رنا العفيف مواقف جمة أطلقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في الذكرى السنوية السابعة عشر لانتصار تموز عام ٢٠٠٦ ، كيف يترجم هذا الخطاب في الإطار الشامل من الناحية الاستراتيجية وما تحمل من ابعاد تحليلية على أرض الواقع ؟ طبعا حرب تموز لم تكن حرب عادية بين قوتين على جغرافية محدودة ، لاسيما أن أبعادها الاستراتيجية كانت واضحة لتحديد مصير مستقبل المنطقة ليس فقط على لبنان ،إذ أفرزت معادلات حاكمة لا زالت تواكبها المقاومة عن كسب وترصد دقيق لمجريات الحرب مع اسرائيل وما طمح إليه وفشل بذلك ، لأن نتاج معادلات الردع لا زالت استراتيجيا تحكم منطوق الصراع حتى يومنا هذا ، فكان للعناصر الموجودة التي خطتها المقاومة مع العدو الاسرائيلي وتحديدا على ساحة الصراع ، كان لها فوائد وانجازات تراكمية دخلت على خط قواعد الاشتباك من خلال واقع الردع الذي تعيشه اسرائيل ، أي عندما هدد بإزالة الخيمتين ثم تراجع عن تهديده ، يؤكد أن عملية حرب تموز لليوم لها تأثير شامل لا زالت تلقي بظلالها كنقطة بداية تحول جديد لخط بياني تتلمسه المقاومة والشعوب العربية والإسلامية عند تراجع قدرة تأكل الردع الاسرائيلي من الناحية الأمنية ، لطالما وضع السيد خيارات حرب تموز ضمن أطر الاستراتيجيات وما تحمل من أبعاد تتعلق بمستقبل ومصير المنطقة كنظرة واقعية صحيحة منطوقة على ساحة الصراع مع فعالية الردع القائمة مقابل حالة رعب كبيرة لدى الجانب الاسرائيلي .

وهذا طبعا وفق المنظور التحليلي  يعني ويؤكد أننا ما زلنا نعيش لحظة انتصار تموز كما أيضا هي مستمرة على باقي الجبهات التي لا تقل أهمية عن الجبهة العسكرية في ظل الواقع الميداني بكل معطياته ،خاصة وأن انتصار تموز شكل تحول جذري وعميق في مسار الصراع والمواجهة في حينها لماذا؟ لأن قرار الحرب كان اميركيا والتنفيذ اسرائيليا في ذلك الحين، وعلى أثر ذلك كانت نتيجة حرب تموز هي  تغيير مفهوم الردع كما وهي بداية التحولات السياسية والاستراتيجية على هزيمة الاسرائيلي في جنوب لبنان ،أي ما قبل التاريخ ليس كما بعده ،إذ رأينا تغيير وجهة المنطقة التي أريد لها شكلا وهوية استباقية جديدة بقرار اميركي اقليمي إن صح التعبير واسرائيلي ، فكانت لحظة مفصلية تاريخية حددت المقاومة وجهة  خياراتها الاستراتيجية وسقط المشروع الاميركي والاسرائيلي تحت أقدام محور المقاومة ، بعد أن اتخذت محاور أبعادها  تشكيلات في محور كامل من ايران إلى لبنان وفلسطين والعراق وسوريا واليمن تحت راية النصر  بخطوات استباقية في قلب خط المعادلات وما يليه من استراتيجيات خاصةلحزب الله في ذروة صعوده وكان له تأثيرا بالغ الأهمية كقوة متراكمة بدأت من تموز لتفرز انتصارات متلاحقة على الجبهات الأخرى  ولاحقا ستتبلور انجازات عالية التصنيف ، وبالتالي كانت حرب تموز محطة تأسيسية في تاريخ المقاومة على امتداد الاقليم والسلاح والسياسة والثقافة لها مد توعوي فردي مجتمعي ،بعد أن أراد الاسرائيليين إنهاء المقاومة ،فكان الأمر عكس ماأرادوه ،أي مخاض تموز يعزز الشعوب بقوتها وصلابتها ،حتى بات محورا يواجه اسرائيل في جبهات يتوقعها وجبهات ظنها بعيدة وأمنة أمام مطامعه ، فكان ما ينتظره  يقلقه ويسبب له إرباكات على مستوى أمني واستخباراتي أي أن أي  معركة جاهزة بمختلف انواع السلاح والقدرات القتالية سيؤدي  لضرب العمق الاسرائيلي ،قد يدرك هذا خبراء العلوم العسكرية أن حرب تموز شكلت مدخلا  وبوابة مفتوحة لا تراجع عن إغلاقه ،لا سيما في المشهد العسكري وأبرز نتائجه على صعيد المواجهة الشاملة التي ربما من شأنها فرض معادلات جديدة قوامها وحدة الساحات وترابطها من خلال ما تسعى إليه ايضا المقاومة الفلسطينية وكذا تثبيت معادلاتها وفرضها على اسرائيل بدءا من معركة سيف القدس  وصولا إلى مخيم جنين ، وبالتالي هذا سيترك أثر على معضلة الصراع الواقع بين حزب الله واسرائيل وقد يوصله إلى حالة عدم اليقين أمام استمرار المقاومة الفلسطينية واللبنانية وقد تؤدي إلى مواجهات قد تتدحرج للتصعيد لتشمل ساحات المقاومة الأخرى .. أما فيما يتعلق بالرسائل الأسياسية إزاء مواقف الأمين العام لحزب الله السيد نصر الله ، فهي ملفتة وبارزة بالعناوين العريضة وفيها أن شباب المقاومة لديهم توجيه بالتصرف إذا وقع اعتداء اسرائيلي على الخيمة المنصوبة عند الحدود الجنوبية ، وفيها أن المقاومة قادرة على استعادة الجزء اللبناني المحتل من قرية الغجر ،بكل تأكيد الرسائل كانت موجهة للداخل وللخارج ، إذ تحدث السيد عن صمت المجتمع الدولي عن كل الاعتداءات الاسرائيلية الحدودية والذي طبعا تحرك سريعا بعد نصب المقاومة خيمة عند الحدود ، وهذا يترجم إلى أن الحرب بين لبنان واسرائيل قد تستخدم فيها كل الوسائل ،بالرغم من الاسرائيلي يمنع تعاظم قوة المقاومة ، إلا أن تأكيد السيد على عدوان ال ٢٠٠٦ كان سحق المقاومة وإخضاع لبنان ، لكنه شدد على انتصار تموز التي لها أسس لمعادلة الردع التي مازالت قائمة حتى اليوم ، وبالتالي هذة المعادلة هزمت اسرائيل العظمى ومعها مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي سقط في لبنان  ويتبع ذلك استكمالا لباقي الجبهات في فلسطين والعراق وسوريا وايران بالتصميم على رؤية استراتيجية ربما مقرونة بواقع عملي وعلى مستوى الجهوزية من خلال المقاومة وربط مجريات الخيمتين كبداية خطوة على أي تطور قد يحصل ، وهنا ربما ليس بمقدور اسرائيل خوض المعركة لاسباب داخلية هشة متأكلة ،ولكن قد يكون واقع اي تطور أو حدث محسوب له حساب إذا ارتكبت اسرائيل حماقة وعليها أن تتحمل نتائج غطرستها اللامبالاة مع الأخذ بعين الاعتبار أن قرية الغجر مفصولة عن مزارع شبعا وهذا يجب أن يأخذ بعين الاعتبار لدى الاسرائيلي الذي لا يستطيع أن يأخذ فرار إخلاء خيمة دون القرار الاميركي .. كاتبة سورية

