أوراسيا ريفيو: حرب غزة أطاحت باتفاقيات أبراهام.. ومصر والأردن قد يلغيان السلام مع إسرائيل
تاريخ النشر: 24th, December 2023 GMT
بعد مضي "اتفاقات أبراهام" للتطبيع بين دول خليجية وعربية ودولة الاحتلال الإسرائيلي قدما، برعاية أمريكية، وبينما كانت واشنطن تستعد للاحتفال بانضمام السعودية لتلك الاتفاقات وتدخل الهند كطرف اقتصادي فيها، جاءت الحرب في غزة لتطيح بالورقة من على الطاولة، وربما تدفع تداعياتها المستمرة مصر والأردن، أول دولتين أبرمتا اتفاقا مع إسرائيل، لمراجعة تلك الاتفاقيات أيضا.
ما سبق كان خلاصة تحليل كتبه الصحفي والمؤرخ الهندي فيجاي براشاد في موقع "أوراسيا ريفيو"، قائلات إن غزة جعلت الإدارة الأمريكية تشعر الآن بقلق عميق من انهيار أجندتها برمتها في الشرق الأوسط.
اقرأ أيضاً
لضمان مكاسب لطرف ثالث.. السعودية ستؤجل التطبيع مع إسرائيل
تسارع عجلة التطبيعوحتى أشهر قليلة مضت، كان كبار المسؤولين في الولايات المتحدة يتباهون بمناوراتهم السياسية لحمل الدول العربية على تطبيع العلاقات مع إسرائيل وتخفيف نفوذ الصين في المنطقة.
ويضيف الكاتب: لقد انهارت كل هذه المخططات على أنقاض حملة القصف الإسرائيلية العدوانية ضد الفلسطينيين في غزة، والآن، يبدو أن جميع الهياكل التي أنشأتها الولايات المتحدة ــ بدءاً باتفاقات أبراهام ــ فقدت صلابتها.
ويتابع: بينما كانت القضية الفلسطينية قد بدأت تنجرف بعيداً عن رادار الدول العربية، فإن هذه القضية عادت مجددا الآن إلى المركز بسبب ما حدث في 7 أكتوبر/تشرين الأول وتداعياته.
لم يكن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مهتمًا أبدًا بالقانون الدولي أو تعقيدات الدبلوماسية، يقول الكاتب.
وفيما يتعلق بإسرائيل، كان ترامب واضحًا في رغبته في تسوية الصراع مع الفلسطينيين - الذين بدوا أضعفتهم السياسة الإسرائيلية المتمثلة في الاستيطان وعزل غزة - لصالح تل أبيب.
وفي يناير/كانون الثاني 2020، أصدر ترامب خطته المسماة "السلام من أجل الازدهار"، والتي تجاهلت فعليًا ادعاءات الفلسطينيين وعززت دولة الفصل العنصري الإسرائيلية.
نقل ترامب السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، وهي خطوة مركزية لماواجهة طموحات الفلسطينيين باسترداد سيادتهم على المدينة.
اقرأ أيضاً
استطلاع رأي: 96% من السعوديين يعارضون التطبيع مع إسرائيل
اتفاقيات أبراهاموبعد بضعة أشهر، أعلن ترامب عن اتفاقيات إبراهيم، التي كانت عبارة عن مجموعة من الصفقات الثنائية بين إسرائيل وأربع دول (البحرين والمغرب والسودان والإمارات العربية المتحدة).
وعدت هذه الاتفاقيات بمواصلة عملية التطبيع بين الدول العربية، وهي العملية التي بدأت مع مصر عام 1978 ثم الأردن عام 1994.
وفي يناير/كانون الثاني 2023، دفعت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن هذا الزخم إلى الأمام من خلال إنشاء مجموعة عمل منتدى النقب التي وقد جمعت هذه الدول (البحرين ومصر والمغرب والإمارات العربية المتحدة) مع إسرائيل في منصة "لبناء الجسور" في المنطقة.
وفي الواقع، كان هذا المنتدى جزءًا من المشروع الشامل لقيادة عملية قيام الدول العربية بإقامة علاقة عامة مع إسرائيل.
وما استعصى على إسرائيل والولايات المتحدة هو المملكة العربية السعودية، وهي دولة ذات نفوذ كبير في المنطقة.
وكانت التقديرات في واشنطن وتل أبيب تشير إلى أنه إذا انضم السعوديون إلى هذه العملية، وإذا انضم القطريون، فإن القضية الفلسطينية سوف تتضاءل بشكل كبير.
الهند أيضاوفي يوليو/تموز 2022، ذهب بايدن إلى القدس ليجلس بجانب رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد لاستضافة اجتماع افتراضي مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ورئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد.
