توسع الانتقالي الجنوبي وتماسك الحوثيين وتراجع الحكومة.. هل يعود اليمن إلى مشهد ما قبل 1990؟
تاريخ النشر: 9th, December 2025 GMT
يجد اليمن نفسه اليوم بين خارطتي نفوذ متباينتين، شمال تحكمه جماعة أنصار الله "الحوثيين" وجنوب يوسّع فيه المجلس الانتقالي سيطرته، فيما تتلاشى فعالية الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا. ومع استمرار التباينات الإقليمية وتعثر المسار السياسي، يظل السؤال مفتوحًا: هل تتجه البلاد فعلًا نحو تقسيم جديد؟
أعاد التقدم العسكري الذي حققه المجلس الانتقالي الجنوبي مطلع كانون الأول/ديسمبر 2025 في محافظتي حضرموت والمهرة، بما في ذلك حقول نفطية واسعة قرب الحدود السعودية، فتح النقاش مجددًا حول مستقبل اليمن ووحدته بعد أكثر من ثلاثة عقود من إعلان الدولة الموحدة.
لقد جاءت السيطرة ضمن عملية عسكرية واسعة تحمل اسم "المستقبل الواعد"، لتكشف حجم الانقسام داخل المعسكر المناهض للحوثيين، وتعيد السؤال القديم إلى الواجهة: هل يتجه اليمن إلى العودة لما قبل وحدة 1990 بين شمال وجنوب؟
المشهد تصاعد سريعًا حينما تحدث مسؤول حكومي عن إغلاق المجال الجوي اليمني لساعات، في خطوة فسّرها كثيرون بأنها رسالة سياسية مباشرة من الرياض تجاه التمدد المتسارع للمجلس الانتقالي في المناطق النفطية. وتزامنت هذه التطورات مع مؤشرات على انسحاب قوات سعودية من مواقع حساسة مثل جزيرة بريم في باب المندب والقصر الرئاسي في عدن، في وقت توسّع فيه نفوذ الانتقالي على الأرض بشكل غير مسبوق.
منذ سيطرة الحوثيين على صنعاء في أيلول/سبتمبر 2014، تحولت الحرب تدريجيًا من مواجهة بين الحكومة اليمنية والجماعة المدعومة من إيران إلى شبكة معقدة من الصراعات المحلية والإقليمية. الحكومة المعترف بها دوليًا تراجعت إلى حضور رمزي محدود، وفقدت قدرتها على إدارة المحافظات الجنوبية التي أصبحت مسرحًا لصراع نفوذ بين أبوظبي والرياض، بينما تواصل جماعة أنصار الله "الحوثيين" ترسيخ حكمها في صنعاء والمناطق الشمالية.
في السنوات الأخيرة، أصبحت عدن نفسها، وهي المدينة التي اتخذتها الحكومة عاصمة مؤقتة، عاجزة عن احتضان مؤسسات الدولة، بعدما غادر رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي ورئيس الوزراء أكثر من مرة تحت ضغط التطورات الأمنية وتوسع نفوذ المجلس الانتقالي. وتزامن ذلك مع إعادة تشكيل البنية العسكرية والأمنية في الجنوب لمصلحة قوات محلية مدعومة من الإمارات، وهو ما ساهم في انهيار المعسكر المناهض للحوثيين وتحوّله إلى كيانات متنافرة ومتصارعة.
Related رحلة العودة تنتهي بمأساة: مصرع 30 شخصاً في حادث سير مروّع جنوب اليمن من اليمن إلى إيلات.. مسيّرات الحوثيين تحرج أنظمة إسرائيل المتقدمةتقرير أممي: اليمن من بين أسوأ الدول في انعدام الأمن الغذائي نفوذ إماراتي متصاعد ورؤية سعودية متناقضةمع مرور السنوات، ظهر بوضوح أن التحالف العربي الذي انطلق عام 2015 لم يعد موحدًا في الرؤية والأهداف. الإمارات انخرطت في مشروع طويل الأمد يقوم على بناء قوة محلية جنوبية قادرة على التحكم بالموانئ والممرات البحرية الاستراتيجية، بما في ذلك خليج عدن وساحل حضرموت وسقطرى. وأنشأت أبوظبي شبكات أمنية وعسكرية غير تابعة للحكومة اليمنية، وشكلت وحدات "الحزام الأمني" والنخب العسكرية في شبوة وحضرموت، إضافة إلى منظومة إعلامية ومؤسسات موازية.
على الجانب الآخر، حافظت السعودية على موقفها التقليدي الداعي إلى الحفاظ على وحدة اليمن، لأنها ترى في قيام دولة حوثية على حدودها تهديدًا مباشرًا لأمنها. سعت الرياض إلى دعم الحكومة الشرعية وتمويل المؤسسة العسكرية الرسمية، لكنها اصطدمت بتآكل نفوذها الميداني في الجنوب وبالتوسع المتسارع للمجلس الانتقالي الذي يحظى بدعم إماراتي سياسي وعسكري واقتصادي.