المصدر: رأي اليوم

كلمات دلالية: حرب تموز

إقرأ أيضاً:

من مكة إلى الكرامة… الرصاصة التي أصبحت جيشًا

صراحة نيوز ـ بقلم: جمعة الشوابكة

في العاشر من حزيران من كل عام، لا يمرّ اليوم على الأردنيين مرور الكرام، بل ينبض التاريخ في وجدانهم من جديد. إنه اليوم الذي تختصر فيه الأمة مسيرتها المجيدة بين سطرين خالدين: الثورة العربية الكبرى التي أطلقها الشريف الحسين بن علي عام 1916، ويوم الجيش العربي الأردني، حين توحّدت البندقية بالراية، والعقيدة بالوطن.

لم تكن الرصاصة الأولى التي انطلقت من شرفة قصر الشريف في مكة مجرد إعلان تمرّد على الحكم العثماني، بل كانت البيان التأسيسي للسيادة العربية الحديثة، وبداية مشروع تحرر قومي لا يعترف بالتبعية، ولا يرضى بأقل من الكرامة. قاد الشريف الحسين بن علي هذا المشروع بوعي تاريخي عميق، وسلّمه لابنه صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن الحسين آنذاك، الذي جاء إلى شرقي الأردن مؤمنًا بأن الثورة لا تكتمل إلا ببناء الدولة، وأن الدولة لا تنهض إلا بجيش عقائدي يحمل راية الأمة ويحميها. وهكذا، وُلد الجيش العربي، من رحم الثورة، ومن لبّ الحلم القومي، لا تابعًا ولا مستوردًا، بل متجذرًا في الأرض والهوية.

كان الجيش العربي الأردني منذ تأسيسه أكثر من مجرد تشكيل عسكري، كان المؤسسة التي اختزلت روح الوطن. شارك في معارك الشرف على ثرى فلسطين، في باب الواد والقدس واللطرون، ووقف سدًا منيعًا في وجه الأطماع والعدوان، حتى جاءت اللحظة المفصلية في معركة الكرامة عام 1968، حين وقف الجندي الأردني بصلابة الرجولة خلف متاريس الكرامة، وردّ العدوان، وسطّر أول نصر عربي بعد نكسة حزيران، بقيادة جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال – طيب الله ثراه – ليُثبت أن الكرامة لا تُستعاد بالخطب، بل تُنتزع بالدم. لقد كان هذا النصر عنوانًا حيًا للعقيدة القتالية الأردنية، القائمة على الانضباط، والولاء، والثبات، وفهم عميق للمعركة بين هويةٍ تُدافع، وقوةٍ تُهاجم.