وفي هذا الاجتماع، أعلن الرجال الأربعة عن إنشاء "i2u2"، أو منصة للمشاريع التجارية التي سيتم تطويرها بشكل مشترك من قبل الهند وإسرائيل والإمارات والولايات المتحدة.
وقد أدخل هذا البرنامج الهند مباشرة في خطط تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية.
وفي العام التالي، على هامش اجتماع مجموعة العشرين في دلهي، أعلن العديد من رؤساء الحكومات عن إنشاء الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC).
اقرأ أيضاً
مودرن دبلوماسي: رغم حرب غزة.. السعودية أكثر حرصا على التطبيع مع إسرائيل
اقتراب تطبيع السعوديةوكان لهذا الممر نية معلنة تتمثل في الاعتراض على مبادرة الحزام والطريق التي تقودها الصين، فضلاً عن كونه أداة لإدخال المملكة العربية السعودية في حملة التطبيع مع إسرائيل.
وبما أن السعودية وإسرائيل ستكونان جزءًا من هذا الممر، فإن ذلك يعني اعتراف المملكة بحكم الأمر الواقع بإسرائيل.
وبدأ المسؤولون الدبلوماسيون الإسرائيليون بالسفر إلى السعودية، مما يشير إلى أن التطبيع كان واردًا، لا سيما بعد أن قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لقناة "فوكس نيوز" في سبتمبر/أيلول 2023 إن التطبيع "بات أقرب".
ويقول الكاتب: لقد أوقفت الحرب في غزة العملية برمتها، وباتت السعودية تطالب بإصرار بوقف إطلاق النار، ورغم أن ولي العهد السعودي أشار لإمكانية استئناف جهود التطبيع بعد الحرب، إلا أن الأصوات غاب عنها الحماسة والجدية.
اقرأ أيضاً
تعطل بمحادثات اليمن ووقف التطبيع مع إسرائيل.. حرب غزة تقلب الخطط الاستراتيجية السعودية
جبهات جديدةوبعد انفتاح جبهات جديدى للقتال، في جنوبي لبنان من قبل "حزب الله" والبحر الأحمر ومضيق باب المندب من قبل الحوثيين في اليمن، باتت الأمور أصعب، يقول الكاتب.
لقد بعثت تصرفات "حزب الله" والحوثيين برسالة إلى العواصم العربية مفادها أن بعض القوى السياسية على الأقل مستعدة لتقديم تضامن مادي مع الفلسطينيين. وهذا سوف يلهم السكان العرب لممارسة المزيد من الضغط على حكوماتهم، يقول الكاتب.
ويضيف، مختتما تحليله: يبدو أن التطبيع مع إسرائيل أصبح خارج الطاولة، وإذا تصاعدت هذه الضغوط فإن دولاً مثل مصر والأردن قد تضطر إلى إعادة النظر في معاهدات السلام المبرمة بينهما.
المصدر | فيجاي براشاد / أوراسيا ريفيو - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: اتفاقيات أبراهام التطبيع تطبيع الخليج تطبيع السعودية الممر الاقتصادي حرب غزة حزب الله الحوثيين التطبیع مع إسرائیل الدول العربیة اقرأ أیضا
إقرأ أيضاً:
حتى نحن نجهل إيران أيضا
في ظل الأوضاع السياسية الراهنة التي يمر بها محيطنا الإقليمي نلجأ إلى كنف الأدب لمحاولة فهم سياق الصراع والعنف المستشري لدى البعض الواقعين تحت سطوة الأيديولوجيا، وأحيانا نلوذ بالأدب كإعلان تضامن مع الشعوب التي تتعرّض للتدمير والقتل؛ نتيجة لوقوفها مع القضايا الإنسانية العادلة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
لذلك فإن تضامننا -أضعف الإيمان- مع الشعب الإيراني جعلنا نلتفت إلى الثقافة الإيرانية؛ للتعرف على سر مكونات الشعب الصامد والمبدع والوطني أيضا؛ إذ عبّر العديد من المثقفين الإيرانيين المختلفين مع النظام، أو بعض المعارضين له عن وقوفهم ضد الهجمات الأمريكية والإسرائيلية على الأراضي الإيرانية، وإدانتهم لما يتعرّض له الشعب الإيراني من قصف وتدمير.
هذه الأيام قرّبتنا من السينما الإيرانية التي تُعد العمود الفقري للفن الإيراني الباهر. كما اطلعنا على المتوفر من الأدب الإيراني المترجم إلى العربية، ونعترف بالقصور على التأخير في الالتفاتة إلى هذه الثقافة المجاورة؛ للتعرف أكثر على الإنسان والمكان في تلك المنطقة.
