صواريخ للقسام بأسماء شهداء الضفة… صورة جديدة للحرب النفسية
تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT
تشهد الحرب النفسية بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل تصعيدا ملحوظا، تجلت آخر ملامحه في نشر الجيش الإسرائيلي صورا لصواريخ قبل قصف قطاع غزة بها مدون عليها أسماء نشطاء أجانب وعرب عرفوا بانتقاد تل أبيب.
فيما ردت كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس، بنشر صور لقذائف صاروخية أطلقتها باتجاه إسرائيل مدون عليها أسماء شهداء من الضفة الغربية استشهدوا أثناء مقاومتهم للاحتلال الإسرائيلي.
ويتبادل الطرفان، منذ بداية الحرب، هجمات إعلامية في إطار حرب نفسية، حيث تهدف إسرائيل من وراء ذلك، وفق مراقبين، لضرب الحاضنة الشعبية للمقاومة في غزة وزعزعة صمود الشعب والمقاومين.
فيما تهدف المقاومة الفلسطينية من هجماتها الإضرار بالروح المعنوية لجيش الاحتلال وزيادة الضغط الشعبي ضد حكومة بنيامين نتنياهو، فضلا عن رفع الروح المعنوية لأبناء الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية.
ونشرت كتائب القسام أمس صورا لمجموعة من الصواريخ التي تم تجهيزها ضمن رشقة أطلقت باتجاه الأراضي المحتلة عام 48 وقالت في بيان إنها "إهداء لأرواح شهداء الضفة الغربية".
وعلى القذائف الصاروخية، وضعت القسام لافتات دونت عليها أسماء عدد من شهداء الضفة الذين عرفوا بتنفيذ عمليات ضد الاحتلال الإسرائيلي من بينهم "إبراهيم النابلسي، ووديع الحوح، ومحمد كامل الجعبري".
صور إسرائيلية تثير غضب ناشطين
وجاءت هذه المشاهد، بعد يومين من نشر الجيش الإسرائيلي صورا لمجموعة من الصواريخ، دون عليها باللغة الإنجليزية أسماء مجموعة من الناشطين الأجانب والعرب، الذين عرفوا منذ بداية العدوان على غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بانتقادهم للجيش الإسرائيلي بسبب المجازر التي يرتكبها بحق المدنيين بالقطاع، فيما رسموا إلى جانب كل اسم "قلبا".
وأثارت صور الجيش التي تضمنت أسماء نشطاء مثل "أندرو تيت، وجاكسون هينكل، ومحمد حجاب"، استياء وغضب ناشطين عرب وأجانب في تدوينات على منصبة إكس.
وردا على ذلك، حاول مارك ريجيف مستشار نتنياهو، في مقابلة تلفزيونية تبرير ما فعله الجيش من كتابة أسماء شخصيات داعمة لغزة على الصواريخ.
وقال "بعض الجنود كانوا يحاولون أن يكونوا مضحكين أو مبدعين، لكن هذا يعود بنا إلى التاريخ والحرب العالمية الأولى".
مشيرا إلى أنه يعتقد " أن الجنود البريطانيون والأميركيون فعلوا ذلك أيضا".
وفي ملمح آخر لهذه الحرب النفسية، كانت قد نشرت القسام، مساء الاثنين، مقطع فيديو ردا على إعلان الجيش الإسرائيلي اكتشاف نفق كبير للمقاومة في قطاع غزة.
ويظهر في الفيديو، الذي تضمن رسالة من القسام للجيش الإسرائيلي جاء فيها: "وصلتم متأخرين.. المهمة أنجزت"، مقاطع من اكتشاف الجيش للنفق وتجول وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت فيه.
وتتابعت في مقطع الفيديو بعد ذلك مشاهد من معركة طوفان الأقصى التي نفذتها كتائب القسام في المواقع العسكرية والبلدات الإسرائيلية المحيطة بقطاع غزة.
وتضمنت المشاهد عمليات تفجير ضد قوات الاحتلال واختطاف جنود للاحتلال واستهداف آليات عسكرية بقذائف مضادة للدروع، في إشارة إلى أن المهمة التي كان هذا النفق مخصص لها "قد أنجزت".
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
هُويَّتنا التي نحنو عليها
د. صالح الفهدي
في ثلاث فعالياتٍ متتالية: (ملتقى الإرشاد الثاني لوزارة التربية والتعليم، وندوة الإعلام والهوية بجمعية الصحفيين، وجلسة حوارية في جامعة السلطان قابوس)، دُعيتُ للحديثِ عن الهُويَّةِ، والسَّمت العُماني، فما هي المؤشرات التي يمكن التوقُّف عندها إزاءَ هذا الحديث الطاغي عن الهوية، والاهتمام المُتزايد؟!
