نيوزيوك: السعودية رمت بكل أوراقها في سلة الحوثي.. وتصعيد الأخير هدفه انتزاع موافقة دولية بمنحهم كامل اليمن (ترجمة خاصة)
تاريخ النشر: 16th, December 2023 GMT
قالت مجلة "نيوزويك" الأمريكية إن تصعيد جماعة الحوثي في اليمن واستهدافها للملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب تعود إلى عوامل محلية أبرزها سعي الحوثيين إلى انتزاع موافقة دولية وإقليمية خاصة من المملكة العربية السعودية على منحهم كامل اليمن.
وذكرت المجلة في تقرير لها تحت عنوان "إليكم ما يريده الحوثيون حقًا عندما يهاجمون إسرائيل" وترجم أبرز مضمونه "الموقع بوست" بينما يلقي الصراع بين إسرائيل وحماس بظلاله المشؤومة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، فإن إعلانات جماعة الحوثي التي تحذر من شن هجمات بطائرات بدون طيار وصواريخ ضد إسرائيل تزيد من شبح المواجهة الإقليمية المتوسعة.
وأضافت "وراء التهديد الأمني المباشر الذي تشكله هذه الهجمات يكمن دافع مفصل، بعيدا عن المعارضة المباشرة لإسرائيل أو محاولة مساعدة الفلسطينيين. وبدلاً من ذلك، يستخدم الحوثيون هذه الإجراءات بشكل استراتيجي كوسيلة لتعزيز موقفهم المحلي والإقليمي، ووضع أنفسهم في المراحل الوشيكة من الصراع من أجل السيطرة على اليمن".
وذكرت "من الواضح للمراقب عن كثب أن هذه الأعمال العسكرية تخدم كأداة استراتيجية، وتعكس الديناميكيات الإقليمية والحسابات السياسية المحلية".
وأكدت أن عدة عوامل إقليمية ومحلية تساهم في الحسابات الاستراتيجية الحوثية التي تدفعهم إلى الاستهداف العسكري لإسرائيل، بينما تشكل أيًضا تهديًد للمملكة العربية السعودية وحلفائها.
وتابعت "هذا يرجع أولا وقبل كل شيء إلى طهران وشبكات الميليشيات في العراق وسوريا ولبنان، النفوذ الجيوسياسي الكبير الذي تمارسه حركتها، وأهميتها في المناطق الرئيسية عبر شبه الجزيرة العربية وبحر العرب وأفريقيا وباب المندب".
وقال التقرير "مع ظهور فجوات في المفاوضات في أحدث جولة من المحادثات بين المملكة العربية السعودية والحوثيين، فإن هذا التكتيك الهجومي يسمح للحوثيين بتعزيز قدراتهم وموقفهم التفاوضي، دون إعادة إشعال الالتزام السعودي بالحرب. ومع تزايد اهتمام السعودية بالخروج الذي يحفظ ماء الوجه، يبدو أن الرياض رمت كل أوراقها في سلة الحوثيين، متصورًة بأن لهم القدرة على تمثيل اليمن الذي لا يسيطرون عليه بالكامل".
وأكد أنه في الوقت نفسه، يدرك الحوثيون تماما بالديناميكيات الداخلية التي تضعهم في مواجهة العديد من الخصوم المحليين - بما في ذلك مجلس القيادة الرئاسي.
ولفت إلى أن الحوثيين أيضا يدركون ضرورة ممارسة الضغط على الرياض لضمان حدوث تحول إيجابي في محادثات المفاوضات لتمنح شرعية السيطرة مستقبلا على كامل اليمن، قبل تجدد الصراع المتوقع في السنوات القادمة.
وأكد الأزمة اليمنية هجمات الحوثيين في البحر الأحمر المالحة الدولية المجتمع الدولي الحوثيين اليمن
وأكدت المجلة أن الهجمات ضد إسرائيل أو المواقع الأمريكية، والتي تشكل إلى حد كبير عروًضا رمزية تهدف لتعزيز الدعم المحلي والدعم العربي والإسلامي الأوسع للجماعة.
وقالت "على الصعيد الداخلي، يواجه الحوثيون انتقادات ومعارضة عامة متزايدة من أولئك الذين يعيشون تحت سيطرتهم، والتي تفاقمت بسبب عدم دفع رواتب القطاع العام لفترات طويلة والأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي اتسمت بـ ارتفاع أسعار السلع الأساسية وضعف العملة المحلية.
وأردفت "على المستوى الإقليمي، على الرغم من امتلاكهم ترسانة عسكرية كبيرة والرغبة في استخدامها، غالبا ما تكون أنظمة الأسلحة بطيئة وغير دقيقة عن بعد. ومع ذلك، في حين أن الهجمات تحمل الحد الأدنى من الأهمية العسكرية، إلا أنها تحدث تأثيرا سياسًيا كبيرا، حيث تعمل في المقام الأول كوسيلة للحوثيين لنقل رسالة قوية إلى مؤيديهم والمتعاطفين معهم، بهدف تعزيز الولاء العام لقضيتهم".
*يمكن الرجوع للمادة الأصل : هنا
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن الحوثي السعودية اسرائيل الملاحة الدولية
إقرأ أيضاً:
اليمن.. عقدة الجغرافيا التي قصمت ظهر الهيمنة: تفكيك خيوط المؤامرة الكبرى
مثّلت الحرب الشاملة التي شُنّت على اليمن في مارس 2015، التدشين العملي والأخطر لمؤامرة دولية مركبة، حيكت خيوطها بعناية فائقة في الغرف المظلمة بين واشنطن وتل أبيب؛ فالموقع الجيوسياسي لليمن، الحاكم على رئة العالم في باب المندب، جعل منه هدفاً دائماً لأطماع قوى الاستكبار التي ترى في استقلال هذا البلد تهديداً وجودياً لمشاريعها في المنطقة، ولعل المتأمل في مسار الأحداث يدرك بيقين أن ما يجري هو عقاب جماعي لشعب قرر الخروج من عباءة الوصاية.