شاهدتُ بعض الأفلام الإيرانية المتاحة على الإنترنت مثل فيلم (أبناء السماء) و(إخوة ليلى). كما اطلعت على الروايات التي كتبها أدباء إيرانيون، مثل الكاتب والروائي أمير حسن جهلتن (1956) الذي سبق أن قرأت له روايته البديعة غرام في القاهرة، وكتبتُ عنها في هذا العمود. فالمهندس المولود في طهران بدأ بنشر أعماله الأدبية أثناء دراسته الجامعية، وكانت عبارة عن مجموعتين قصصيتين. وعندما كتب الرواية مُنع عمله الأول «رثاء القاسم»؛ لأن البطل ينتمي «لفدائيي خلق» المحظورة في الجمهورية الإسلامية. أصدر جهلتن عدة روايات منها «قاعة المرايا» 1991، و«نبات المحبة» 1999، و«عشق وسيدة لم تكتمل» 2000، لكن أعماله الأهم التي اشتهرت وطبعت خارج طهران هي ثلاثية طهران «طهران مدينة بلا سماء» و«طهران شارع الثورة»، و«طهران آخر الزمان»، والعديد من الأعمال الأدبية الأخرى.
صدرت رواية خطاط أصفهان عام 2015، وترجمها عن الفارسية المترجم غسان حمدان، ونشرتها دار سؤال عام 2023. وتدور أحداثها في مدينة أصفهان عاصمة الدولة الصفوية قبل سقوطها عام 1722م في أيدي قبائل الباشتون الأفغانية، بعد حصار استمر ما يقارب نصف السنة، تعرضت خلالها المدينة إلى مجاعة قاتلة، وانتشار مرض الطاعون.
تبدأ الرواية بافتتاحية خبر انقضاء فترة عزاء والد السارد الذي لا نعرف اسمه؛ إذ توقف عن الحديث بمجرد حصوله على مخطوط قديم في صندوق والده المتوفى، لينوب عنه اللهيار حفيد أشهر خطاط في أصفهان. طعّم الكاتب مقدمة الرواية بمعلومات مشوقة تحبس القارئ بين صفحات الرواية حتى نهايتها، وهذا أسلوب يتمتع به الكاتب جهلتن. وقد سبق الإشارة إلى ذلك عند الحديث عن روايته غرام في القاهرة.
فالراوي الذي وجد مخطوط شجرة العائلة المكتوب عام 1850م، يخبر زوجته أنه اكتشف أن هناك دماء فرنسية في دمه، ولكنها ردت عليه «أنا متيقنة أن كثافة تلك الدماء لا تبلغ دم العرب والأتراك والمغول»؛ كرمزية للتقارب بين الأعراق في تلك المنطقة.
كانت الوثيقة التي حملت متن الأحداث تشير إلى مجيء الوفد الفرنسي إلى إيران «في أوائل القرن الثامن عشر كانت ماري بيتي قد أوفدت إلى بلاط إيران مع وفد فرنسي بأمر من ملك فرنسا لويس الرابع عشر، ومع أنها لم تكن تملك أي منصب واضح في ذلك الوفد إلا أنها كانت تقدم نفسها بوصفها ممثلة عن أميرات فرنسا». وكان اللهيار (الذي تولى سرد الحكاية) قد اكتشف سر لوحة المرأة الإفرنجية التي وضعته، ثم تخلت عنه ورجعت إلى باريس مثلما أخبره جده عن اقتراب أجله.
بعد ذلك تبدأ الأحداث في التصاعد على خبر بداية محاصرة الأفغان للمدينة التي بدأت تتلاشى فيها عناصر الأمان والاطمئنان، فبدأ الناس بتجميع المؤن، وظهرت بوادر المجاعة التي قضت على خطاط أصفهان الشهير المهتم بكتابة الشاعر جلال الدين الرومي، وتحمّل في ذلك مشقة الازدراء من قبل السلطتين السياسية والدينية؛ إذ كان ينبذ التعصب المذهبي والطائفي، ويشيع المحبة بين الناس.
لا يمكن اختزال الرواية في المعاناة التي تعرّض لها المحاصرون والجياع، وهو مشهد يُذكّرنا بما يحدث الآن في غزة. ولكن رواية «خطاط أصفهان» تتعمق في تفاصيل الفترة الزمنية التي تتحدث عنها أيام الدولة الصفوية من صراع طائفي وتشدد مذهبي. في النهاية يتوصل القارئ الحصيف للرواية إلى فهم العبارة التي ذكرها السارد في مقدمة الرواية «مع أننا إيرانيون لكننا لا ندري بالضبط ما يعني أن نكون إيرانيين؛ فهذا الأمر لغز بالنسبة لنا. كما أن الاستمرار التاريخي لهذه البلاد سر في حد ذاته». وهنا نتفق مع السارد أننا أيضا نجهل الكثير عن الثقافة الفارسية التي تقترب مع الثقافة العربية أكثر مما تبتعد.