب الرئيس هو قوة الإيمان أو عمق تأثيره في المجتمع في بلاد الشام عامة. فما رأيكم؟

السباب ليس من أخلاق العقلاء ولا من سير الكرام، وهو دليل على ضعف في النفس وإشارة إلى ضيق في الصدر والأفق. فهل استمر الشتم في عصور الشعر العربي اللاحقة؟ هل تغيرت ألفاظه وأساليبه؟ وكيف يشعر المتلقي في وقتنا الحاضر حين يسمع الشتائم في قوالب أدبية؟ هل يتقبلها؟ هل تبدو كوميدية؟ أو أن الأمر يختلف باختلاف الذائقة الفنية للأدب لدى المتلقين؟ وما مدى حضور معاني قوله تعالى في سورة الحجرات: ﴿ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون﴾ في عقولنا وقلوبنا وتصرفاتنا؟

مقالات مشابهة

  • مع السلامة زياد.. بلا ولا شيء
  • اعلان عن تعديل اسم تجاري للاخ يحيى الكحلاني
  • أشرف عبدالباقي ناعيا لطفي لبيب: مع السلامه يا أجمل حد في الدنيا
  • أجمل دعاء فى الصباح.. ردده يسخر الله لك من يقضي حاجتك ويفرج كربتك
  • حينما كان للروايات شأن
  • الحرب كما يرويها الأدباء العرب
  • أجمل مدن الملاهي والألعاب.. تجارب ترفيهية لا تنسى في هدا الطائف
  • التلقي الطبيعي للأدب
  • ما هي مؤشرات تنسيق المرحلة الأولى 2025 لكليات الشعبة الأدبية؟
  • فلسفة الذم والشتائم في الأدب.. كيف تحوّل الذم إلى غرض شعري؟