العلاقة بين الرياض وأبوظبي، رغم أنها ظهرت محكمة في بداية الحرب، كشفت لاحقًا عن تناقض عميق. فقد عملت الإمارات على بناء نفوذ مستقل لا يخضع لاستراتيجيات السعودية، بينما تعاملت الرياض مع الحكومة الشرعية باعتبارها الأداة الوحيدة للحفاظ على وحدة الدولة. ومع كل توسع للمجلس الانتقالي، تراجع حضور القوى السياسية والعسكرية القريبة من السعودية، وازدادت احتمالات تشكل واقع سياسي جديد لا يشبه ما كان قائمًا منذ 2015.
في الشمال، واصلت جماعة أنصار الله "الحوثيين" تثبيت سلطتها كمركز سياسي وعسكري مستقر. وبعد الهدنة التي دخلت حيز التنفيذ في 2022، استفاد الحوثيون من حالة التفكك داخل الجنوب ومن تراجع زخم العمليات العسكرية للتحالف. وأظهرت الجماعة قدرتها على تطوير أسلحة ومسيرات متقدمة بدعم مباشر من إيران، إضافة إلى قدرتها على استهداف منشآت سعودية حساسة كما حدث في هجمات 2019 على منشآت أرامكو.
إيران بدورها تعاملت مع الحوثيين بوصفهم ورقة استراتيجية فعّالة تمنحها نفوذًا مباشرًا في خاصرة الخليج. ومقارنة بتدخلاتها المكلفة في دول أخرى، مثل سوريا والعراق، بدا النفوذ الإيراني في اليمن أقل تكلفة وأعلى مردودًا من حيث الضغط على السعودية.
مع نهاية عام 2025، يبدو اليمن دولة قائمة بالاسم فقط. السيطرة الفعلية موزعة بين ثلاث قوى رئيسية. الحوثيون يهيمنون على صنعاء ومعظم الشمال، ولديهم مؤسسات كاملة للحكم، من المالية إلى الأمن. المجلس الانتقالي يسيطر على عدن ومعظم المحافظات الجنوبية والشرقية، ويمتلك جيشًا منظمًا ومؤسسات إعلامية وإدارية تعمل كسلطة مستقلة. أما الحكومة الشرعية، فوجودها الفعلي تراجع إلى حد كبير، ولم يعد يتجاوز حضورًا سياسيًا مرتبطًا بتحالفاتها مع الرياض.
هذه الخريطة لا تختلف كثيرًا عن توصيفات مبكرة منذ عام 2016 تحدثت عن "تقسيم بحكم الأمر الواقع". غير أن التطورات الأخيرة جعلت هذا التقسيم أكثر رسوخًا، بعدما تحولت عدن والمناطق المحيطة بها إلى مركز حكم مستقل، مقابل كيان حوثي متماسك في الشمال.
السيناريوهات المحتملة: بين تقسيم رسمي أو استمرار الجمودتشير تحليلات دولية حديثة، بما فيها دراسة للمعهد الإيطالي للعلاقات الدولية في تموز/يوليو 2025، إلى أن الأزمة اليمنية أمام أربعة سيناريوهات. الاحتمال الأول يقوم على تسوية شاملة تشارك فيها الحكومة والمجلس الانتقالي والحوثيون، تؤدي في نهاية المطاف إلى استقلال الجنوب بشكل رسمي.
الاحتمال الثاني يتجه نحو تقسيم متفق عليه بين الأطراف، بحيث يقوم كيانان أحدهما شمالي بيد الحوثيين والآخر جنوبي بقيادة المجلس الانتقالي وقوى مقربة من الرياض.
أما الاحتمال الثالث فهو استمرار الوضع القائم، حيث لا حرب شاملة ولا سلام دائم، مع خريطة نفوذ مجزأة وهدنة هشة قابلة للانهيار في أي وقت.
وبالنسبة للاحتمال الرابع فهو العودة إلى حرب كبرى إذا أعلن المجلس الانتقالي الانفصال من جانب واحد أو حاول الحوثيون التقدم نحو عدن.
مع ذلك، تبدو الدراسة متفقة على أن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو استمرار الجمود، لأن الأطراف المحلية والإقليمية لا تظهر استعدادًا حقيقيًا لتسوية شاملة، ولأن مصالحها المتناقضة تجعل أي اتفاق مستقر أمرًا صعبًا.
