غوتيريش يقدم مقترحات لنشر مراقبين دوليين في غزة
تاريخ النشر: 19th, December 2023 GMT
اقترح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على مجلس الأمن نشر مراقبين دوليين في قطاع غزة.
جاء ذلك ضمن ورقة اقتراحات اطلع عليها “العربي”، وكان أعدّها غوتيريش وسلّمها إلى رئاسة المجلس أمس الإثنين.
وبحسب مراسل “العربي” في نيويورك نبيل أبي صعب، فإن غوتيريش وضع عدة خيارات أمام مجلس الأمن لنشر آلية مراقبة دولية في قطاع غزة، مهمتها مراقبة تطبيق قرار مجلس الأمن 2712 الذي صدر منتصف الشهر الماضي.
وكان القرار نص على إعلان هدنات إنسانية وفتح ممرات إنسانية إلى قطاع غزة، وتكليف الأمين العام للأمم المتحدة بوضع مقترحات أمام مجلس الأمن لمراقبة تطبيق هذا القرار.
وقال مراسلنا إن غوتيريش قام بذلك بالفعل، وبات الآن أمام مجلس الأمن عدة خيارات لنشر مراقبين دوليين في غزة.
ما الخيارات التي اقترحها غوتيريش؟
يقضي أول الخيارات بأن تتولى هيئات الأمم المتحدة المنتشرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة مهمة مراقبة تطبيق القرار 2712، علمًا أن لدى المنظمة الدولية أكثر من 18 هيئة منتشرة هناك تضم نحو 1000 موظف، فضلًا عن نحو 16 ألف آخرين يعملون مع “الأونروا”.
أما الخيار الثاني في ورقة غوتيريش، فينص على تولّي مراقبين مدنيين تابعين للأمم المتحدة أو جهات أخرى مراقبة تطبيق القرار الأممي، ما يتطلب قرارًا جديدًا يمنح هؤلاء المراقبين الصلاحيات اللازمة للقيام بعملهم.
وفي ما يخص الخيار الثالث، الذي يمكن وصفه بالأكثر جرأة وفق مراسل “العربي”، فيقترح نشر مراقبين عسكريين غير مسلحين في قطاع غزة يتم تكليفهم في مجلس الأمن بولاية واضحة.
ويلفت مراسل “العربي” إلى أن غوتيريش يعتبر أن نشر أي آلية مراقبة يجب أن يكون مدعومًا بتكليف وصلاحيات واضحة بموجب قرار عن مجلس الأمن، ما يعني أن الغطاء السياسي من المجلس سيكون مسألة حتمية لضمان فعالية هذه الآلية.
إلى ذلك، يتحدث مراسلنا عن “فرصة كبيرة لتمرير هذه الآلية في قرار جديد يصدر عن مجلس الأمن”، مشيرًا إلى توقيت هذه الخطوة من جانب غوتيريش والذي كان منسقًا مع عدد من الدول.
كما يذكر بأن مشروع القرار الجديد الذي أعدّته مصر والإمارات بالتنسيق مع بعثة فلسطين في الأمم المتحدة ينص بدوره من ضمن عناصره على إنشاء آلية دولية لمراقبة الوضع في قطاع غزة.
قناة العربي
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: فی قطاع غزة مجلس الأمن
إقرأ أيضاً:
اتفاقية خور عبد الله : بين الالتزام الدولي والسيادة الوطنية
بقلم : فرهاد علاء الدين ..
أعادَ الجدل المتجدد حول اتفاقية خور عبد الله بين العراق والكويت إلى الواجهة أحد أكثر المواضيع حساسية في الوعي العراقي، حيث اختلطت الحقائق القانونية بالمواقف السياسية والشعبية، ما أدى إلى تشويش واسع حول حقيقة الاتفاقية، وطبيعتها القانونية، وأبعادها السيادية. فهل تنازل العراق عن خور عبد الله؟ هل «باع» المسؤولون خور عبد الله؟ وهل الاتفاقية فرضت عليه قسراً؟ وما الموقف القانوني السليم من منظور السيادة الوطنية والقانون الدولي؟
وخور عبد الله هو ممر مائي يقع في أقصى شمال الخليج العربي، ويفصل شبه جزيرة الفاو العراقية عن جزيرة بوبيان الكويتية. ومنذ ترسيم الحدود بين العراق والكويت بعد حرب الخليج الثانية، ظل هذا الخور محل نقاش قانوني وسياسي بين البلدين.
بعد اجتياح العراق للكويت عام 1990، أصدر مجلس الأمن قراره رقم 687 لعام 1991، الذي شكّل الأساس القانوني لإخراج العراق من الكويت ووضعه تحت طائلة عقوبات دولية. تبعه القرار 773 لعام 1992، الذي دعم عمل لجنة ترسيم الحدود بين العراق والكويت، ثم القرار 833 لعام 1993، الذي أقر رسمياً نتائج اللجنة، واعتبر ترسيم الحدود بين البلدين نهائياً وملزماً للطرفين. شمل هذا الترسيم المياه الإقليمية بما فيها خور عبد الله، الذي اعتُبر بموجب القرار منطقة حدودية مشتركة، لا تخضع لسيادة كاملة لأي من الطرفين، بل يتعين تنظيم استخدامها عبر اتفاق مشترك.