الهُويَّةُ أولًا هي رأسُ مال كل أُمَّة، فبها تتميَّز، وبها تُعرف، فإِن أصابتها الهشاشة فهي كالغزْل المنكوث، المشعَّث، بعد أن كانت ثوبًا متراصَّ الخيوط، زاهي النسيج، أنيقًا المظهر، وهذا ما حذَّر منه رئيس محكمة سابق التقيتُ به في مناسبة قريبة قائلًا: إن لم نتدارك ما يحدث لهويَّتنا فستنفلتُ منَّا.
هذا هو سرُّ الاهتمام المتزايد بالهويَّة لأنَّ الرشداء من قامات ورموز المجتمع باتوا يُدركون أنَّ المؤشرات الاجتماعية في أصعدةٍ مختلفةٍ تشي بمهدِّدات جسيمة؛ فالأفكار الغَازِيَة تُعيدُ بصمتٍ تشكيل الهويات بعد أن تقوم بتفريغ أوعيتها الثقافية رويدًا رويدًا وذلك من خلال تغيير المبادئ والقيم والقناعات ثم- وبصورة تلقائية- تتغيَّر الأخلاقيات والسلوكيات فيصبحُ الإنسان غريبًا في موطنِ آبائه وأجداده؛ أوليس الذي يتحدَّثُ اليوم باللغة الإنجليزية مفضلًا إيَّاها عن لغته العربية الأم غريبًا في موطن آبائه وأجداده الذين لهج لسانهم بالعربية طوال أدهرٍ مديدة؟!
في إحدى الفعاليات التي أقامتها إحدى الجامعات قالت لي مشاركةٌ: إنَّ أعظم خطر نواجهه هو العولمة، قلتُ لها؛ بل الخطر الأعظم الذي نواجهه هو نحنُ؛ فالعولمة في محصلتها سلَّة ثقافية محشوَّه بمجموعة أفكار إن استطاعت هذه الأفكار أن تخترق عقولنا وتؤثِّر عليها فليس ذلك لقوة نفوذها، وإنما لضعفنا، وهذا ينسجم مع مقولة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما قال ذات يوم لقائدٍ من قادة جيش المُسلمين: إِن هُزمتَ فليس لقوةٍ في عدوك، وإنَّما لضعفٍ فيك!
إننا حين نتخلَّى عن القواعد الأساسية في بناء شخصياتنا، فإنَّ هذه الشخصيات سترضى بكلِّ ما هو هزيل ورخيص، وهذا مؤشِّرٌ على الذلَّة والاستكانة والدنيَّة، أمَّا حين نتمسَّك بكل قيمةٍ عليَّة، وكلَّ خُلقٍ رفيعٍ فإننا سنحصِّن أنفسنا من أي اختراقٍ يريد أن يفرغ عقولنا من محتواه، ليعيد شحنها بما يراه موافقًا لغاياته ومقاصده، وهذا لبُّ الهوية التي يقول عنها المفكر عبدالوهاب المسيري: "الهويَّة الحقيقية لا تقوم على الشعارات؛ بل على إدراك الإنسان لموقعه في التاريخ، ولرسالته في الوجود".
كما أننا حين نسمح للتافهين بأن يُهيمنوا على المشهد الاجتماعي ويقودوا المجتمع إلى بعض المفاهيم التي تتجانس مع مقتضيات الاستهلاك، والسخافة -وهذه وسائل الفكر المُعَوْلَم- فإننا نساعدُ على طمس القدوات الصالحة في المجتمع من جانبٍ آخر دون أن نشعر بذلك، لكن هذا ما يحدث؛ لأننا نمنح المساحة الواسعة من الاهتمام لتافهين في الوقت الذي نسهم فيه على وَأْدِ المُصلحين في المجتمع، والذين لا يقوم أي مجتمع سليم ولا يستمر إلّا بفضل فكرهم، وجهودهم.
مسألة انتباه المجتمع لما يهدِّدُ هويته هي مسألة مهمة جدًا، ومؤشِّر إيجابي على وعيه، ولكن في المقابل لا يجب أن يكون هذا الانتباه متوقفًا عند حدود التذمُّر والشكوى؛ بل يجب التحرُّك عمليًا ببرامج ما فتأنا ندعو لها منذ سنوات؛ لأن العمل الثقافي يحتاجُ إلى جهدٍ كبيرٍ مصاحبٍ بصبرٍ، ونفاذِ بصيرة.
علينا أن نبقى مُنتبهين، كانتباهةِ حُرَّاس الثغور، في الوقتِ الذي نعمل بلا كللٍ أو مللٍ من أجل تحصين هويَّاتنا بما يُبقيها قوية أمام كل ريحٍ عاتيةٍ تريد اقتلاعها من الجذور.
رابط مختصر