يقترب اليمن من مرحلة مفصلية تتراجع فيها سلطة الدولة المركزية لصالح قوى محلية تمتلك السلاح والموارد وتفرض وقائع جديدة على الأرض. في الشمال، يرسّخ الحوثيون مؤسسات حكم كاملة تحت سيطرتهم. وفي الجنوب، يوسّع المجلس الانتقالي نفوذه السياسي والعسكري بدعم إماراتي مباشر، ما يمنحه قدرة شبه كاملة على إدارة المحافظات الجنوبية. في المقابل، يتراجع حضور الحكومة المعترف بها دوليًا ويكاد يختفي نفوذها الفعلي.
هذا التفكك الداخلي يتقاطع مع تناقضات إقليمية حادّة: السعودية التي تفضّل يمنًا موحدًا يضمن استقرار حدودها، والإمارات التي تدعم مشروعًا جنوبيًا منفصلًا وتُحكم قبضتها على الموانئ والمواقع الاستراتيجية، فيما تعزز إيران حضورها في صنعاء من خلال دعم الحوثيين. ونتيجة لذلك، يتشكل واقع جديد يقوم على انقسام فعلي بين شمال وجنوب، مع مؤسسات وجيوش وإدارات منفصلة.
لكن في ظل هذه الخارطة المتغيرة، ومع غياب أي مسار سياسي جامع أو تفاهم إقليمي ثابت، يبقى السؤال مفتوحًا: هل يمهّد هذا الواقع المتشظي الطريق لتقسيم رسمي يعيد اليمن إلى ما قبل 1990؟
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثةالمصدر: euronews
كلمات دلالية: الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الحرب في أوكرانيا إسرائيل بشار الأسد روسيا الصين الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الحرب في أوكرانيا إسرائيل بشار الأسد روسيا الصين إيران الإمارات العربية المتحدة اليمن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الحرب في أوكرانيا إسرائيل بشار الأسد روسيا الصين غزة اللاجئون السوريون حركة حماس سوريا متحف سقوط الأسد المجلس الانتقالی الیمن إلى نفوذ ا
إقرأ أيضاً:
الانتقالي يعلن بسط سيطرته شرقي اليمن ووفد سعودي يبحث التهدئة
أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن، اليوم الثلاثاء، استكمال سيطرة قواته على محافظة المهرة ووادي حضرموت شرقي البلاد، في حين وصل وفد سعودي إلى محافظة حضرموت ضمن جهود الوساطة التي تقوم بها المملكة.
وفي حديث له خلال اجتماع موسع عقده بالعاصمة المؤقتة عدن، أبلغ رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي الحاضرين بما وصفها انتصارات القوات المسلحة الجنوبية (التابعة للانتقالي) باستكمال تحرير وادي حضرموت والمهرة، حسب تعبيره.
وحسب الموقع الإلكتروني للمجلس، ضم الاجتماع أعضاء هيئة رئاسة المجلس، ورؤساء هيئات الأمانة العامة، ورؤساء لجان الجمعية الوطنية، ومجلس المستشارين.
يذكر أن الزبيدي هو رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي المطالِب بانفصال جنوب اليمن عن شماله، وأحد النواب السبعة لرئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، الذي يمثل الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا.
وقال الزبيدي إن "الجنوب اليوم يقف أمام مرحلة مصيرية ووجودية فرضتها معادلات الواقع السياسي والعسكري، وشعب الجنوب قدم تضحيات جسيمة للوصول إلى هذه اللحظة الحاسمة". ولفت إلى أن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة بناء مؤسسات ما أسماها دولة الجنوب العربي الجديدة.
والأحد الماضي، سيطر المجلس الانتقالي على مساحات واسعة من محافظة المهرة، بعد دخول قوات كبيرة إلى ثاني أكبر محافظة في اليمن بعد حضرموت، وبها مطار الغيضة الدولي وموانئ بحرية.
ولم يصدر تعليق فوري من قِبل السلطات الحكومية بشأن تصريحات الزبيدي، لكن العليمي، اتهم الاثنين، المجلس الانتقالي باتخاذ إجراءات أحادية تشكل تهديدا مباشرا لوحدة القرار الأمني والعسكري، وفق وكالة الأنباء اليمنية الرسمية (سبأ).
في غضون ذلك، التقى الوفد السعودي الزائر لمحافظة حضرموت برئاسة اللواء محمد القحطاني أعيان مديريات وادي وصحراء حضرموت، بعد استكمال اجتماعاته في مدينة المكلا ومديريات الساحل.
إعلانونقلت وكالة سبأ عن القحطاني أنه تم الاتفاق على مجموعة من الإجراءات "لدعم الأمن والاستقرار والتهدئة مع جميع الأطراف بما في ذلك المجلس الانتقالي".
وتأتي هذه التطورات بعد أيام من عملية عسكرية واسعة لقوات المجلس الانتقالي في وادي حضرموت سيطرت خلالها على مدن ومواقع عسكرية ونفطية رئيسية، وامتداد نفوذ تلك القوات شرقا إلى المهرة.