ولم يقتصر الاعتراف بقرارات مجلس الأمن على الصعيد الدولي فحسب، بل تم تكريسه محلياً أيضاً. ففي الخامس من مارس (آذار) 1991 أصدر مجلس قيادة الثورة المنحل قراراً رقم 55، وأخذ بنظر الاعتبار قرار المجلس الوطني الذي اتخذ في الجلسة الخاصة يوم 20 مارس 1991، وبعد ذلك عاد مجلس قيادة الثورة المنحل في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 1994، ليصدر قراراً رسمياً نصّ في البند الثاني منه على ما يلي:
«امتثالاً لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 833 (1993)، تعترف جمهورية العراق بالحدود الدولية بين جمهورية العراق ودولة الكويت كما رسمتها لجنة الأمم المتحدة لترسيم الحدود بين العراق والكويت المشكّلة بموجب الفقرة 3 من القرار 687 (1991)، وتحترم الحدود المذكورة».
يشكّل هذا القرار الداخلي التزاماً صريحاً وموثقاً من الدولة العراقية بقبول نتائج ترسيم الحدود، وهو التزام لا يزال قائماً من الناحية القانونية.
واستناداً إلى قرارات مجلس الأمن، دخل العراق والكويت في مفاوضات لترسيم حدود المياه الإقليمية وتنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله، وانتهت هذه المفاوضات إلى توقيع اتفاقية عام 2012 بعنوان «الاتفاقية بين حكومة جمهورية العراق وحكومة دولة الكويت بشأن تنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله». وقد صادق عليها البرلمان العراقي في عام 2013 بالقانون رقم (42) لسنة 2013.
الاتفاقية لا تتضمن أي تنازل عن السيادة العراقية، بل تنظم الملاحة المشتركة في الخور لضمان حرية الوصول إلى المواني العراقية، خصوصاً ميناء أم قصر من الجانب العراقي. كما تنص على وضع قواعد لعبور السفن وإنشاء ممرات ملاحية آمنة دون المساس بالسيادة أو الحقوق الثابتة لأي من الطرفين.
في عام 2023، قضت المحكمة الاتحادية العليا بعدم دستورية قانون المصادقة على الاتفاقية لوجود خلل إجرائي في آلية التصويت داخل البرلمان، وليس بسبب مضمون الاتفاقية ذاته. هذا القرار أثار موجة من التأويلات السياسية والإعلامية، حيث اعتبره البعض إلغاء للاتفاقية وانتصاراً للسيادة، بينما فسّره آخرون كإجراء قانوني شكلي لا يؤثر على التزام العراق الدولي.
من الناحية القانونية، فإن الاتفاقيات الدولية لا تُلغى من طرف واحد دون اتخاذ خطوات رسمية تنسجم مع اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969، وهو ما لم يحدث. كما أن أي محاولة لإلغاء اتفاق أُبرم على أساس قرارات ملزمة من مجلس الأمن قد تضع العراق في مواجهة قانونية ودبلوماسية غير محسوبة العواقب.
وفي ضوء هذه المعطيات، فإن الموقف القانوني العراقي السليم يستند إلى الاعتراف بالواقع الدولي والقرارات الأممية الصادرة بموجب الفصل السابع، ولا سيما القرار 833. فالعراق ملزم بهذه القرارات التي وافق عليها رسمياً في عام 1994 وبعد عام 2003، ولا يمكنه الانسحاب منها أو التراجع عنها من جانب واحد، دون أن يخلّ بالتزاماته الدولية.
لكن هذا لا يعني القبول الأعمى، بل يحق للعراق، انطلاقاً من مبدأ السيادة المتوازنة، أن يعمل على حماية مصالحه البحرية، من خلال مراجعة بعض تفاصيل الاتفاقيات بالطرق الدبلوماسية، وتطوير قدراته البحرية والمينائية، لا سيما في الفاو وأم قصر، بحيث لا يكون بحاجة إلى المواجهة بل إلى التمكين.
إن مقاربة العراق لهذا الملف الحساس لا يمكن أن تُفصل عن السياق العام الذي يعيشه البلد اليوم. فالعراق يشهد مرحلة استقرار سياسي واقتصادي متنامٍ، تتزامن مع انفتاح واسع على محيطه العربي والإقليمي. وقد أصبحت علاقاته مع جميع الدول العربية، بلا استثناء، علاقات أخوية قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، بعد سنوات من التوترات والعزلة.
وتستعد بغداد لاحتضان القمة العربية القادمة، في مؤشر على استعادة العراق لمكانته الطبيعية بين أشقائه العرب، وثقة القادة العرب بقدرته على لعب دور إيجابي ومتوازن في ملفات المنطقة. وفي هذا السياق، أكد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في أكثر من مناسبة على «التزام العراق بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ومبادئ القانون الدولي، والتفاهمات المشتركة وحسن الجوار»، وهي رسالة واضحة بأن العراق ماضٍ في تعزيز دوره من موقع الدولة المسؤولة، لا الدولة المنفعلة.
هذه السياسة تنطلق من فلسفة واضحة تعتمد على مبدأ «العراق أولاً»، وتركّز على بناء شراكات تقوم على السيادة والاحترام والتكامل، وتضع الكويت ودول الجوار في مقدمة الأولويات. وفي هذا الإطار، فإن التعامل مع ملف خور عبد الله يجب أن يكون انعكاساً لهذه الروح الجديدة: روح الشراكة لا المواجهة، والواقعية لا الشعبوية. العراق اليوم لا يحتاج إلى صراعات قانونية أو لغوية، بل إلى موقف سيادي ناضج يوازن بين احترام التزاماته الدولية، وحماية مصالحه الوطنية، وتكريس حضوره القوي كركيزة للاستقرار في الخليج والمنطقة.