وفي قلب هذه المسيرة، وقف الشهداء، الذين قدّموا دماءهم الزكية ليظل هذا الوطن حرًا شامخًا. شهداء الجيش العربي الأردني لم يكتبوا أسماءهم بالحبر، بل خلدوها بالدم، في فلسطين، والجولان، والكرامة، وفي كل ميدان شريف رفرف فيه العلم الأردني. لم يكونوا أرقامًا في تقارير، بل رسل مجدٍ وخلود، يعلّموننا أن السيادة لا تُمنح، بل تُحمى، وأن كل راية تُرفع، تحمل في طياتها روح شهيد.

ومن بين هؤلاء، كان جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال – رحمه الله – أول القادة الذين ارتدوا البزة العسكرية بإيمان وافتخار. تخرّج من الكلية العسكرية الملكية في ساندهيرست، وخدم جنديًا في صفوف جيشه، ووقف معهم في الخنادق، لا على المنصات. كان القائد الجندي، الذي يرى في الجيش رمزًا للسيادة، وركنًا من أركان الدولة، وظل يقول باعتزاز: “إنني أفخر بأنني خدمت في الجيش العربي… الجيش الذي لم يبدل تبديلا.” فارتقى بالجيش إلى مصاف الجيوش الحديثة، عقيدةً وعتادًا، قيادةً وانضباطًا، ليبقى المؤسسة التي لا تتبدل ولا تساوم.

واليوم، يواصل المسيرة القائد الأعلى للقوات المسلحة الأردنية، جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم – الملك الممكِّن والمعزّز – الذي تربّى في صفوف الجيش، وتخرّج من الميدان قبل أن يعتلي عرش البلاد. يرى جلالته في الجيش العربي الأردني شريكًا استراتيجيًا في بناء الدولة، لا مجرد مؤسسة تنفيذية. ولهذا، شهدت القوات المسلحة في عهده قفزة نوعية في الجاهزية القتالية، والتحديث، والتسليح، والتعليم العسكري، حتى أصبح الجيش الأردني عنوانًا للانضباط والسيادة الإقليمية والإنسانية، وصوت العقل في زمن الفوضى.

ويأتي تزامن يوم الجيش مع ذكرى الثورة العربية الكبرى تتويجًا لهذه المسيرة، ليس كمجرد مصادفة تاريخية، بل كتجسيد حي لوحدة الرسالة، واستمرارية المشروع الهاشمي، من الشريف الحسين بن علي، إلى الملك المؤسس عبد الله الأول، إلى الملك الباني الحسين بن طلال، إلى جلالة الملك الممكِّن والمعزّز عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم. فهذه ليست محطات منفصلة، بل خط سيادي واحد، يبدأ بالتحرر، ويُترجم بالجيش، ويُصان بالسيادة. لقد بقي الجيش العربي منذ نشأته على العهد، حاميًا للوطن، وحارسًا للهوية، ودرعًا للشرعية، لا يُبدّل قسمه، ولا يخون ميثاقه.

في العاشر من حزيران، لا نحتفل فقط، بل نُجدد القسم: أن هذا الوطن لا يُمس، وأن هذه الراية لا تُنكّس، وأن هذا الجيش لا يُكسر. من مكة إلى الكرامة، الرصاصة أصبحت جيشًا، والجيش أصبح عقيدة، والعقيدة أصبحت وطنًا لا يُساوم على كرامته، ولا يُفرّط بذرة من ترابه.

مقالات مشابهة

  • دلالات استخدام الأرقام في خطاب السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي
  • رؤية الحج الإنسانية التي تتسع للعالم أجمع
  • المصري الوحيد.. أزهري يفوز في مسابقة القرآن لحجاج بيت الله الحرام
  • من عين التينة... سلام عن محمد رعد: أهلا وسهلا فيه وبالحزب
  • جشي: العدو الإسرائيلي لا يفهم إلا لغة القوة
  • الحاج حسن ينتقد التركيز على سلاح المقاومة: أين السيادة من الجرائم الإسرائيلية؟
  • الخطيب: نحذّر ابناءنا من استعمال السلاح لانه ليس للداخل بل لمحاربة العدو
  • الدرقاش: القوى التي حاربت الدواعش تنتمي لمصراتة وليست مليشيا الردع
  • من مكة إلى الكرامة… الرصاصة التي أصبحت جيشًا
  • وزير الإعلام يلتقي القائم بالأعمال في بعثة الاتحاد الأوروبي لدى سوريا