إن القراءة المتأنية للرؤية الأمريكية والإسرائيلية تجاه اليمن تكشف تحولاً جذرياً في التعامل مع هذا الملف، فمنذ نجاح الثورة الشعبية في الحادي والعشرين من سبتمبر 2014، أدرك العقل الاستراتيجي في البيت الأبيض والكيان الصهيوني أن اليمن قد غادر مربع التبعية التي كرسها “سفراء الدول العشر” لسنوات طويلة، وأن القرار اليمني لم يعد يصاغ في السفارات الأجنبية. لقد كانت تلك اللحظة بمثابة زلزال سياسي دفع بنيامين نتنياهو مبكراً للتحذير من أن سيطرة القوى الثورية الوطنية على باب المندب تشكل خطراً يفوق الخطر النووي، وهو ما يفسر الجنون الهستيري الذي طبع العدوان لاحقاً. وقد تجلت هذه الرؤية بوضوح صارخ في المرحلة الحالية، وتحديداً مع انخراط اليمن في معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدس”، حيث سقطت الأقنعة تماماً، وانتقلت أمريكا من إدارة الحرب عبر وكلائها الإقليميين إلى المواجهة المباشرة بالأساطيل وحاملات الطائرات، بعد أن أدركت أن أدواتها في المنطقة عجزت عن كبح جماح المارد اليمني الذي بات يهدد شريان الحياة للاقتصاد الصهيوني.
وعند النظر إلى الخارطة العملياتية للمؤامرة، نجد أن العدو اعتمد استراتيجية خبيثة تقوم على تقسيم الجغرافيا اليمنية وظيفياً، والتعامل مع كل جزء بأسلوب مختلف يحقق غاية واحدة هي “التدمير والإنهاك”. ففي المناطق والمحافظات الحرة التي رفضت الخضوع، لجأ التحالف الأمريكي إلى استراتيجية “الخنق والتجويع” كبديل عن الحسم العسكري المستحيل؛ فكان قرار نقل وظائف البنك المركزي في سبتمبر 2016 الضربة الاقتصادية الأخطر التي هدفت لضرب العملة الوطنية وتجفيف السيولة، مترافقة مع حصار مطبق على الموانئ والمطارات، في محاولة بائسة لكسر الإرادة الشعبية عبر لقمة العيش، ومؤخراً محاولة عزل البنوك اليمنية عن النظام المالي العالمي، وهي ورقة ضغط أخيرة تم إحراقها بفضل معادلات الردع الصارمة التي فرضتها صنعاء.
أما في الجانب الآخر من المشهد، وتحديداً في المحافظات الجنوبية والمناطق المحتلة، فتتجلى المؤامرة في أبشع صورها عبر استراتيجية “الفوضى والنهب”، حيث يعمل المحتل على هندسة واقع سياسي وعسكري ممزق يمنع قيام أي دولة قوية؛ فمن عسكرة الجزر الاستراتيجية وتحويل “سقطرى” إلى قاعدة استخباراتية متقدمة للموساد وأبو ظبي، وبناء المدارج العسكرية في جزيرة “ميون” للتحكم بمضيق باب المندب، إلى النهب الممنهج لثروات الشعب من النفط والغاز في شبوة وحضرموت، بينما يكتوي المواطن هناك بنار الغلاء وانعدام الخدمات. إنهم يريدون جنوباً مفككاً تتنازعه الميليشيات المتناحرة، ليبقى مسرحاً مفتوحاً للمطامع الاستعمارية دون أي سيادة وطنية.
وأمام هذا الطوفان من التآمر، لم يقف اليمن مكتوف الأيدي، بل اجترح معجزة الصمود وبناء القوة، مستنداً إلى استراتيجية “الحماية والمواجهة” التي رسمتها القيادة الثورية بحكمة واقتدار. لقد تحول اليمن في زمن قياسي من وضع الدفاع وتلقي الضربات إلى موقع الهجوم وصناعة المعادلات، عبر بناء ترسانة عسكرية رادعة من الصواريخ الباليستية والفرط صوتية والطائرات المسيرة التي وصلت إلى عمق عواصم العدوان، بل وتجاوزتها لتدك “أم الرشراش” وتفرض حصاراً بحرياً تاريخياً على الكيان الصهيوني، مسقطة بذلك هيبة الردع الأمريكية في البحر الأحمر. هذا المسار العسكري وازاه مسار اقتصادي يرفع شعار الاكتفاء الذاتي والتوجه نحو الزراعة لكسر سلاح التجويع، ومسار تحصين الجبهة الداخلية عبر ترسيخ الهوية الإيمانية التي كانت السد المنيع أمام الحرب الناعمة.
خلاصة المشهد، أن اليمن اليوم، وبعد سنوات من العدوان والحصار، لم يعد ذلك “الحديقة الخلفية” لأحد، بل أصبح رقماً صعباً ولاعباً إقليمياً ودولياً يغير موازين القوى، وأن المؤامرة التي أرادت دفن هذا البلد تحت ركام الحرب، هي نفسها التي أحيت فيه روح المجد، ليصبح اليمن اليوم في طليعة محور الجهاد والمقاومة، شاهداً على أن إرادة الشعوب الحرة أقوى من ترسانات الإمبراطوريات.